مجلة المقتبس/العدد 33/سير العلم والاجتماع

مجلة المقتبس/العدد 33/سير العلم والاجتماع

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1908



تعليم الشعب

كثرت مدارس الشعب في أوروبا كثرة زائدة بفضل المنورين من أهلها. ومدارس الشعب هي مدارس تعليم عامة الناس في المدن والأرياف ما فاتهم أن يتعلموه في المدارس في صباهم تنوع فيه التعليم على أساليب كثيرة وقد كانت انتشرت أول الدعوة إلى إنشاء مدارس العشب أو العامة في الممالك الصغرى سنة 1810 في الدانيمرك على يد رجل منها اسمه كرواندويك وما برحت المدارس فيها تكثر حتى أصبح فيها نحو تسعين مدرسة عالية لتعليم العامة يتخرج منها كل سنة نحو سبعة آلاف طالب وطالبة وكلهم لا تقل سنهم عن 18 ولا تزيد عن 25 ولو لم يتعلم أبناء الفلاحين هذا التعليم العالي بعد فوات السن ما تيسر لهم تصدير حاصلات بلادهم ومصنوعاتها إلى الخارج والغاية الأولى التي يرمي غليها السائرون على خطة كرواندويك أن ينشروا المعارف بين جميع الطبقات وقد انتقلت طريقتهم هذه من الدانيمرك إلى نروج والسويد وإلى فنلندا وكل بلد من هذه البلاد تحاول صبغ مدارس الشعب بصبغة تلائمها وتلقى فيها من العلوم ما له مساس بقيام عمرانها واجتماعها كأن تعلم فنلندا مثلاً الموسيقى لأنها محبوبة من الأمة وفيها أربعمائة جمعية لتعليم العامة فن الموسيقى وفي فنلندا ونفوسها لا تتجاوز الثلاثة ملايين 35 مدرسة عالية لتعليم الكبار من عامة الشعب ما يلزمهم من هذه الحياة مما لم يسعدهم الحظ بتعلمه صغاراً.

الأولاد الفاسدون

استعمل الدكتور بريللون طريقة جميلة في التربية لإصلاح نفوس الأولاد الفاسدين كالذين اعتادوا السرقة دون أن يستفيدوا مما يسرقون ويسمي الأطباء عملهم كبتوماني أو الذين يألفون بعض العادات الضارة كقضم الأظافر وغيرها فعمد إلى تنويم من أراد إصلاحه تنويماً مغناطيسياً وألقى إليه قطعة من النقود وأوعز إليه أن يتناولها فيسرقها ثم يقول له أن يرجعها فيرجعها ويوبخه على عمله ويقول له عليك أن لا تعود إلى مثل عملك هذا. . وهكذا يتعلم السارق بالاستهواء أن يكف عن عادته قال وهذه الطريقة أنجع من جميع الطرق الأدبية والطبيعية التي اتخذت في إصلاح مثل هذه النفوس حتى الآن.

الزجاج في مص كتب أحد علماء الآثار في المجلة الثرية الفرنسوية يقول أنه كان من التقاليد الشائعة أن الفينيقيين هم الذين اخترعوا الزجاج ومنذ حل الخط المصري القديم تبين أن كثيراً من الأواني الزجاجية الملونة التي اشتهرت بأنها فينيقية قد نقش عليها اسم فراعنة مصر وقد أبان أحدهم أنه وإن ثبت وجود أواني زجاجية مصرية أو يونانية صنعت قبل الإسكندر فلم يثبت وجود معمل فينيقي في فينيقية وبذلك تبين أنه لم تنتشر صناعة الزجاج في سورية إلا على عهد السلوقيين خلفاء الإسكندر ولاسيما على عهد الرومانيين وقد ثبت الآن أن سورية وبلاد دجلة والفرات لم تعرف الزجاج قبل العهد اليوناني وأن الآنية الآشورية الوحيدة التي نقش عليها تاريخ وحفظت في المتحف البريطاني وكتب عليها اسم سراغون الثاني هي بدون ريب من أصل مصري كما ثبت ذلك من شكلها ووضعها. وكما يؤخذ من علبة مرصعة بالزجاج الأسود والأخضر وجدت في حفريات أبيدوس. وقد اقتنى متحف برلين مؤخراً عصا قائمة الزوايا طولها بضعة سنتمترات نقش على وجهها بالأبيض اسم لامار أحد فراعنة الدولة الثانية عشرة ولامار لقب له واسمه الأصلي أمنيس الثالث وكان يعبد في الفيوم. وما وجد في هذه المدينة من الزجاج القديم يدعو إلى الجزم بأنها كانت في القديم مصنع الزجاج وإن صنع الزجاج بلغ درجة عالية في مصر على عهد الدولة الثامنة عشرة وأقدم ما وجد من الأواني الزجاجية ثلاث قطع حفظت فإحداها في القاهرة والأخرى في لندرا والثالثة في ميونيخ.

