مجلة المقتبس/العدد 80/مرآة الشباب
مجلة المقتبس/العدد 80/مرآة الشباب
أيصدقه العلاء فيستريب ... ويدعوه الفسوق فيستجيب
وتخطيه الكؤوس فيجتبيها ... شمولاً دون لذعتها اللهيب
كأن شروبها إذ يحتسيها ... ربيبٌ حين أعوزه العجيب
يحرق إرماً إثر ارتعاص ... بدا منه بجبهته قطوب
تحجب لبه استارعي ... فكنفه المثالب والعيوب
سرى يبغي العلاء فحين دانى ... ورود حياضه شع القريب
وحالت دونه أكواب دن ... ترشفها فأدركه الشحوب
فتى عبثت به أيدي التصابي ... كما في الطير قد عبث الربيب
رماه بدائه وانسل كوب ... وهل يأتي بغير ألفي كوب
وراقته مداعبة الغواني ... ففلز يرشده الصوت الرطيب
ارتهن لحاظهن ضروب سحر ... وللغادات من سحر ضروب
فبات كان في أذنيه وقراً ... إذا ناداه مرشده اللبيب
وظل ولا طبيب لما عراه ... وهل ينجي من الموت الطبيب
إذا خطبته مكرمة تولى ... وإن نادته غانية يجيب
تعاطيه الكؤوس فتاة دل ... فيطرب وهو لو علم الكئيب
وتطوي عرسه الأيام صبراً ... وساقيه بدرهمه لعوب
ترى الدينار يرقص في يديه ... وقد اضني بنيه طوى مذيب
إذا ما مومي خطرت تدلى ... وتابع خطوها وله وثوب
يحن إلى دنو فتاة سوء ... وقد ظمأت حليلته العروب
ويؤنسه حديث ذوات تيه ... وقد مجته منهن القلوب
ينام نهاره حتى إذا ما ... تصرم هب يحوه الغروب
تؤم به غواتيه فيسعى ... فلا نصب يقيه ولا لغوب
يجوب بغاء غانية قفاراً ... وما لسوى الهوى قفزاً يجوب
ويركب متن حدثان الليالي ... فيلوي حيثما ابتدأ الركوب
يهب إلى الشبيبة بعد عجز ... ويهرجها إذا يبدو النضو كأن شبابه كرة ازدهاء ... فجاد من الحياة بما يطيب
كأن حياته هانت عليه ... فجاد من الحياة بما يطيب
كأن سنينه أحلام صب ... صحا فإذا نضارتها نكوب
كأن حجاره غادر أصغرية ... وآلى في الشبيبة لا يؤوب
متى يدن المشيب يثب هداه ... إليه كأنما الموت المشيب
وزجر الشيب أعمل في نفوس ... من السمر اللدان إذا تصيب
دمشق:
خير الدين الزركلي.