مجلة المقتبس/العدد 55/غرف التجارة

مجلة المقتبس/العدد 55/غرف التجارة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 9 - 1910



أيقنت الأمم التي كانت تحرص في أوائل القرن التاسع عشر عَلَى الانتصار في ميدان الهيجاء إن المصالح الاقتصادية أهم المصالح وأكثرها نفعاً فأخذت تعمل لتوسيع نطاق تجارتها وأعرضت عن توسيع مساحة بلادها. ولا مشاحة في أن تقدم الأمم ونجاحها في حالتي السلم والحرب ومضاء حكمها ونفوذها في البلاد الابتدائية لا يكون إلا بالمال وما يقوم به من الأعمال التجارية والصناعية.

تقحمت الدول في القرن العشرين حرباً ضروساً لفتح مصادر جديدة لمحاصيلها المتزايدة يوماً فيوماً في جميع أنحاء المعمورة بفضل الصناعات الكبرى أعني الصنائع التي تكون بالألوف المؤلفة من رؤوس الأموال وتضم الألوف من العمال تحت سقوف المعامل الفخمة وهكذا أخذ أرباب الصناعة والمستثمرون يبحثون البحث الدقيق عن أسواق البلاد في كل قطر ومصر. وكان النصر في حلبة هذه الحرب حليف الفئة التي أعدت السلاح الأقوى والأسباب المؤثرة فنشأت من ذلك لأمتهم مكانة اقتصادية بين الأمم لم تكن لتحلم بها قبل عشرين عاماً أو ثلاثين.

إن أميركا التي كانت تستحصل دون أن تعنى بتصريف محاصيلها وبيعها إلى عهد غير بعيد أحست بلزوم الحيد عن سياستها القاضية بسد أبواب التجارة حتى أن أحد المفرطين في التشديد بأصول حماية الصناعة والتجارة صرح لأمته في خطبة ألقاها قبل وفاته ببضعة أيام أنه لا بد من توسيع نطاق التجارة وعقد العهود مع بعض الدول توصلاً لهذه الغاية وفتح خلات في أبواب الجمارك المسدودة.

وليست أمة الأميركان وحدها في حاجة إلى المبادلة التجارية بل جميع أمم الأرض المنتجة مضطرة لمبادلة محاصيلها زراعية كانت أو صناعية. وليس الاستحصال غاية وإنما هو واسطة والمستحصلون لا يستحصلون لأنفسهم بل للانتفاع بما هوز أحوج إليه من ثمرات أعمال غيرهم عن طريق المبادلة ومكانتها ورواجها متناسبان مع مكانة المصادر ووفرتها وتحقيق ذلك من واجبات التجار مباشرة وأما الحكومة فلا ينتظر منها إلا إبلاغ التجار ما يتصل بها من الأخبار بواسطة قناصلها والذب عن حقوق رعاياها في البلاد الأجنبية وأن لا تمس قوانين وأنظمة تمس حرية التجارة وأن تقيم قوتها مقام قوى الأفراد حيث تكون الأمة متأخرة في العلم والتجارة وأن تكون لهم خير دليل فيما يمكن أن تكون.

ولكن التجار في البلاد الراقية لا يعتمدون في ترقية التجارة الوطنية إلا عَلَى أنفسهم ولا يستغني تجار الأمم النازلة عن هذا العضد عَلَى أن موظفي الحكومة لا يعلمون حق العلم ولا يستطيعون أن يعلموا كنه التجارة وسير أعمالها. فكيف يصح ن يقودوا التجار وهم أحوج إلى قيادتهم وآراءهم المؤيدة بالاختبار الصحيح والتجارب المتواصلة.

