مجلة الرسالة/العدد 997/حلوان المنوفية قويسنا

مجلة الرسالة/العدد 997/حلوان المنوفية قويسنا

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 08 - 1952



للأستاذ أبو الفتح عطيفة

مدينة حديثة. . . يرجع تاريخ إنشائها إلى أوائل هذا القرن، بلدة جميلة تمتاز بطيب هوائها واعتدال مناخها وجفافه. تلك هي حلوان المنوفية أو مدينةقويسنا

تقع هذه المدينة عند خط عرض 30، 30 شمالاً وعلى خط طول 31. 10 شرقا وهي وبلاد مركزها تحتل الجزء الشمالي الشرقي من مديرية المنوفية.

وقد بنيت هذه المدينة في عهد المرحوم عبد الرحيم باشا صبري حين كان مديرا للمنوفيه ولذلك يسمى الجزء الحديث منها منشأة صبري، وقد اختير لبنائها بقعة رملية هي جزء من جبل قويسنا، ووجودها في هذه المنقطة الرملية هو الذي جعلها تشبه حلوان مناخا.

ظهور السلحفاة

يشاهد المسافر من القاهرة إلى الإسكندرية بعد عبوره لجسر بنها وعلى مسيرة خمسة أميال من بنها عدة بقع رملية تنتشر حول مدينة قويسنا شمالا وجنوبا وشرقا، تلك البقع أطلق عليها هيوم اسم ظهور السحلفاة، وهي بقع فريدة في بابها وغريبة في وجودها؛ إذ أنها هي البقع الرملية الوحيدة الموجودة في الدلتا باستثناء منطقة فاقوس.

ويطلق عليها الأهالي اسم جبل، وهذا ليس من الحقيقة في شيء؛ ولكن ندرة رؤيتهم للجبال وللبحار هي التي جعلتهم يتحدثون عن بحر النيل وبحر شبين وجبل بوغوص وجبل قويسنا وغيرها. ذلك أن هذه الجبال لا يزيد ارتفاعها في أعلى جهاتها عن سطح الأرض المجاورة بعشرة أمتار، وهي بهذا ليست جبالا بل ولا تلالا.

وقد حاول الجغرافيون تعليل وجود هذه البقع الرملية في تلك المنطقة واختلفت آراؤهم:

ذهب بعض الباحثين إلى أن هذه (الجبال) كانت جزائر رملية في وسط الخليج الذي تتكون منه الدلتا، فلما ردم النهر بطميه ورواسبه هذا الخليج وكون الدلتا بقيت هذه المرتفعات بعيدة عن أن تغطيها رواسب النهر وظلت قائمة بشكلها الحالي، ويؤيد هذا الرأي عدم وجود أية قواقع بحرية في تلم المنطقة. وأنا أعتقد أن هذا هو أسلم الآراء.

وهناك رأي آخر يذهب إلى أن هذه البقع الرملية هي من عمل النهر، وأن النهر قد قذف بهذه الرمال في أثناء موجة شبابه الأول وتركها في مكانها الحالي.

هذه هي أهم الآراء، ولعل من الخير أن أحاول وصف هذه البقع. وهي تتكون من أربعة أجزاء أو (جبال):

1: جبل قويسنا

وتوجد مدينة قويسنا في شماله ويمتد جنوبا إلى بلدة كفر السيخ إبراهيم وتبلغ مساحته 495 فدانا. وتمتاز رماله بحسن صلاحيتها للاستخدام في البناء، ومن هنا أخذت يد الإنسان تعتدي على تلك المنطقة مما يهدد بزوالها.

وفوق ربوة عالية اختارت وزارة الدفاع مكاناً أعدته ليكون معسكرا للقوات المرابطة التي يجند رجالها من أبناء مديريات المنوفية والغربية والقليوبية. ويمتاز هذا المعسكر بحسن موقعه وجودة هوائه واعتدال مناخه لولا قسوة الحر في أيام الصيف نهارا.

2: جبل بوغوص

وهو أكبرها جميعا وأكثرها ارتفاعا ويقع شرق السكة الحديدية ويمتد من منشاة دملو إلى شرانيس إلى كفور الرمل وتبلغ مساحته 1800 فدان.

وقد جاءته هذه التسمية نسبة إلى بوغوص بك وزير التجارة في عهد محمد على الكبير، فقد أخذ بوغوص بك يعمل على استصلاح هذا الجبل وإعداده للزراعة، ولكن ارتفاعه وتعذر وصول مياه النيل إليه وكثرة تكاليف الري الصناعي قد أدت إلى فشل التجربة.

وقد بنيت فوق ربوة عالية دار كبيرة ما تزال قائمة وتعرف بسراي موريس

وقد اشترى هذا الجبل حديثا ملاك وطنيون أخذوا يعملون على استغلاله وأخذوا في بيع رماله ونقلها حتى ينخفض سطحها إلى مستوى الأرض الزراعية فتزرع.

3: جبل أبو طاقية

وبقع في شمال شرق قويسنا بجوار قرية كفر ابنهس ومساحتي 267 فدانا

وقد اشترى جزءا من هذا الجبل رجل فلسطيني وزرعه فواكه فنمت أشجار البرتقال واليوسفي والليمون الحلو والأضاليا. وقد انتقى المالك بذورا ممتازة فجاءت بخير الثمار، وتنتج تلك المزرعة أنواعا ممتازة جدا من البرتقال واليوسفي والمانجو والليمون.

وقد واجهت المالك مشكلة الري ولكنه تغلب عليها. .

أولاً: حفر ترعة لتصل مياه النيل إلى الحبل.

ثانياً: أقام آلة لرفع المياه إلى أعلى مستوى في الجبل حتى يمكن ري جميع جهاته في سهولة.