وقد استدل الكاتب بأن ما لاحظه يتري من أنه كان في تل العمارنة هي عاصمة أمينوفيس الرابع معمل للزجاج على أن هذه الصناعة كانت فيها على أتم الرواج في الدولة الثامنة عشرة الفرعونية وأن المصريين كانوا يصنعون الأقداح والتعاويذ من الزجاج. ومعمل تل العمارنة دليل واضح على أنه كان في مصر معامل كثيرة للزجاج والعقل يقضي بأن ما عثر عليه من الزجاج أقدم من هذا التاريخ وهو من صنع مصر أيضاً كالزجاج الذي عثر عليه في قصر أمينوفيس الثالث في ثيبة. وقد بيعت مصنوعات مصر الزجاجية في شواطئ البحر الرومي فنسبت للفينيقيين لأنهم هم الذين كانوا يحملونها على سفنهم ثم أثبت أن صناعة الزجاج ازدهرت في زمن الدولة الساميتية وكانوا ذاك العهد يفضلون التعاويذ الصغيرة والتمويه والتزيين بأنواعه على الأواني الملونة يتخذون من ذلك ما يزينون به بيوتهم وفرشهم بل ويتزين به صاحب الدار نفسه. ومن الصعب التمييز بين عصر البطالسة وعصر الرومان. ومن رأيه أن نفخ الزجاج اخترع في معامل فينيقية بعد عهد الإسكندر وهذا السبب في أرجحية معامل فينيقة على غيرها.

وتكلم عن الزجاج المعمول بالفسيفساء فقال أن ما وجد منه قد كتبت عليه كتابات مصرية ويونانية وكثير منها من صنع الإسكندرية والفيوم وواحة سيوة ومنها نقلت إلى بلاد اليونان وإيطاليا وغاليا ولا يبعد أن تكون أوروبا نسجت على منوال صناع الزجاج المصريين وهؤلاء علموا الأوروبين على عهد الإمبراطورية الرومانية صنع الزجاج وقد كانت مدينة أكيلة القديمة على شاطيء الإدرياتيك مركزاً في أوروبا لصناع الزجاج ومنها هاجر البنادقة الذين صنعوا الزجاج للشرق الإسلامي وأصبحت مصنوعاتهم نموذجاً تقلده جميع معامل أوروبا وكانت الصلات مستحكمة بين أكيلةومصر. وظل الزجاج يصنع في مصر حتى في عهد استيلاء الرومان وفتح العرب وهذهالثناعة رائجة فيها كما أن العرب عنوا بالكاشاني وتغيرت طرق صنعه وأشكاله،. واشتهرت في القرون الوسطى الأواني الزجاجية والمصابيح العربية الملونة التي انتقلت إلى معامل البندقية وأصبحت تطرس على آثارها ثم كتب التقدم لمعامل البنادقة وعرفت تقلد النموذجات الشرقية أحسن تقليد وما زالت معامل الشرق في انحطاط حتى زالت جملة واحدة واليوم بعد أن كان الشرق يصنع لأوروبا منذ عهد الرومان أوانيه الزجاجية أصبح يجلب من إيطاليا وألمانيا وفرنسا ما يلزمه من الأواني في حاجاته اليومية.

