مجلة المقتبس/العدد 14/الشرق في الغرب

مجلة المقتبس/العدد 14/الشرق في الغرب

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 3 - 1907



من مقالة للمسيو لوسين بوفا في مجلة العالم الإسلامي

عني أهل المجر وهم من أصل آسياوي وبلادهم على أبواب الشرق بالمباحث الشرقية عناية كبرى على ما هو مأثور عنهم من التوفر على خدمة العلم. ومازالوا منذ قرون كثيرة جيران شعب مسلم يتحدون معه في الأصل وإن اختلفوا في الفروع ويتكلمون لغة تكاد تشبه لغته ولذلك رأوا من الواجب عليهم أن يتمحضوا لدراسة الموضوعات الإسلامية.

قام منذ سبعين سنة رجل عالم غيور منهم اسمه كوسما كوروس فزار آسيا ليبحث فيها عن أصل الأمة المجرية. وتاريخ حياة هذا الرجل يشبه تاريخ أرمنيوس فمبري في كثير من أدواره. لم ير كوروس حرجاً في دخول دير للبوذيين في بلاد التُّبَّت بضفة كاهن رجاء الوقوف على أحوال شعوب آسيا الوسطى ولم يتحرج من الأخذ عن علماء بوذيين.

ثم قام فمبري الذي طاف آسيا الوسطى لابساً ثياب درويش والأستاذ غولدسير الذي طلب العلم في الأزهر. وكان من أعمال هؤلاء الرجال أكبر مجد لأمتهم في خلال القرن التاسع عشر. وما برح علماء المجر يقصدون الهند الواحد تلو الآخر يبحثون في علومها وتاريخها وأديانها ومنهم اليوم أورل ستين نزيل آسيا الوسطى الذي عرفت الحكومة الإنكليزية أن تنتفع من مباحثه في شماليا لهند وبلوجستان وأتى بفوائد جمة.

ومما لا مشاحّة فيه أن رؤساء هذه المباحث اليوم في بلاد المجر هما الأستاذان فمبري وغولدسير من أساتذة كلية بودابست وقد اختص الأول بتعلم اللغة التركية حتى أتقنها إتقانه للغته وخدمها أجل خدمة وانصرف الثاني إلى دراسة العربية واللغات السامية.

ولد فمبري سنة 1831 أو 1832 من أسرة يهودية فقيرة في بلاد المجر في قرية سان جيورجين وبعد أن تلقن مبادئ التعليم في قريته أخذ في تعلم العبرية والدين ثم انتقل إلى مدرسة برتستانتية فتعلم فيها اللغة المجرية واللاتينية ومنها دخل مدرسة أخرى رومية ثم مدرسة كاثوليكية.

ولما أتم دروسه كان قد أتى على آخر ما يملك من الدراهم فاضطرته الحال إلى أن يعلم أطفالاً براتب 150 فلورينياً عند أسرة إسرائيلية في بلدة مارينتال وانتقل بعد إلى التدريس براتب أكثر في بيت أسرة في قرية كوتيفو من أعمال سلافونيا فترك مقامه في هذه القرية أجمل أثر في نفسه لأنه تجلى له فيها السبيل يتحتم عليه سلوكه في حياته العلمية. ففيه عقد العزم على أن يكون عالماً باللغات وفيها شرع لأول أمره بتعلم التركية وبالنظر في المباحث التي أطارت شهرته في العلم وفيها درس التركية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية والإسبانية والدانيمريكية والسويدية.

وإذ رأى أن ينصرف إلى البحث في أحوال الشرق نزل عاصمة فينا يستنصح العالم دي هامير الذي نشطه على ما هو آخذ نفسه في سبيله فذهب إلى بودابست يتعلم فيها العربية والفارسية. وقضت عليه الحاجة في هذه المدينة أيضاً أن يكون مؤَدِباً ليسد بما يناله من الجر بعض حاجته ولما كانت نفسه تنزع به إلى رؤية الشرق لم يعتم عندما اقتصد 120 فلوريناً أن سافر إلى الأستانة.

