مجلة المقتبس/العدد 35/منتخب من عبد أزدشير بن بابك الملك

مجلة المقتبس/العدد 35/منتخب من عبد أزدشير بن بابك الملك

مجلة المقتبس - العدد 35
منتخب من عبد أزدشير بن بابك الملك
ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1908



في السياسة

عني بنشره أحمد بك تيمور منقولاً عن نسخة كتبت سنة هـ.

بسم الله الرحمن الرحيم

من ملك الملوك أزدشير بن بابك إلى من يخلف من الملوك

السلام عليكم إن من أخلاق الملوك الأنفة والجراءة والبطر والعبث وكلما دامت سلامة الملك في ملكه قويت هذه الأخلاق عليه حتى يغلب عليه سكر الملك الذي هو أشد من سكر الخمر فيظن أنه قد أمن من النكبات والعثرات فيبسط يده ولسانه بالقبيح فيفسد باعتماده جميع ما أصلحه قبله فتعود المملكة خراباً.

وأفضل الملوك الذي يتذكر في عزّه الذل وفي أمنه الخوف وفي قدرته العجز فيجمع بين بهجة الملوك وحذر الرعية ولا خير إلا في جمعهما فإن رشاد الملك خير من خصب الزمان.

الدين أساس الملك. والملك حارس الدين فلا يقوم إحداهما إلا بالآخر.

إياكم أن تتهاونوا بمن يطلب الرئاسة بإظهار الزهد والغضب للدين فما اجتمع الناس على رئيس في الدين إلا انتزع ما في يد الملك من ملكه فإن الناس إلى رئيس الدين أميل. فتعهدوا طبقات الناسي وتفقدوا جماعاتهم فإن فيهم من قد حقرتم وجفوتم.

وإذا آذن الملك للعقلاء من مناصحي دولته في إنهاء ما يتجدد عندهم من النصائح التي لا يعلمها خواصه أو يعلمونها ويكتمونها انفتحت له أبواب من الأخبار المحجوبة عنه فيحذر وزراءه وخواصه من الاتفاق على ما يسترونه عنه ولا يقدمون على أمر يكرهه خوفاً من أن يطالع به فيأمن مكايدهم وتسلم الرعية من ظلمهم.

ومن غلبت عليه خواصه حتى منعوا عنه الناس فلا يصل إليه إلا من يحبون أطبقت ظلم الجهالة عليه.

ولا ينبغي للملك أن يعتقد أن تعظيم الناس له هو بترك كلامه ولا أن إجلالهم له هو بالتباعد عنه ولا أن محبتهم هي بموافقته على جميع ما يحبه. وإنما تعظيمهم له بتعظيم عقله وصواب سياسته وإجلالهم له إجلال منزلته من الله بما يجريه على يده ولسانه العدل ومحبتهم له بما يتألفهم بكريم خلقه وصادق المحبة هو الذي يعينه على العدل وحسن التدبير بمحض النصيحة.

إن في الرعية وحملة السلاح من الأهواء الغالبة والفجور ما لا بد للملك معه من أن يقرن بباب الرأفة باب الغلظة وباب الأنعام بباب الانتقام فإن القصاص من المفسدين حياة لبقية الأمة. ومن لم يقم حدود الله تعالى في من له فيه هوى لم تثبت هيبته في قلوب الخاصة والعامة ولن يستطيع الملك أن يقوّم العامة حتى يقوّم الخاصة.

وإن من كان من الملوك قبلنا قد رتبوا الناس أربع طبقات فالأمراء والجند صنف والعباد والفقهاء صنف والكتاب ولحكماء صنف والتجار والفلاحون صنف فلم يمكنوا صنفاً منها أن يدخل في الصنف الآخر لتتفرغ كل طبقة للقيام بما يلزمها.

وليس أضر على الملك من رأس صار ذنباً أو يد مشغولة وجدت فراغاً من شغلها.

وخير الملوك من بعث العيون على نفسه ليعلم عيوبها فيكون أعلم بعيون نفسه من غيره ثم يجتهد في مداواة عيب بعد عيب حتى لا يجد أحداً فيه مطعناً فهذا الذي تمت سيادته.

وإن ابتهاج الملك المسدَّد الرأي القاهر لهواه بوفور عقله وشرف نفسه بارتفاعها من النقائص أعظم من سروره بملكه.

ومن الرعية من يقارب الملك في مأكله وملبسه وشهوته وليس فيهم من يقدر كقدرته على اجتناء المحامد وإصلاح الرعية بالعدل عليها وتأمين السيل وصيانة الحريم وكف أيدي الظالمين فاجتهدوا معشر الملوك في بسط العدل الذي لا تقدر عليه الرعية وتنافسوا في اقتناء الذكر الجميل.

وليس للملك أن يبخل فإنه لا يخاف الفقر وإذا عرف بالبخل انقطع الرجاء من خيره فانسلت الأيدي من طاعته ولا يجتهد أحد في خدمته وانحلت النيات عن مناصحته.

ولا ينبغي له أن يغضب لأن الغضب مع القدرة يوجب السرف في العقوبة ثم يعقب الندامة مع ما فيه من الطيش والخفة وقبح السمعة.

ولا ينبغي له أن يلعب لأن اللعب والعبث من أعمال الفراغ والفراغ من عمل السوقة وفي ذلك من ذهاب الوقار وإسقاط الهيبة ما ينافي جلال السيادة.

وليس له أن يحسد إلا ملوك الأمم على حسن التدبير وإصابة السياسة ومكارم الأخلاق ولا ينبغي له أن يجبن عند وجوب الإقدام فإن الشجاعة عز وهي من أهم شروط الملك.

زين الملك أن يحفظ نظام أوقاته المقدرة لأشغاله وركوبه وراحة بدنه فتكون معينة لا تختلف فإن في اختلافها خفة وليس للملك أن يخف.

وينبغي أن يكون حذره لمن بعد عنه أكثر من حذره لمن قرب منه وأن يتقي بطانة السوء أشد من اتقائه لعامة السوء. ومن الناس صنف أظهروا الزهد في الجاه ولم يتقربوا بالخدمة وادعوا التواضع وهم قد أسروا التكبر واستدعوا إلى أنفسهم الجاه بوعظ الملوك وقد ينفعهم ذلك عند المغفلين فيقربون منهم من حسن ظاهره وتلطف حتى اعتقد خواصهم تعظيمه وإن كان ناقصاً في عقله عبداً لشهوته متهافتاً على الرئاسة فإن أسكته الملك قيل قد استقل الموعظة وإن أطلق لسانه قال بوعظه بين الملأ ما أفسد حال الدولة فالرأي أن لا يهمل الملك أمر هذه الطائفة فإنهم أعداء الدولة وآفات قوية على الملوك.

اعلموا أنه لا بد لكم من سخطة على بعض أنصاركم ونصاحكم وأعوانكم ولا بد من رضا يحدث لكم عن بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم إذا فعلتم ذلك فلا تنقبضوا عن المعروف بالنصيحة ولا تسترسلوا إلى المعروف بالغش وقد خلفت عليكم رأيي إذ لم أقدر على تخليف بدني فاقضوا حقي بالتمسك بعهدي والسلام على أهل الموافقة من يأتي عليه هذا العهد من الأمم.