مجلة الرسالة/العدد 996/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 996/البريد الأدبي
رسالة في أدب البشري
تلقيت عن طريق صحيفة (المصري) الغراء كتابا من الأستاذ جمال الدين الرمادي يقول فيه انه بعد رسالة جامعية عن المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري للحصول على إجازة (الماجستير) ويستفسرني عما نشرته قبل سنوات في (الرسالة) عن شعر الشيخ البشري الذي كان ينشره في صحيفة (الظاهر) التي كان يصدرها المرحوم محمد أبو شادي بك
وكنت أريد أن أجيب الكاتب الفاضل برسالة خاصة لولا أني افتقدت كتابه خلال إقامتي في المصيف برمل الإسكندرية، ومن ثم أتبهم على عنوانه الذي طلب إلي أن أكتب إليه بوساطته.
والذي سمعته من شيخنا البشري عام 1934 أنه كان يقول الشعر وينشره في بعض الصحف ومنها جريدة الظاهر، على أن ما نشره في تلك الصحيفة لم يكن يعدو - فيما يظهر - هجاء الشيخ علي يوسف صاحب المؤبد - رحمه الله - أيام قضية الزوجية المشهورة عام 1904 ولو رجع الكاتب الفاضل إلى مجموعة الظاهر في تلك السنة لوجد عندها الخبر اليقين. فإذا غم عليه الأمر فإني انصحه بالرجوع إلى الكاتب اللغوي الأستاذ محمد شوقي أمين المحرر في مجمع فؤاد الأول للغة العربية فهو حجة في أدب البشري إذ كان يملي عليه مقالاته في أخريات أيامه.
والذي أعرفه من طبيعة الشيخ البشري أنه لم يكن يعنى بجمع ما ينشره في الصحف الدائرة، ولقد عهد - رحمه الله - إلى كاتب هذه السطور وبعض إخوانه في جمع المقالات التي احتواها فيما بعد كتابه (المختار).
وبعد، فأحب أن اشكر الأستاذ جمال الدين الرمادي حسن ظنه بصاحب هذا القلم الضعيف، وارجوا أن يوقفه الله لنشر أدب البشري قبل أن يعفى عليه الزمان.
منصور جاب الله
تحية طيبة
قرأت بالعدد 993 من الرسالة الغراء بحثا موضوعه (جحا القاضي) للأستاذ عطا الله ترزي باشى جاء فيه ما يأتي: -
(ولئن كان جحا ضحكة بين الناس فإنه لم يكن صاغرا أو مهانا راضيا بالذل والضيم) وجاء الشرح بالحاشية لكلمة (ضحكة) هكذا: -
(هو من يضحك على الناس ويضحك الناس عليه) ونحن نتساءل أيريد الأستاذ الكاتب كلمة ضحكة (بفتح الحاء المهملة أم بسكونها؟) إن كان الأولى فالشرح الذي أورده على هذا في الحاشية خاطئ لا يستقيم وكذلك الأمر إن أراد الثانية.
تقول العرب ضحكة بضم ففتح لمن يضحك عليه الناس. وتقول ضحكة بضم فسكون لمن يضحك عليه الناس، ويكون الأستاذ على هذا قد أتى بشرح لا يخضع تحته أحد اللفظين.
قال ابن السكيت في الإصلاح والتبريزي في تهذيبه (إعلم أن ما جاء على فعله بضم للفاء وفتح العين من النعوت فهو على تأويل فاعل وما جاء منه على فعله ساكن العين فهو في معنى المفعول) وجاء بالمقامة الثالثة والعشرين (الشعرية) للحريري:
وإني لأكره أن تشيع فعلته بمدينة السلام. فأفتضح بين الأنام. وتحبط مكانتي عند الأمام. وأصير ضحكة بين الخاص والعام. . .) أي يضحك علي.
