محاضرات في تاريخ الدولة العباسية/الباب الثاني، الفصل الأول: الدولة السامانية


۲ - الدولة السامانيـة

(٢٦١ - ۳۸۹ھـ ٨٧٤ – ٩۹۹م)



البيت الساماني

هجرية ميلادية
١ - نصر الاول بن احمد ٢٦١ ٨٧٤
٢ - اسماعيل بن احمد ٢٧٩ ٨٩٢
٣ - احمد بن اسماعيل ٢٩٥ ٩٠٧
٤ - نصر الثاني بن احمد ٣٠١ ٩١٣
٥ - نوح الاول بن نصر ٣٣١ ٩٤٢
٦ - عبد الملك الأول بن نوح ٣٤٣ ٩٥٤
٧ - منصور الاول بن نوح ٣٥٠ ٩٦١
٨ - نوح الثاني بن منصور ٣٦٦ ٩٧٦
٩ - منصور الثاني بن نوح الثاني ٣٨٧ ٩٩٧
١٠ - عبد الملك الثاني بن نوح الثاني ٣٨١ ٩٩٩
(خانات تركستان: الغزنويون)
تسلسل آل سامان

إسماعيل بن أحمد (۲۷۹ - ٢٩٥هـ):


تنسب هذه الدولة إلى أسرة فارسية عريقة في المجد يرجع أصلها إلى بهرام جور. وقد نال السامانيون حظوة كبيرة عند الخليفة المأمون، فولاهم ما وراء النهر ورفع من شأنهم.

وقد ارتد سامان عن مذهب زرادشت واعتنق الإسلام، وسمى ابنه باسم أسد ابن عبد الله القسري والي خراسان في أواخر عهد الأمويين. وظهر أولاد أسـد ابن سامان في عهد الخليفة المأمون، فولی نوح بن أسد سمرقند في سنة ٢٠٤هـ، وأحمد بن أسد فرغانة، ويحيى بن أسد الشاش وأشروسنة، وإلياس بن أسد هراة. ولما ولى ظاهر بن الحسين بلاد خراسان أقرهم في هذه الاعمال.

وكان لاحمد بن أسد سبعة أولاد، اشتهر منهم اسماعيل ونصر الذي خلف أباه على سمرقند وما يليها من قبل الطاهريين حتى ولاه الخليفة العباسي المعتمـد بلاد ما وراء النهر سنة ٢٦١هـ. ومن ثم تأسست الدولة السامانية، وأصبح نصر بـن أحمد الساماني من القوة بحيث استطاع أن يولي أخاه إسماعيل على بخـــــــــــــاری (٢٦١هـ). ولكن النزاع لم يلبث أن دب بينهما بسبب إثارة خصومهما العـداوة والبغضاء بينهما، حتى أن نصراً قصد أخاه إسماعيل لحربه في سنة ٢٧٢هـ، ولكنهما تصالحا مدة، ثم ساءت العلاقة بينهما من جديد وقامت الحرب بينهما في سنـة ٢٧٥هـ، وظفر إسماعيل بأخيه نصر. فلما حمل إليه ترجل له إسماعيل وقبل يديـه، ورده من موضعه إلى سمرقند، وناب عنه في ولاية بخارى. ولما مات نصر في سنـة ۲۷۹هـ آلت زعامة السامانيين إلى أخيه إسماعيل. وفي عهد اسماعيل ظهـرت الدولة السامانية بمظهر القوة، وقامت بدور خطير في إزالة الدولة الصفارية كما تقدم.

وقد تمكن إسماعيل بن أحمد الساماني من فتح بلاد طبرستان من يــد أميرها محمد بن زيد الذي كا ن ينازع السامانيين السلطة في خراسان. على أن القائد الذي تم على يديه فتح هذه البلاد لم يلبث أن ثار عليه، واتخذ البياض شعاراً له، مناوئاً بذلك العباسيين الذين اتخذوا السواد شعاراً لهم. وســار إسماعیل بن أحمد على رأس جيش كبير، وأحل الهزيمة بهذا القائد، وضم الري وقزوين الى سلطانه، وبذلك أمد حدود بلاده من ناحية الغرب (سنة ٢٨٩هـ).

