مجلة المقتبس/العدد 54/سير العلم والاجتماع

مجلة المقتبس/العدد 54/سير العلم والاجتماع

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 8 - 1910



العلم والمال بمصر

ظهر كتاب الإحصاء الذي جرت عادة ديوان الإحصاء في مصر أن ينشره كل سنة فإذا فيه أن مجموع دخل مصر كان سنة 1909 15887313 جنيهاً ومجموع نفقاتها 16900015 جنيهاً وكان دخلها سنة 1880 9584430 جنيهاً وخرجها 7691424 جنيهاً.

وبلغ عدد مدراس الحكومة في هذه السنة المكتبية 64 مدرسة فيها 998 أستاذاً و14714 تلميذاً منهم 14087 ذكراً و627 أنثى وبلغ عدد المدارس الحرة 265 مدرسة سنة 1908 فسها 2329 أستاذاً و52441 تلميذاً منهم 46293 ذكراً وبلغ عدد كتاتيب الحكومة 144 كتاباً سنة 1910 فيها 449 أستاذاً و13365 تلميذاً منهم 9183 ذكراً وبلغ عدد الكتاتيب الحرة 356 فيها 6799 أستاذاً و190857 تلميذاً منهم 174023 صبياً. وبلغ عدد المدارس الأجنبية 409 مدارس فيها 2328 أستاذاً و47381 تلميذاً منهم 28914 ذكراً و18467 أنثى.

المحسنون للشام ولمصر

من أول إمارات النهوض في مصر والشام أن أبا السعود أفندي الحسيبي من أعيان دمشق يقف خزانة كتبه على المطالعين والعالمين سبلها في مكان خاص في القنوات وفيها مخطوطات ومطبوعات نادرة وهي نفيسة مهمة لا تقل فيما نحسب عن ألفي مجلد ويقف لها عقاراً يقوم بالإنفاق عليها وعلى القيم. وإن عبد الرحمن بك اليوسف من أعيان الفيحاء أيضاً تعهد بتعليم شابين أيضاً في مدارس فرنسا على نفقته يعلم الأول الهندسة الميكانيكية والثاني علم الزراعة وأن بطرس أفندي داغر من أعيان بيروت تبرع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في الثغر بمئة ليرة كل سنة لتستعين بها على ترقية مدارسها الخاصة بالإناث. ووقف الأمير يوسف بك كمال من أعيان القاهرة 180 فداناً من أجود أراضيه في المنيا وعمارة بالإسكندرية يبلغ صافي دخلها السنوي ستة آلاف جنيه على مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها في أحد قصوره في درب الجماميز ووهب هذه المدرسة أيضاً عشرة آلاف جنيه لهدم القصر المذكور وبناءه من جديد على طرز مدارس الفنون الجميلة في الغرب وهذا فوق ما كان دفعه من المال للجامعة المصرية والمدرسة الصناعية والابتدائية اللتين بناهما في أملاكه في صعيد مصر وعلاوة على قطعة الأرض التي تساوي عشرة آلاف جنيه وهبها لنادي المدارس العليا لينشئ فيها منتداه. فأكرم بهؤلاء الرجال الذين يحسنون لإنارة العقول فيذرون في الدنيا بالمحمدة وفي الأخرى بالرحمة.

