مجلة المقتبس/العدد 13/الأرض
مجلة المقتبس/العدد 13/الأرض
خبر في الأرض أوحتهُ السما ... لأولي العلم برسل الفكر
أنَّ هذي الأرض كانت أولا ... ما ترى بحراً بها أو جبلا
أو سهولاً أو ربىً أو سبلا ... أو رياضاً زهرها الغض نما
من سحاب جادها بالمطر
إنما كانت كتلك الأخوات ... من نجوم سائرات دائرات
حول شمس هي إحدى النيرات ... كنَّ من قبل عليها سُدُما
كتلةً واحدة في النظر
ثم بعد انفصلت من ذا السديم ... قطع منها صغير وجسيم
ضمن أفلاكٍ بها الدور تديم ... فاستقر الكل فيها أنجما
حول غير الشمس لم تستدر
أولاً نبتون منه انفصلا ... ثم أورانس يهدي زحلا
ثم للمشتري مريخ تلا ... ثم هذي الأرض فالزهرة ما
بعدها غير أخيها الأشهر
وأخو الزهرة بالشمس اقتدى ... ولها أقرب سيارٍ غدا
وهي سارات خلفه طول المدى ... فأمام الأرض ذات انتظما
خلفها المريخ ثم المشتري
أرضنا كانت لظىً مشتعله ... مذ من الشمس غدت منفصله
لم تزل في دورها منتقله ... كتلةً فيها اللهيب احتدما
وهي ترمي في الفضا بالشرر
كان فيح النار منها مصعدا ... وهجاً في الجو عنها مبعدا
حيث لا يمكن أن ينعقدا ... فوقها منه بخارٌ ديما
هاطلات بالحيا المنهمر
بقيت حيناً وهذا أمرها ... وهي بالإشعاع يخبو حرّها
وانثنى يبرد من ذا ظهرها ... فاكتست قشراً يحاكي الأدما
واستمرت بطنها في سع ثم قد صار على مر الزمان ... قشره يغلظ آناً بعد آن
بيد أن النار عند الهيجان ... قد أعادت قشرها منخرما
بصدوع مدهشات البصر
شخصت أطراف هاتيك الصدوع ... بجبال شمخت منها الفروع
ولها في العين أشكال تروع ... تقذف الأفواه منها حُمما
صار منهن ركام الحجر
حصلت من قذف هاتيك المواد ... حيث يجمدن جبال ووهاد
وركاز وصخور وجماد ... بعضها دقّ وبعض عظما
وهو صلب الجسم صعب المكسر
وهناك انعقدت فيها الغيوم ... من بخارٍ كان في الجو يعوم
ردّه البرد مياهاً في التخوم ... فجرى السيل عليها مفعما
كل غور فوقها منحدر
عمها السيل فغطى حين سال ... سطحها مجترفاً منها الرمال
فطما الماء ولكن الجبال ... شخصت في الماء لما أن طما
وعلت كالسفن فوق الأبحر
غمر الماء به ما غمرا ... ثم خلّى بعضها منحسرا
محدثاً في السطح منها جُزُرا ... أنزل الماء بها ما حطما
من طفال وحتات المدر
بسيول الماء كم فيها أرتكم ... من رمال رسبت فيها أكم
ولكم خدَّت أخاديد وكم ... قد بنت من طبقات علما
نضدت فيه صفيح المرمر
ثم صارت وهي من قبل موات ... تصلح الأقطار منها للحياة
فانبرت تنبت في البدء النبات ... ثم أبدت من قواها النسما
وارتقت فيها لنوع البشر
فغدت إذ ذاك تزهو بالرياض ... وبها الأدواح تنمو في الغياض ثم ترميها أكف الانقراض ... بانحطام حيث تمسي فحما
حجرياً بمرور الأعصر
من حطام الخلق في الأرض هضاب ... كونتهن أكف الانقلاب
ما تراب الأرض والله تراب ... إنما ذاك حطامٌ قدما
من جسوم باليات الكسر
كم على الأرض رفات باليات ... من جسوم طحنتها الدائرات
فاحتفر في الأرض تلك الطبقات ... تجد الأنقاض فيها رمما
هي للأحياء أو للشجر
كل وجه الأرض للخلق قبور ... خفف الوطء على تلك الصدور
والعيون النجل منهم والثغور ... إنما أنت ستفنى مثلما
قد فنوا والموت دامي الظُّفُر
ظلت الأرض على كر الدهور ... تبحر الأجبُل فيها والبحور
فوقها تُجبل والماء يغور ... وعلى ذاك استدل الحكما
بجبال السمك المستحجر
علماء الأرض لم تبرح ترى ... حيوان البر لما دثرا
منه في الأبحر أبقى أثرا ... وكذا في البر ألفى العلما
أثراً من حيوان الأبحر
كل ما في الأرض من قفرٍ وبيد ... وجبال شهقت فوق الصعيد
عن زهاء الربع منها لا يريد ... وسوى ذلك منها انكتما
تحت ماء البحر لم ينحسر
في صعيد الأبحر المنغمس ... مثلُ ما يوجد فوق اليَبَس
من جبال ناتئات الأرؤس ... ووهاد تستزل القدما
ورُبىً مختلفات القَدَر
ما نرى اليوم من الماء الحميم ... والبراكين التي تحكي الجحيم
ومن الزلازل ذي الهول العظيم ... دل أن الأرض فيما قُدما ذات جرم ذائب مستعر
كل ما كان بحال السيلان ... فهو يغدو كرة بالدوران
وكذاك الأرض في ماضي الزمان ... كروياً قد غدا ملتئما
جرمها من سيلان العنصر
ثم أن الأرض من قبل الجمود ... ولدت منها وليست بالولود
قمراً دار عليها بسعود ... وجلا في الليل عنها الظلما
فهي بنت الشمس أم القمر
بغداد
معروف الرصافي