وفي سنة ٢٩١هـ صد إسماعيل جيوش الترك الذين أغاروا على حـدود بلاده الشرقية، ومات إسماعيل في مدينة بخارى سنة ٢٩٥هـ، ولا يزال قبره حتـى اليوم في مدينة بخارى التي ارتقت في عهد إسماعيل حتى أصبحت من أهم الحواضـر الإسلامية. على أنه ليست هناك نقوش تدل على أن هذا القبر هو قبر إسماعيل، كما يستدل من الكتابات التي نقشت على القبر نفسه أو على الأبنية المحيطة به.

وقد وصف ابن الأثير (جـ ٧ ص ۱٠٠) إسماعیل بن أحمد الساماني فقـال: "إنه كان خيراً يحب أهل العلم والدين، ويكرمهم". وقال في موضع آخر (جـ ۸ ص ۲ - ۳) "‘نه كان عاقلاً عادلاً، حسن السيرة في رعيته، حليماً. حكى عنه أنه كان لولده أحمد مؤدب یؤدبه، فمر به الأمير إسماعيل يوماً، والمؤدب لا يعلم به، فسمعه وهو يسب ابنه ويقول له: لا بارك الله فيك ولا فيمن ولدك. فدخل إليه، فقال لـه: يا هذا؟ نحن لم نذنب ذنباً لتسبنا، فهل ترى أن تعفينا من سبك، وتخص المذنب بشتمك وذمك؟ فارتاع المؤدب، فخرج إسماعيل من عنده وأمر له بصلة جزاء لخوفـه منه".

أحمد بن اسماعيل وابنه نصر (٢٩٥ - ٣٣١هـ):


لما توفي اسماعیل بن أحمد الساماني سنة ٢٩٥هـ أقر الخليفة المكتفي ابنه أحمد بن إسماعيل على ولاية أبيه وخلع عليه. وقد تم زوال الدولة الصفاريـة على يديه. فأسر غلامه سیمجور، سبك السبكري غلام عمرو بن الليث الصفاري، كمـا أسر الليث ابن علي الصفاري. وفي المحرم من هذه السنة استولى السامانيون علـى سجستان من يد المعدل بن علي بن الليث الصفاري وأسر أخاه محمد بن الليث، وبعث بسبك ومحمد إلى بغداد. على أن هذه البلاد لم تلبث أن خلعت طاعـة أحمد بن إسماعيل، ودعا أهلها لعمرو بن يعقوب بن محمد بن عمرو بن الليث الصفار فأرسل السامانيون الجيوش لإخضاعها، واستمرت الحرب بين الفريقين نحواً من سنة حتى تم النصر للسامانيين، وقبض على الصفاري، وتولى سيمجور سجستان من قبـل السامانيين. ولم تطل ولاية احمد بن اسماعيل حيث قتل في سنة ٣٠١هـ. وقد ذكـر ابن الأثير (جـ ۸ ص ۲۷) أنه كان مولعاً بالصيد، فخرج متصيداً، وأنه أتاه كتـاب نائبه بطبرستان يخبره بظهور الحسن بن علي العلوي الأطروش وتغلبه عليها، وأنه أخرجه عنها، فخرج أحمد لذلك وعاد إلى معسكره، وكان قد أحرقه قبل خروجه للصيد، فنزل عليه فتطير الناس من ذلك. وكان له أسد يربطه كل ليلة على بابه، فلا يجسر أحد أن يقربه، فأغفلوا إحضار الأسد تلك الليلة، فدخل إليه جماعة من غلمانه فذبحوه على سريره وهربوا، وذلك لسبع بقين من شهر جمادى الآخرة سنة ٣٠١هـ فحمل إلى بخاری فدفن بها ولقب بالشهيد.