وقصارى القول فلا يجد بالحكومة أن تعين وجهة سير التجارة بين بلادها والبلاد الأجنبية وإن فعلت لا تصلح خطأ أوجبه تداخلها حتى تقع في مثله ومن المحتم عَلَى الحكومة أن تشاور من هم أحق بالمشورة في شن الشرائع والأنظمة الداخلية وتعيين خطتاه في المشاريع العمرانية ووضع الضرائب التي لها علاقة بالتجارة والقيام بكل ما له مساس بالمصالح الاقتصادية وألا تقع في حيص بيص فلا تنطبق شرائعها عَلَى حاجيات الأمة ولا تلاءم الأحوال الاقتصادية وتحول دون ارتقاء البلاد من حيث العمران وتخنق الروح التجارية بالتعديل الذي تحدثه في أصول الضرائب. وبعد فإن المعهد الذي يهدي الحكومة إلى المحجة المثلى في مجرى أعمالها ويقوم بكثير من الواجبات التي ترتفع بها مكانة التجارة الوطنية هي الغرفة التجارية.

أخذت الطبقات الاقتصادية في الأمم التي نالت حريتها السياسية واحتفظت هي ونوابها بحق التشريع تسعى لترقية الأوضاع التي يؤلفها المنتخبون بالفتح من بينهم ليدافعوا عن منافع الطبقات الاقتصادية وكان لهذه الحركة الاقتصادية ثمرات عظيمة تعود عَلَى الأفراد والأمة بالنفع العميم ولما كان أعضاء هذه الأوضاع غرف التجارة والزراعة والصناعة يمثلون الطبقات الاقتصادية عامة أصبحت كلمتهم نافذة عن وكليهم والحكومة تحترم آراءهم وأقوالهم وتصيخ إلى مطاليبهم لأنهم أمناء الزراع والصناع والتجار وعمدتهم ولهم اطلاع عَلَى حاجات البلاد مهما تنوعت وتضاربت فيؤلفون بينها ويجمعونها حول مركز واحد.

ومن المسلم أنه لا تعتمد في الشؤون الحيوية إلا عَلَى ذوي العلاقات بالمناهج الحيوية ولذلك يستفاد من آراء أرباب الصناعات في الصناعة ومن التجار في آرائهم في التجارة. ولما كان الرجوع في كل مسألة إلى عامة التجار والصناع متعذراً اقتضت الحال أن تعتبر هذه الغرف والأندية التي حاز أعضاؤها الثقة العامة مرجعاً وآراء هذه الأندية تعتبر كآراء عامة أفراد الطبقات الاقتصادية. والحكومة تعلم حق العلم أن موكلي رجال هذه الأوضاع قوة عظيمة اجتماعية في البلاد وأن الأيدي لا تجسر أن تتلاعب بهذه القوة.

أقيمت غرف التجارة لمصلحة يجب الدفاع عنها ولا يرجى اقتطاف الثمرات من هذه المصلحة بمجرد أعمال الحكومة وتدابيرها ولبذلك لا ينكر أحد إلى الداعي إلى تأسيس الغرف التجارية ولكن هل هذه الغرف أسست عَلَى طراز واحد في كل قطر ومصر؟

الفرق تنقسم من حيث تأليفها قسمان:

1_الغرف المؤسسة عَلَى القاعدة الفرنسوية تؤسسها الحكومة ويحضر جلساتها من تنيبهم الحكومة عنها وحق انتخاب أعضاءها محصور بالتجار المقيدين في سجل الغرف التجارية أو من يدفع منهم مبلغاً معيناً من ضريبة الباتنت والحقيقة أن هذا الشكل من الغرف عبارة عن نقابات إلزامية ومداخيلها من الضرائب الموضوعة لها.

والغرف التجارية في ألمانيا وهولندة والنمسا وإيطاليا والبرازيل ورومانيا من هذا القسم.

والغرف الصناعية والتجارية في النمسا توفد نواباً إلى مجلس الأمة ولذلك فإن لها هناك فروضاً سياسية تقوم بها. وغرف التجارة الألمانية رسمية أيضاً ولكل من عرف الحكومات الألمانية التجارية قوانين خاصة بها. ولها واجبات خاصة عدا واجباتها العامة تتعلق بالأمور العدلية إذ تنتخب مرشحين من التجار يناط بهم أمر القضاء في محاكم الدعاوي التجارية وتعرض أسماؤهم عَلَى الأمير.

