مجلة المقتبس/العدد 96/تربية الأطفال

مجلة المقتبس/العدد 96/تربية الأطفال

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1915



لا يجهل حالة الزمن الحاضر وخطورة أمره فإن إعلان الحرب وتفشي الحميات والأوبئة في دمشق وأرباضها وبقاء أكثر العائلات من دون رجال لتجنيد الآباء والأبناء كل ذلك يستدعي النظر ويستحق الاهتمام.

تضم الفيحاء بين جدرانها اليوم عدة مكاتب تطوف تلامذتها الشوارع في الأيام الرسمية حاملة الأعلام منشدة الأناشيد صادحة الموسيقى لتظهر للملاء تقدم المعارف ورقبها وربما ظل بعضها حتى نصف الليل طائفاً في الخارج مما نص نظام تربية الأطفال على منعه وقضى بعدم جوازه والواجب أن يبرحوا مدرستهم وأن لا يقيموا مجتمعين في محال مغلقة النوافذ رطبة ضيقة الأكتاف مراعاة لحالة الوقت والصحة.

تقسم درجات المكاتب بوجه عام إلى ثلاث عالٍ وتال وابتدائي وسيدور البحث هنا على أولئك الصغار طلاب المدارس الابتدائية لحرمانهم من قوة الإدراك ولكونهم لا يعرفون شيئاً سوى التقليد وما هم في الحقيقة إلا كالببغاء تردد ما تسمعه خلافاً لرفاقهم تلامذة القسمين الباقيين فهم يفرقون بين النافع والضار ويميزون بين الخبيث والطيب.

وعندي أن من الخطأ إرسال الأطفال إلى المكاتب في مثل هذا الزمن وترى الأهالي في البلدان التي نما فيها هذا الفن وأزهر يعتنون بتربية أطفالهم في المدارس أكثر من البيوت أما نحن فبالعكس فإننا مضطرون إلى تربيتهم في البيت

إن أكثر ما ينجم من الأضرار عن إرسال هؤلاء إلى المدارس ناشئ عن حبهم للتقليد كما أسلفنا فتراهم مثلاً يشربون ماء بردى الممنوع تجرعه صحياً اليوم ولا يحجمون عن ابتياع الفواكه الفجة الممنوعة كالمشمش والخوخ وغيرهما من بقية الأثمار وما يتناولونه من المتليكات ويأكلونه بشراهة مما يكون عاملاً مهماً في سراية الأمراض وانتشارها

ولقد ثبت بالاختبار والتجربة أنه إذا أصيب فرد من عائلة بمرض فإن نصيب هذه العائلة الشقاء إذا لم تتخذ التدابير الفنية والاحتياطات اللازمة فلذلك كان من الضروري العناية بتربية هؤلاء الأطفال في العش الذي فيه درجوا والوكر الذي منه خرجوا بعرفة أسرهم في محيط متأخر تضاءلت فيه أنوار العلوم وانحطت الأخلاق وفسدت التربية كهذا المحيط إنقاذاً لهم من شقاء محتم وحفظاً لحياتهم وصوناً لمستقبلهم وهذا على ما أرى لا يحتاج إلى عناء وفرط اهتمام بل هو غاية في السهو أذكر الآهلين بأن عليهم أن يلقنوا أطفالهم في بيوتهم المعلومات العادية البسيطة عن كل ما يحيط بهم من المرئيات والأشياء لتتسع دائرة أفكارهم وتنفتق براعم أذهانهم خدمة لهم ولوطنهم فإذا شاهد الجند تجتاز الشوارع يخبر عن الحادي لهم على الانتظام في سلك الجندية وعن السر في كونها إجبارية وعن الواجبات الوطنية وعن حقوق الوطن ويسرد له على سبيل الحكاية أحوال المملكة وموقفها من الأعداء. ويبين له الماء الطاهر من الماء الآسن وفوائد غسل اليدين قبل الطعام وبعده وشدة لزوم تعلم القراءة والكتابة وتأثيرهما في رقي الأمة والوطن وتاريخ الحكومة وجغرافيتها وأسباب سراية الأمراض وطرق الوقاية منها وذلك بأسلوب سهل لذيذ يستميل الثابت ويدعوه للاستزادة منه وعدم السآمة من سماعه.

11. العناية قبل كل شيء بإنماء العاطفة الدينية في نفسه والبحث له عن الطهارة والنظافة والدين والإيمان ومتى أنس منه مللاً أو ضجراً يجب طي ذلك الحديث وتنبيهه للطريق القويم بأقاصيص لذيذة وأحاديث مفيدة.

نمو الأطفال

أهم أسباب نماء الأطفال طريفة ألباسهم وإطعامهم وتربيتهم وتدريسهم فهم متحاجون لجسم سليم تتوقف عليه طريقة الإلباس وجودة التغذية ليفكروا جيداً ويجتهدوا ويفقهوا والعقل السليم في الجسم السليم كما يقولون.