أعما الطيور

نشرت المجلة الفرنسية مقالة قالت فيها أن النشاط من خصائص الطيور وقلَّ فيها من يتخلف عن هذه القاعدة فالطير البحري المعروف بقصير الجناح الذي نرى جناحيه كنصل السيف يتحولان إلى قطع يظهر أنها تعجزه عن الحركة ومع هذا يطير ويقفز وكثيراً ما تطول مدة طيرانه وتحمله من جزائر الشمال إلى البحر الأبيض حيث يشتو وهذا مثل طير القوق فإنه يصيدج ويتناول السمك بحذق ويعرف بنزوة منه كيف يمسك ذات القشر وعادمة الفقار من الحيوانات ويتسلى بها فيجعلها نقله وحلواه. وطائر البجع الذي يظهر بأنه أعسر يتوكأ على رجل واحدة في الحدائق وأنه لا حراك فيه وهو على العكس طائر رحالة يفضل ما رزق من الأجنحة الواسعة التي تكون له بمثابة شراع لا نظير له يستخدمه في تنقله على البحيرات والأنهار حيث ينزل ويقيم جنوبي أوربا والهند والصين وأميركا وأستراليا. وتمتاز بعض الطيور بنشاطها على العمل بأن تتخذ لها صناعات مرتبة فالعصفور الدوري الذي كثرت أسماؤه بحسب البلاد هو في الواقع ونفس الأمر عامل لا يتعب ذو أمانة للغاية ويسميه الإسبانيون وهو في مالقة عندما يكون جاز إليها من جبل طارق نحات الحجر مشبهين له في الصناعة بالبناء لأنه يبني عشه ورائده العلم التام في الهندسة ومن أنواعه كثير في فرنسا وإنكلترا وجنوبي أوربا تختار لوكناتها ثقوب أشجار الصنوبر وتبتدع في هندستها وإحسان بنائها بالأحجار والملاط فالعصفور في جبل طارق صغير الجرم كالشحرور ويستعمل قوادمه ومنقاره لجمع الحجارة والحصى لينقلها إلى المحل إلى وقع عليه اختياره ويراكمها بعضها فوق بعض محكماً لها طبقة فوق أخرى ويجعل للعش حاجزاً طوله عشرين سنتيمتراً وعمقه كذلك وطوله من 6 إلى 7 سنتيمترات وههو يستعمل له نحو 280 حجراً ما عدا 70 إلى 75 حجراً للتأسيس ويبلغ عدد الأحجار 350 ومنها ما وزنه 60 غراماً وعجيب منه كيف ينشط لحمل مثل هذا الثقل والمسافة التي ينقل منها الحجار لعشه ليست بقصيرة.

ومن أنواع العصافير ما يألف البلاد الجبلية وهو أيضاً يختط لعشه في الجدر والأحجار والأشجار خططاً عجيبة ويبالغ في هندسته وتقسيمه وكذلك الحال في الخطاف الذي يشبه السنونو فيكمل عمله وبدلاً من ثقب بسيط يختاره في أعلى العش للدخول يقيم نوعاً من الطريق مغطى في أسفل الجدار. ومن الطيور ما لا يحذق ابتناء الوكنات ومع هذا ومع هذا لا تلقي صغارها على حصا تختاره لذلك. وأعجب ما في هذه الطيور البناءة كلها فطرة الذكاء التي تقودها إلى اختيار مواد البناء. فالسنونو مثلاً تعرف كل المعرفة تمييز نوع الملاط الذي تجمع فيه بين أجزاء ما تقيمه من البناء من الداخل والخارج وذلك بمفرزاتها اللزجة التي هي من خصائصها الطبيعية وهذه المفرزات يستخدمها بعض الطيور ملاطاً لوكناتها أيضاً. وأن الطير المعروف ببناء البيوت ليصنع عشه من الطين والقش حتى أن أهل المكسيك منه تعلموا طريقتهم في البناء.

ومن لطيور النجار كما فيها البناء وذلك كالطائر المعروف بالنقار ال1ي يعيش في الأشجار يتسلق عليها بمخالبه فينقر بمنقار لحاء الشجر ليفرغ منها الهوام ليعيش بها فهو عامل غريب يجمع عشه بصبر مدهش ويحفره في بعض الجذوع على ثلاثة أمتار من وجه الأرض ويحتال في إجادة محله ما شاء وشاءت الإجادة الغريزية على نحو ما نشاهد جحوراً نجرتها هذه الطيور كنقار الخشب والصرد في غابات إنكلترا ثم تتركها إلى محل آخر لا تصل إليه اليد.

