مجلة المقتبس/العدد 84/راعية الخيل لا راعية الجبل

مجلة المقتبس/العدد 84/راعية الخيل لا راعية الجبل

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1914


1 تمهيد

لغتنا قليلة الاصطلاحات بالنسبة إلى العصر فشوها وزهوها وغضارتها إلا إن الذي وصلنا منها جاءنا مبهماً أو ناقص التعريف والتحديد أو مصحفاً ومحرفاً. وهنا الطامة الكبرى والبلوى العظمى. ومن هذا القبيل الكلمة التي نريد إن نبحث عن حقيقتها وهي راعية الخيل فقد جاءت في كتبهم مصحفة بصورة راعية الجبل فهل هذا التصحيف مقبول؟ - قلنا:

2 قول اللغويين في هذه الكلمة وأسماؤها المختلفة

قال في القاموس: راعية الجبل: طائر. ولم يزد على هذا القدر. وقال في المخصص 8: 155: الراعية يقال لها: راعية الخيل: طائرة صفراء صغيرة تراها أبداً تحت بطون الخيل والدواب كأنما خضب جناحاها وعنقها بالزعفران فيها كدرة وسواد وظهرها أصفر وزمكاها لا طويلة ولا قصيرة. وقال صاحب تاج العروس: راعية الجبل كذا في النسخ. والصواب: الخيل بالخاء المعجمة والتحتية كما هو نص التكملة: طائر أصفر يكون تحت بطون الدواب. هكذا هو في التكملة. وقال النضر بن شميل: طائرة صغيرة مثل العصفور تقع تحت بطون الخيل والدواب صفراء كأنما خضب عنقها وجناحها بالزعفران وظهرها فيه كدرة وسواد ورأسها أصفر وزمكاها ليست بطويلة ولا قصيرة. انتهى. فأنت ترى من هذه النصوص أن صحيح الرواية هو راعية الخيل لا راعية الجبل لأنها ترعى هناك أرواثها كما هو مشهور عنها وإما في الجبل فلا يمكنها إن ترعى فيه شيئا إذ لا ترى فيه إلا الخضرة إن كانت هناك خضرة والخضرة لا تفيد هذه الطويئرات فائدة ولهذا يظهر لك فساد هذا التصحيف إذ تتضافر روايات اللغويين الكبار مع الدواعي العقلية على تأييد هذا اللفظ أي راعية الخيل ودفع الرواية المصحفة وهي راعية الجبل.

وقال التاج في مستدرك ر ع ي: والراعية: طائر. ورعاءة الخيل: لغة في راعية الخيل. عن الصاغاني. قلت أنا: أما الراعية فهي نفس راعية الخيل كما تقدم نصه من عبارة صاحب المخصص إذ جعل الراعية وراعية الخيل شيئا واحدا. وإما رعاة الخيل فقد قال اللغوي الانكليزي لين صاحب مد القاموس: هكذا وردت هذه اللفظة بدون ضبط في ت العروس. والظاهر إن هذه الكتابة مخطوءة لأننا إذا نظرنا إليها نراها داخلة في عداد اسم الجنس وحينئذ يجب أن تضبط هكذا رعاة الجبل. فانظر إلى هذا الكلام مع ما فيه من الغرابة. والأصح إن تضبط اللفظة رعاة الخيل وزان شدادة. فعالة بمعنى فاعلة للمبالغة فكما أنه قيل لها راعية الخيل سميت أيضاً رعاة الخيل لكثرة رعيها وإلا فلو كانت جمعاً لراعية لقيل رواعي الخيل لا رعاة الخيل كما قال لين اللغوي المذكور.