ومن الخطأ الفادح أن يمقط الطفل عقب ولادته بمختلف التماطات من صوف وقطن وخام ويبالغ في أسباب وقايته من الحر والقر وترضعه المرضع كل حين ويلبّس صدرة أو يلف في خرق عند نزع القماط عنه ويبيت في غرفة مغلقة النوافذ لا يتخللها هواء ولا تخطر فيها أنوار ذكاء بل يجب أخراجه صباحاً ليستفد من شمس الصباح وأن يحمل إلى الأماكن التي يكثر هواؤها ويعود عند أماطة قماطه الحر والبرد بقدر الإمكان وأما أمر الإرضاع وأصول التغذية فهو بحث آخر له في هذا الباب من المكانة النصيب الأوفر فيجب أن لا ترضع الطفل سوى مرضعه ولا بأس من أرضاعه لبن البقر لكونه أجزل فائدة اللهم إذا كان خالياً من المواد الضارة عارياً من الشوائب معتنى أشد الاعتناء بفحصه وتطهيره.

ٍوخير أنواع اللباس وأفضلها لتنمية الرضع عند أول حبوه الطرق الحديثة المتبعة اليوم في سويسرا وألمانيا وفرنسا إذ ثبتت بالتجارب فوائدها وهي عبارة عن ألباسه سراويل قصيرة وقفطاناً قصيراً لا أكمام له ويجاب به على هاته الهيئة في الحر والقر ولا بأس من إدخاله الأماكن الثلجية لأن ذلك يزيد كثيراً في نشوئه ونمائه ولا يعود يتأثر من حمارّة القيظ ولا صبارة البرد.

ويلزم بعد تعريضه لشمس الصباح وإطعامه طعاماً خفيفاً وأراحته غب ذلك مدة ساعتين أخراجه للنزهة مساءً صحبة والديه أو أحد الخدم وإطعامه بين وقتي الظهر والعصر قطعتين من الحواري (البسكويت) أو كسرة من الخبز فإذا ما كان فارغ المعدة تزداد قوته ويكثر نشاطه ويثب ويعدو ويقع وينهض ومتى ساوره تعب يراح قليلاً ويجب العودة به إلى البيت حالاً عندما يميل ميزان النهار إلى للغروب.

ومن أفضل الطرق العصرية ألباس الطفل دائماً اللباس الخفيف وتغذيته قليلاً قليلاً لئلا تنتفخ معدته وكل طفل لطف غذاؤه وحسن لباسه وكثر أخراجه إلى المنتزهات لا تصيبه أمراض ولا تساوره أسقام.

تربية الطفل

على الأبوين إذا مسهما العوز وحاق بهما الضنك أن يجتهدا في تقليل نسلهما وعدم نمو ذريتهما لكيلا يعجزا عن تربيتهم والعناية بهم وعليهما أن يحرصا متى كبر طفلهما وبلغ أشده على أن يكون لهما أبناء آخرون.

ولقد أجمع الباحثون على أن المولود الثاني ينقص من المحبة الأول ويسبب إهمالاً في تربيته وتغذيته مما يحمله على حسد أخيه أو أخته في المستقبل وهو لكونه في دور الطفولة لا يشعر بذلك ولا يدركه لكنه على الأغلب يكون أذكى من أخيه الأصغر وأشد جسماّ وأكثر قوة وأوفر اجتهاداً ويكون حراً بحركاته وسكناته وغيابه وحضوره فيذهب أنى أراد ويدرج حيثما شاء مما يساعده على نمو جسمه وتكامل أعضائه بالنسبة للصغير الذي تكثر العناية به والمحافظة على صحته فلا يفارق والدته ولا يبعد عن بصرها والذي يحب التدقيق به الآن أي التربيتين أفضل تربية الكبير أم الصغير أتفق أرباب الاختصاص وثبت بالتجارب العديدة أن تربية الكبير تكون أفضل اللهم إذا كان المحيط راقياً والأخلاق سامية لأنه لا يجد من العطف والحنو ما يجده أخوه فلذلك يشب نشيطاً قوياً بخلاف ذاك الذي ينشأ على عكس هاتيك الأخلاق بالنظر للمحيط الذي نما فيه ويعاني مصاعب جمة في آخر الأمر لتغيير أخلاقه وتهذيبها.

وبعد فقد أدراك القارئ من التفاضل الذي أجريناه بين تربية هذين الطفلين أن تربية الأكبر أفضل ونرى أن مصلحة الأسرة التي مسها العوز أن لا يلد لها مولود قبل أن تنتهي من تربية طفلها الأول وبغير ذلك لا يصلح شأنها ولا يرغد عيشها.