والغرف التجارية في إيطاليا تابعة لقانون 1862 وغرف التجارة الرومانية تابعة لقانون 7 أيار 1886 أما الغرف التجارية العثمانية فهي عَلَى الجملة من الغرف المؤسسة عَلَى القاعدة الفرنسوية.

2_الغرف المؤسسة عَلَى القاعدة الإنكليزية عبارة عن نقابات تجارية حرة ليست لها صفة رسمية قط. ومداخيلها من رواتب الأعضاء وهذه الغرف التي يمكن أن ينتظم في سلكها جمهور صنوف التجار أشبه بنقابات الصناعات المتحدة المؤلفة من رؤساء الصناعة بتلك النقابات المنتشرة في الأقطار الأوربية كافة.

تلتئم الغرف التجارية كل عام في إنكلترا وتؤلف مؤتمراً عامً وكذلك في أميركا وللقرارات التي تبرم في مؤتمر أميركا وإنكلترا شأن عظيم. والغرف التجارية في البلجيك وأميركا والبرتقال واليابان من هذا النوع. تنشئ الغرف التجارية الإنكليزية الثغور وتتعهد بمحافظتها وتستوفي في مقابل ذلك ضرائب معينة من السفن.

ولهذه النقابات الغرف التجارية الإنكليزية التي تؤلف قوة عظيمة في مملكة بريطانيا العظمى تأثير كلي في كثير من الإصلاحات القانونية.

وقد كانت غرف التجارة في البلجيك إلى تاريخ 1875 من نوع الغرف الفرنسوية ثم نزعت بضم النون عنها الصفة الرسمية وسمح القانون من ذلك العهد بتأسيس غرف حرة. أما روسيا فلها أشكال من الغرف خاصة بها:

أولاً في كل بروص لجان تنتخبها التجار والصناع عَلَى اختلاف ضروبهم ولهذه اللجان اجتماعية متوالية. ثانياً إن لكل من صنوف التجار والصناع مجامع ينتخب أعضاؤها جمهور الصنف الذي ينتسب المجمع إليه وأهم هذه المجامع مجمع معدني روسيا الجنوبية وتلتئم هذه المجامع مرتين في الخريف والربيع من كل عام وتمتد اجتماعاتها خمسة عشر يوماً أو عشرين وقد تتجاوز الاجتماعات هذه المدة. ثالثاً إن في نظارة التجارة الروسية مجلساً صناعياً تجارياً تعين الحكومة النصف من أعضاءه وتنتخب الصناع والتجار سائر الأعضاء وبتجدد انتخاب هؤلاء الأعضاء المنتخبون مرة كل ثلاث أعوام.

فتمر اللوائح القانونية التي لها علاقة بالتجارة أو الصناعات كافة من لجان دور البورص والمجامع والمجلس الصناعي التجاري في نظارة التجارة الروسية وكل من هذه الأوضاع يؤخذ رأيه في اللوائح المذكورة.

هل الغرف التجارية المؤسسة عَلَى الصول الإنكليزية أنفع أن المؤسسة منها عَلَى الأصول الفرنسوية؟

ليس من جواب قطعي لهذا السؤال لأن شكل الغرف كونها رسمية أو حرة تابعة لأخلاق الأمة وآدابها وعاداتها ونوع تربيتها.

فحيث تكون فكرة الاشتراك بالأعمال والإقدام والجرأة عَلَى القيام بالمشاريع غزيرة في النفوس يقوم التجار بتأسيس غرف حرة يرغبون وبالشروط التي يستحسنونها فتصان بذلك المصالح التجارية وحيثما فقد هذا الشعور الحي والمبادئ لا يسهل إنشاء هذه الأوضاع ولا بد للقيام بهذه المشاريع من إشراف القانون عليها.

