مجلة المقتبس/العدد 33/جيران الفراعنة

مجلة المقتبس/العدد 33/جيران الفراعنة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1908



نشر المسيو جبرائيل مدينا في المجلة التونسية فصلاً إضافياً في أصول شعوب الأرخبيل في البحر الرومي وأحلافهم الليبيين الأفريقيين مستنداً فيه إلى ما عرف من الآثار المصرية والمصانع المصورة في آسيا الصغرى قال فيه ما تعريبه:

عرض المسيو إيفانس في مؤتمر الجمعيات العلمية الدولي الذي التأم في موناكو سنة 1907 نتيجة أعمال الحفر التي قام بها في كنوس عاصمة جزيرة كريت القديمة وهي حفريات ظهر بها مواد كثيرة يرجع عهدها إلى قدم الأزمنة في تاريخ كريت ويستدل منها على أمور كانت غير معروفة عن حال مدينة قامت في تلك البقاع. وقد أطلق هذا المكتشف على ما عثر عليه من بقايا الآثار اسم المينوئية وإن دلت كلها في الجملة على أنها صنعت على مثال الآثار الليبية المصرية دلالة لا يتمارى فيها اثنان.

وقد نشر الآن المسيو هوغو ونكلر أستاذ كلية برلين كراسة صغيرة ذكر فيها ما عثر عليه أثناء حفرياته في بوغاز كوي وهي مشهورة بنقوشها البارزة الهيتية وكان من حظ هذا العالم أن يضع يده على السجلات السياسية لملوك الهيتيين مما يرجع على الأقل إلى خمسمائة سنة قبل الميلاد.

وبين الألواح التي ظفر بها الأستاذ ونكلر الصور الأصلية من الرسائل التي بعث بها ملك الهيتيين إلى الأمراء الخاضعين له ونسخة من المعاهدة التي عقدت بينه وبين رعمسيس الثاني بعد موقعة قادش وهي المعاهدة التي عرفناها من الترجمة البديعة التي ترجمها المسيو ماسبرو منقولة عن الأصل المصري الذي وجد في الكرنك. ولقد عثر المسيو ونكلر أيضاً على نحو مائة قطعة من القرميد محفورة من أطرافها فيها بضع مئات من السطور المكتوبة بحروف المسند ولكنها كتبت باللغة الآشورية والهيتية وهي اللغة التي لم تنحل حتى الآن.

وقد ظهر من حال بعض الألواح الآشورية أن بليدة بوغاز كوري كانت عاصمة المملكة الهيتية على عهد عظمتها وارتقائها أي في القرن السادس عشر إلى القرن الثلاث عشر قبل المسيح لا مدينة كركميس كما كان يظن من قبل. وأن تلك العاصمة كانت تسمى خاتي وبهذا استبان مقر تلك الأمة وعليه فإنا نقول أنها كانت في إقليم كابودسيا لا في الوادي الغربي من الفرات الأوسط كما كانوا يزعمون حتى الآن.

وإذا اغتبطنا بهذين الاكتشافين فذلك لأنهما يقفان بنا على حقيقة تاريخية في منشأ الليبيين وأصولهم كما عرف تاريخ مصر عندما انجلت الكتابة التي كانت كتبت بها مدارج البردي والكتابات المزبورة على مصانعها وعادياتها.

ذكرنا في كتابنا مملكة البحار المصرية على عهد توتيمس الثالث كيف كانت حال مصر من حيث جنديتها على عهد الدولة الثامنة عشرة من الارتقاء والعظمة ولاسيما في زمن توتيمس هذا. أما في زمن الدولة التاسعة عشرة والدولة العشرين فقد انحطت جندية مصر. وتبعث الكتابات المصرية القديمة التي كتبت على ذاك العهد على التخمين بأنه لم يكن للفراعنة إذ ذاك أساطيل في استطاعتها أن تؤيد سلطان مصر على البحر المتوسط وتحاول أمم الأرخبيل (بحر ' يجي) في الشمال أن تهاجم مصر من طريق الدلتا. والهيتيون من الشرق والليبيون من الغرب والعنصر القوشي نسيب الليبيين من الجنوب وكلهم يحاولون الإغارة على وادي النيل. والظاهر أن هذه الأساطيل وهذه الجيوش وإن كانت تعمل كل منها منفصلة عن الأخرى لكنها كانت تعمل بإشارة خاتي عاصمة مملكة هيت وهي العدوة الزرقاء لملوك مصر منذ سقوط ملوك الرعاة.