کان أبو الحسن نصر بن أحمد الساماني في الثامنة من عمره حين قتل أبوه، فاستصغر الناس سنه واستضعفوه، واعتقدوا أن أمره لا ينتظم مع وجود عم أبيه، وهو إسحاق بن أحمد بن أسد صاحب سمرقند الذي استمال أهالي بلاد ما وراء النهر عدا بخاری - إليه وإلی أولاده، وأرسل هو وبعض أمراء البيت الساماني إلى الخليفة العباسي المقتدر يسأله كل منهم أمرة ناحية من نواحي خراسان. ولكن الخليفة أثـر نصراً على بلاد أبيه، وأقر اللقب الذي تلقب به وهو السعيد، وضبط بلاده أبو عبـد الله محمد بن أحمد الجيهاني.

وقد ذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٣٠١هـ أن إسحاق بن أحمد بن أسد الساماني وابنه إلياس ابن إسحاق، ثارا على السعيد نصر وسارا نحو بخارى. ولكن الهزيمة حلت بهما غير مرة، واستولت جيوش نصر على سمرقند، واختفى إسحاق، ثم أسر، وهرب ابنه إلياس إلى فرغانة، وخرج ابنه الثاني أبو صالح منصور على نصر في السنة التالية، وانضم إليه بعض قواد نصر وعملوا على الاستيلاء على سجستان على أن يتولوها نيابة عنه، وأقاموا الخطبة له على منابر نيسابور، واستمرت الحروب بيــــــن جيوش نصر وجيوش ابن عمه منصور زهاء أربع سنين (٣٠٢ - ٣٠٦هـ)، وانتهـــت بعودة نيسابور وغيرها إلى نفوذ نصر.

أخذ إلياس بن اسحاق بن أحمد بن أسد الساماني الذي كان قد ثار مع أبيه يعد العدة لمحاربة نصر حتى اجتمع حوله ثلاثون ألف فارس، ثم قصد سمرقند مناوئا نفوذ السعيد نصر بن أحمد الذي انتصرت جيوشه عليه في سنة ٣١٠هـ، وأرغمته على الهرب إلى فرغانة والاختفاء بها، ثم أخذ يعد العدة من جديد بمعونة صاحب الشاش، ولكن الهزيمة حلت به وأسر صاحب الشاش ومات.

وكانت العلاقة بين السامانيين والخلافة العباسية تقوم على أساس المودة، حتى أن الخلفاء كانوا يعتمدون على أمراء البيت الساماني في اقرار سلطانهم فـي بلاد المشرق. ولما دعا الخليفة المقتدر يوسف بن أبي الساج إلى واسط لإنفـاذه لمحاربة القرامطة، كتب إلى السعيد نصر الثاني الساماني بولاية الري، وأمــــــــــره بقصدها والاستيلاء عليها من فاتك غلام يوسف بن أبي الساج، فاستولى عليها نصر وولى عليها سیمجور وعاد إلى بخاری.

وفي سنة ٣٣٢هـ ثار أبو علي محمد بن الياس على نصر بن احمد الساماني واستولى على كرمان، فسير إليه نصر ماكان بن كالي على رأس جيش كثيف أحـــل الهزيمة بابن إلياس، واستولى على كرمان ووليها من قبل السامانيين. على أن ماكان ابن كالي خرج على السامانيين في جرجان سنة ٣٢٨هـ. فأرسل إليه نصر بـــــن أحمد جيشاً هزمه واستولى على هذه البلاد وأعادها إلى نفوذ السامانيين، كما انتزعت جيوشهم الري من يد وشمكير بن زيار (أخي مرداويج بن زيار) بعـد أن هرب إلى طبرستان ثم دخل في طاعة السامانيين، ومن يد ماكان بن كالي الـذي قتل. ثم أخذت انتصارات جيوش السامانيين تتتابع، فاستولت على أبهر وقزوين وقم وهمذان ونهاوند والدينور حتى بلغت حدود حلوان.