خميس محمد إبراهيم
على هامش الحياة - رسالة
(وبعد) فقد حدثتني نفسي أن اخط إليك هذه الرسالة، وقطعت الإحجام والإقدام شوطا بعيداً، وكاد يقعد بي عنها أني كتبت إليك مثلها يوما، فما حققت غرضا، ولا أصبت هدفا، وواجهتني حين التقينا بالصمت، فلم أدر مخبوء سرك، ولم أتكشف وقعها على نفسك، وظلت على خطتك في الحياة، لا تبالي نصيحة، ولا تحفل بتسديد، وكاد يقعد بي عنها ثانيا أن موضوع الحديث شائك، وقد أكون فيه متهما، وربما وصمتني فيه بالحيف أو التحيز، أو ما يحلو لك أن تسميه، ويشهد الله أن باعثه هو الشعور الأخوي الذي يوحد بيني وبينك، فمرد هذه الرسالة إلي، وإن توجهت. وما أخال واحداً منا يرضى أن يحايد أخاه أو يقنع منه باللقاء والافتراق، والتبسيط في الحديث، والجهد في الابتسام، وستر الخواطر، ولست أملك نفسي أن سلط عليك لسان أجنبي، أو نال منك نائل حقد ممن انقطعوا دون غابتك، وانبهروا عن اللحوق بك، لست أملك نفسي أن أثور لك فأفقد أصدقائي، وأستهدف لملام الناس وتقريعهم، وخير لي ولك وللناس جميعا، أن تلقي إلي سمعك وتبذل من وقتك بمقدار ما تنظر في هذه الرسالة، فلعله أن تلتقط من بينها ما يضئ لك السبيل، فتمضي حيث يمضي الناس، لا تخلد إلى الأرض، أو تحيا في السماء وانه ليطفئ علي شعورك بأنك ربما أزريت بي وبقلمي وبسائر منهجي، فقد جلست مني يوما مجلسا فيه طائفة من الاتهام، وكثير من الحيف وخشيت على نفسي أن أكون كما جردتني من كل محمدة، وألصقت بي كل مذمة، وقمت خزيان من ترادفك وإطرادك، ولا أبرئ نفسي من المساقط والمزالق؛ فيما في الحياة من برئ من الذنب، وخلص من العيب، ولا حملت لك نفسي غيظا، أو ما يشبه الغيض، لأنك أخي، وما يمكن أن يريد أخي إلى إحراجي، أو إغاظتي أو النيل مني، أو الزراية بي، وأنت تفهم عني هذه الحقائق سافرة واضحة، وربما كان هذا هو الذي دعاك إلى الثورة علي بالأمس، كما أثور أنا عليك اليوم، ولا احب أن أتميز عليك في خليقة، أو أفظلك في مكرمة. هي مسائل من هامش الحياة ولكنها ترمى إلى الصميم، وقد تعدها أنت تافهة، ولكنها في اعتباري جسيمة، وهي لا تخصني أنا، فمن خلقي التسامح والعفو والإغضاء، ولكنها تمس أشخاص يمتون إلي بسبب، وهم يدققون في مسائل الحياة، بما لا يستوجب العتاب، لان ذلك منهج البشر، وما بد من الخضوع لهذا القانون، وقد تجنيت عليهم، وتخدعك نفسك أن رائدك الحق، وما سواء الباطل، وأنا وهم وسائر الناس لا نراه ألا تعنتا وشططا، ومبعثه الخيال، ومرده إلى الجور والتحيف. . إنها مسائل مما أراه يدنو من فهمك، ولا تقتصر عنه يدك، ولا يعوزك أن تفهم أن سوء الظن في أقوال الناس وأفعالهم يكاد يملك عليهم أسماعهم وأبصارهم، ويأخذ عليهم مسالك التعقل، فلا يدع للهدوء إلى أنفسهم طريقا، فإن رأيت ألا تضع نفسك مواضع التهمة، وتعلم أن هذا المجتمع البشري، يقتضيك أن تفهمه، وتعقل مواجبه، ولا تشذ عنه برأي، أو تنعزل بفكرة، في غير ما استهانة بكرامتك، أو امتهان لشخصيتك، كنت قد حققت أملي فيك، ورأيت أنني رميت إلى غابة، وأصبت في مسعاي، وإن تركت الثغرة تفصل بينك وبين الناس، ورغبت عن حديثي إليك وبرمت بدعوتي إياك أن تجانس الناس في اتجاهاتهم، وتتلاقى وإياهم في أفكارهم، فتجاملهم في غير نفاق، وتقدرهم بلا تكليف، وتأني إليهم الذي يأتونه إليك، فلن تجد مجتمعا راقيا مهذبا يعينك على سلوكك، ويفسح صدره لآرائك، وما شد من عزمي في تحرير هذه الرسالة إليك إلا إنني اعلم فيك استعداداً فطرياً وسماحة، وخلقا، لا يمنعك أن تفيد من التجارب ما دامت شريفة المقصد، نبيلة الغاية، فاسمع يا أخي، ولا تضق بي، أو تمط من فمك، أو تغضن من جبينك، فما أريد ألا الخير. وأعلم أن أحد لم يوح إلي، أو يمل علي، وإنما أنا وحدي الذي ارتأيت كما رأيت؛ أنا وحدي حتى لا أكون سببا في متاعب ذهنية، كلانا في غنى عنها، لأنني أحبك، وأوثرك على سواك، فإن تلاقى رأيانا كان ذلك لي نجاحا، وإن رأيت إنني أبعدت في الفهم، وجرت في الرأي، فأحب شيء إلى نفسي أن تبين ما بصدق اللهجة، ونفاذ البصيرة، وإخلاص الدفاع، وكل ما أهدف إليه ألا أراك موضعا لقالة، أو ظنينا بجور، وهذا ما يعنيني أن أتحدث معك في أمره، أما سائر شأنك، فلا أدس أنفي فيه، لأنه سلوك شخصي قد يكون لك فيه تأويل أو مساغ، ولا أدعي لنفسي عقلا أكبر من عقلك، على كبر في السن، وكثرة في التجارب، وهاأنذا صنعت. . فهل تجد هذه الرسالة منك أذنا صاغية، وقلبا واعيا، فتسوى أمرك، وتدنوا من إفهام الناس، لتتقي أذاهم، وتكتفي من ظنونهم، وإلا فأين هو السلاح الذي أشهره في الدفاع عنك، إن تطاير من أجلك حديث، أو أثير حولك غبار، وسلام عليك.