وسميت هذه الطويئرة أيضاً الرعوة فعلة بمعنى فاعلة. قال في مستدرك التاج: الرعوة: هنية تدخل في الشجرة لا تراها الدهر إلا مذعورة تهز ذنبها. نقله السيوطي. قلت أنا: وهذه صفة راعية الخيل. ولهذا سماها الإفرنج هزازة الذنب كما سموها أيضاً طويئرة الرعاة

ومن أسمائها أيضاً الذعرة أو الزعرة. وسميت كذلك لأنهم توهموا فيها الخوف والذعر ظانين إن اهتزاز ذنبها على الدوام هو من شدة ارتعاشها الحاصل من خوفها. قال ابن سيد: الذعرة: هنية تكون في الشجرة تدخل فيها لا تراها إلا مذعورة تهز ذنبها. وقال صاحب التاج: الزعرة كتؤدة طائر في الشجرة لا يرى إلا مذعوراً خائفاً يهز بذنبه ويدخل في الشجرة وهو الذعرة التي تقدمت.

ومن أسمائها أم عجلان والقوبع والفتاح. قال الدميري: أم عجلان طائر قاله الجوهري. وقال ابن الأثير: طائر أسود يقال له قوبع. وقيل طائر أسود أبيض الذنب يكثر تحريك ذنبه يقال له الفتاح. والقوبع طائر أسود أبيض الذنب يكثر تحريك ذنبه.

ويقال في الفتاح: الفتاحية بتخفيف الياء إلا أن بعض اللغويين ينكرون كون الفتاحية والفتاح شيئاً واحداً. والصحيح أنهما واحد المدلول.

ومن أسمائها: الصفرد قال في اللسان: الصفرد طائر أعظم من العصفور. . . وهو طائر جبان يفزع من الصعوة وغيرها. وقال الليث: هو طائر يألف البيوت وهو أجبن طائر.

وهذه الأسماء وإن كانت تقع على جنس واحد من هذا الطير إلا إن الاسم الواحد لا يقع على المدلول الآخر. فالصفرة كثير الصفرة اسمه بالفرنسية وبلغة العلماء وهو كثير الوجود في العراق يكون طول السنة. وأما راعية الخيل أو رعاة الخيل أو الراعية أو الرعوة فأسمها بالفرنسية وأما بلغة العلم فهو وأما القوبع فهو والذعرة وأم عجلان والفتاح والفتاحية والزعرة شيء واحد وأسمها بالفرنسية وبلسان العلماء أو ويشملها كلها أسم الذعرة أو الزعرة وهو أسم الجنس.

ومن أسمائها عند العوام أم صفيدة ذكرها صاحب محيط المحيط في مادة ذعر. وأعاد الكلام في دائرة المعارف في مادة ذعر. قال: الذعرة طائر يهز ذنبه دائماً.

والعامة تقول له أم صفيدة - ومن أسمائها العامية ما ذكره الدكتور أمين المعلوف في معجم الحيوان 36: 458: من المقتطف) قال: الذعرة طائر صغير يكثر تحريك ذنبه ويسمى أبا فصادة في مصر وأم سكعكع في الشام قلت: وأسمه زيطة عند العراق وصفرد أبو المليح عند الأعراب.

فمع كثرة هذه الأسماء لا ترى المعاجم الفرنسوية أو الإنكليزية العربية تذكر إلا القليل منها. أو لا تذكر شيئاً. فهذا المعجم الفرنسوي العربي الكبير للأب بلو اليسوعي على ضخامته وتبجح صاحبه في المقدمة إذ يقول: وهناك معاجم مطولة لكنها كثيرة النقص في ما يتعلق بالتدقيق والضبط إذ تجتزي في أغلب الأحيان بما يقرب من المعنى الحقيقي دون اللفظ الواجب له ومع ذلك ترى فيه من النص في المصطلحات العملية ما يسقط هذا الديوان في عيون الأدباء أطلب مثلاً كلمة تراه يقول: عصيفير، طيير ونسي أن طائر الرعاة أي هو نفس هزاز الذنب أي الذي يقول في نقلها إلى العربية: ذعرة (أم صفيدة) مع أنه يقول بالفرنسوية هي شيء واحد. ويفسرها بها. - وأما بادجر صاحب الكتاب الإنكليزي العربي المعجم الكبير فيقول في هزاز الذنب، ذعرة. ولا يزيد على هذا القدر. وقد سبقه إلى هذا التعبير بقطر في معجمه الفرنسوي العربي.

