مجلة المقتبس/العدد 25/نبأ مصر

مجلة المقتبس/العدد 25/نبأ مصر

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 2 - 1908



(وحالة الاجتماع فيها للسنة الماضية)

نسيمٌ بوادي النيل غير بليلِ ... وظلٌّ بهذا الروض غير ظليل

فلا الأرض تلك الأرض خصباً لأهلها ... ولا النيلُ في أرض البلاد بنيل

نفضنا يدينا وانزوينا مذلةً ... وأضيع ما في الناس حقُّ ذليلِ

لنا كل يوم ألفُ رأي وما لنا ... عليها من الأفعال فرْدُ دليل

نقلد ألفاظ السياسة عمرَنا ... ونذهل عند الحزم أيَّ ذهولِ

ويا بعد ما بين (الصليل) وهوله ... وإن قربا لفظاً وبين (صهيل)

فلاسفةٌ فيما نقول فلم نزل ... نصول على الدنيا ببعض ما نقول

وما من حديث بات غير مشقق ... ولا من جدال بات غير فصول

أفي كل يوم كاتبٌ يشرع القنا ... ليقلب جنب الأرض بعد قليل

أفي كل يوم صارخٌ ذو حميةٍ ... يضجُّ بقال في البلاد وقيل

أفي كل يومٍ شاعرٌ ذو حفيظةٍ ... يخط سطوراً من دماء قتيل

أيحسب ميزان السياسة في الورى ... كميزان مفعولاته وفعول

وأنبئتهم يستصرخون ليوقظوا ... نياماً بليلٍ في المطال طويل

فيا باذخ اليمّ اضطربت ولم تزد ... على نزوات أُعقب بخمول

أألآن والغرس والذي تمطرونه ... ملايين لم تثمر ببعض عقول

صغارٌ وجبنٌ خالعٌ في كبارهم ... وأصغرهم غالته لفظة غول ... كما خال قصراً ناظرٌ لطلول

ولا طول فينا غير نوع تطاولٍ ... ولا فضل فينا غير بعض فضول

بكل سبيل نزمع السير للعلى ... ونرتدُّ للسفلى بكل سبيل

تآدوا لغايات المنى بأداتها ... فما جلَّّّ لا يبغيه غير جليل

ألا إنما الداءُ الغميض عقولنا ... وما شجرٌ ينمو بغير أصول

وأهون بتفريج الأمور ولفها ... إذا لقيت يوماً لغير جهولِ

تباين ما بين الرجال وكلهم ... على زعمه بالأمر خير كفيل فيا عصبة الأحزاب ردوا حلومكم ... وجرُّوا على غير الثرى بذيول

فقد سطعت في مصر منك عجاجة ... ولكنها لاحت بغير صليل

عجاجة صيفٍ قد أثارت قتامها ... خيول سباقٍ لا ضراغم غيل

وما أنتم في أمر شيءٍ من الهوى ... فما بال واشٍ بينكم وعذول

وأحييتموها سنةً جاهليةً ... عداء أصيل فيكم ودخيل

تخلوا بأمر العلم واستجمعوا له ... قواكم فإن العلم خير دليل

ولا تخلطوه بالنفاق تقيةً ... وجبناً فظهر الحق غير ذلول

فما لكم إلا الذي تعملونه ... وإن تبدلوا منه قشر بديل

ألما تزالوا قاصرين فأمركم ... ضياعٌ إذا لم يعتصم بوكيل

تقوا عارها من سُبةٍ تتركونها ... لجيلٍ ويلقيها الزمان لجيل

أرى فئةً كالغانيات تدللاً ... تميل مع الأهواء كل مميل

تخال الفتى منهم على ظلمة النهى ... لألوان ثوبيه سماء أصيل

ملولٌ كما شاء الهوى واقتداؤه ... بمن حوله من خلةٍ وخليل

وما وجد الأعمال يوماً إنما ... ليستحسنوا فيه دلال ملول

وظن الفتى أن التمدن أثوي ... فتابع فيه كل ذات حليل

تماجن في أشكالها من صبغٍ ... إلى كل مجلوٍ وكل صقيل

إلى اللفظ حتى ما تكاد شفاهه ... تبين بلفظٍ منه غير نحيل

دلال جميل بالجمال مهنا ... فآهٍ عليه من دلال جميل

أولئك هم شبابنا لو عرفتم ... وهم كل من في مصر غير قليل

مظاهر نبلٍ نافقوا في اصطناعها ... ألا قبحت من صنعة لنبيل

أحلنا على غيب القضاء همومنا ... وأية سلوى في القضا لمحيل

وما نحن أهل الحكم ندفع دفعهم ... فإن لم ينيلونا فأيّ منيل

هم عوَّدونا الذل ثم تطوّلوا ... فمنّوا علينا بين كل قبيل

ومن عوَّد الذل الرجال حلاله ال ... فخار إذا ما قابلوا بقبول

فيا مصر أنت السيف صقلاً وجلوةً ... ولكن بلا حدّ (ولو بفلول) ويا كفَّ مصر ذلك السيف والوغى ... فإن تستطيعي بعد ذاك فصولي

فجعنا بما لا تضمرون حِذارَهُ ... وأكثرنا من عالةٍ ومعيل

فيا شؤمها من أزمة تركتكم ... وأولاكم بالفخر كل بخيل

وكم أسرةٍ تمسي المضاجع منهم ... تقلب طول الليل كل هزيل

يعدُّ رغيف الخبز فيهم وليمة ... لدى كل منضم هناك ضئيل

أخاف على أرض البلاد ونيلها ... ذهابهما رهناً لكل نزيل

فنمسي على نيل البلاد وأرضها ... كأنا على ماء (وبعض وحول)

جربتم سراعاً للغنى تطلبونه ... بكل طريق فاهنأوا بوصول

وإما أراد المقعدون سلامةً ... فما لصعود بينهم ونزول

تصيحون بالمحتل تستعبدونه ... مراغمة ما أنتم بعدول

ألا فاطلبوا إثباتنا في بلادنا ... فإن ضياع الملك بدءُ رحيل

ومن يطلب الأمر البعيد ويهمل ال ... قريب يُضع أمريه بعد حصول

أتظما نفسي الآن والماء في يديّ ... وأترك للأنهار بلَّ غليلي

فلا تتوانوا إنما الوقت فرصةٌ ... تمرُّ ومرُّ الوقت غير ثقيل

مصطفى صادق الرافعي