التربية الحرة

لكل أمة ضرب من التربية فالأمة الديمقراطية أو الجمهورية لا تشبه تربية الأمة الدستورية المقيدة أما تربية الأمة المطلقة فنمطها مختلف عن تينك التربيتين وقد كتب أحد علماء الفرنسيس مقالة في التربية الديمقراطية فقال أن الديمقراطية وهي كمال الحياة التي سعى إليها الكل لفائدة الكل يجب أن تعتبر التربية أس أساسها ولا تحصل الغاية من التربية في أمة ديمقراطية بكثرة المواد التي يتعلمها أبناؤها فقد اختلف مشاهير علماء الأخلاق في النوع اللازم للديمقراطية من التربية وإن كانت مبادئهم بحسب الظاهر تؤدي إلى غرض واحد.

الناس يخلطون بني التربية والتعليم فيرونهما شيئاً واحداً على أن التربية غاية والتعليم واسطة فالغرض من التربية أن تربي في الطفل شعور مكارم الأخلاق فتكون سلماً يصعد به على ذرى التعلم فتصرف وكدها في إنارة عقله وحكمه عندما يتجليان وتكون أخلاقه رقيقة متينة فيصبح الطفل على ثقة من تنبه الشعور والعقل والعمل عندما يبلغ سن الرجولية ويتعلم عمل الخير والإدراك والتأمل كما يتعلم الإرادة وصحة العزيمة فتربية الوجدان تهم كما تهم تربية العقل وكثر المدارس لا تعنى بالتربية الأولى فتأتي أمراً أداً يجب أن يعلم الأطفال مكارم الأخلاق فإن صلاح المرء بأن يكون عادلاً وحكيماً ويجب أن يربى في المرء قوة التمييز وتنمى فيه قوة الانتباه وهي القوة التي تنفع أكثر من تحصيل المعارف الجديدة كما يجب تربية دائرة العقل وإمداده بالأدوات الأولى التي يهيء أمامه سبل العمل فالأرض الزراعية مهما بلغت من الخصب تحتاج أن تعد لها المعدات وإلا فلا تنبت فيها البذر الذي يبذر فيها.

ثم أن حسن العشرة والسلوك في المجتمع مناطان بأخلاق الفرد وعلى قدر أخلاقه في الغالب تكون أعماله وجهاده. ومتى ظهرت في الطفل علائم إرادته الأولى كان منها توجه نفسه إلى العمل فإن لين أخلاقه ومضاءها تعلمانه أن يعنى بالضروريات الخارجية بدون أن تؤثر فيها كل التأثير. فحربتنا الأدبية هي عبارة عن اعتمادنا على أنفسنا.

فإن قيل هل يجب أن تكون التربية عامة أم أهلية أي أن تربية الأطفال في المدارس العامة خير أم تربيتهم في بيوت أهليهم فقد ذكر الفيلسوف ديدرو كلمات في هذا الصدد هي جماع الحكمة في التربية وهي على اختصارها أجمل جواب على هذا السؤال قال: لقد قضيت السنين الأولى من حياتي في المدارس العامة ورأيت أربعة أو خمسة تلاميذ من الطبقة العالية يتناوبون في غضون السنة المكافآت ويتناولون الجوائز فيدخلون بتقدمهم اليأس على نفوس رفاقهم وتأخر هؤلاء عن اللحاق بهم، رأيت عناية الأستاذ مصروفة إلى تخريج هذا العدد المختار القليل من الطلبة ويهمل من عداهم ورأيت معظم هؤلاء الأولاد يخرجون من المدرسة بلهاً مغفلين وجاهلين فاسدين فقلت في نفسي: يا لشقاء أب يستطيع أن يربي ابنه في بيته فيرسله إلى مدرسة عامة. ليت شعري من أين أخذ البشر المعارف التي تميز بها في الآداب بعض الرجال الذين ربوا في المدارس ومن السبب في وصولها إليهم؟ لا جرم أنها ابنة دروسهم الخاصة. ولطالما أسفوا وهم في حجراتهم للوقت الذين قضوه على دكات المدرسة. فكيف السبيل إذاً؟ هل تصلح الحال بتغيير طريقة التعليم العام ومتى اغتنى المرء يربي ابنه في منزله. أنا لا أستحسن تربية الدير للبنات إلا إذا كانت أخلاق الأمهات فاسدة ولا أستحسن المدرسة للبنين إلا إذا كان الآباء مسرفين يعطون ألف ريال للحوذي الذي يسوق مركباتهم وألفي ريال للطاهي الذي يطبخ طعامهم.