ومن الطيور ما ينقي الزرع كالقصير الرجلين يخدم الحدائق كما يخدمها صاحبها والمتعهد لها فهو وإن كان يعيش على شواطئ مجاري الأنهار ولاسيما البائخ إلا أنه ينقي الزهور والبذور التي يترك وشأنه ليسرح بينها وبين أجمل من هيئته وهو يقفز ويمر مسرعاً جائياً ذاهباً وجسمه مائل إلى الأمام وقنبرته منتصبة وريشه مشرق ظاهره سماوي وباطنه أبيض وعينه منتبهة لا يغفل دودة ولا حلزوناً إلا ويعزلها عن الزرع بوجدان سليم.

وأعجب من هذا وذاك حال الطير المسمى الشرطي وهو يكثر في أواسط أوربا يقف على الأسلاك البرقية على مساوف بعيدة يرصد البعاد لونه أسود وله عصابة برتقالية في رأسه يقتات بالديدان ويخافه النسر والباشق والبازي وقد سمي الظالم لأنه إذا اختلط بطيور أخرى يتسلط عليها وإذا لم يجد أسلاكاً ينزل على بعض العمد أو على غصن شجرة وإذا كان في السهل ينزل على ظهر بقرة ويعيش من الصيد ولا يهاب ما كان أكبر مكنه من الحيوانات بل يستخدم منقاره ومخالبه فيدمي بها ويقتنص وهو بذلك يتحاماه الكواسر وغيرها ولا يقرب من وكناته أحد منها واشتهر بالشجاعة بين الطيور حتى أنها لتهابه في وكناتها وتحسب له ألف حساب ولذلك كتبت له السعادة وهو من بين شذاذ الآفاق من الهوام والطيور والكواسر حامي القانون والمسيطر الأعظم.

التحصيل في أوربا

بلغ عدد من يختصون في العلوم في مدارس أوربا خمسة عشر طالباً من أهل دمشق فقط عدا من أرسلتهم الحكومة على نفقتها منهم أربعة في الطب والجراحة واثنان في طب الأسنان واثنان في الحقوق واثنان في الزراعة وواحد في الهندسة وآخر في هندسة الكهرباء وواحد في علم التربية والتعليم واثنان يستعدان في العلم الآن.

الرئيس البرتقالي

إن الرئيس البرتقالي الجديد تيوفيل براغا هو كأكثر رؤساء الجمهوريات عالم كبير فإن فاخرت فرنسا برئيس جمهوريتها الأول تيرس وفاخرت الولايات المتحدة بأحد رؤساء جمهوريتها روزفلت فيحث للبرتقال أن تفاخر برئيسها براغا فهو من أكبر كتابها المعاصرين وهو في السابعة والستين من عمره اشتهر أمره منذ خمسين سنة وهو شاعر فيلسوف نقاد فقيه أولى بلاده فخراً لا يبلى بما نشره لها من تاريخ آداب البرتقال الذي كتبه في عشر سنين متوالية ومن كتبه روح الحق المدني الحديث وهو زعيم القائلين بالفلسفة الحسية في برتقال كما أن بنيامين كونستان زعيمها في برازيل وهذه الفلس فة هي التي وضع أساسها أوغست كونت الفيلسوف الفرنسوي وما برح براغا يحف حوالي منبره في لشبونة أناس من الناشئة الجديدة يوحي إليهم آماله الديمقراطية وروحه الوطنية فلا عجب إذا وقع اختيار أمته عليه ليرأسها.

