مجلة المقتبس/العدد 18/أصل لفظ كعبة ومكة وكربلاء

مجلة المقتبس/العدد 18/أصل لفظ كعبة ومكة وكربلاء

مجلة المقتبس - العدد 18
أصل لفظ كعبة ومكة وكربلاء
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 7 - 1907



نشر أحد المكاتبين في أحد المجلات العلمية ما صورته:

سألتكم عن أصل كعبة ومكة فأجبتم أن الاسم كعبة محرفة من الكلمة كابلا (كذا) التي معناها مسجد. فأرى أنكم مصيبون (كذا) لأن كلمة كابلا كانت تطلق على بعض المعابد المسيحية ككعبة نجران. وبعد البحث وجدت أن الكلمة كابلا مشتقة من كار بالا أي العمل الصلوي (كذا) وكاربلا كانت اسم كذا. يريد اسماً) لمعبد عظيم وهو مشهد النبي تموز المذكور في التوراة في سفر حزقيال ص 14: 8. والمذكور في تواريخ الشرق عن النبي تموز هو أنه ولد في مدينة الأهواز وهجر الأهواز إلى كربلاء وهناك قتل هو وبنوه وأنصاره وبعد قتله آمنت به قبائل تلك النواحي وبنت على قبره قبة عظيمة وكانوا يأتون من جميع النواحي لأجل زيارته. وكانوا في هذه الزيارات ينشدون المراثي ويلبسون الثياب السوداء ويبكون عليه. وغالباً لا تكون هذه الزيارات إلا في شهر تموز. أما أتباعه فقليلون الأن البعض منهم في سوك شيخ (؟) والآخر في البصرة. واسمهم الأن الصابئون وأكثر عملهم في الصياغة ولا يزالون للآن يجرون شعائرهم الدينية بالتطواف حول كربلاء وليس الثياب السوداء وإنشاد المراثي. ويظن بعض الشيعيين أنهم يبكون على الحسين رضي الله عنه. وذلك من الاتفاقيات الغربية. أي أن يكون مشهد الأمام الحسين هو ذات مشهد تموز وقد تبين لي أن الكاتب المذكور قد أخطأ المرمى فأقول:

1 - لا يمكن أن تكون لفظة كعبة مأخوذة من كابلاً لأن هذا الحرف بهذا المعنى حديث الوضع بالإفرنجية بالنسبة إلى مثله بالعربية.

2 - إن بين اللفظتين كعبة وكابلا بونا عظيماً

3 - إن كابلا فرنساوية الأصل لا لاتينية. ومن تلك اللغة نقلت إلى هذه. والحال لا يمكن أن يعقل أمر أخذ العرب لفظة عن محدثي الفرنسيس.

4 - ولو فرضنا أن اللاتينية سبقت الفرنساوية في هذا المعنى فالعرب لم يأخذوا عن اللاتين لفظة تتعلق بأمور الديانة. إلا ما حدث منها في العصور الأخيرة

5 - وأما أن كلمة كابلا أطلقت على بعض المعابد المسيحية ككعبة نجران. فالتاريخ يخالف هذا التأكيد الزائغ عن الغرض. وأما أن كابلا مشتقة من كار بالا فهذا أمر يخالف كل معقول ومنقول. لأن وكاربلا فارسية وكابلا فرنساوية أو لاتينية على رأي ضعي ونصارى الفرس لم يعيروا الإفرنج لفظة واحدة دينية لتكون هذه اللفظة الثانية. أما كابلا فمشتقة من الحبرية أو الغفارة ويراد بها ثوب يشتمل به الكاهنة كالرداء عند القيام بشعائر الدين والظاهر أن اسم الكابلا وهي المصلى مأخوذ عند الإفرنج من غفارة أو حبرية وضعت في مصلى وتلك الحبرية كانت لأحد القديسين بمنزلة الذخيرة فسمي المصلى بها. هذا الذي ذهب إليه لتره وهو أرجح من كلام مكاتب تلك المجلة.

أما أن كابلا لا يراد به المسجد ولاسيما كعبة نجرأن فلأن المصلى أو الكابلا لا يكون فيه إلا مذبح واحد وأكثر ما يكون لأهل بيت أو قصر خاص. ولا يمكن أن يقال فيه القداس إلا بأذن أسقف الأبرشية والكعبة معبد عام. وتفسير كار بلا بالعمل الصلوي غريب فلفظة كار فارسية ومعناها العمل أو الشغل وبالا يعني لأعلى فيكون محصل المعنى: العمل الأعلىلا العمل الصلوي.