وصف فمبري هذه العاصمة عقيب حرب القريم سنة 1857 فقال إن شُذّاذ الآفاق كانوا ينهالون عليها من كل صوب وأوب والعثمانيون لا يكادون يعبئون بكل وارد عليهم بيد أنهم تلقوا المترجَم بالعطف وعاملوه بالإحسان فكان لما بلغ الأستانة لا يملك إلا دريهمات وصادف صعوبات جمة لأول أمره لكنه تمكن من التغلب عليها بمساعدة أحد مواطنيه ممن انخرطوا في خدمة الدولة العثمانية وأعني به القائد كمتي الذي دُعي بعد باسم إسماعيل باشا فسعى له هذا بوظيفة معلم عند أسرة في بك أوغلي ومن ذاك الحين دخل على ناظر الخارجي رفعت باشا بصفة أستاذ وأخذ فمبري يتشبه بالعثمانيين في أطواره ومناحيه عملاً بنصائح وطنيه إسماعيل باشا ومجاراةً له فدعا نفسه رشيد أفندي وأخذ يتعرف إلى أهل الطبقة العليا ي الأستانة على ذاك العهد ويختلط بهم ويعاشرهم. وفي خلال ذلك أيضاً بدأ يشتغل في الصحافة فعين مراسلاً لإحدى الجرائد الألمانية الكبرى.

أصبح فمبري أفندياً بحتاً لا ينقص عن أدباء الأستانة في معرفة اللغة التركية وآدابها. ولكنه لم يقنع بما حصل له من ذلك بل طمحت به نفسه إلى زيارة آسيا الوسطى وهي البلاد التي قام منها الأتراك وهاجموا أوروبا ليتيسر له أن يسمع اللغة التركية الأصلية في موطنها تلك اللغة التي لطُفَت فكانت منها اللغة العثمانية اليوم.

وكانت الصعوبات التي تحول دون هذه الأمنية كثيرة إلا أن الأستاذ فمبري لم يبال بالمصاعب. وغادر الأستانة بمساعدة المجمع العلمي الذي عينه عضواً مراسلاً ليرحل رحلة كانت فيها شهرته وبعد صيته. فاكتسى ثياب مسلم واجتاز آسيا الصغرى ودخل فارس فعره العامة من ثيابه بأنه سني وراحوا يطيلون إليه يد الأذى. وبعد شق النفس بلغ طهران ونال من ناظر خارجيتها إذ ذاك المرزا سيد خان جوازاً بمتابعة سيره.

ذكر المترجم به ما لقيه من رحلته هذه من المتاعب فإنه طاف بلاد فارس متنكراً في ثياب درويش وكاد يكشف أمره ويعرف أنه ليس من أهل الإسلام ولكنه نجا ولم تدرك حقيقته. ثم التحق بجماعة من الحجاج فرافقهم إلى خيوه وبخارى ولقي من سفره هذا نصباً لم يكن أقل مما لقيه في مبدأ رحلته وبعد سنة عاد إلى طهران فطلبته روسيا أن يكون موظفاً عندها فأبى وعاد إلى بودابست سنة 1864.

وبعد أن قضى فيها مدة طُلب إلى إنكلترا بإلحاح شديد فذهب إليها واستقبل فيها بالحفاوة. وقد نشر فيها رحلته هذه بالإنكليزية فلم تلبث أن ترجمت إلى لغات أوروبا واشتهر أمرها وكانت الحكومة الإنكليزية تود كثيراً أن تجعل في جملة رجالها رجلاً كالأستاذ فمبري يعرف الشرق معرفة حقيقية ليكون منه لها أحسن خدمة ولكن العالم المجري آثر أن يعود إلى وطنه على شدة حبه لإنكلترا. وعند عودته عين أستاذاً لكلية بودابست فكان فيها أول أستاذ غير كاثوليكي.