حياة الأطفال

من القضايا المتفق على صحتها انتشار الفقر والبؤس في كل قطر وصقع وكونه عاماً شاملاً فلا يكاد يخلو منزل من فقر وفقراء وبؤس وبائسين ومع ذلك فقد أجمع أهل العلم على أنه ليس بعزيز على الأسر التي أتاخ العوز ببابه ونزل الشقاء برحابها أن تربي أفلاذ كبدها تربية جيدة وتنبتهم نباتاً حسناً متى كان أحد ركنيها عارفاً ذكياً ذا خبرة في أصولها وطرائقها.

والذي يجب أن لا نمر به الآن مرور الكرام باللغو هو اختلاف تربية أبناء الفقراء باختلاف المكان والمحيط فانك لترى الفرق ظاهراً بين تربية أبناء الأستانة وتربية أبناء دمشق كما أنك تشاهد بوناً بين تربية أبناء الفيحاء وأبناء معان واختلافاً في طرق حيلتهم ومعايشهم مما حققه علماء هذا الفن وتحتاج الإفاضة فيه إلى زيادة بحث وطول تنقيب يستفيد الأطفال الذين ينشأون في المدن الآهلة الكبرى من كل شيء - من معاشرتهم أبناء الأغنياء من اجتماعهم بأبناء الكبراء من المدارس. يستفيدون من المحيط بعكس أولئك الذين ينشأون في الأقطار القاصية والأصقاع النائية فإنهم يبدأون منذ نعومة أظفارهم عنهم بأكل خبز الشعير ويطوفون حفاة عراة في منظر غريب عجيب الفتة الأنظار في بلادهم.

أمل قد ثبت لدينا من الرسائل الأولى - أن الصغير مفتون بتقليد الكبير راغب في تحديه بأعماله وأطواره - فلذلك كان لأولى لأمثال هؤلاء الأطفال أن يدرجوا في محيط تسامت أخلاقه وطاب ورده وأزهر روضه ومن طاف البلدان الأوربية رأى هذه الحقيقة مجسمة وهبات أن يرى غلاماً مكشوف الرأس عاري الجسم يلعب بالأوحال المتراكمة والماء الآسنة متجولاً في الأزقة والشوارع كما هي الحال في بلادنا وفي كل بلاد لم تنال حظاً من الرقي ونصيباً من النهوض.

أني سرت في هذه البلاد وكيفما طفت لا تقع عينك إلا على صبية 11لعابهم سائل أعينهم مملوءة بالعمش أظافرهم طويلة أطمارهم بالية مناظرهم مزعجة تدمي الأفئدة وترمض القلوب والحلوم.

والذي أراه أن الآباء يحملون أصر إغفالهم تربية الأبناء وخير لهم وأبقى أن لا يرزقوا ذرية تكون عبئاً ثقيلاً على المجتمع وعالة على الوطن - بإهمال التربية - ويكونوا أثمين إذا لم يلاحظوا هذه القضية - بل أتبعوا أهواءهم ويجب علينا أن نفكر كثيراً قبل العمل ثم نطبق عملنا على الفن وأصوله.

أذواق الأطفال في لعبهم

يتلذذ الأطفال ويسرون بكل ما يشاهدونه أمامهم منذ تخلصهم من أسر القماط المعروف إلى عام أو عامين ويظلون هكذا يتنعمون بهذه اللذائذ حتى يصلون إلى سن الإدراك فيظنون بكل ما يرونه أمامهم أنه من المشاهد المضحكة وعندما يبلغون سن التمييز يظهر منهم أمور غريبة تلفت الأنظار. وهذه الحلة تحتاج لعناية خطيرة ولأعمال النظر فيها باهتمام فالأطفال الذين ينشأون تحت مراقبة مربي صالح لا يمكن أن يكونوا على عكس ما نشأوا عليه ولا يظهر منهم أمور سيئة.

وفي أغلب الأحايين نرى الأطفال يتلذذون باللعب المختلفة في سن الطفولية وبعد اللعب يأتي دور الملاهي الممنوعة كالتسلي بخوض المياه وغيره فالطفل الذي لم يتكامل دماغه بعد يظهر بمظاهر الإدراك بحسب ما يلقنه محيطه إذ من الأمور الراهنة الطبيعية أن الطفل ينقاد دائماً لتقليد ما يمثل أمامه لأن الأطفال لا ينشأون على حالة واحدة مهما كانت دواعي الألفة مبذولة بينهم أي أننا نرى ما يسر هذا الطفل يسوء ذاك وما ينفر منه ذاك يلذ هذا وهذه القضية ثابتة بأمثالهم بين العائلات التي يوجد بها أكثر من واحد إذ كثيراً ما نرى أنه بين أطفال العائلة الواحدة من يلذ له الاستحمام في أن أخاه ينفر منه أشد النفور وبينما نجد الأول جريئاً حراً نرى الآخر خجولاً خاملاً.