أما كون كار بلا مشهد النبي المذكور في التوراة في سفر ص14: 8 فالذكور في هذا الموطن أن هناك كانت نساء جالسات يبكين على تموز ولم يقل صاحب السفر الكريم أنه نبي. والمشهور عن تموز أنه من معبودات أفينيقية وكأن يسمى أيضاً أدو نيس ومن الأخبار الشائعة عنه أنه قتل وهو شاب في قرية غينية من الأصقاع المذكورة فناحت عليه أمه الزهرة أو عشتا روت. وهذه هي خرافة لا حقيقة لها وإنما كانوا يرمزون بها إلى الشمس وتقابلتها من حالة النور إلى الظلام في بعض فصول السنة. فكانوا إذا قدم الخريف يحتفلون بأعياد يدعونها جنازة تموز. فقول الكاتب أن تموز ولد في مدينة الأهواز فليس له من الحقيقة أدنى نصيب وأما أنه قتل هو وبنوه وأنصاره في كربلاء فحديث خرافة لا ذكر له في تواريخ الشرق. والمكاتب لم يذكر اسم هذه التواريخ ولا أصحابها الذين نطقوا بها.

وأما قوله: (وأتباعه قليلون اليوم. . . واسمهم اليوم الصابئون). فليس لهذا المعبود أتباع في بلاد العراق. والمتعبدون له كانوا في فينيقية لا غير. وحكاية قتلة موضوعه فكيف يقال بعد هذا أنه دفن هو وأتباعه في كربلاء. والصابئون لا يعبدون تموز قط. وهم لا يوجدون في سوق الشيوخ (لا سوك شيخ) ولا في البصرة بل كانوا هناك في سابق الزمان وهم الأن في الناصرية والعمارة وما جاورهما مكن القرى الصغيرة. والصابئون لا يترددون إلى كربلاء أبداً ولا يبكون أحداً في مواطنهم.

وعندي أن كربلاء منحوتة من كلمتين آشوريتين وهما: (كرب) و (إيلا) ومعنى الكرب: الحرم وأيلا: الإله. فيكون محصل المعنى: حرم الله أو حرم الإله كان لهم هناك وهذا يدل على أن هذا الموضع كان في سابق الزمن حرماً لإله من آلهة الآشوريين أو الكلدانيين أو ما ضاهأهم من أمم تلك البلاد المنقرضة الممحوقة. ووجود الإحرام (جمع حرم) عند تلك القرون أمر مشهور لا يحتاج إلى تنبيه الأفكار إليه. وعليه فكانت كربلاء في سابق العهد إما بمنزلة الحرم لأحد الهتهم. وإما إنه كان فيه محراب أو هيكل يعبد فيه. لأن لفظة (حرم) عند الآشوريين (وكذا عند الوشيين والحبش) تعني كلا الأمرين يعني الحرم والمحراب.

والظاهر أن (الكرب) مبدلة من لفظة (الحرم) أو هذه من تلك. فقال بعضهم فيه (الحرب) على لغة مازن أي ممن يبدل الميم باءً كما قالوا: البوباء والموماة. والصرم والصرب ورجل بجباج ومجماع الخ. ومن بقايا الحرب بالعربية المحراب وهو بمعناه أو يكاد. ولا جرم أن (الكرب) بمعنى (الحرم) كان معروفاً عند بادية العرب ثم أميتت اللفظة بعد أن ولد من عقبها لفظ محراب فعاش إلى يومنا هذا بعد أن قتل ذاك ولما صارت الكلمة بلفظ الحرب تلقاها عرب آخرون من مجاوري الأشوريين أو تلقى الأشوريين اللفظة عن العرب أو لما اختلط الأشوريون بالعرب وكان يصعب على الأشوريين النطق بالحاء إذ هي غير موجودة في لسانهم أبدلوها بالكاف وفي بعض الأحيان بالخاء فإنتقلت اللفظة من صورة (حرب) إلى صورة (كرب). بل أن بعض العرب كانت تبدل أيضاً الحاء كافاً. فقد قالوا الحثحث والكثكث. وأكثر النخل وأحثر الكأبي والحأبي.

ووقوع حرفين مبدلين في الكلمة الواحدة غير منكر عند العرب فقد قالوا: السبت والشبت ولغنك ولعلك وفلان منسرح من الكرم ومنسلخ. إلى أخر ما هناك وعندنا غير هذ1هـ الأمثلة تربي على المئات.

وأما من ذهب إلى أن كربلاء منحوتة من (كرب) و (بلاء) فمن الأقوال السخيفة الواهنة التي لا تحتاج إلى إظهار ما فيها من بعد التأويل واسم الموضع معروف قبل وجود العرب فيه. فتأمل.