هذا ما قاله ديدرو وقال مونتين يجب أن تصرف خمس عشرة أو ست عشرة سنة للدرس والباقي للعمل. وما قطبا الحياة في الحقيقة إلا الفكر والعمل فالأول يولد الثاني والثاني متمم للأول. ويقول بعضهم أن التربية لا ينتهي دورها إلا بانقضاء أجل الحياة على أنه من اللازم أيضاً أن ينظر بأن التجربة التي يحرزها المرء كل يوم يكون لها عمل لتنوب مناب التربية كلما تفهمها ولا تربي إلا إنساناً ناقصاً.

أما فيما يتعلق بالمواد التي يجب تعليمها فيجب أن يتوسع فيها ما أمكن فمن الميسور تلقين الطفل أموراً كثيرة إذ القوة الحافظة فيه على أتمها وقد أخطأ روسو في كتابة (أميل) في رأيه أن الاستظهار يضعف الذاكرة على أن الذاكرة ليست خزانة يحشر إليها الطفل صنوفاً من المبادئ يرجع إليها الطفل فيما بعد. فبعد أن يلقن الطفل واسطة للحصول على معارف حقيقية بتعليمه القراءة والكتابة يجب أن يعلم لغة بلاده ومبادئ العلوم الطبيعية والظواهر الجوية والرياضيات وذلك إما بدرسها في كتاب أو في نقشها ورسمها والعلم ينزع الخرافات ويودع في النفس فكر الارتقاء الثابت والنشوء البطيء المنظم بنواميس. يصدق هذا على الحالة الاجتماعية والسياسية كما يصدق على الحالة الطبيعية والجيولوجية. ويعلم الطفل الأعمال اليدوية والرياضية. ويعلم التاريخ لا التاريخ المملوء بالشوائب بل التاريخ الحقيقي. فبالتاريخ يتجلى له بأن الكمال ممكن وأن الناس آخذون في السير نحوه فيحب المتعلم طريقة الحكم الديمقراطي ويؤثرها على غيرها من أنواع الحكم كما يعلم أن يحب كل من قضوا نحبهم في سبيل ترقية البشر وكل من نقلوا إلينا حرية الوجدان. ويجب أن يعلم الطفل مع هذه المواد فن الآداب حتى لا يكون غريباً عن مظهر من مظاهر الجمال ويمتزج في روحه الفتية حب الكمال قال بول برت: من الواجب أن يتعلم الطفل اللغات الأجنبية بل اللغات الميتة حتى لا يفوته شيء مما أنتجته المدارك البشرية ولا يكون بعيداً عما مر على أسنة اقلام العظماء في تبيانهم وبيانهم وأرى أن هذه المعارف توسع ذهنه وتفتح أجنحة تصوره فبالآداب وحدها تهتز القلوب وتحيا الوجدانات ولقد كانت مصنفات اليونان واللاتين مؤثرة في أجيالنا معاشر الإفرنج وفي مصنفاتنا منها مسحة خاصة فنحن واللاتين واليونان من فصيلة عقلية واحدة.

ويضاف إلى المعلومات التي يعلمها الطفل أمور يجب أن تنضجها الحياة والعمل وهناك تعليم وطني أدبي ينبغي أن يشرب الطفل حبه ألا وهو معرفة قوانين بلاده السياسية وحالة الطريقة التي تدار بها شؤونها وتراعى في كل تعليم أميال الطفل قابليته فقد قيل أن في الإنسان وفي أعماله المختلفة في الحياة ألف نوع من التفنن ولكل ذوقه. وأمانينا لا ينطبق بعضها على بعض.