محمد محمد الأبهشي
إلى الأستاذ حبيب جاماتي
قرأت كتابكم الذي أخيرا في سلسلة كتب للجميع بعنوان (أغرب ما رأيت) فعنت لي بعض خواطر أسجلها فيما يلي: -
1 - حول تجارة الرقيق:
تمنى الأستاذ جاماتي أن يكون تقدم الزمن منذ عام 1930 قد خدم العبيد ضد النخاسين ولا أدري لماذا لم يتتبع الأستاذ الفاضل أخبار تجارة الرقيق بعد هذا التاريخ!!
وبالأمس القريب وفي سنة 1950 اتهم الكاتب الأمريكي لورنس جرسولد اليمن بتجارة الرقيق
فقد كتب مقالاً عنوانه (مازلت تستطيع أن تشتري جارية) وقد نشر هذا المقال في إحدى المجالات الأمريكية ثم نشرته مجلة (وورلد) في عدد سبتمبر سنة 1950 وقد نقلت مجلة الفصول الغراء المقال بأمانة تامة وقدمته إلى قرائها في أقطار الشرق العربي. فانبرى لنقد المقال الأستاذ علي بن الآنسي اليمني وذكر أن اليمن ليس بها أسواق للرقيق. ومع احترمنا لرأيه بصدد اليمن. . وللحقيقة نقول أن كثيرا من المعلومات التي وصلت ألينا تدل على أن تجارة الرقيق لم يقض عليها القضاء الأخير. ولا يسعنا ألا أن نردد المثل العربي (وعند جهينة الخبر اليقين) ولعل تقدم الزمن كفيل بالقضاء على تلك التجارة الشائنة تماما في المستقبل القريب.
2 - حول معجزات الهند:
سألني صديق عزيز وهو بين مصدق ومكذب عن معجزات الهند ولا سيما معجزات الحبل الهندي فقلت له: إن معجزة الحبل رآها ابن بطوطة الرحالة العربي القديم في القرن الرابع عشر الميلادي وعاينها بنفسه بل وذكر خبرها في كتابه عن رحلته المعروفة بتحفة النظار في عجائب الأمصار وغرائب الأسفار
وبعد أفلا كان من الواجب أن يشير الأستاذ جاماتي ولو بكلمة واحدة إلى ابن بطوطة وما شاهده في صدد الحديث عن الموضوع نفسه.
3 - زرافة الباشا أولا:
إن من يقرأ ما كتبه الأستاذ حبيب جاماتي عن المسلة المصرية التي من الأقصر وتقوم الآن في ميدان الكونكورد بباريس قد يظن أن العلاقات لم تتوطد بين محمد علي باشا عاهل مصر الكبير وبين فرنسا ألا في سنة 1830 وهو التاريخ الذي أهدى فيه محمد علي الكبير مسلة الأقصر إلى عاهل فرنسا لويس فيليب. وللحقيقة والتاريخ أقول أن العاهل الكبير تبادل الهدايا مع ملوك فرنسا قبل سنة 1830 واهم هذه الهدايا التي أرسلت إلى فرنسا وكان لها صداها زرافة كانت مناط إعجاب الفرنسيين وعرفت بزرافة الباشا.
فحوالي عام 1835 بسطت مصر سلطانها على الجزء الجنوبي من الوادي وخضعت لها كردفان وأمر والى هذا الإقليم - من قبل عاهل مصر - وهو إذ ذاك مختار باشا الفرسان السودانيين بصيد الزراف وقد استطاع مختار باشا أن يرسل إلى محمد علي الكبير وكان بالإسكندرية في ذلك الحين زرافتين صغيرتين على قيد الحياة0 وقد استطاع دروفيتي قنصل فرنسا في مصر بوسائله الخاصة أن يحصل على إحدى هاتين الزرافتين كهدية لفرنسا من عاهل مصر ولتكون تحت تصرف علماء متحف التاريخ الطبيعي بباريس. وقد وصلت هذه الزرافة إلى فرنسا سنة 1827 وكانت مناط إعجاب الفرنسيين بل وتركت أثر كبير في الأدب الفرنسي في ذلك الوقت. . .
هذه وقد استفاض مسيو جبريل داردو (مدير وكالة الأنباء الفرنسية بالقاهرة الآن) في الكلام عن رحلة زرافة الباشا وعن أثرها في الأدب الفرنسي ودعم بحثه القيم بالوثائق والأسانيد، ويقع هذا البحث في اثنتين وسبعين صفحة من القطع الكبير وقد نشر هذا البحث في عدد يناير سنة 1951 من مجلة
وهي المجلة التي أخذت على عاتقها ذكر وبيان شتى العلاقات التي تربط بين فرنسا والشرق وبخاصة بين فرنسا ومصر.
ومن الأشياء التي أهديت إلى فرنسا كذلك عقب هذه الزرافة المعروفة بزرافة الباشا الزدياك أو دائرة البروج التي كانت بمعبد دندرة. . وأخيرا تأنى مسلة الأقصر التي اهتديت سنة 1830
شفيق احمد عبد القادر