قلنا أن تعلة الأطفال من حيث النظرة العمومية هي الأالأعيب فهذه المسألة الأالأعيب التي نرها تافهة في نظرنا هي ذات شأن تحتاج للبحث والتنقيب في بلادنا فلذلك أريد أن أضع قياساً فارقاً بين الألعاب الأوربية وبين تلك التي يميل إليها أطفالنا في بلادنا وأني على يقين بأن القراء الكرام سيضحكون من هذا القياس الذي سأوضحه هنا لنلاحظ اللعب التي يتسلى بها الأطفال الأوربيون كتب مصورة ضخمة ومجلدة على أحسن حالة لئلا تتمزق بسرعة أدوات زراعية صغيرة الحجم جداً ووسائط نقلية أيضاً من الحجم الصغير وحيوانات متنوعة مصنوعة من الخشب ثم أعلام وعلائم وشعائر كثيرة الخ.

أما اللعب التي أعتدنا أن نقدمها هنا لأطفالنا فهي على الأكثر عبارة عن قطعة خشب صغيرة جعلت لإزعاج سامعيها بصوت دورانها على محورها يعبر عنها في البلاد التركية بثرثرة العجوز ودف صغير وحربة صغيرة ومظلة من ورق وطبل وزمر الخ. وما أظنني مبالغاً فيما قلته بهذا الصدد وأنه ليلذ لي كثيراً تدقيق هذه التوافه وتتبعها فلذلك أقول أن هذه السطور هي نتيجة أبحاثي الدقيقة فلا يمكن أن يكون فيها مبالغة أو زيادة.

تربية الصغار بين الكبار

حينما يأخذ الصغار يستفيدون من محيطهم وتمييز ما يرونه ويشعرون به يجب أن يقضوا معظم أوقاتهم مع الكبار أكثر من أترابهم ونعني بالكبار أفراد العائلة الذين هم منه ولا تزال مسألة حضور الصغار مع الكبار محل الخلاف في محيطنا فبعضهم يرى أن تكلم الصغار في مجالس الكبار ناشئ من عدم التربية ويمنع الصغار من كلام الكبار والتكلم في مجالسهم وأن يظلوا وقوفاً في مجالسهم ولا يجلسوا ويقتصرون على النظر أمامهم إلى غير ذلك وبعضهم يرى عكس هذا ويوصي بمنح الصغار الحرية التامة وباختلاطهم دائماً بالكبار كي يستفيدوا من مجتمعاتهم ويحث على اندماجهم في جمعياتهم وقبولهم فيها وهناك فريق من المتخصصين لهم آراء متباينة في هذه المسألة فنحن نصرف النظر عن الجميع ونفكر فيما يقتضيه محيطنا فنرى العلم لم يرتقي فيه الشعب إلى مستوى متقارب كما هو معلوم بالبداهة وبذلك يجب أن لا نتمسك بأقوال أحد الفريقين في هاته المسألة بصورة مطلقة بل لا بد لنا من التوقي من الإفراط وملازمة الاعتدال فكما شاهدنا الصغار شديدي الوقاحة فيما إذا بش في وجوههم أكثر من اللازم نرى الصغير من فرط العبوس في وجهه ينشأ شديد الخجل كثير السكوت إلى درجة مذمومة ولذلك نرجح أن تربي كل عائلة وبتعبير أصح كل والدين أولادهما حسب تربيتهما الاجتماعية والمسألة المعضلة هنا هي معرفة التربية الاجتماعية لكل عائلة حتى ينتقي منها الأحسن لأن لكل محل من بلادنا أصولاً في التربية مستقلة لا يشاكل فيها غيره فنحصر نظر البحث الآن في القطر السوري ونقول أن حياة العائلي في أوربا تكاد تنحصر في ثلاث طبقات: الأولى الكبار والثانية الأوساط والثالثة الصغار أعني العوام أما عندنا نحن فلا تجد غير طبقتين بوجه عام. وأما في سوريا فقد أرانا البحث بأن الأقسام ثلاث في جهات عديدة تقليداً لأوربا وحينئذ يلزمنا أن ندع الطبقة الأولى ونبحث في الاثنتين ونتخير لهما أصولاً معتدلة فنقول: يجب الاعتناء التام في تربية الصغار على عدم الإفراط في الحرية لتزداد حريتهم تدرجياً بتقدم أعمارهم وبرعاية هذه القاعدة لا ينشأ الصبي وقحاً بل فطناً نير الفكر نعم يجب توقي هذا الشرط في كل محيط يقل فيه سلطان التربية أما في الأسر الكاملة التربية الاجتماعية فيمكن حضور الصغار في مجالس الكبار غالباً بشرط أن تكون تلك المجالس مما يستفيد منه الصغار ولو بعض الاستفادة بحيث يدور حديث تلك المجالس حول مسائل جدية مفيدة وأن يجارب الصغار الحاضرون بصفة مستمعين في هذه المجالس على أسئلتهم البسيطة ويوضح ما غمض على أذهانهم فإن هذا لا يخلو من الفائدة أن الألعاب التي تعطى أطفال الأوربيين النابتين في الأوساط المتمدنة مختلفة في أصولها فيعطى فيها الطفل مثلاً سيارة (اوتوموبيل) صغيرة جداً من وسائط النقل ويشرح لها من مخترعها وما هي وتاريخ اختراعها والبلاد والمعمل الذي صنعت فيه ويذكر له فوائدها ويحلل له تراكيبها كل ذلك بدروس موجزة تلائم ذوقه حتى إذا تعلم الطفل هذا الدرس 11ذهنه بحركة عقله فيخطو خطوة نحو الترقي ثم يناولونه محراثاً ذا عجلات وآلة تذرية مثلاً من الآلات الزراعية ويكن بقياس صغير أيضاً ويشرحون له ما يتعلق بتينك على الآلتين على حسب ما تقدم وفي أثناء الحديث يستطردون إلى بيان ما للآلتين من العلاقة بزراعية المملكة ويزيدونه شرحاً كلما أنسوا فيه رشداً وذكاء ثم يناولونه راية أمته وبلاده مثلاً وبينما هو يلعب بها يفهمونه ما لها من الموقع العظيم في أفئدة الشعب وكيف يلتفون حولها ويدافعون عن حمى بلادهم متحدين منضوين تحت ظلها وما لهم من عظيم السعي لنيل هذه الأمنية وما للعلم والمعرفة من ترقية الأمة في سلم التمدن ومعارج الترقي والكمال كل ذلك بطريقة بسيطة جداً أشبه بالهزل منها بالجد فيحب الطفل هذه الألعاب بطبيعته ويأنس بها ويسعى في حفظها وتعليق الفوائد الخاصة بكل واحدة منها فينشأ على هذه الصورة نير الفكر ثاقب الذهن أما الصغير فعندنا يلعب من الصباح إلى المساء بدف مثلاً وحينما يستوحش من صوته المزعج ولا يحظى بفهم الغرض منه تنقبض روحه فيعمد إلى كسره وتمزيق جلده ويلقي به على الأرض محطماً لا فائدة فيه فيقوم مربيه ويعد هذه الأعمال جريمة منه فيعاقبه عليها بضربه بالعصا أيضاً. وهذا كله واقع لا مبالغة فيه فماذا تستفيد الأطفال التي تربى على هذه الصورة.