وهنا انتهى تاريخ جهاد هذا الرجل وقد دام ثلاثاً وثلاثين سنة من حياته. وذكر فمبري في الفصول الأخيرة من رحلته كيف زار إنكلترا وفرنسا ولقي فيهما الملوك والأمراء وأعاظم العلماء ورأى منهم الحفاوة وأورد في فلصين اجتماعه بالسلطان عبد الحميد خان صديقه القديم والتقاءه بشاهي الفرس الأخيرين. وما أحلى الصفحة التي ذكر فيها كيفية اجتماع ناصر الدين شاه به لما اجتاز هذا مدينة بودابست في رحلته إلى أوروبا ودهشته لما رأى في المجمع العلمي المجري ذاك الدرويش الذي كان لقيه في طهران منذ بضعة عقود من السنين.

كتب فمبري في العلم والسياسة وكل ما خطته يمينه نافع خطير. فقد ابتدأ يعمل في الصحافة بعد بلوغه الأستانة بقليل من الزمن ومن ذاك العهد لم يفتأ يؤازر في عدة مجلات إنكليزية وأمريكية وألمانية وفرنسية. والسنُّ لم توقفه عن نشاطه ولا عاقت حركته عن الانبعاث فإنا نراه إلى اليوم يتناول الموضوعات المختلفة بالهمة المعهودة فيه فبينا تراه يبحث في اللغات وعلمها إذا هو يبحث في الآداب فأصول الشعوب فالتاريخ فالسياسة فالأحوال الاجتماعية.

أما أغناس عولدسير المشار إليه فهو من أعاظم العلماء بالعربية في قارة أوروبا. ولد سنة 1850 فتخرج بأرمنيوس فمبري الموما إليه ثم قضى أربع سنين في كليات برلين ولبزيك وليد. وفي الثالثة والعشرين من عمره عهدت إليه حكومته بمهمة فسافر إلى سورية ومصر وقيد نفسه في طلبة الجماع الأزهر ولما عاد إلى بلاده عين أستاذاً في كلية بودابست وعضواً في المجمع العلمي المجري رصيفاً لأستاذه. ولغولدسير القدح المعلَّى في علم أصول اللغات السامية وأصل اللغة العربية خاصة وهو بحر طامٍ في تاريخ الإسلام.

وهنا عدد الكاتب بعض أعمال هذين الرجلين في العلم وذكر جانباً من مصنفاتهما وعقب عليهما بذكر بعض كبار علماء المشرقيات من المجر ومنهم من خص بتعلم التركية ومنهم الأخصائيون بالعربية وكلهم يخدمون الآداب الشرقية حق الخدمة. ففي قسم الفلسفة من كلية بودابست صفان للغة التركية وآدابها ولأصل اللغة الفارسية وفي القسم الديني منها صف للعربية والسريانية والكلدانية. وليس لتعليم اللغات الشرقية في بلاد النمسا والمجر غير كليتي بودابست وفيينا.

وللأبحاث العلمية في المجر موارد غنية تساعد القائمين بها على البحث والتنقيب. منها المجمع العلمي المجري الذي جعل في زمرة أعضائه أناساً من المستشرقين أمثال فمبري وغولدسير وزيشي. ومنها جمعية علم خصوصيات الشعوب المجرية التي أنشأت فرعاً شرقياً خدم الأبحاث الإسلامية أجلَّ خدمة سواءٌ كان بعلم أحوال الأمم وأصولهم وأخلاقهم وتفرقهم (ايتنولوجيا وايتنوغرافيا) أو بعلم اللغات والأدب والآثار والتاريخ والجغرافيا.

