مجلة المقتبس/العدد 10/احتفال بعالم

مجلة المقتبس/العدد 10/احتفال بعالم

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 11 - 1906



كلية عليكرة الإسلامية هي أعظم كلية في الهند للمسلمين ينبغ منها تلاميذ أفاضل كل سنة ومن جملة رجالها الأستاذ الفاضل الدكتور السيد ضياء الدين أحمد. ذهب بعد إنجاز الدراسة إلى إنكلترا وألمانيا وفرنسا وقضى سنين في كلية كمبردج الإنكليزية وغوتنغن الألمانية والسوربون الفرنسية ولما حفل وطابه بالعلم عاد إلى بلاده لينفعها بفضل علمه واختباره فمن بهذا القطر لدراسة أحواله والاطلاع على سياسة التعليم فيه وربط صلات التعارف بين المصريين والهنود ولما عزم على الرحيل قام بعض أصدقائه وفي طليعتهم سعادة الأستاذ الفاضل الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد الأغر فاحتفلوا بوداعه في نزل كونتننتال بحضور نحو ثمانين رجلاً أكثرهم من رجال العلم والأدب فألقى صاحب المؤيد خطبة عرفه بها إلى الحضور ثم قام المحتفل به وألقى خطبة بالإنكليزية قال فيها:

في بلاد الهند أكثر من مائة مدرسة مثل كلية عليكرة لكن ما يجعل لكليتنا امتيازاً حقيقياً على غيرها أنها الشرقية الوحيدة التي يوجد فيها نظام خاص بإقامة الطلبة وسكناهم فيها إلى الطريقة الإنكليزية فيتولون شؤونهم بأنفسهم في السير والإدارة. ومن حسن حظنا في عليكرة أننا لا نعرف ولا نتبع الطريقة الفرنسية في ضبط الطلبة ونظامهم بواسطة ضباط فإنها طريقة عقيمة ولها مضار كثيرة ظاهرة في مصر. ومن أسرار نجاحنا أننا نتمسك كثيراً بالتربية الدينية والتربية الوطنية إذ يجبر الطلبة على تأدية الواجبات الدينية كلها وينشطون على الاهتمام والاشتغال بأحوال المسلمين في أنحاء العالم كافة.

والكلية الآن تتبع خطة التعليم في الحكومة وتعد الطلبة لامتحان المدارس الجامعة الكبرى على أن الغاية من مبدأ الأمر أن تكون عليكرة مدرسة جامعة إسلامية مستقلة. وقد قال المرحوم السيد أحمد خان (مؤسس الكلية) منذ زمن طويل في خطبة ألقاها إن نجاتنا لا تكون إلا في الوقت الذي يصبح فيه أمر تعلمنا بيدنا ولا تسترقنا مدارس الحكومة الجامعة فنأخذ إذ ذاك العلوم بيميننا والفلسفة بشمالنا ونحمل تاج لا إله إلا الله محمد رسول الله فوق رؤوسنا.

ثم قال أنه تم الاتفاق على تأسيس كلية عربية لا يقصد منها أن يتعلم الطلبة فيها اللغة العربية لتأدية امتحان مخصوص ولكن الغرض منها أن يتلقى الطلبة تاريخ الإسلام بتدقيق وإمعان للبحث في أسباب رقيه وانحطاطه. وإننا نؤمل أن تظهر هذه المدرسة الجواهر المختبئة في آداب اللغة العربية وتنشر الكتب النادرة بتفاسير وإيضاحات. وفي عزمنا أن نخصص بعض الطلبة بهذه الكلية العربية ونجعل لهم مرتبات لكي يستريح بالهم من جهة المعاش وليتفرغوا للدرس والبحث. ونحن الآن أيضاً ننشئ إزاء تلك الكلية العربية كلية أخرى للعلوم الطبيعية.