لابد أن تضطر للاختفاء عند أرادة أي عمل كان معتاد القبائح أكثر من المحاسن وتجنح إلى الأخلاق السيئة الرديئة وتساق إليها على خط مستقيم. وتشب على ذلك

لا ينبت فيها شعور حب الوطن والأمة والعلم والمعرفة والتضامن وتبقى جاهلة بكل شيء إلى أن تدخل المدارس وتختلط بصبيانها. فحبذا لو بالاستفادة من كل ذرة في محيطهم وتعودهم ذلك فتستنير أفكارهم فينشأون ثاقبة أذهانهم كاملة قوامهم حميدة أخلاقهم.

الأطفال والموسيقى

الموسيقى لازمة للإنسان غير مفارقة له وهذا لا ينكره أحد الناس. فكما أن أكثر من الأخلاق السيئة في العصور الأخيرة قد أصلحت بالموسيقى كذلك نرى بعض الأمراض قد أخوا بمداوتها بالموسيقى وحققت التجارب أن الحيوان كالإنسان يتأثر بالموسيقى ويتلذذ بها. والموسيقى تتبدل في كل أمة بحسب تربيتها ونشأتها فالموسيقى الشرقية مؤثرة جداً من حيث مبادئها بيد أن الموسيقى في الشرق ولاسيما في هذه المملكة قد أهمل أمرها في الدور السابق كما أهمل فيها كل نافع حتى كادت تنقرض بالتدريج

والغاية من هذه المقدمة الصغرى تلقين الأطفال منذ نعومة أظفارهم فوائد الموسيقى وأن يعلم الأبوان أن من واجبهم ولوع أولادهم بالأصوات الموسيقية أو بإحدى الآلات الموسيقية وتعليمهم التلذذ بها فقد أثبتت تجارب الأخصائيين بعلم النفس أن المولعين بالموسيقى يجئ منهم بالنسبة لغيرهم أناس رقيقة عواطفهم مهذبة حواشيهم فالواجب اعتبار الموسيقى وتأثيرها الخارق للعادة على هذا النحو وأن لا يتخذ معياراً للموسيقى ما يسمع من الألحان المغلظة في بعض القهاوي والمسارح من أفواه الموسيقيين المتوسطين وآلاتهم: فالموسيقى شعر والشعر موسيقى.