وتجب العناية بتقوية جسم الطفل ووقاية صحته وأن لا يكون حظ النبات في التربية كحظ البنين ويكون التعليم عامياً (علمانياً) لا دخل للدين فيه يكون كذلك في المدرسة كما يكون في البيت وأن يجد الطفل في بيت أبيه متمماً لدروسه في المدرسة. وخير ما ينفع الطفل أن لا تكون المدرسة والبيت وهما مبعث التربية متناقضتين غي المبادئ بل متحدتين فيها وأن تدرس الفنون بحيث يتمكن التلميذ من إظهار عواطفه بواسطتها فتقوى بها شخصيته وميزته ويعنى بتنمية ملكته في الشعر والتصوير والموسيقى فقد قالب شوبنهور الفيلسوف الألماني: إن استماع الأنغام الجميلة هو حمام يغسل أدران العقل. نعم إن الموسيقى تغسل كل وسخ وتنبذ ما يحط بالنفوس ويشقيها فالموسيقى ترفع مقام الإنسان وتجمع بينه وبين الأفكار النبيلة التي هو أهل لها فيشعر إذ ذاك كل الشعور بما يتأتى له أن يساويه في هذه الحياة.

هذا ما قاله العالم الغربي وفيه درس لكل شرقي وجدير بنا أن نجعل قوام تربيتنا على تقوية الإرادة والاحتفاظ بالقديم والأخذ بحظ وافر من المعارف البشرية اللازمة وتربية روح الوطنية والعواطف السامية بالفنون الجميلة فهي وحب الجمال والكمال من العوامل القوية في أسباب الرقي المادي والمعنوي.

حماه وحمص

اكتشف المسيو بونيون من علماء الآثار أربعة أحجار كانت في عمود كتبت بلغة آرامية ممزوجة بالكنعانية والعبرية وذلك في خلال رحلته إلى سورية منذ خمس سنين وهذه الأحجار هي عبارة عن تقدمة قدمها زاكير الملقب بملك حماه ولانش أولاعوش وقالوا أنها مدينة حمص إلى الرب آلور يتضرع إليه فيها أن يكتب له النصر على الملوك الذين اتحدوا وحاصروه في مدينة خرزك وكان أكبر أعدائه ملك آرام (دمشق) المدعو بارحداد ابن خزائيل وقد تولى هذا الملك منذ سنة 805 إلى نحو 780 ق. م أي على عهد ملك إسرائيل جوهاشاز ابن جيهو وقد كتب المسيو دوسو من علماء الآثار في المجلة الأثرية بحثاً في مملكة حمض وحماه قبل المسيح بثمانية قرون فقال أن مملكة حماة لم تكن تتناول فقط السهول الغنية التي كانت تؤدي الجزية من بلاد نهر العاصي الوسطى بل كانت تمتد أحياناً في وادي هذا النهر إلى البقاع بحسب ما كانت دمشق وهي الخصيمة القوية تتركها تتنفس الصعداء. وفي القرن الثالث أضافت مملكة حماه إليها بلاد لاعوش أو أرض خزرك فأعادت بذلك مملكة أمورو (الأمهوريين) العظمى التي كان خربها الهيتيون في القرن الرابع عشر قبل المسيح وقد كتم المكتشف اسم المحل الذي اكتشف فيه تلك الحجارة واكتفى بأن قال في كتابه الذي نشره حديثاً في المزبورات السامية في سورية وبين النهرين وكور الموصل أنه عثر عليها في سورية على مائتي كيلومتر من البحر الرومي وأنه يأمل أن يذهب ذات يوم لإكمال الحفر فيكتشف ما ينقصه من هذه الآثار إلا أن كاتب المقالة أدرك من حل الكتابات المزبورة على الأحجار أنها آتية من مدينة خزرك فقال أن المكتشف وفق إلى كشف محل هذه المدينة القديمة وهذا الأثر التاريخي العظيم وخزرك مدينة شرقي العاصي بين حماه ودمشق وقد كانت مملكة حماه وهي عبارة عن بلاد لاعوش وأراضي خزرك وكانت في القرن الثامن قبل الميلاد أقوى مملكة في سورية وقد حاول الملك زاكير وأخلافه أن يحصنوا مملكة خزرك لتكون منيعة الحمى حتى أصبحت من بعد سنة 772 مدة خمسين سنة والآشوريون لا يغيرون إلا عليها أثناء غاراتهم على سورية وقد عزم توغلات بالازار الثالث ملك آشور سنة 730 أن يقسم مملكة حماه فجعلها مقاطعات كثيرة تابعة لمملكة آشور مباشرة ثم دثرت هذه المدينة (خزرك) وفقد اسمها من التاريخ ثم انتفضت مملكة حماه فأمر الملك سراغون الثاني أن ينزع جلد ملكها إيلوبيدي وهو حي وجعل في هذه المدينة حامية آشورية كبرى.