ولم يقتصر الأوربيون عَلَى تأسيس غرف تجارية في بلادهم بل أسسوا مثلها في البلدان التي يتجرون معها فإن لفرنسا خمساً وعشرين غرفة تجارية وفي لندن ونابولي ورومية ونيويورك وأمستردام وغيرها وللإنكليز والنمسا والمجر والبلجيك وأميركا وإيطاليا وإسبانيا غرف تجارية في باريز وقد نجم عن هذه الغرف فوائد كثيرة لتجار البلاد التي تنتسب إليها وذلك لأنهم يأخذون عنها الأخبار المفيدة ويدركون حاجيات البلاد التي أسست فيها وميول سكانها وأذواقهم وبذلك تساعدهم عَلَى إيجاد المصادر وتوسيعها. وتكون رئاسة الشرف لهذه الغرف التي تؤسس في البلاد الأجنبية في عهدة القناصل عَلَى الأغلب.

والحكومات تخصص مبالغ من وارداتها تدفعها إلى غرف التجارة المؤسسة في البلاد الأجنبية لسد العجز في ميزانيتها لما لها من الفوائد والاعتماد وليس لهذه الغرف صفة رسمية عند الحكومة تنتسب إليها ولا عند الحكومة التي أسست في بلادها ونظارة التجارة الفرنسوية المؤسسة خارج فرنسا وهذه تخابر الحكومة الفرنسوية رأساً.

  • * *

وقبل أن نتبين تأليف الغرف التجارية وقوانينها في فرنسا والبلاد العثمانية نأتي هنا عَلَى التعريف بوظائف الغرف التجارية في حياة التجارة العامة لكل مملكة:

1_الغرف التجارية تعنى حق العناية بالتربية الاقتصادية للبنين وتتلقى مسألة التعليم التجاري بما يجدر بها من الشأن فتشيد المدارس التجارية وتستميل الشبيبة إلى التجارة والسياحة وتحيي في نفوسهم فكرة الإقدام والجرأة وتنظم للمدارس الخطط المفيدة التي تقوي إرادة التلاميذ وتؤسس المكاتب ليألف الشبان والطلاب مطالعة التآليف والمصنفات المحررة بأقلام السياح وتدعوا أهل العلم لإلقاء المحاضرات وتمنح الجوائز للمقيمين في الممالك الأجنبية وتعلم في مدارسها لغات البلاد التي تكون ميداناً فسيحاً لحركتها التجارية وعل الجملة تنشئ شبيبة يقظى جريئة عَلَى الدخول في الحياة التجارية تدخل هذه الحياة وأعمالها مكللة بالنجاح.

ومن متممات التربية الاقتصادية الدروس الليلية والمتاحف التجارية ودور الأنباء والاستعلامات وكل هذه متممة لفوائد التدريس والتعليم.

2_الغرف التجارية توجه الرأي العام نحو عقد المعاهدات التجارية عَلَى المبادئ الحرة وتسعى في تنظيم تعرفات الجمارك بحيث تسهل نشوء التجارة وتقدماه.

3_تتوسط الغرف التجارية في عقد المقاولات بين الأمم صيانة لحق التملك الصناعي خارج البلاد كما في داخلها وتطالب بسن القوانين الضامنة الحقوق الاجتماعية والبيوت التجارية من البائع إلى المشتري دون اضطرار إلى تغيير أسمائها وبذلك يصان كل اسم تجاري ذي شهرة من الاختلاس والضياع.

4_الغرف تعاضد الحكومة نقداً ومادة لإنشاء المشاريع العمرانية النافعة.

5_تصدر الغرف التجارية مناشير ومجلات تطبع فيها محاضراتها وجلساتها وكثيراً ما تنشر نتائج تحقيقاتها الخاصة عن المسائل التجارية.

6_إذا كانت دائرة الغرفة ضيقة النطاق لا تقتصر في أبحاثها وتتبعاتها عَلَى هذه الدائرة وتطالب بالإصلاحات التي تنفع عامة أنحاء المملكة وتنتخب كل ما يمكنها من الوسائل التي تؤدي إلى التقدم والرقي.