أن من اعتادوا الموسيقى منذ صغرهم لا يدخل عليهم السأم في أوقات الفراغ ولا القفار والجبال فكل آلة موسيقية مهما كان نوعها تسلي الإنسان وتشغله في أي مكان نزل وتكون له في أوقات الاضطراب خلاً وفياً وعشيراً صفياً تذكره الماضي وتفتح له باب التفكير في المستقبل. وإذا بحثنا في أسباب ارتقاء مدنية أوربا إلى هذا الحد نجد للموسيقى تأثيراً كبيراً فيها فبدلاً من أن يولع الأطفال أوقات الفراغ بالعبث فيجتمعوا أثنين أو ثلاثة في ناحية يلعبون بالنرد أو الورق أو غيرها من الألعاب إذا مالوا للاستفادة مما في أيديهم من لآلات الموسيقية تعلو عواطفهم بالطبيعية وتزيد صلاتهم الودية وروابطهم الأخوية أمام غيرهم وينمو في الوقت نفسه ولوعهم بالشعر وبهذه الصورة تنبعث عواطفهم الوطنية ويزيد ارتباطهم بوطنهم ولا يفوتنا أن كثيراً مما عم بين الناس من الموسيقى قد كتب على صورة عادية بسيطة عامية فكما أن الشاعر يكتب عواطفه في الحوادث المؤلمة المؤثرة فالموسيقار كذلك فالموسيقى كالشعر شقيقان متلازمان. الموسيقى من الأمور الذوقية على كل حال فلأشغال الأولاد بها منذ عهد الطفولية وإشباعهم بعواطف الوطنية والقومية ليكون من الموسيقى فرض يقومون به آونة الفراغ واسطة لذكرى آبائهم وأجدادهم وتخليد لأسمائهم ويلقنوا رقة العاطفة - يجب أن تملأ أسماعهم على هذه الصورة حتى يتعشقوا الموسيقى ويتألف من أفراد الأسرة جوقة موسيقية.

كل مدرسة ابتدائية ووسطى في أوربا تحوي في برنامجها درساً في الموسيقى لا يقل عن ساعتين في الأسبوع فالدروس الأولى يكون منها تعويد الأطفال على الأصوات الموسيقية فقط وبعد سنة أو سنتين يعودون النفخ في آلة موسيقية على صورة لا تضر برنتيهم ومع الأسف أننا لا نجد في هذه الأصول وإذا رأينا في مدارس دمشق آلات موسيقية فإن ذلك منحصر في الطلبة المشتركين بهذا الدرس أما غيرهم فلا يستفيدون من ذلك وهذا ليس من الصواب في شيء ويشترط في تعليم الأطفال المزمار والكرنيتة وغيرهما من الآلات الموسيقية أن تعاين رئاتهم فكما أن الإفراط في كل شيء مضر كذلك الحال في تعليم الموسيقى الآلية للأطفال يجب أن يعلموها بحيث لا تضر برئاتهم.

أثبتت الحر الحاضرة شجاعة خارقة وبسالة فائقة للجند الألماني. وإذا تأملنا في سبب ذلك لم نجده الأمن تشبعهم بلبان الوطنية السارية في عروقهم من تأثير الموسيقى بدرجة فاقوا فيها الجند الفرنساوي. نعم نحن لا نشكر أن الموسيقى أكثر ما تلائم الألسن اللطيفة اللهجة الآخذ طرز أدائها بمجامع القلوب ولذلك رقى فن الموسيقى رقياً عظيماً في ايطالية فاللسان الألماني مع أنه أصعب الألسن من جهة التلفظ به نجد أن الذين يتولون أمر التلحين في أكثر مسارح التمثيل الأوربية بالموسيقى هم أساتذة ألمان.

فقد أظهر الموسيقيان الشهيران بتهوفن وفاغنير وأمثالهما خوارق مدهشة في هذا الفن الجميل وما زالت أسماؤهم تتردد على الألسن كما تردد الأمثال وصدى ألحانهم يقرع الأسماع آناً فآناً وكلما ذكرا هتف ذوو الطرب أعجاباً بذكرهما وتنويهاً بفضلهما إما في بلادنا فنجد آثاراً موسيقية كثيرة مكتوبة باللسان العربي من الألسن القديمة لكن هذا الفن أيضاً قد فيه تشريك الدين كما أريد ذلك في غيره فأصبح فن الموسيقى كأنه من الأمور المحظورة ديناً والفنون النبوذة تعبداً وهكذا الحال عند الأتراك أيضاً أما العثمانيون غير المسلمين فتجد لكل طائفة منهم فن موسيقى مدوناً بلسانها وهذا الفن يشرف لديهم بقدر اهتمامهم في تحسينه وترقيته نعم قد شاهدنا بمزيد المسرة في المدة الأخيرة إضافة فن الموسيقى على دروس المدارس الابتدائية وتأسيس دار للفنون الجميلة في استانبول ومن بحث في علوم النفس وأمعن نظره فيها يجد أولاد أكبر المتبحرين في الموسيقى وكثيرين من أقربائهم المنسوبين إليهم - قد سلكوا هذا المسلك اللطيف أسوة بآبائهم.