سر الجنسين

قضت مصاعب الحياة أن أصبحت كثير من الأسر في الغرب تتمنى لو ترزق بنين بدل البنات ولكن الخالق تعالى لم يمنح سر كثرة البنات وقلة البنين أحداً من المشتغلين بعقولهم من خلقه. وكانالرأي الشائع من قبل أن أقوى الأبوين هو الذي يولد الولد ذكراً كان أم أنثى. وقد كتب الدكتور روم أن من القضايا التي لا تكاد تختل في جميع العالم بأن في كل مئة طفل يولد 105 أو 106 بنات ولا يختل هذا التعديل غلا في الحرب فثبت بالإحصاء أن بعد الحروب يولد للمحاربين ذكوراً أكثر من الإناث فقد زاد عدد البنات في سنة 1869 في بروسيا وبعد حرب سنة 1871 زاد عدد الذكور وفي ثناء حروب الإمبراطور نابليون الأول حدث نقص في البنات وزيادة في الأولاد في فرنسا حتى خيف على مستقبل البلاد من ذلك، وقد ثبت جميع أرباب الرحلات والباحثين بأن جميع القبائل التي لا تفتأ تحارب غيرها يزيد عدد مواليدها من أولادها أكثر من بناتها فمواليد القبائل الماوري في زيلاندا الجديدة هم في الأكثر ذكور ومعلوم أن قلة النساء هي من أعظم السباب في انتشاب الحروب بين القبائل ولذلك كان المحلفون الذين لا يذهبون إلى دار الحرب في الغالب أقل قوة وصحة ونشاطاً ممن حملوا السلاح وذهبوا لقتال العدو فيجيء الأولاد الذين يولدون لهم ذكوراً. وقد شوهد منذ زمن أن سكيراً طاعناً في السن إذا تزوج امرأة شابة يكون أولاده في الأكثر ذكوراً على العكس مما يحدث إذا كانت الزوجة أسن من زوجها. قال سادلير في إحصاء له أنه مقابل كل ألف بنت يوجد 865 صبياً يكون أبوه أفتى من أمه و948 صبياً يكون أبواه في سن واحدة و1037 صبياً يكون أبوه أسن من أمه من سنة إلى ست سنين و1267 صبياً يكون أبوه أسن من أمه من ست عشرة فأكثر.

وإذا أرضعت الأم ولدها الأول فتلد بعده بنات وكذلك الأمهات اللائي يحبلن في أوقات متقاربة فإنهن يلدن البنات لأن تكرار الرضاع والحمل هو من أسباب ضعف الأم ومتى حبلت تكون في حالتها الطبيعية أضعف من الزوج فتلد بنتاً وتكون شبيهة بصورتها. وقد لوحظ بأن المرأة إذا حملت عقيب العادة أو في خلالها فتلد إناثاً في الغالب وهذا الضعف المؤقت فيها لا يرزقها إلا بنات. وقد جرت عادة من يربون المواشي أن يفصدون في أوقات خاصة البقرة إذا أرادوا أن تلد لهم عجلة وأن يفصدوا الثور إذا أرادوا أن يلقح