وقبل درس حال هؤلاء المتحالفين أو الأمراء التابعين لمملكة هيت جماعة جماعة يجب أن نبين عناصرهم وأصولهم أولاً. فإذا أخذنا شعوب الأرخبيل وهذا الجزء من قارة آسيا فإنك لا تراهم إلا مزيجاً من الشعوب البحارة الذين كان يطلق عليهم في القديم البلاسج فكان أصل بعضهم من كريت وبعضهم من الشوطئ الغربية في آسيا الصغرى فهذا الشعبان بحسب رأي الباحث أربوا دي جونيفيل من أصل واحد بيد أن التاريخ اليوناني إذا طبقناه على الاكتشافات الأثرية الحديثة يداخلنا الشك في صحته وكذلك المكتوبات المصرية المزبورة على المصانع والمعاهد فإنها تميز الشعب الأول باسم بلست والثاني باسم تورسها ويظهر أن الأول كان من الفيلستينيين الذين هم معدودون من سلسلة النسب بحسب رواية سفر التكوين من أخلاف مصرائيم ومن فرع كسلوحيم. ويظهر لنا أنهم ليسو سوى ليبيين مصريين الذين قال المؤرخ بلين والجغرافي بومبينوس ميلا أنهم نازلون على التخوم الغربية من مصر وسماهم المؤرخ هيرودوتس بالأدرماشيديين. وبهذا عرفت أن أصل الكريتيين والفيلستينيين ليبي مصري على ما ثبت من الحفريات الحديثة التي حفرها المسيو إيفانس في جزيرة كريت إثباتاً لا يحتمل الأخذ والرد.

ولكن هل نشأن احتكاك ليبيا ببلستا في زمن سبق عهد أمم البيلاسج بما كان بين القطرين من لاصلات أو هو ناشئ من صلات تجارية ليس إلا؟ أما نحن فلا نسلم بهذا الفرض بل نقول فقط أنه ناشئ من وحدة أصولهما واتحادهما في المعتقدات وتذكرهما بأن لهما أصلاً واحداً بين السكان المتاخمين للآريين في الشاطئ الشمالي من آسيا الصغرى وكريت وليبيا.

فالبيلاسج الكريتيون يمتازون عن البيلاسج التورسانيين بأخلاقهم النابية عن الآداب والحشمة مثل مخالفتهم الفطرة في الشهوات وتصويرهم أعضاء التناسل في كل مكان فترى في ليبيا وكريت وآسيا الصغرى أن هذه العادة شائعة في كل مكان وقد ذكر هيرودتس أن في كل مكان انتشرت فيه عبادة الكابيريين الكنعانية سواء كان في كريت وساموتراس ولمنوس كنت ترى أن رمز أعضاء التناسل معروضة على صورة تعبدية. ويقول المؤرخ سترابون أن مثل هذه الصور كانت تنقش على الحجر في أبواب مدينتي لامبساك بانوبوليس احتراماً لها وإكراماً.

وقد ذكر المسيبو ستارك فيما جمعه من الساطير عن صقع جبل سيبيل أن الملك تانتال الذي كانت عاصمته على خمسة كيلومترات من أزمير تجاسر في خلال إحدى الحفلات أن ينازع الرب زيوس في النعم التي أسداها إلى الأميرة جانيد فأهلكه المشتري عقوبة له ولأمته. وقد زرت بلاد سيبيل منذ بضع سنين وتعهدت خرائب تانتاليس وقبر ملكها تانتال وكلها تدل على قدمها وتدل جميع القبور التي كشفت بالحفر على عبادة آلات التناسل كما أن أديم الأرض يدل على حقيقة لا جدال فيها وهي أن تلك البلاد كانت عرضة للحوادث الأرضية.

وفي التقاليد اليونانية أن أصل تانتال هذا من جويرة كريت وهو مننسل الرب زيوس وأبوه زحل رب ليبيا وهذه القصة أشبه بما ورد في التوراة من قصة قوم لوط في سدوم الذين غضب الله عليهم فأهلكهم ولم نذكر قصة تانتال للدلالة على أن أقدم تقاليد مبونيا (وأليديا) تشعر بأن ما أتاه قوم لوط قد انتقل إلى سكان هذه البلاد وليس هو من اختراعهم.