وفي المراكز التجارية الأوربية كافة أندية تقوم بهذه الوظائف أحسن قيام وأعضاؤها من الرجال الذين قضوا أربعين أو خمسين حجة من حياتهم في التجارة واشتهروا في خلالها بالعلم والعمل ومكارم الأخلاق. وإذا شئت أن تعلم كم لأعمال أولئك الرجال، رجال العلم والعمل ومباحثاتهم من الفوائد فهذه آراؤهم في المسائل التي لها مساس بحياة بلادهم الاقتصادية والمالية ومطاليبهم التي يعرضونها عَلَى حكوماتهم وآثارهم المفيدة كلها شواهد وحجج دامغة.

اقتبست قوانين غرفنا التجارية من اغرف الفرنسوية ولذلك سنبحث هنا عن ماضي هذه وحاضرها لنعلم منشأ تلك. أول غرفة تجارية فرنسوية تأسست غرفة مرسيليا التجارية التي كان تأسيسها في أواخر القرن السادس عشر وأنشئ أيضاً في أوائل القرن السابع عشر الغرف التجارية في تسع مدائن فرنسوية محافظة عَلَى المصالح التجارية. ولكل واحدة من هذه الغرف شخص خاص ومع ذلك فإن لها أوصافاً عامة مشتركة بينهن فأعضاء الغرف الطبيعيون هم أعضاء محاكم التجارة والأعضاء المنتخبون بفتح الخاء يؤخذون من صنوف التجار والقدماء منهم أو من أعضاء محكمة التجارة السابقة. وكانت الغرف مكلفة بإبداء آراءها ومطاليبها في ما يتعلق بالمصالح التجارية وعرض المذكرات التي يدفعها التجار إليها إلى المراجع العليا.

يقول مؤرخو الفرنسيس لم تؤثر هذه البلاد في سياسة البلاد الاقتصادية تأثيراً مهماً ولم يكن لها سلطة تذكر إلا أن غرة التجارة المرسيلية لم تكن كذلك لامتيازها الطبيعي ولأن قنصليات الشرق كانت ملحقة بها ولما لها عَلَى التجار من الحقوق والواجبات المؤيدة بالقانون وكانت تسمح لإقامة الفرنسويين في مرسيليا وكان لها أسطول لمناهضة اللصوصية في البحر القرصان. ومن جملة أعمالها أنها كانت تشتري الأسرى وتقدم الهدايا إلى الملك وتغيث السفن المنكوبة وقد بلغت نفقاتها الاعتيادية مليوناً واحداً عام 1789.

ولما ألغي أكثر أوضاع الدور السابق عقب الثورة الفرنسوية الكبرى ألغيت الغرف التجارية في الجملة وبعد ثمانية أو عشرة أعوام أسست في اثنتين وعشرين بلدة غرف تجارية مقيدة بقيود نظامية ضيقة النطاق غير أن هذا الشكل لم يثمر قط ولم يمنح وقتئذ حق انتخاب الأعضاء إلا لأربعين أو لخمسين تاجراً كان ينتخبهم الوالي وقضى الأمر المؤرخ سنة 1832 بإحداث لجان منتخبة مؤلفة من أعضاء محكمة التجارة وأعضاء مجلس الصلح وجماعة من التجار يبلغ عددهم عدد أعضاء ذينك المجلسين ومنحت ثورة عام 1848 حق انتخاب الأعضاء لغرفة التجارة التجار الذين يؤدون ضريبة الباتنت عامة. ولما عادت الإدارة السابقة أمر الإمبراطور أن يكون تأليف لجنة الانتخاب من قبل الوالي والقاعدة المرعية اليوم في انتخاب الأعضاء وضعت عام 1872. وآخر نظام يتعلق بالغرف التجارية وضع عام 1898.