أما في بلادنا فقلما نشاهد من يحترف حرفة مطلقاً فضلاً عن أن يشتغل بفن جميل كالموسيقى مثلاً. ولذلك تجدنا في حاجة شديدة إلى ألقاء دروس متوالية حتى على

الأطفال الذين لا صنعة لهم - في محاسن فن الموسيقى ولذائذه بذلك ينتعش في محيطنا الشعور بفوائد الموسيقى فتنهض لترقيته وتحسين طرائقه الجمعيات المختلفة ويجب علينا أن نسمع ناشئتنا ألحاناً موسيقية مؤثرة كلما ما أقتضى الحال الأخذ بجامع قلوبهم من المقرر أن الأمم لا ترقى بغير المعارف لا تنتشر بغير الموسيقى فأنت ترى الكتيبة من الجند الخائضة لجج الوغى تلقي نفسها في أمواجه أن تقدمتها جوقة موسيقية تؤثر في أعصابها بأنغام وطنية وألحان مطربة فلا تعود تفكر في غير حب الوطن ويرخص لدينا بذل الأرواح في سبيل الدفاع عنه وأنك لتجد لكل أمة آلات تخص موسيقاها كما أن لنا آلات موسيقية خاصة بأمتنا ولساننا.

ولا يخطر ببال بعضهم أن آلاتنا الموسيقية عبارة عن الطبل والمزمار فهذا فكر سخيف بل منها الكمنجة والطنبور والعود والقانون والدف فهي معدودة من أهم الآلات الموسيقية بل هي الموّلدة تقريباً للآلات الموسيقية الأوربية وإذا ما خطونا خطوة واسعة في ساحة الرقي في هذا الفن يمكننا أن نحيط علماً حتى بالآلات الأوربية ونؤلف بينها وبين آلاتنا.

وملخص القول أنه يجب علينا أن نعلم الأطفال على كل حال فن الموسيقى ونذيقهم طعمه ليرغبوا في تحصيله.

الصغار والكبار

لا يخفى أن الجواب على الأسئلة التي يلقيها الطفل في أي مجلس كان وشرحها له وتفهيمه ما غمض عليه برفق أوفق بكثير من إسكاته وأنتهاره لأن الطفل يغلب عليه العناد والإصرار في طور طفولته فإذا لم يفهم ما سأل عنه في ذلك المجلس تتوق نفسه لتطلب خارجا عنه وبذلك تفشو مفاوضات المجالس الخصوصية وأما كيفية إفادة الطفل وتلقينه المعلومات في المجالس فهي: الاستفهام منه مثلاً وسؤاله عن رأيه في الموضوع والبحث عن درجة فكره ومحاكمته فإن كل هذا مما يرقيه وينير بصيرته.

ويلزم أيضاً تربية الطفل على مفارقة المجالس بمجرد ما تدعوا الحاجة إلى زيادة التبسيط في الكلام بين الكبار والتكلم في الشؤون الشخصية ويقتضي أيضاً أن يلقن الطفل بأسلوب لطيف وفي أوقات مناسبة كلما سنحت الفرصة بأن لا يفشي الباحث الخصوصية التي تتخلل الأبحاث العامة ويجب على الوالدين يلاطف أبنه في الدار صباحاً وكلما عاد إليها مساءً ويتفقده ويسأله عما استفاد في ذلك اليوم.

ولا مرية في أن أجوبة الطفل في أول الأمر عن تلك الأسئلة تكون تافهة ولكنها تتحسن بقدر عناية والده في تصحيحها وانتقادها وتنبيهه لما يجب كتمه ووصايته باجتناب تكرار الحديث وإفهامه أن جميع ما ذكر مغاير للآداب ويسلك في تربيته على ذلك طريق الإقناع فإن مباحثته بذلك بصورة موجزة كل يوم تؤثر في الطفل تأثيراً شديداً فيتربى على رعاية آداب البحث والمناظرة عندما يتكلم بمحضر أبيه واعتياد حرية القول والفكر في أعمال كل يوم يقضيه وفي محاكمة تلك الأعمال ويلزم أن ينبه على قيمة الوقت وأنه بمثابة النقد لا ينفق إلا في مصلحة ويوصى باحترام النساء والشيوخ أي الطاعنين في السن من الرجال وكل هذه النصائح لا تلقى متعاقبة على شكل درس خاص بل تلقى إليه في المناسبة وفي خلال الحديث.

ومتى أخطأ الطفل يجب أن لا ينهر بألفاظ بذيئة ويحقر بجمل قبيحة بل ينبه إلى خطاءه برفق ويمنع بلطف عن بذاءة اللسان أن سرى إليه من الخطاء والمعاشرين في الخارج ويعود ترك ذلك بالإشارة بالعين والحاجب لا بالسب والشتم.

وعلى كل حال يجب أجادة التدبير في تربية الأطفال فإنا كثيراً ما نرى الأطفال الذين يغشون المجالس الخاصة عندما تمس الحاجة لإخراجهم - يقفون على لبوابهم متجسسين فإذا تربى الطفل على هذه العادة السيئ فشغله بعمل آخر أولى من أخراجه من المجلس كأن يشغل بمناولة كتاب فيه صور وحكايات وقصص إن كان ممن يقرأ وتكليفه ببعض وظائف إلى غير ذلك من الوسائل التي تمنعه عن الاشتراك في خصوصيات المجلس ويتجنب مهما أمكن بذاءة اللسان أمامه حتى لا يعتاد ويربى على أعطاء الجواب عن كل ما يسأل عنه.