أما البلاسج التورسانيون الذين يمتازون كما قلنا عن البلاسج الكريتيين فالظاهر أن العبادة المألوفة عند الكريتيين كانت مألوفة أيضاً عند التورسانيين بدون أن يصوروا الرجال عراة وكانت الصور عندهم على جانب من الوقار والطهر وسلامة الأدب على أنهم لم يستنكفوا عن تعرية النساء وقد اكتشفت في جزائر الأرخبيل من مدينة تارس مئات من تماثيل النساء عاريات وقد جعلن أيديهن على صدورهن. وهذه التماثيل ليست من التماثيل الفينيقية فكان على ما يظهر من طبيعة هذا الشعب أن يعنى كثيراً بجنس النساء ولذلك وجد في بلادهم ويظهر أنها سيلسيا عدة بيوت خاصة بالنساء كما وجد في أقليم كابادوسيا مدن مثل زليا وكومونا وبسينونت سكانها كلهم من أهل الفاحشة من الجنسين وكهنتها خصيان والفجور فيها مقدس وشائع. وأكد الجغرافي سترابون الذي ولد في أمازا في وسط بلاد البحر السود أنه مكان في عصره في مدينة فنازا من أعمال موريمينيا معبد كان فيه ثلاثة آلاف فاحشة ومثل هذا القدر في مدينة بسينونت وفي مدينة كونا ستة آلاف.

أما زيليا فإنها كانت مأهولة خاصة بالمقدسات من المومسات وهذه المدينة معتبرة بأنها مقر هذه العبادة حيث كان يقيم حبرها الأعظم تحيط به خدمة كثيرون ويحكم حكماً مطلقاً على اولئط الفاشقات المعروضات لكل قادم. وكانت هذه المعابد منتشرة فيالخمس ممالك الآسياوية يعني في جميع آسيا السالفة ومنها أودية ما وراء سلسلة جبال طوروس وطوروس أمازيوس ويظهر أن وجود هذه المعابد في جميع الطريق الآخذة من تارس إلى خليج فارس ومنها إلى البحر الأسود يدل على وجود هذه الأسواق الكبرى من النساء المستعبدات الفاسقات اللائي كن يقربن التجار من جميع الأمم الذين يأتون مع القوافل أو في البحار وربما نشأ من هنا ما نراه الآن من الأسواق العامة والخانات التي لم يزل لها أثر حتى اليوم في آسيا الصغرى.

أما البيلاسج التورسانيون فقال هيرودتس في سبب أصلهم أنه حدثت مجاعة هائلة خربت إقليم ليديا على عهد الملك أتيس ابن مانيس فاستسلمت الأمة لها زمناً ولكنها ما فتئت تفتك بهم ولما لم يجدوا سبيلاً للخلاص منها أخذ كل واحد يفكر في طريق لنجاته وعلى ذلك العهد اخترعوا زهر النرد والكعاب والكرة وسائر اللعاب فكانوا يتراوحون كل يومين بين اللعب والأكل فيقضون اليوم الأول بطوله في اللعب لئلا يفكروا في الطعام وفي اليوم التالي يتوقفون عن اللعب ويأكلون. وبفضل هذه الواسطة دام القحط ثماني عشرة سنة وهي بحالها لا تزداد إلا شدة فعندها نادى الملك في قومه فقسمهم شطرين ثم اقترع بينهما فقسم وقعت عليه القرعة بالسفر وقسم بقي في البلاد.

أما الملك فبقي مع المقيمين وأقام ابنه تورسينوس ملكاً على المهاجرين فذهب هؤلاء إلى أزمير وأنشئوا سفناً جعلوا فيها كل ما يحتاجون إليه من الزاد في رحلتهم الطويلة وأقلعت سفنهم تطلب أرضاً تطعمهم وشطأوا (حاذوا شواطئ) أمماً كثيرة حتى بلغت بهم خاتمة مطافهم إقليم أومبيريا (من إيطاليا وهي ولاية بروز اليوم) فأنشئوا فيها بيوتاً لم يزالوا ساكنين فيها حتى الآن وغيروا اسمهم وتسلموا باسم ملكهم فدعوا التورسانيين.