والغرف التجارية في نظر القانون الفرنسوي هي واسطة الدفاع أمام الحكومة عن المصالح التجارية في أصقاعها المعينة. ولا توجد الغرف التجارية في الجهات العامة وإنما يطلب ناظر التجارة والصناعة تأسيسها حيث يرجى النفع ثم يؤخذ رأي مجلس الناحية التي طلب الناظر تأسيس الغرفة فيها ورأي مجلس الولاية العام والغرف التجارية فيها وبعد كل ذلك تفتح بإدارة خاصة. وفي القانون صراحة أنه لا بد من وجود غرفة تجارية واحدة في كل ولاية عَلَى الأقل وإذا دعت المصالح الاقتصادية إلى تأسيس أكثر من غرفة يجوز وعندئذ يذكر في الإدارة الصادرة بتأسيس كل غرفة في حدود القطعة التي يتعلق بالغرفة الدفاع عن مصالحها التجارية. وفي بعض الولايات تسع غرف تجارية. وللغرف التجارية أعضاء أصليون أو عاملون وأعضاء مخابرون. وسأعود إلى بيان كيفية انتخاب الأعضاء الأصليين أما المراسلون فتنتخبهم الغرف رأساً ولهم الحق في حضور الجلسات ويستضاء بآرائهم ولا يجوز أن يكونوا أكثر عدداً من الأعضاء الأصليين. والأعضاء المراسلون أحسن صلة بين الغرف والتجار وبوجودهم في هذه العضوية يتهيئون للانتظام في المستقبل في العضوية الأصلية التي لا شك أنها أكثر مكانة من الأولى ولا يغرب عن القارئ الكريم ما ينجم عن هذه الأصول من الفوائد. وعدد الأعضاء العاملين يختلف بين 9 و21 ويجوز إبلاغ عددهم إلى (36) في غرفة التجارة الباريزية فقط ويجب التصريح بعدد أعضاء كل غرفة في الإدارة القاضية بتأسيسها وإذا قضت الأحوال يجوز تعديل هذا العدد بالإدارات التي تصدر بعد التأسيس.

وإليك الآن أصول انتخاب الأعضاء الأصليين. ينتخب كل من محكمة التجارة وغرفة التجارة ومجلس الصلح والمجلس العام بعض أعضاء مجلسه فتتألف من هؤلاء المتخبين بفتح الخاء ورؤساء المجالس المذكورة عضأعضاء بةيمبتنيمحكمة التجارة والغرفة التجارية ومجلس الصلح والمجلس العام لجنة تعنى بتنظيم دفتر بأسماء المنتخبين بكسر الخاء ولا يجوز أن يكون عددهم أقل من خمسين ولا أكثر من ألف إلا في باريز فيجوز أن يكون عدد المنتخبين ثلاثة آلاف وأن يكون معادلاً لعدد عشر التجار المكلفين بتأدية ضريبة الباتنت وبعد إتمام هذا الدفتر يدفعون به إلى الوالي ليعلنه.

ثم تلتئم لجنة الانتخاب تحت رئاسة مدير الناحية وتشرع بالانتخاب وشروط الانتخاب للعضوية أن يكون المرشح مكلفاً بتأدية ضريبة الباتنت منذ خمس سنين ومقيماً خلال هذه المدة داخل حدود الإقليم الذي تنتسب الغرفة إليه وبالغاً الثلاثين من عمره وأن يكون أيضاً إما تاجراً أو دلالاً في البورصة أو من مديري شركات الأنونيم أو باناً لإحدى السفن ذات الأسفار البعيدة ولم يصرح القانون بشروط اللجنة غير أنه معتبر ضمناً لما لأعمال الفرق ومقاصدها من الشأن الوطني.