اللعب والتربية

كتب أحد علماء التربية الألمان مقالة طلب فيها إلى دور التعليم أن تخص وقت بعض الظهر من كل يوم بالألعاب المختلفة تكره عليها الأولاد والمتعلمين أكثر مما تكرههم على تعلم دروسهم واستشهد بقول الإمبراطور منذ مدة إنني أبحث عن جنود فحاجتنا الماسة إلى جيل قوي من الناس فالجمناستيك البسيط لا يقوم بهذا الغرض بل الواجب المشي الكثير الطويل لا الاكتفاء بألعاب عادية يقوم بها الأولاد والشبان عرضاً بل ألعاب حقيقية علمية مثل التزحلق (باتيناج) والعوم وغير ذلك. ألعاب يناظرها مدير خبير يستثمر النشاط ويحسن الانتفاع بمرونة الجسد ويقوي بالعمل والعادة اليومية أحسن قوى النفس والعقل مثل الصبر والحرية والإرادة وعمل مثل هذا المدير لا يقل في الفضل عن عمل زملائه أساتذة العلوم واللغات والتاريخ فهو بعمل على تربية الشبيبة على شرط أن يعطي الوقت اللازم لذلك وهو ينوع الألعاب بحسب الفصول حتى لا ينهك القوى في الحر كما يعاملها في البرد.

فقر يابان وغناها

ذهب بعض الأميركيون إلى أن يابان أفقر بلاد العالم فأثبت ذلك الأستاذ كامب من كلية كيوتو بالإحصاء الدقيق قابل فيه بين غنى اليابان وغنى غيرها من الأمم فقال إذا كانت يابان تملك مثلاً 100 يان (معاملة يابانية نحو فرنك) فإن ألمانيا تملك 683 ياناً وفرنسا 743 ياناً وإنكلترا 1008 يانات فالدخل الشخصي إذا سرنا على هذا النحو هو 10 يانات في اليابان و41 في ألمانيا و52 في فرنسا و60 في إنكلترا و73 في الولايات المتحدة. والدين الذي على بلاد اليابان ثقيل تنوء تحته فهو نحو 22 ياناً في المئة ومع هذا فإن يابان لا يخشى عليها من الفقر المدقع والخراب العاجل بالديون لأن الفرد منهم يعرف كيف يصرف في سبيل سداد عوز حكومته فيقطع من أكله ويقتصد من رفاهيته بسائق وطنيته ليعطي حكومته ما تنهض به من المال. والاقتصاد في المعاش من خصائص هذه الأمة.

أوهام السن

من الشائع ا=على اللسن أن من تجاوز الخمسين يؤذن نشاطه العقلي والطبيعي بالضعف على أن الحوادث تثبت نقيض ذلك فإن الحياة العلمية والسياسية والأدبية مخصبة كثيراً في السن التي يرميها الناس بالعقم ولطالما أورد بعضهم أدلة على رقيهم العقلي ونشاطهم فإن شهرة لوراستراتكونا في عالم السياسة ابتدأت لما كان عمره خمساً وسبعين سنة وهو اليوم في سن التسعين يعمل منذ العاشرة قبل الظهر ويحضر الولائم الرسمية ثلاث مرات في الأسبوع. وكان عمر ويليام مورغان 65 سنة لما كتب قصصه الأولى وكان عمر بيرمون مورغان المثري الأميركي نحو ذلك عندما وضع خطته في الإثراء. ومنذ خمسين سنة كانوا ينظرون إلى ابن الخامسة والأربعين في بلاد الغرب بأنه شيخ أما اليوم فلويد جورج السياسي الإنكليزي قد بلغ السابعة والأربعين ولا يزال يعد في الشبان وقد بدأ السير هيرام ماكسيم في سن السبعين يعمل عملاً جديداً كل يوم. ولما وصل فرنكلين إلى باريس سفيراً من قبل حكومة الولايات المتحدة كان عمره إحدى وسبعين سنة وبدأ فيكتور هوغو بكتابة تاريخ جناية في الرابعة والثمانين من عمره وعلى كل فالنشاط ميسور لكل من جادت صحته وصحت عزيمته على العمل شاباً كان أو كهلاً أو شيخاً ولا يزال المرء في هذه الديار يتعلم حتى يموت. والترتيب في الحياة هو سر اقتدار هؤلاء المعمرين على العمل إلى النهاية.