مجلة المقتبس/العدد 11/صفحة تاريخية في سورية

مجلة المقتبس/العدد 11/صفحة تاريخية في سورية

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 12 - 1906



انقضى من الخليقة إلى الطوفان 2243 سنة حسب الترجمة السبعينية و1656 سنة حسب النسخة العبرانية. وأقدم مؤرخ يلم بتاريخ الجنس البشري في هذه المدة الطويلة هو موسى الكليم. ولم يذكر موسى بمكانة البشر من الحضارة والعمران في تلك الحقبة التي كانت بين الخليقة والطوفان. فقد دون موسى الخمسة الفصول الأولى من سفر التكوين - أحد أسفاره الخمسة - وهي لا تبحث إلا عن الخليقة وعن آدم وحواء وعن قابيل وهابيل وعن الآباء العشرة وعن كثرة شرور الإنسان التي أدت إلى الطوفان.

ولد الإنسان الأول - آدم - في ما بين النهرين أو في أرمينية على ما يرجح علماء هذا العصر وعاش 930 سنة. وولد شيث لسنة 130 آدم حسب النسخة العبرانية وعاش 912. وولد انوش سنة 235 وعاش 965. وولد قينان سنة 325 وعاش 910. وولد مهللئيل سنة 395 وعاش 895 سنة. وولد يارد سنة 460 وعاش 962 سنة. وولد اخنوخ سنة 622 وعاش 365 سنة. وولد متوشالج سنة 687 وعاش 969 سنة. وولد لامك سنة 874 وعاش 777 سنة. وولد نوح سنة 1056 وعاش 950 سنة.

هؤلاء هم الآباء الأولون العشرة من الخليقة إلى الطوفان. ولم يذكر موسى عنهم سوى سني حياتهم وأن لامك كان أول من تزوج أكثر من امرأة وأن ابنه يابال كان أباً لساكني الخيام ورعاة المواشي وأن أخاه يوبال كان أباً لكل ضارب بالعود والمزمار وأن توبال قايين كان الضارب كل آلة من نحاس وحديد. قال ابن الأثير المتوفى سنة 1233م أن مهللئيل كان أول من استخرج المعادن وشاد الأبنية في العالم. وقال غيره من مؤرخي العرب كابن خلدون المتوفى سنة 1405م وكأبي الفدا المتوفى سنة 1331 أن الأب الثالث انوش كان أول من أوجد المحاكم وأوصى بالإحسان بين البشر.

أما ما وجده المتأخرون محفوراً على القبور والصخور وجدران الأبنية من الخطوط المصرية المعروفة بالهيروغليفية والخطوط المسمارية فكان بعد الطوفان.

لا مشاحة في أن سورية كانت مأهولة بولد آدم قبل الطوفان. والحجة على ذلك لا الظنون التي جعلها بعضهم حقائق ودونت في بطون الأوراق ولا الأوهام والتقاليد التي تناقلها الخلف عن السلف وجعلها بعض الباحثين ذات أهمية كبرى هي أن سورية متاخمة لما بين النهرين والفاصل بين البلادين سهول واسعة ومروج خصيبة وأن تلك المدة الطويلة ال كانت بين الخليقة والطوفان تستدعي تفرق بني آدم في القطر السوري.

ولد لنوح جد الأسرة البشرية بعد الطوفان سام وحام ويافث فأقام الأول أو نسله في آسيا. وأقام الثاني أو نسله في إفريقية. وأقام الثالث أو نسله في أوربا ولقد كثر نسل نوح بعد الطوفان فظهر الآراميون في دمشق والجيدور والجولان والبقاع وحمص ولبنان والبترون وجبيل وبيروت. ثم توطن سورية بعض قبائل الجبابرة وأقام العمونيون في البلاد التي لا تزال معروفة بهم والموآبيون في بلاد موآب والإسماعيليون في العربية الصخرية وما جاورها والأدوميون في بلاد أدوم والفينيقيون في صور وصيدا وجبيل. وتفرعت من هذه القبائل فروع كثيرة في قرون مختلفة. أما الحثيون فكانت بلادهم شمالي سورية.