وأسخف من هذا كله قول أن كربلاء سميت بهذا الاسم أخذاً من الكربلة مصدر كربل. وكربل الشئ خلطه لأن ترابها مخلوط برمل. وقيل من كربل الحنطة غربلها لأن ثراها يشبه أن يكون مغربلاً وقيل من كربل الرجل: مشى في الطين وكربل فلان: ة خاض في الماء وذلك أن الأمطار إذا كثرت في كربلاء لا يوجد للرجل وسيلة سوى المشي في الطين أو الخوض في الماء. وفي كل ذلك من التعسف في التأويل ما يكفينا مئونة في الخوض في تفنيد هذه الأقاويل. فأحفظه

وأما أصل لفظة الكعبة فعندي أنه عربي محض لأن الكعبة عندهم الغرفة وكل بيت مربع وهذا يشير إلى أصل وضع الكعبة في سابق العهد. هذا فضلاً عن أن مادة (ك - ع - ب) تدل على التجمع والأمتلاء ومنه كعبت الجارية نهد ثديها. وكعب فلأن الإناء: ملأه وهذا يشير إلى أن هذا البيت كان يجتمع إليه الناس من كل حوب وصوب والظاهر أن هذا الأصل أن هذا الأصل الثلاثي من أرومة ثنائية الجرف يعين) ك - ب) ومنه كب الشئ: ثقل (وبثقل عند تجمع جواهره أو دقائقه) والغزل: جعله كبباً. والكباب: الكثير من الإبل والغنم والتراب والطين اللازب والثرى وما تجمد من الرمل. والكبة الجماعة من الخيل والجروهق من الغزل والإبل العظيمة والثقيل. . . إلى آخر المادة فإن معنى التجمع لا يزال معقوداً بناصيتها

وقل مثل هذا القول إذا بدلت الكاف حرفاً يقاربها ويكثر التبادل بينها. يعني (ق - ب) تقول قب النبات: يبس (اليبس لا يخلو من تجمع في أجزائه) والقب: الرئيس والملك والخليفة (أي الذي تجتمع عنده لغرض من الأغراض) إلى أخر ما هناك من مثل القبة. وهو بناء سقفه مستدير مقعر معقود الحجارة على هيئة الخيمة. . .

وكذلك إذا أقحمت العين بين القاف والباء فإنه ينهض ناهض بين يديك هو القعب والقعبة. فقعب الحافر كان مقبباً كالعقب. والقعب: القدح الضخم الجافي (الذي يجمع السوائل) والقعبة: شبه حقة للمرأة (تجمع فيها أدواتها) والقعبة: النقرة في الجبل (يجتمع فيها الماء) والقعيب: العدد الكثير (المجتمع بعضه إلى بعض). . . الخ

وإذا استقريت مبدلات الحرفين وما يقحم بينهما لا تقع إلا على مثل ما مر بك. وهذا كله يدل على أن الكعبة من أصل عربي قح معناه التجمع تتجمع الناس فيها كما تتجمع دقائق السوائل ونحوها في الإناء. ولقد اتخذ العرب والعجم في السابق وفي هذه الأزمان معنى لفظ الإناء وما جاء من هذا القبيل لمعنى محل التجمع فهكذا قالوا في معنى الكنيس والكنيسة وهكذا قالوا في بعض الألفاظ التي تدل على السفن.

ولا تظن أن مادة (ك - ب. أو ق - ب. أو - ك - ع - ب. أوق - ع - ب) خاصة بالعربية بل قد وردت أيضا بهذا المعنى في اليونانية. فإن اللغة العربية يقولون (قنبي) كما تقول العرب: قنب وذلك في بعض معانيها. وقالت اليونان (كوبي) كما قالت العرب (كوب) وقالت اليونان (قوبس) كما قالت العرب: كعب وكعبة ومكعب.

ومن ثم فإذا أراد بعضهم أن تكون الكعبة من أصل أعجمي فلا تكون إلا من أحد هذه الألفاظ اليونانية الثلاثة المذكورة إلا أننا نقول ونقول دائما أنها عربية العمومة والخونة أما لفظة (مكة) فالذي يظهر لنا في أصلها أنها آشورية من (مكا) ومعناه (البيت) من باب التغليب. كما أن الكعبة معناها: البيت المربع. ووجود الأشوريين في بلاد العرب أمر لا شبهة فيه. والدلائل كثيرة بهذا الخصوص نكتفي بإيراد واحد منها وهو قول علي حين سأله أعرأبي عن أصل قريش: (أننا نبط من كوثى) وقد اتفق أغلب المفسرين وأثبتهم قدماً في العلم أن المراد بكوثى العراق وسكانها كانوا أشوريين فإنتقال الأشوريين الكلدانيين إلى مكة في سابق أمر لا ينكر ولاسيما بعد الاكتشاف العادية التي حسرت اللثام عن أسرار جمة كانت خفية عن عيون الأنام وربك أعلم بحوادث الأيام والأقوام.

أحد قراء المقتبس