الأطفال والمدارس

لا يخفى أن التحصيل الابتدائي إجباري في كل مملكة وهذا القانون مع أنه نفذ عندنا أيضاً ما زلنا نرى بعين الأسف أن عدد الطلبة في مدارسنا الابتدائية قليل جداً فهو عبارة عن 429924تلميذاً مع أن نفوس بلادنا تعد بالملايين هذا من الذكور أما الإناث فهن أقل من القليل ولا يعزب عن فهم اللبيب أن رقي الأمة التي تحررت من ربق الاستبداد ودخلت دور الحكم النيابي منوط بترقيها في معارج المعارف وأنك لا تكاد تجد أمياً في أوربا على أن ملكة الاختراع والاكتشاف والإبداع لا ترسخ في النفس إلا بمزاولة العلوم والبراعة في الصناعة كما أن المدنية لا تنال إلا بالتوغل في التربية العلمية والأخلاقية ومع أن هذه الحقائق مسلمة عند كل أحد لا تزال تجد أطفالنا خابطين في ديجور الجهالة لعدة أسباب يجب أن ننظر فيها.

بينما ترى الصبي في أوربا يسارع للمدرسة بشوق ونشاط تشاهد الطفل يفر منها كلما وجد إلى الفرار سبيلاً لأنه يذوق طعم التحصيل وسبب هذا النفور يحتاج لأضاح وبيان والذي أراه أن أعظم الأسباب في نفرته هذه جهل المعلمين عندنا بطرق التربية والتعليم على أن جهل المعلمين بهذه الأصول لا يعد جريمة منهم فإنهم أيضاً لم يتعلموا تلك الأصول.

تجد عندنا كل شاب نشأ من المدرسة الملكية أو الحقوق يبادر إلى دوائر الحكومة حتى يكون مأموراً ولا تجد المعلمين إلا من أئمة المحلات الذين تعلموا شيئاً يسيراً من القراءة والكتابة أو من العاجزين عن البلوغ إلى درجة مأمور ومن السالكين مسالك تكفل لهم معيشتهم خاصة وزد على هذا أن ما كانت تدفعه الحكومة قبيل الآن إلى معلمي المدارس الابتدائية لا يمكن أن يسد عوزاً أو يكفي أحداً.

وبهذا تعذر على الراغبين في فن التعليم من الشبان المقتدرين القيام بأداء هذا الواجب لكن قد تنبهت الأفكار أخيراً لذلك فشرع في تزيد عدد المدارس الابتدائية وتوفير رواتب معلميها كما هي الحال في سائر البلاد فزال هذا المانع وبقيت عدة موانع منها أن الأطفال في أوربا مع كونهم لا يبلغون في الذكاء والفطنة مبلغ أطفالنا تراهم تعلموا القراءة والكتابة في زمن قليل وأما عندنا فيقضي الطفل زمناً طويلاً ليبلغ ما بلغه الناشئ في أوربا وسبب هذا التفاوت أن الطفل عندنا لم يذق لذة القراءة والكتابة وذلك بسبب أتباع الأصول العقيمة في تعليمه فإننا نبادر بتدريس الكتب في مدارسنا ونلقيها على أطفالنا الصغار بدون أن نفهمهم ما تضمنته ونعامل الطفل بقساوة زائدة أثناء التعليم فتنقبض روحه من شدة التضييق عليه وتنحبس نفسه من الجلوس على تلك المقاعد الملوثة فتميت هذه الأحوال في الطفل حاسة التعليم ورغبته في التحصيل.

ولا يجب أن يعطى الطفل حين دخوله المدرسة الكتب ومماثلها بل يجب تعليمه بعض الموجودات والأشياء بأشكالها الطبيعية وبث محبة العائلة والمدرسة والوطن في روحه وتوصيته باحترام معلمه وقذف بزور الاعتماد والثقة والارتياح والأماني في روحه وتوليد حس فيه يربطه في المدرسة أشد الربط وتعويده الطهارة والنظافة والاستفادة من الوسط والمحيط الذي يعيش فيه وترغيبه في التفريق بين النافع والضار وتحبيبه إلى أخوانه ورفقائه وتشويقه للقراءة في الكتاب المصور الذي يعطى له بعد ذلك وأما إذا ناولته كتاباً من أول الأمر وأجبرته على حفظه بالضرب على رأسه فلا شك أنه يتولد فيه حس يمزق به ذلك الكتاب ويسارع إلى الفور من ذلك الباب ولا يعود يثق بمعلمه وبهذا الأسلوب العقيم لا يمكن أن يتعلم تلميذ أصلاً.