وتجري الانتخابات بالرأي الخفي والأكثرية المطلقة عن المرشحين المسطرة أسماؤهم عَلَى قائمة خاصة وإذا تساوت الآراء ينظر إلى الأكثرية الإضافية وإذا تكرر التساوي يرجح الأكبر سناً ثم يكتبون محضراً بصورة الانتخاب ويدفعونه إلى الوالي وهذا يرسله إلى ناظر التجارة. وللناظر حق مطلق في رفض عضوية أي شخص كان من المنتخبين (بفتح الخاء) ولو لم يكن ثمة أسباب قانونية. وبعد إجازة انتخاب الأعضاء وتصديقه من قبل الناظر يؤسس الوالي الغرفة بالفعل. ومدة العضوية ست سنوات ويتجدد انتخاب ثلث الأعضاء مرة كل عامين بطريقة الاقتراع ويجوز إعادة انتخاب أي عضو كان بعد انقضاء مدته مهما تكرر انتخابه للعضوية والعضو الذي يتغيب عن الغرفة ستة أشهر بلا معذرة يطلب الناظر رأي الغرفة في شأنه ثم بعد أخذ رأي الغرفة يعلن أنه اعتبر مستقيلاً من عضوية الغرفة وينتخب (بفتح الخاء) سواه في أول انتخاب (من الانتخابات الجزئية) التي تتخلل الست سنوات.

ظهر للقارئ الكريم أن الانتخاب لا يشمل التجار كافة ولقد تكرر الطلب في مجلسي الأمة والأعيان لتوسيع هذا الحق ولم يسعف المجلسان هذا الطلب. وبعد أن تتألف الغرفة من الأعضاء يجتمع أعضاؤها وينتخبون لهم رئيساً أول ورئيساً ثانياً أو رئيسين ثانويين وكاتباً وأميناً للصندوق ولغرفة التجارة الباريزية وحدها الحق في انتخاب عدة رؤساء ثانويين وكاتبين ويتجدد انتخاب الرؤساء والكاتب وأمين الصندوق مرة في كل عامين ولا بأس بتجديد انتخابهم لهذه الوظائف نفسها وللولاة والمتصرفين الحق في حضور الجلسات وآراؤهم استشارية وكانوا قبلاً من الأعضاء الطبيعية يرأسون الجلسات التي يحضرونها. وإذا فقدت الغرفة ربع أعضاءها بأي سبب من الأسباب يجب انتخاب غيرهم في مدة شهرين وتدعى هذه الانتخابات بالانتخابات المتممة. إلا إذا كانت السنة التي حدث فيها هذا النقص في مجموع الأعضاء سنة الانتخابات الجزئية فيجب حينئذ التربص ريثما تجري هذه الانتخابات. ولا يجوز هذا التأخر إلى حلول وقت الانتخابات الجزئية إذا فقدت الغرفة نصف أعضاءها فأكثر. ومن حاز الأصوات في الانتخابات المتممة تنتهي مدته بانقضاء مدة العضو الذي انتخب عنه.

ولا تجري المفاوضة عن أمر ما في الغرفة إلا إذا حضر أكثر من نصف الأعضاء ولا يبرم أمر إلا بأكثرية الأصوات المطلقة وإذا تساوت الأصوات فالأرجحية في جانب الرئيس.

ولا يتقاضى الرئيس والأعضاء رواتب عن وظائفهم هذه ولرئيس محكمة التجارة حق التقدم عَلَى رئيس غرفة التجارة في التشريفات كما أن لأعضاء هذه المحكمة نفس الحق عَلَى أعضاء الغرفة التجارية.

وللغرف التجارية استقلال تام في الأمور الداخلية وهي تسن نظامها الداخلي وتعدله كما شاءت ولها الحق المخابرة رأساً مع ناظر التجارة وغيره من النظار. والقانون صريح في أن للغرف أن تنشر محاضرات جلساتها وأكثر الغرف تستفيد من هذا الحق. وليس لأعضاء غرف التجارة صفة الموظفين ولا تعتبر أعمالهم من أعمال القوة الإجرائية بتاتاً.