هذه القصة التي أوردها هيرودتس على حقيقتها لا تقبل بجمالها وذلك لأن هذه المجاعة التي دامت ثماني عشرة سنة وهذه الحيلة الصبيانية من اختراع الألعاب ليدفعوا عنهم آلام الجوع قد ظهرت للعلماء من العبث وتجلى أصل الإيتروسكيين الليدي من أساطير الأقدمين للقدماء والمحدثين. وللوقوف على ذلك لا يرجع إلا التقاليد القديمة بل إلى ما ظهر من المكتوبات والآثار المحفورة في مصر وآسيا الصغرى وبالمقابلة بينها يستنتج بأن أتيس الذي ذكر خبره هيرودتس لم يكن ليدياً بل أن الآثاؤ التي وجدت في مدينة خاتي عاصمة الهيتيين ومدينة عبو والألواح التي اكتشفها ونكار في بوغاز كوي كلها تدل على أن أتيس لم يكن ملكاً لميوبيا فقط بل ملكاً على مملكة واسعة كانت ليديا بأجمعها من جملتها وتدجل الكتابات المصرية والرسوم البارزة في آسيا الصغرى على ذلك كل الدلالة. والمصانع المرسومة كتاب من التاريخ لا يكذب ولا تجد له مثيلاً في الأساطير القديمة والتقاليد المتعارفة عن الأمم البائدة بواسطة هذا الكتاب تضمحل النظريات والأفكار الواهية المبنية على تخمينات لا يمكن الجمع بينها وتنجلي الحقيقة كالشمس رأد الضحى.

في الطريق الموصلة من ساردس إلى أزمير قرية معروفة عند الروم اليوم باسم نينفي ويسميها الأتراك قره بكلي وهناك ساعد من سواعد نهر الهرموز يخرج من صخرة ويشرف على مجرى طوله خمسون متراً وترى داخل تلك الصخرة كوة علوها متران ونصف وفيها صورة تمثل محارباً يلبس على رأسه تاجاً مقرناً على مثال قبعات ملوك الهيتيين وهو لابس قميص قصير على مثل ما نراه في المصانع المصورة في أيوك أو بوغاز كوي وهذا التمثال يحمل بيده قوساً وفي الأخرى رمحاً ويلبس في رجله حذاءً ذا رأس طويل منحن. وقد كتبت من جانب رسم الصورة ستة حروف باللغة الهيتية إلا أنها لا تقرأ ولم يستطع أحد أن يحلها. وقد قال هيرودتس نقلاً عما ذكره له كهنة المصريين من غزوات رعمسيس الثاني الموهومة في آسيا الصغرى أن هذه النقوش البارزو هي رسم سروستريس ملك مصر أما اليوم فلا يتردد أحد من الاعتراف بأن هذا الرسم هو رسم مجاهد هيتي وربما كان تي خاتي بالذات أو أتيس الذي ذكره هيروديتس وهما وليست هذهالصورة وحيدة في بابها بل أن المسيو هومان اكتشف واحدة مثلها في أفيس وهاتان الصورتان هما صورتان مزورتان لسروستريس خدع بهما هيرودتس وهما شاهدتان للأعقاب بامتداد سطوة الهيتيين العسكرية في آسيا الصغرى. ويستفاد من تطبيق تاريخيهما أن هذين النقشين البارزين يرد تاريخهما إلى القرن الخامس عشر قبل المسيح.

وقد ذكر في الآثار المصرية التي وجدت في مدينةعبو في ذاك التاريخ نفسه خبر ثورة عظمى بين الشعوب في تلك البلاد من قارة آسيا واسم هذه الشعوب الثائرة المنيريون والميونيون والليسيون والموشيون والدرادانيون والكاريون الببدارزيون. وقد قيل أن جميع هذه الشعوب كانت من تراسيا أو فرغانة على أنه لميجر ذكر للبريج أو التراسيين بين تلك الأسماء ويحق ما لاحظه المسيو جورج برو بقوله: أليس من المحقق أن الفرغانيين لو سكنوا شبه الجزيرة الشرقية (بين الإدرياتيك والأرخبيل) لكانوا انجذبوا طوعاً أوكرهاً بالحركة العظمى بين تلك الأمم وأكرهوا أو أغووا على الانضمام إلى النزول إلى سورية على أنه ليس في قائمة الشعوب التي دعاها الهيتيون إلى مساعدتهم ولا في تسمية كهنة الهيتيين لهم فيما بعد بشعوب البحار ذكر لاسم الفرغانيين.