كان السعيد نصر بن أحمد على جانب عظيم من حسن الخلق. وقد وصفـه ابن الأثير فقال أنه كان حليماً كريماً عاقلاً. حكى عنه أنه خرج عليه أخوه أبو زكريــــا ونهب خزانته وأمواله. فلما عاد السعيد إلى حاضرة ملكه، قيل له أن جماعة انتهـبـوا ماله، فلم يعرض لهم وأخبروه أن بعض السوقة اشترى منها سكيناً نفيساً بمائتـي درهم، فأرسل إليه وأعطاه مائتي درهم وطلب السكين، فأبى أن يبيعه إلا بألـف درهم، فقال: ألا تعجبون من هذا؟ أرى عنده مالي فلم أعاقبه وأعطيته حقه فاشتط في الطلب؟ ثم أمر باسترضائه. وطال مرضه فبقي به ثلاثة عشر شهرا، فأقبل علـى الصلاة والعبادة، وبنى له في قصره بيتاً سماه بيت العبادة. فكان يلبس ثيابـا نظافا ويمشي إليه حافياً ويصلي ويدعو ويتضرع. وكان ذلك في سنة ٣٣١هـ، بعد أن ولي إمرة السامانيين ثلاثين سنة وشهراً وثلاثة أيام، ومات وله من العمر ثمان وثلاثون سنة.

وقد خالف نظام الملك ما ذكره ابن الأثير عن نهاية السعيد نصر بن أحمـد الساماني فقال إنه دان بعقائد الإسماعيلية وإن القواد دبروا مؤامرة لاغتياله. فلما أدرك نصر الخطر المحدق به، نزل عن الإمارة لابنه نوح الذي عمل على القضاء على المذهب الإسماعيلي وأنصاره في بلاده وذكر المقريزي أن نصر بن أحمد الساماني أمير خراسان بعث إلى عبيد الله المهدي بكتاب يعترف فيه بسلطته الروحية ويعـد بإمداده بالرجال.

نوح بن نصر (۳۳۱ - ٣٤٣هـ):


تولی نوح بن نصر الساماني بلاد خراسان وما وراء النهر في شهر شعبان سنة ٣٣١هـ، واستهل إمارته بالعفو عن بعض الأمراء الذين كان يحقد عليهم فـي حياة أبيه ليتألف القلوب حوله ويأمن خروجهم عليه، وولاهم بعض الولايات، وقـد بدأ الصراع بين السامانيين وبني بويه في أيام نوح بن نصر الذي عمل على استرداد الري من يد ركن الدولة بن بويه، وتفاقم النزاع بينهما، وانتهى بهزيمة جيوش نـوح بسبب انضمام جنده إلى البويهيين. بيد أن نوحاً أعد العدة من جديد لمحاربة ركن الدولة والاستيلاء على الري، وتمكنت جيوشه من الاستيلاء عليها وعلى بلاد الجبـل في شهر رمضان سنة ٣٣٣هـ.

وقد تعرضت بلاد نوح بن نصر لخطر جسيم بسبب خروج قائده أبي علي محتاج الذي أخلص له ولأبيه من قبل.

وقد كاتب الجند إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل عم نوح بن نصر الساماني - وكان قد انضم إلى ناصر الدولة بن حمدان - يطلبون إليه الحضور لمبايعته، فلبی دعوتهم. وقامت الحرب بينه بمساعدة أبي علي وبين نوح بن نصر، واستولى علـى نيسابور ومرو وبخارى في سنة ٣٣٥هـ وخطب فيها لإبراهيم بن أحمد بن إسماعيل، على أن أبا علي لم يلبث أن خرج على إبراهيم الذي مال إلى خلع نفسه والاتفاق مع نوح على أن يتقلد إمرة جيوشه، وعمل على تولية أبي جعفر محمد بن نصر بن أخي الأمير نوح بن نصر، وبايع له، وأقام الخطبة باسمه في كثير من نواحي خراسان وبلاد ما وراء النهر. واستمرت الحروب بين أبي علي ونوح بن نصر من سنة ٣٣٤ إلی ۳۳۷هـ، وانتهت بعقد الصلح بينهما.