وفي سنة 1904 أنشأ المجمع الدولي الآسياوي جمعية مجرية للبحث التاريخ والأثري واللغوي وأصول الأمم في آسيا الوسطى والشرق الأقصى. وهذه الجمعية تبحث بحثاً علمياً في بلاد الأورال وتتفرغ ما عدا البحث في أخلاق الأمم وتفرقهم للأبحاث المتعلقة بأمم الأورال الالتاييكية كما تبحث في حالة البلاد التي ينزلها غير هؤلاء الشعوب وتعيين هذه الجمعية فئة من علماء المجر تكون لهم صلة مع سائر الجمعيات والعلماء من الأمم الغربية وتنفق على من يرحل الرحلات العلمية وتتفق مع سائرا لجمعيات العلمية في المجر ليكون العلم بينهن مشتركاً ولاسيما فيما يتعلق بالآثار والعاديات. وتوزع الإعانة السنوية التي تعطيها نظارة الأديان والمعارف في المجر ثلاثة أثلاث. ثلث على المجلة التي هي لسان حال الجمعية والتي تنشر أعمال الأعضاء ومباحثهم. والثلثان الآخران يوزعان بالسوية على الفروع التي تريد الجمعية مساعدتها ولاسيما فرع اللغة والبحث في أصول الشعوب والآثار والتاريخ. وتعين نظارة الأديان والمعارف هؤلاء الأعضاء إلى أربع سنين فإذا أتموا هذه المدة يقدمون لائحة بمن يرشحونهم بعدهم لتقر النظارة عليهم وقد انتخب للرئاسة هذه المرة الأستاذ فمبري.

وفي جانب هذه الجمعيات العلمية الصرفة جمعيات اقتصادية لا تقل عنها فائدة. فإن المتحف التجاري الإمبراطوري المجري في بودابست أسس سنة 1887 وهو من المباني الفخيمة ويعد رسمياً تجارياً ونصب له وكلاء في جميع أرجاء بلاد البلقان كما له وكلاء في الإسكندرية وتونس. وقد أسس هذا المتحف فأدرك لأول عهد تأسيسه ضرورة التعليم الابتدائي لإعداد بعض النشء للتجارة مع الشرق فأنشأ سنة 1891 صفاً للتجارة الشرقية وهو الذي أصبح اليوم مجمعاً علمياً للتجارة ثم أعيد تنظيمه سنة 1898 - 1899 فنتجت منه أحسن النتائج.

أما التعليم ال1ي شرعه هذا المجمع العلمي فيتناول عدة أبحاث ومعارف يدرسها المتعلم في سنتين وهي عملية حقيقية لا نظرية خيالية. وأهمها تعلم اللغات الشرقية ولغات بلاد البلقان خاصة والعلوم التجارية والقنصلية وعدة مواد أخرى. وعلى كل طالب أن يتعلم سنتين اللغات الشرقية وهي الرومانية والصربية والبلغارية والتركية والرومية الحديثة والعربية العامية والروسية. وأن يتعلم المراسلات التجارية والكلمات الاصطلاحية في التجارة والقضاء وأن يتعلم من اللغات الأوروبية الإيطالية والفرنسية ومن العلوم جغرافية الشرق ولاسيما بلاد البلقان وآسيا الصغرى وعلم أصول أممها وأخلاقهم وعلم التجارة والجمارك والحقوق العمومية والإدارية وقوانين التجارة وطريقة الاعتمادات.

وهناك صفوف لتعلمي اللغات الشرقية تقام في المساء. وقد خصص المجمع العلمي مبلغاً من المال ليستعين به بعضهم على التعلم وحذا حذوه في هذا السبيل بعض أرباب الخير وغيرهم. ثم رأت هذه الجمعيات العلمية أنه لا غنية لها عن صحيفة تكون لسان حالها وسجل أبحاثها وتحقيقاتها فأنشأت مجلة شرقية تكتب بجميع لغات أوروبا وتباع بثمن بخس تُعنى بالمباحث الأورالية الالتاييكية سمتها كليتي زميل وبعلم خصوصيات الشعوب وتنشر مقالات عن الأمم الشرقية النازلة بين نهري فولغا وأورال من الجنس الفينو المجري وأبحاث في العنصر التركي وتعنى عناية خاصة بنشر التقاليد القديمة أو العامية وتبحث في صلات الأمم الأورالية الالتاييكية بعضها مع بعض أو مع غيرها وتبحث في أحوال الشعوب الآسياوية ولاسيما في أصول التتار والأمم القفقاسية والإيرانية والصقلبية (السلافية) وغيرها.