فأنت ترى من هذه الشواهد أن معاجمنا العربية ومعاجم اللغات الأجنبية إلى اللغة الغربية تحتاج إلى نظر لتضبط وتصحح ويدقق فيها حتى تجاري دواوين لغات أهل الغرب الذين يبالغون في تهذيبها وتحسينها على الدوام. وأما أصحابنا فأنهم ينقلون أقوال من تقدمهم بدون ترو أو تدقيق النظر ولهذا معاجمنا العربية الحديثة لا تمتاز عن معاجم الأقدمين بشيء يذكر.

وصف هذه الطويئرة على ما جاء به العلماء

راعية الخيل من الطويئرات القواطع من رتبة العصافير المسننة المنقار الراجعة إلى جنس الدقيقات المنقار وإلى صنف هزازات الأذناب. وتمتاز بمنقار دقيق مستقيم وبمنخرين ملوزين يكونان عند قاعدة المنقار ومغشيان إلى نحو منتصفهما بغشاوة جرداء ولها إبهام به ظفر طويل قليل التقوس وعرف بذنب ليس بالطويل ولا بالقصير دائم الحركة تهزه الطائرة من فوق إلى الأسفل.

والطويئرات المسماة بهذا الاسم تشمل صنفين وهما: رواعي الخيل وبالفرنسوي

وبلسان العلم والصفارد وبالفرنسوية وبلسان العلماء وكلها من أكلة الحشرات. وتعشش تحت أكوام الحجارة وفي ثقوب الأشجار الكبار وفي تخاريب الأجراف أو في المزارع والمروج. واذاجاء الربيع حسرت (أي سقط ريشها ونبت غيره) وإذا جاء وقت الهيج تتحلى ذكورها بأفخر الريش فتتميز به عن إناثها. وفي غير هذا الأوان يصعب على الرائي أن يميز الذكور من الإناث والفرق الفارق بين الرواعي والصفارد إن الرواعي تختلف إلى المروج والزروع ومجتمعات الخيل والمواشي والغنم وتتبع الرعيان أينما ذهبوا وتتأثر الحراثين لتلقط ما تقع عليه بعد الكراب من ديدان ودويبات. - وأما الصفارد فتحاور المياه والبطائح والغدران والمغتسلات. ولهذا سماها الفرنسيون: الغسالة أو المغتسلة وهذه اللفظة العربية زنة ومعنى أو تكاد. وهذا الاسم يعرفه بعض النساء اللواتي يغسلن الثياب على حافة دجلة. فتأتي هذه الطويئرات ويحمن حول هؤلاء النساء سحابة النهار وتدنو منهن بكل انس وتلتقط ما يتساقط من الفتات. وهذه الطويئرات تحاكي الغسالات بأنها تخطر بذنبها الأرض والنساء يقصرون الثيات بضربها بالميحنة.

والرواعي تلتقط طعامها بسرعة البرق الخاطف إن كان من الأرض وإن كان في الهواء. وإما طيرانها فمتموج وبخفقات ونقزات. وإذا طارت الصفارد أسمعت صوتا حادا قصيرا تردده كأنها تقول: كي كي فتجاوبها التي على الأرض بمثل هذا الصوت.

ولكل من الرواعي والصفارد ضروب وأشكال تختلف بعضها عن بعض بالنعوت فيقولون الصفرد الأرمد والصفرد الأصفر والراعية الرمداء والراعية الصفراء إلى آخر ما هناك. وبهذا القدر كغاية للغوي والأديب. ومن أراد الزيادة فليرجع إلى كتب الفن وقد سيرت عليه المراجعة بعد معرفة الألفاظ العلمية. والله ولي التيسير.

بغداد: ساتسنا