وإذا لم نجد في كتابات تلك الأعصر إشارة للهيتيين ألا نستنتج من ذلك أن التراسيين لم يجتازوا بوغاز الدردنيل وأن أحلاف الخاتيين لم يكونوا أوروبيين ولا تراسيين؟ وغذا تركنا الكتابات المصرية جانباً ونظرنا في كتابات التوراة التي هي أحدث منها فإنا نبدأ بحسب الطريقة التي اختارها كاتب الإصحاح العاشر من سفر التكوين أي بأن نتتبع أجيال الناس من الغرب إلى الشرق فيتجلى لنا أنه جعل في مقدمة أولاد يافث الشعوب التي هي نمن بلاد الشمال وفي سكان الجنوب الجافانيين أو الروم وقد أتى بهم بجانب التيرانيين والموشيين الذين ذكرهم هيرودتس. ولم نر للفرغانيين أو الكومريين ذكراً لهم وهم شعوب وسط بين سكان الأرخبيل والآسياويين. ويرى أحبار اليهود أنالتراسيين هم الإسكينازيون إلا أن هذا مجرد فرض منهم لا يفهم من نصوص العهد القديم وإذا أطلق هنا على إقليم فرغانة اسم أفريقية فهذا أيضاً ري من الآراء لا حقيقة من الحقائق الثابتة. ثم أن بعض الشراح من الربانيين قالوا بأن الترشيشيين هم من التراسيين بدون أن يدركوا أن التوراة قد جعلت ترشيش بن جافانا واسكنار بن كومر على أن هذين الفرضين لا يمكن تطبيقهما من الوجهة الجغرافية والشعبية على نصوص شرح التوراة.

وليس في الكتابات اآشورية شيء بشأن التراسيين أو البيرجيين سكان آسيا الصغرى. جاء في التواريخ الآشورية المحفورة على اسطوانات من الأجر (الطوب) المحفوظة في المتحف البريطاني ذكر ملك مداس أوميتا وورد على صورتين (ميتا) ملك الموسخو وميتا ملك الموسخاي أي ميداس ملك الموشيين أو ميداس الموشيني لا ميداس الفرغاني كما يزعم ذلك كتاب اليونان.

وقد طاف المسيو بيرو إقليمي ليديا وكابادوسيا طواف عالم أثري وقابل بين مصانعها المختلفة فرأى أن هذه التناقضات لم تنشأ إلا من ضعف إرادة هوميرس في نسبة أصل أبناء وطنه إلى فرع أوروبي لا إلى فرع آسياوي. ومن تأمل فرأى أن ليس من أحد بين اليونان كان يود مناقضة هوميروس كما أن الباحثين في أوروبا قديماً عن أصول التاريخ كانوا يعنون قبل كل أمر بتوفيق أقوالهم على نصوص التوراة ـ يدرك في الحال السب الذي دعا إلى التفاسير القديمة والحديثة لم يتيسر لها أن تخلص من هذه الوجهة المهمة من سلطة التقليد.

وكذلك الحال في البيتيتيين والتينييين والميزيين والذيم أرادوا أن يلصقونهم بالأصل التراسي. وإنما نكتفي هنا فقط بأن نقول أن في اللواح الآشورية ذكراً لبلاد في آسيا الصغرى اسمها بيت أني أو أنو وهي على التحقيق ليست من أصل تراسي وقد رسم أنو هذا في الأساطير الكلدانية على صورة رب سمكة أو رب السواحل البحرية. على أن الأثري شلمان اكتشف في اليسيرليك على بضعة كيلومترات من المكان الذي يزعمون أنه مقر الفرغانيين على عمق ستة عشر متراً في الأساس الذي دعاه قصر بريان على عدد كثير من الأواني والصحاف عليها صورة سواستيكا أوالصليب (المقلوب) الذي يرى بريخ مدير المتحف البريطاني أنه رمز أنو. وأنت ترى أن في مسائل أصول الشعوب صعوبات جمة واختلافات كثيرة في التأويل أما نحن فلا نجزم فيما نقول بل نقول بأنه من المحتمل كل الاحتمال أن الشعوب البائدة كان بينها قرابة ويجب التوفيق في ذلك بينها إلا فإذا خانتنا النصوص الموروثة عن عصورهم وظهورهم في التاريخ أو إذا رأيناها تسكت عنهم فإن الشك يسمح به والتأكيد المطلق غير مقبول.