وقد قال العالمان اللذان عُنيا بإدارة شؤون هذه المجلة أن المجر هم زعماء العناصر الأورالية والالتاييكية وممثلو تلك الحضارة نزولا بلادهم منذ ألف سنة وظلوا محتفظين بلغتهم وهي أشبه بجزيرة خضراء في الشرق وسط بحر محيط مؤلف من سيل الشعوب الجرمانية والصقلبية على حين أن أمماً كثيرة تماثلهم كالبلغار والبشناق والخزر والكومان لم يتركوا أثراً من تاريخهم يذكر وبادت مملكتا الهونس والأفار وذهبتا ذهاب أمس الدابر.

وختم الكاتب هذا الفصل بتعداد ما كتبه أولئك الأعلام من الأبحاث الممتعة وشاركهم في وضعه زمرة من علماء المشرقيات من الألمان والفرنسيس والإنكليز والروس والترك وكان للمباحث الإسلامية ولاسيما التركية منها شأن عظيم في سجل أعمالهم.

دمعة بعد جناية

آه حتى مَ يظل الحق غريباً فيم عاهدكِ أيتها الجمعية البشرية، إلى مَ تبقى التقية - كالجندي الجاهل العنيد - مسيطرة على الصلاح بين أفرادك، ولما يُخرج على الصدق أن يخرج بموكبه وتاجه في هذا العالم كما يحب جلاله؟

متى يا تُرى تنشط هذه الحقيقة من عقالها الأزلي وهل من أماني هذه الأرض أن ترى كهربائية الصلاح مضيئة في آفاقها قبل أن تسود الشمس؟

آه، ما أوحش الإنسان وما أقساه: يضم بين ضلوعه عواطف ملؤها الحنان والحب والحقيقة والفضيلة والعدل، وضميراً هو هو معيار الإنصاف في هذه الحياة، وشعوراً هو السيّال الأثيري الذي ملأ ذرات كل شيءٍ، نعم لقد ضمّ بين ضلوعه هذه المزايا الفاضلة وهو ربها وهو بها العالم الأصغر والنسخة الكبرى لهذه الكائنات، ولكن أين هذه القوى الملكية، أليست معه يوم يفعل فظائع الشيطان، أما هي بين ضلوعه عندما يقدم على الشر والباطل؟. . .

أجل، هي لا تزال فيه، ولكنها يا للأسف والخسران قد صدأت وتولتها رطوبة البعد عن الحق وسطا عليها غُبار الرذيلة. . .

كم وكم أيهذا الصلاح يبسم في العالم الإنساني القاتم بريقٌ ضئيل من ذُبالتك المعرضة لجميع الأهواء، من كل الأنحاء، فأريد أن أتبعها، فلا أجدني إلا بين الأشواك، في جانب هوّة مدهشة، يظهر منها التنين وجهنم والغول وكل خيالات الوهم ومخوفات الباطل. . .

كم وكم أيهذي الحقيقة عاهدت عواطفي وضميري وكل شعوري على إخائك، على الصدق لك وعلى إهداء حياتي العزيزة علي إليك، نعم إليك فقط، إليك وحدكِ، فيضطرني هذا الوسط الأسود إلى جناية لا محيص عنها، فأفعلها وأنا شاعر باجتياح روحي إلى البكاء، فأرجع إلى نفسي، وأبكي، ثم أبكي، ثم أبكي، حتى أروي ظمئي من هذا الاختياج في حين أني عارف تمام المعرفة أن الجناية البشرية لا تبررها قطرات الدمع.

وكم وكم أيهذا العدل من دمعة قطرت بيني وبين نفسي من عينيّ بعد جناية، بعد حادثة مشؤومة، فذكرت عند ذلك أنني لا أزال إنساناً وحشياً قاسياً في هذه الحياة. . .

القسطنطينية

محب الدين الخطيب