افتتح سزوستريس المصري فينيقية نحو سنة 1500 ق. م وتغلب بنو إسرائيل على أرض كنعان نحو سنة 1450 ق. م وقال بعض الباحثين لا بل سنة 1540 ثم استحوذ على قسم من سورية تجلت فلا صر الأول سنة 1120 ق. م ثم افتتح الآشوريون فينيقية عام 756 ق. م وتغلب بختنصر الثاني مبك بابل على كل سورية سنة 600 ق. م ودخل الإسكندر الكبير إلى سورية سنة 333 ق. م وحاصر صور في شباط فبراير وافتتحها في آب أغسطس سنة 232 ق. م. ثم افتتح صيدا وجبيل وبيروت والسامرة والجليل وغزو وسواها وملك البلاد التي اكتسحها عشر سنوات ثم انقسمت مملكته بعد وفاته بين قواده كما سيجيء. ثم استولى السلوقيون على شمالي سورية سنة 311 ق. م وكانت هذه البلاد قبل ذلك العهد بقرون تحت حكم الحثيين.

هذه أشهر القبائل والدول التي استولت على سورية منذ عهد نوح إلى بدء حكم قياصرة الرومان فيها فإذا أطلعنا على تاريخ فينيقية ألفينا أنه كان لكل مدينة من مدنها ملك وأن الفينيقيين رجال البحار وقادة الأسفار وزعماء التجارة والصناعة وأهل العلوم في أيامهم لم يكن تعدد ملوكهم على بقعتهم الصغيرة إلا دليلاً على انقسامهم.

وما يقال في أمة البحار ذلك العهد يقال في بني إسرائيل. فقد كان تاريخ هذه الأمة المختارة في مدة نحو 994 سنة عبارة عن مشاغبات وانقسامات في عهد القضاة وفي عهد الملوك. وكانت الأخطار والصعاب محيطة بهم من شعوب سورية المعروفة في أيامهم.

وهكذا قل في سائر الأمم السورية التي عاصرت الإسرائيليين في عهد قضاتهم وملوكهم.

فحروب تلك الشعوب القديمة وغزواتها المتواصلة وحروبها الساحقة كانت برهاناً قاطعاً على انفصام عرى الجامعة السورية إذ ذاك. وقد دام حكم ملوك الآشوريين في سورية نحو 150 سنة لم يتمتع السوريون في أثنائها براحة ولم يصف لهم كأس الهناء بل كانت تلك المدة الطويلة سلسلة متاعب وحلقات مصاعب ولدت الشقاء والذل والهوان.

أما الاثنان والثلاثون ملكاً من اليونانيين فقد حكموا سورية نحو 269 سنة وكان تاريخ سورية في أيامهم مملوءاً بأخبار الانقسام الذي حصل بعد وفاة الإسكندر وبالحروب المظلمة التي جرت في عهدهم وبالمطامع اليونانية التي ظهرت بكل مظهرها وقتئذٍ وكانت من أشد الويلات وأشأم النكبات على الأمة السورية.

اختلف المؤرخون من العرب والفرنجة في تعيين السنة التي استولى فيها الرومان على سورية اختلافهم في غيرها من المسائل التاريخية ولاسيما العريقة في القدم. فقال بعضهم أن بدء حكم الرومان في سورية كان سنة 64 ق. م وقال غيرهم أنه كان سنة 65 ق. م ومهما يكن الاختلاف عند أرباب البحث والتنقيب من أهل العلم والسير فقد كان استيلاء الرومان على سورية في سنة 64 ق. م أو في السنة التي بعدها.