وإليك الواجبات الرئيسية التي يجب أن تقوم بها غرف التجارة باعتبارها شخصاً أدبياً ذا استقلال له كما عليه حقوق وواجبات:

1_الإجابة عن الأسئلة التي ترد إلى الغرف فيما يتعلق بالأمور الصناعية والتجارية.

2_أن تبدي الغرف آراءها في أسباب ترقية الصناعة والتجارة.

3_القيام بالأعمال التي يتحتم عَلَى الغرفة صيانتها.

فالبند الأول والبند الثاني من واجبات الغرف الاستشارية والثالث من حقوقها الإدارية. والغرف التجارية تؤسس مخازن عامة ومستودعات تجارية ودوراً للبورصة ومدارس تجارية وكذلك تشتري امتيازات بعض المشاريع النافعة. ولا بأس بمنح الغرف هذه الامتيازات إذا رغبت هي فيها بشرط أن لا تثبط مساعي الأفراد أو تضعف فيهم قوة الإقدام للقيام بهذه الأعمال والمشاريع. والأمور التي يرجح فيها لرأي الغرف هي كل ما له مساس بالنظامات والعادات التجارية وإنشاء غرف تجارية جديدة ودور للبورصة ومحاكم تجارية ومراكز لسماسرة البورصة والدلالين وبيان أسعار الأموال وتصديقها عند الحاجة وما له علاقة بتعريفة الدلالة وأنظمتها وتعاريف الجمارك وأصول الرسوم الجمركية وتعارف النقليات وقوانينها والضرائب التي تؤخذ لتنفق في محلها للمشاريع النافعة والعمرانية وتأسيس مصارف بنوك جديدة أو فروع للمصرف الفرنسوي ومخازن عامة وإحداث أماكن للبيع بالمزايدة.

والغرف التجارية مكلفة بدفع ضريبة الباتنت عن الشغال التجارية التي تتعاطاها برخصة خاصة أو امتياز بشرط أن يكون لها من ريع صاف وأما إذا توازنت النفقات والمداخيل فلا تدفع شيئاً. ومن حقوق الغرف المهمة حق المخابرة بعضها مع بعض والاتحاد لصيانة المصالح العامة المشتركة وتنكيد بعض النفقات المشتركة أيضاً. فالمخابرة سهلت المفاوضة بين الغرف وبالاشتراك سهل القيام بالمشاريع التي لها علاقة بأكثر من ولاية.

تنقسم مداخيل الغرف إلى ثلاثة أقسام: (1) ضريبة الباتنت التي تستوفى من النجار بحسب طبقاتهم ومكلفيتهم والهبات والوصايا (2) المداخيل الغير الاعتيادية وهي الضميمة التي تضاف إلى ضريبة الباتنت والتخصيصات التي تأخذها من الحكومة وما يرد عَلَى الغرف من مبيع العقارات والقروض (3) المداخيل الصافية التي تأخذها الغرف المذكورة من الأعمال والمشاريع النافعة والتجارية التي تقوم بها.

وتنقسم نفقات الغرف أيضاً إلى ثلاثة أقسام 1 النفقات العادية 2 النفقات غير العادية 3 النفقات الخاصة.

النفقات الأولى ما تنفقه الغرف لإدارتها السنوية. الثانية ما تنفقه الغرف لشراء أراضي وعقارات أو بنائها أو المخصصات غير العادية. والثالثة وهي النفقات الخاصة ما تنفقه الغرف عَلَى الأوضاع التي لها أو تعهدت هي بإدارتها. والقانون الفرنسوي الأخير سمح للغرف التجارية بتأليف ذخر احتياطي وهي مكلفة بتنظيم موازنة منتظمة تجيزها نظارة التجارة ولها أن تعقد قروضاً باسمها ولكن لا بد من اقترانها بإدارة رئيس الحكومة.

هذه خلاصة كيفية تأسيس غرف التجارة الفرنسوية ويظهر مما سبق أنها ليست حرة تماماً وبينها وبين الحكومة صلات وارتباط.

الباقي للآتي.

بين النهرين: تعريب

ز. خ.