ثالثاً: حفر لكل شجرة حفرة كبيرة ملائها بالطمي والردم والسماء فأتاح بذلك لجذور الشجر أن تجد الغذاء الكافي.

رابعاً: أنشأ مساقي صغيرة أو قنوات من الطوب الأحمر والأسمنت أو من المواسير والغاية من ذلك ألا تضيع المياه في الرمال. وهكذا تغلب على صعوبة الري ونمت الأشجار باسقة وجادت بخير الثمر ونجحت التجربة.

وإلى الذين يدرسون مشروعات زراعة الصحراء أقدم تلك المزرعة كنموذج لزراعة الصحراء فعليهم زيارتها والانتفاع بتلك التجربة.

4: جبل سيدي هلال

ويقع قرب بلدة الرمالي وتعرف تلك المنطقة بمنشاة رزق الله وتبلغ مساحتها 30 فداناً. وقد زال معظمها إذ استهلك الفلاحون الرمال في زراعة القطن.

هذه هي المناطق الرملية بقويسنا، ومن العجيب أنها تخلو تماما من الآثار فليست بها آثار للمصريين القدماء ومن جاء بعدهم.

تل أم خراب:

ويقع بجوار قرية مصطاي من ناحية الجنوب وتبلغ مساحته 105 فدادين. وكان يتكون من تراب كفري ويشبه تل أتريب بينها وتل بسطة بالزقازيق، وهو يكون المنطقة الأثرية الوحيدة في تلك المنطقة، وقد زالت هذه المنطقة إذ استهلك الفلاحون ترابها الكفري ثم وضعوا يدهم على الأرض وزرعوها. وما تزال هناك أحجار أثرية بجوار مقام الست فاطمة أم حرب

وبهذه المنطقة جبانة لليهود ما تزال آثارها موجودة مع أن العناصر اليهودية قد انقرضت منها، وهذا يدل على أن تلك المنطقة كانت من أقدم المناطق التي سكنت الدلتا.

منشاة صبري بلدة جميلة تمتاز بروعة مبانيها وبساطتها وحسن تنسيق شوارعها وتخطيطها، وليس ذلك عجيبا فهي حديثة الإنشاء، ومن ثم خططت تخطيطا هندسيا فجعلت شوارعها واسعة مستقيمة لا عوج فيها ولا التواء مما نشاهده في كثير من الدن القديمة التي تمتلئ بالأزقة الضيقة والحواري الملتوية.

ومنازلها جميلة لكل بيت حديقة، وسر ذلك هو اتساع الأراضي وعدم صلاحيتها (فيما مضى) للزراعة.

ومناخ البلدة جميل حقا؛ فشتاؤها دفئ جاف وصيفها لطيف وليله جميل ساحر وهواؤه عليل طيب. وأمطارها قليلة وهي تسقط شتاء كما يحدث في سائر المناطق الجنوبية من الدلتا.

وقد حبب سكني هذه المدينة إلى الناس جمال مناخها فنمت وترعرعت. ويتمنى كثير من الموظفين أن تنقل عاصمة المنوفية من شبين الكوم إلى قويسنا، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:

1: إن شبين الكوم مدينة عتيقة يتغير الزمن ولا تتغير، ويتقدم الدهر ولا تتقدم. وهناك قصة مصرية طريفة ملخصها أن مصريا قديما بعث وأحذ معه دليلا ليطوف بالوجه البحري وليشاهد ما أطرأ عليه من تغيرات. وطاف المصري القديم ودليله ببلاد الوجه البحري حتى إذا وصلا إلى شبين الكوم وهم الدليل بتعريفها أجابه المصري القديم: إنني أعرفها: إنها شبين الكوم.

2: سهولة اتصال قويسنا بعاصمتي مصر القاهرة والإسكندرية، فبينها وبين القاهرة ساعة وبينها وبين الإسكندرية ساعتان تقريبا. أما شبين الكوم فهي مدينة قريبة بعيدة، قريبة لأن المسافة بينها وبين القاهرة قصيرة، ولكنها بعيدة لأن القطار يقطع هذه المسافة القصيرة في ثلاث ساعات وهي مدة تكفي لانتقال الإنسان من القاهرة إلى جدة أو أثينا بالطائرة طبعا.

3: جودة مناخ قويسنا واتساع مساحة الأراضي اللازمة للبناء؛ وقد عطف المفغور له جلالة الملك فؤاد على قويسنا؛ فأمر أن يقف بها القطار الملكي أثناء انتقال جلالته من القاهرة إلى الإسكندرية، ومنذ ذلك التاريخ والقطار الملكي يقف في قويسنا ليتشرف مدير المنوفية وأهلها بتقديم التحية إلى الجالس على العرش.

وتحقيقاً لرغبة كريمة أنشاء المرحوم محمد أفندي نصر مسجدا عظيما بجوار محطة السكة الحديدية.

ويبلغ عدد سكان مدينة قزيسنا عشرين ألفا، وتحيط بها منطقة زراعية من أجود أراضي المنوفية.

وقد قامت قويسنا دائما بنصيبها الكامل في الحركات الوطنية، وكانت القوات الإنجليزية تعسكر في جبل بوغوص 1919 ولكن الأهالي قاوموها وتعرضوا لكثير من البلاء، ولكن الله أنقذ المنطقة منهم، فبفضل جهودهم وتعريضهم تلك القوات للخطر رحلت تلك القوات وطهرت البلاد.

ويطيب لي أن أذكر أن سعادة محمود فوزي ممثل مصر لدى هيئة الأمم المتحدة ومستشارها السياسي والرجل الذي يعرف دقائق قضية مصر والسياسة العالمية من أبناء قويسنا.

أبو الفتوح عطيفة