ولطالما سألنا بعض الناس - لماذا يضيق بنا الفكر وحب الذات فننشئ مدرسة جامعة إسلامية ولا يبعثنا سمو النفس ومكارم الأخلاق والتسامح في الدين على جعل جامعتنا عامة مشتركة - ونحن نقول: لا نقصد منع غير المسلمين من الوجود في جامعتنا الإسلامية. فإن أبوابها مفتوحة كما هي الحال الآن في عليكرة لغير المسلمين وكل محب للعلم بلا تمييز بين الجنس والدين. وفيها الآن طلبة من اليهود والمسيحيين والوثنيين ولن نسعى مطلقاً في إخراجهم منها ولا نسميها جامعة إسلامية إلا بالمعنى الذي تنسب إليه اكسفورد وكمبردج إلى كنيسة إنكلترا الرسمية.

وبعد أن قال أن تعليم الدين إجباري في عليكرة وقابل بينها وبين المدارس الثانوية في مصر وحث القوم على إرسال زمرة من الطلبة لتلقي العلوم فيها إلى غير ذلك من الأغراض الشريفة قام حضرة الفاضل حافظ أفندي عوض أحد صاحبي المنبر الأغر وترجم خطبته إلى العربية ثم نهض سعادة صاحب المؤيد وألقى خطبة موخزة نافعة قال فيها: ويقيني أن مصر لو رزقت مدرسة جامعة ذات مبادئ قويمة مثل كلية عليكرة وتناسب في عظمتها حالة مصر الحاضرة لكانت مصدر حياة أقوى وأعم نفعاً لا للمصريين فقط ولكن لمسلمي العالم كله الذين هم في حاجة كبرى للترقي الصحيح المبني على دعائم العلم والفلسفة. وإنني أتمنى من صميم فؤادي أن يقصد هذه الكلية بعض الطلاب المصريين لأنهم يستفيدون مع العلوم التي يكتسبونها مزيجاً من آداب التربية الإسلامية العالية ومن الأخلاق الإنكليزية التي تطابقها في كل ما هو شريف وعال ما لا يستفيدون مثله من كليات أوربا مهما ارتقت مبادئها.

ثم ختم مقاله بالتعريف بالعالم الهندي وقال أنه أعظم نابغ شرقي في العلوم الرياضية والفلكية التي تلقاها في كمبردج وكان من مزايا نبوغه أنه سبق جميع مناظريه من أرجاء إنكلترا كلها ممن تقدموا للامتحان لنيل جائزة اسحق نيوتن العالم الفلكي الشهير وهي مائتا جنيه إلى أن قال: ولعلكم ترون مثلي أن السيد ضياء الدين أحمد هو رجل مخلص في مباحثه وآرائه قد وقف نفسه على العلم حتى كاد يفنى فيه وكل من يفنى في العلم يحيا به. وأنه لا يوجد مظهر حياة في الدنيا أقوى من مظهر الحياة العلمية للذين يتجلون بها للعالم.

ثم ختمت الحفلة بتناول الحلواء والشاي وأبدى الحضور شكرهم للمحتفلين والمحتفل به فلما رأينا كل هذا وابتهاج الحضور بمقدم العالم الهندي بعد مقامه الطويل في بلاد الغرب ذكرت ما كان من انتشار العلم في بلاد الأندلس ولا سيما عندما ورد في الخطبة قول أحد حكام الهند أن كلية عليكرة ستكون قرطبة الشرق الحديث ذكرت هذا وانحطاط المسلمين الآن وأنهم تحت ظل حكوماتهم في الغالب أذلة وأن عقلاءهم وهم أندر من الكبريت الأحمر يذهبون في طلب العلم لنقله من مصادره إلى أهلهم ومواطنيهم كما فعل الأستاذ ضياء الدين وكما كان يفعل يهود أوربا فيأخذون العلم عن علماء المسلمين في الأندلس حتى إذا تشبعوا بآرائهم ومذاهبهم وقضوا زمناً في حلقاتهم واهتدوا بهديهم يغادرونهم لينشروا ما تلقوه في إيطاليا وفرنسا وغيرها من البلاد المجاورة فتأمل كيف دالت الدول وصار الغربيون يعطوننا ما كانوا يأخذونه عنا مع الزيادات التي زادوها عليه. ويا ليت شعري هل تكون عليكرة قرطبة الشرق حقيقة كما قالوا.