بلغت مدة حكم الرومان في سورية سبعمائة وسنتين. وكانت ستمائة وثماني وثلاثين سنة من أغسطس قيصر إلى هرقل. وكان بمبايوس افتتحها بنحو 64 سنة قبل أن تولاها أغسطس قيصر. ولقد بدأ حكم الرومان في القطر السوري وبدأ معه النزاع والشقاق والخصام والاستبداد والأنانية. فقد كان الخصام سائداً بين أفراد عائلة هيرودس الملك المشهور بالأوصاف الشريرة. وذلك من أول عهد استيلاء الرومان على سورية إلى أوائل القرن الأول للميلاد. فقتل هيرودوس أرسطوبولس من أسرة المكابيين ثم قتل مريما زوجته وإسكندره أمها وابنة إسكندره وأرسطوبولس المقدم الذكر وحارب العرب وكانت البلاد متضعضعة في أيامه.

ومن يطالع تاريخ عائلة الهيرودسيين ولا يرميها بالظلم والعار والشنار؟ ومن يعلم أن هيرودس الملك قتل جميع الصبيان في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون ولا يقول أن هذا شقيق لنيرون الظالم الشهير في الشر والمجازر الهائلة التي لا يزال صداها يرن في مشارق الأرض ومغاربها.

ومن الحوادث التي جرت في القرن الأول للميلاد في سورية اختلاف أرشيلاوس خليفة هيرودس مع اليهود في اليهودية إحدى أقسام الأرض المقدسة وقتله منهم في يوم واحد ثلاثة آلاف رجل وحدوث انشقاقات كثيرة وتحزبات متنوعة بين الأهلين وهياج الشعب وقتل كثيرين من اليهود ونهب هيكل أورشليم وإحراق الرومان رواقه. ولم يقتصر النزاع في ذلك العهد على اليهود بل كان له نصيب كبير مع اليهود والمجاورين لهم من الأمم.

وفي 16 أيار مايو سنة 66 للميلاد أضرم فلورس الوالي الروماني نيران الحرب مع اليهود فأكثر من السلب والنهب في أورشليم وقتل يومئذ ثلاثة آلاف وستمائة نفس وصلب عدداً من وجوه اليهود. ثم تغلب اليهود في أورشليم على الرومانيين وفتكوا بكثير منهم وتمكنوا من إخراجهم من المدينة في 17 أيلول سبتمبر سنة 66 للميلاد. ولما اتصلت بالسوريين أخبار قتل اليهود جنود الرومان يومئذ قاموا بإيعاز من ولاة الرومانيين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم في كل مدينة ينكلون بالأمة اليهودية فقتلوا منها في بيسان 13 ألفاً وفي عسقلان ألفين وفي عكا ألفين وفي قيصرية ثمانية آلاف وأربعمائة نفس. ولقد جرى في كثير من مدن سورية وبلدنها نفس ما جرى في أورشليم فاشتد الخصام وكثر القتل والسلب وقل الأمان في ذلك الأوان.

ثم انقسم اليهود أقساماً في عهد ولاية يوسيفوس اليهودي على الجليل وهو المؤرخ الشهير المولود سنة 37 ق. م. وبداعي أحزاب اليهود الثلاثة وكثرة الاختلاف بينهم أحرقوا من مؤونتهم في أورشليم إذ كان الرومان يحاصرونها وفي عيد الفصح سنة 70 للميلاد حاصر طيطوس الروماني أورشليم وبعد أن أذاق اليهود داخل المدينة - أورشليم - أنواع العذاب والجوع والاضطهاد ألواناً فتح الرومان المدينة في 10 آب أغسطس سنة 70 للميلاد. ولقد أحرق الرومان أورشليم إذ ذاك ودمروا مدن اليهود وجعلوها خراباً إباباً وسبوا اليهود وأعملوا السيف في رقابهم. وكانت سورية في ذلك العهد قائمة من كثرة الانقسامات والفظائع التي جرت في ديارها التعسة. فقاسى السوريون في ذلك العهد ألوان العذاب من أجل النفوس الطاهرة التي ذهبت فريسة الأنانية والاستبداد والاعتساف والحيف والخصام والشقاق.