واستطاع نوح بن نصر أن يسترد الري وبلاد الجبل من ركن الدولة بن بويه الذي كان له أثر كبير في إثارة أبي علي (٣٣٩هـ).

وقد أسند نوح قيادة جيوش خراسان إلى أبي علي الذي استطاع بمساعـدة وشمكير بن زيار أن يرغم ركن الدولة بن بويه على أن يدفع لنوح بن نصر جزية سنوية مقدارها مائتا ألف دينار. على أن نوحاً لم يلبث أن ساورته الريب في إخلاص أبي علي. فعزله عن قيادة الجيوش في خراسان، فراسل ركن الدولة وسار إليه في الري حيث أكرمه، وتدخل لدى الخليفة العباسي المطيع، فأقره على ولاية خراسـان بمساعدة معز الدولة بن بويه، وذلك سنة ٣٤٣هـ، وهي السنة التي توفي فيها الأمير نوح بن نصر.

عبد الملك ومنصور ابنا نوح (٣٤٣ - ٣٦٦هـ):


لما تولى عبد الملك بن نوح إمرة السامانيين سنة ٣٤٣هـ، قلد بكر بن مالك قيادة الجيوش في خراسان، وسيره من بخارى لإخراج أبي علي بن محتاج، الذي انضم جنده إلى عبد الملك وبقي هو في مائتي رجل من أصحابه، واضطر إلى الهرب ولجأ إلى ركن الدولة في الرى فأحسن وفادته.

على أن أيام عبد الملك بن نوح لم تطل بسبب كبوة فرسه في شهر شوال سنة ٣٥٠هـ، فآلت السلطة من بعده إلى أخيه أبي صالح منصور بن نوح، وافتتنت خراسان بعده، كما يقول مسكويه (جـ ۲ ص ۱۸۹)، ودب الضعف في جسم الدولة السامانية. وفي عهد منصور شق أهل سجستان عصا الطاعة على أميرهم خلف بن أحمد، وولوا مكانه رجلاً من أصحابه يدعى طاهر بن الحسين. ولكن منصور بن نوح، أمد خلف بجيش استرد به هذه البلاد، لكنه لم يلبث ان طرد منها، ثم استردهـا بمعونة السامانيين. بيد أن علاقته بالسامانيين لم تلبث أن ساءت، "فقطع ما كان يحمله إلى بخارى من الخلع والخدم والأموال التي استقرت القاعدة عليها"، فبعث منصور بن نوح الجيوش لمحاربته بسجستان، واستمرت هذه الحروب سبع سنين انتهت بعقد الصلح بينهما وإعادة الخطبة لمنصور بن نوح. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مبلغ الضعف الذي دب في البيت الساماني. وقد أحسن ابن الأثير (جـ ۸، ص ۲۰۲) بقوله: "وكان هذا أول وهـن دخل على الدولة السامانية، فطمع أصحاب الاطراف فيهم لسوء طاعة أصحابهم لهم".

وفي سنة ٣٥٦هـ قامت الحرب في جهات الري بين منصور بن نوح وركن الدولة ابن بويه، ولم ينته العداء بين السامانيين والبويهيين إلا في سنة ٣٦١هـ، حيث تم الصلح بين الأمير منصور بن نوح الساماني وبين عضد الدولة، على أن يحمل كـل من ركن الدولة في كل سنة مائة ألف دينار، وحمل إليه ابنه عضد الدولة خمسيـن ألف دينار. وتزوج نوح بابنة عضد الدولة، وحمل إليه من الهدايا والتحف، وكتـب بينهم كتاب الصلح وشهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق.