وفي القرن الثاني حارب اليوس ادريانوس الحاكم الروماني في سورية يومئذ الشعب اليهودي وابتنى على أنقاض هيكل أورشليم العظيم هيكلاً لعبادة الأوثان وكان ذلك سنة 128 للميلاد. وفي تموز (يوليو) سنة 132 أعاد اليهود إضرام نيران الثورة فكانت النتيجة أن لينيوس روفوس والي اليهودية أعمل الحسام في أعناق رجالهم ونسائهم وأولادهم. ولما كانت قوات لينيوس روفوس وقواده وجنوده قد زادت من اليهود عتواً وتهجماً وتهيجاً وافى اليهودية حاكم آخر من حكام الرمانيين وقتل من اليهود 580 ألفاً وأحرق ودمر نحو 900 قرية وأخرب كثيراً من الحصون وأسر كثيرين من اليهود وسباهم وأسرهم إلى رومية. وفي هذا القرن اضطهد الرومانيون المسيحيين في كل أنحاء سورية وحمل البريتنون على الرومان وتغلبوا عليهم في أول الأمر ثم عادوا على أعقابهم خاسرين. وعند خاتمة هذا القرن حدثت حرب شديدة بين اليهود والسامريين. وفي القرن الثالث حارب سابور ملك الفرس الرومان وتغلب على سورية سنة 262 للميلاد ثم تغلب عليه التدمريون بهمة أذينة وأرجعوه إلى بلاده. وفي القرن الرابع اشتد الاضطهاد على المسيحيين في سورية وكثر الظلم والجور في تلك البلاد وذلك بفضل غلوس أخي قسطنطين ملك المشرق وفضل هذا الملك العاتي نفسه وكان ذلك سنة 351 للميلاد. وفي سنة 363 للميلاد توالى الاضطهاد على النصارى في سورية وكثرت المظالم بين جميع أمم القطر حتى أن يوليانوس الروماني الحاكم يومئذ كان عازماً على التنكيل بجميع المسيحيين في مملكته لو لم تختطف المنون أنفاسه في 27 حزيران يونيو سنة 363 للميلاد إذ كان يحارب الفرس في بلادهم.

وفي القرن الخامس حدثت حرب في سورية بين الملك الأسود أحد ملوك الحيرة وبني غسان أحد ملوك الشام الذين كانوا تحت أمرة القياصرة الرومانيين ونشبت حرب ثانية بين ابن ملوبة وملوك غسان. وفي القرن السادس حدث أن كسرى ملك الفرس حمل على سورية في أيام وستيانس الملك الروماني وحدثت ثورة السامريين وخرب كثير من مدن سورية بالزلازل الهائلة. وفي القرن السابع أضرم اليهود نيران الثورة أيضاً وذاق الرومانيون واليهود والسوريون بسببها متاعب كثيرة وحمل الفرس في هذا القرن لمحاربة اليونان.

استولى العرب الفاتحون على سورية سنة 634 ب. م وفي سنة 1095 حمل الصليبيون على سورية فبلغوها سنة 1098 ففتحوا أورشليم سنة 1099 وعكا سنة 1104 وطرابلس وجبيل وبيروت سنة 1110 وصيدا سنة 1111 وعسقلان سنة 1154 وصور سنة 1125 ويافا سنة 1192 وحاصروا دمشق سنة 1148 فلم يتغلبوا عليها. وبعد سبع حملات للصليبيين على سورية وقعت في الثلاثة قرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر طردهم منها صلاح الدين الأيوبي في أواخر القرن الثاني عشر ثم طردهم ملوك الجراكسة في الربع الثالث من القرن الثالث عشر وغزا الخوارزمية سورية سنة 1241 للميلاد ونكلوا بسكان عدة مدن منها وأذاقوهم المتاعب أشكالاً والويلات ألواناً وحذا حذو الخوارزمية التتر فغزوا سورية سنة 1260 وأعملوا السيف بالسوريين وعملوا ما عمله الخوارزمية قبلهم. وسنة 1517 استولى على القطر السوري السلطان سليم ولم تبرح سورية إلى يومنا هذا تحت حكم سلاطيننا العظام.

اوماهانبراسكا (الولايات المتحدة)

يوسف جرجس زخم