نوح بن منصور (٣٦٦ - ۳۸۷هـ):


ولما مات منصور بن نوح سنة ٣٦٦هـ، تولى بعده ابنه نوح الثاني وتلقـب المنصور وكان في الثالثة عشرة من عمره. وقام بأمر الدولة السامانية في مستهل امارته وزیره أبو الحسن العتبي، ولكن محمد بن إبراهيم بن سيمجرر قائد الجيش فـي خراسان من قبل السامانيين استبد بالأمر في هذه البلاد، واتخذ من صغـر ســــــن الأمير الجديد فرصة لتحقيق مطامعه، فعزل الوزير العتبي، وولى أبا العباس تاش إمرة الجيش. كما قامت الحرب في هذه السنة بين الأمير نوح بن منصور السامانـي وبين عضد الدولة بن بويه الذي استولى على جرجان، ولا سيما بعد أن اتصل بهم نبأ قتل الوزير أبي الحسن العتبي الذي يرجع إليه الفضل في متابعة هذه الحروب. أضف إلى ذلك ثورة أحد أمراء البيت الساماني على نوح بعد أن حلت الهزيمـة بجيوشه.

على أن الوزير الجديد عبد الله بن عزيز الذي كان يضمر العداوة والبغضاء للوزير العتبي، عمل على عزل أبي العباس تاش عن خراسان وإعادة أبي الحسـن بن سیمجور إليه، فامتنع أبو العباس عن تنفيذ أوامر الوزير الجديد وطلب الـعـون من فخر الدولة بن بويه الذي أمده بجيش به ابن سیمجور، واستولى على نيسابور، ثم كتب إلى الأمير نوح يستميله ويستعطفه. ولكن ابن عزيز تشدد في عزله ووافقتـه على ذلك أم الأمير نوح التي كان لها الأمر والنهي في دولة ولدها، حتى كانـــــــوا يصدرون عن رأيها، فقال بعض أهل ذلك العصر:

شيئان يعجز ذو الرياضة عنهمـا
رأي النساء وإمرة الصبيـان
أما النساء فميلهن إلى الهـوى
وأخو الصبا يجري بغير عنان

وفي عهد نوح بن منصور تعرضت الدولة السامانية للزوال، ففي سنة ٣٨٣هـ، ثار عليه اثنان من أكبر قواد السامانية هما أبو الحسن بن سیمجور، وفائق الخاصـة غلام نوح بن نصر، واتصلا بشهاب الدولة هارون بن سليمان إيلك المعــروف ببغراخان التركي، وكانت بلاده تمتد من حدود الدولة السامانية شرقاً حتى تتاخم حدود الصين، وأطمعاه في الاستيلاء على بلاد ما وراء النهر، وتمكن إيلك في هذه الانتصار على جيوش نوح بن منصور والاستيلاء على بخاری. على أن نوحا لم يلبث أن استرد حاضرة إمارته على إثر موت بغراخان وثورة أهالي بخاری علیه.

وفي سنة ٣٨٤هـ استعان نوح بن منصور بسبكتكين صاحب غزنة لحرب الأمراء الثائرين عليه. وانتصرت جيوشهما بالقرب من هراة على الأمراء الذين استعانوا ببني بويه وفروا إلى جرجان. كما استعاد نوح نيسابور، واستعمل عليها وعلى جيـــوش خراسان محمود بن سبكتكين، ولقبه سيف الدولة، ولقب أباء سبكتكين ناصر الدولـة. وعاد نوح إلى بخارى، وعاد سبكتكين إلى هراة. وأقام محمود بنيسابور. علـى أن هؤلاء الثائرين لم يلبثوا أن انتصروا على محمود. ومع أن أیام نوح بن منصور الساماني طالت حتى أربت على إحدى وعشرين سنة، فقد كان عهده مليئاً بالثورات والحروب الأهلية بسبب صغر سنه، وتدخــل النساء والوزراء في الحكم، وطمع أمراء الأطراف واستئثارهم بالسلطة، وطمع بني بويه والأتراك في بلادهم وقيام المنافسة بين أفراد البيت الساماني نفسه.

زوال الدولة السامانية:


لما توفي نوح بن منصور الساماني سنة ۳۸۷هـ، قام بعده ابنه منصور بن نوح، فعمل على تأليف القلوب حوله، بإغداق الأموال على أنصاره وقواده. على أن إيلك المعروف ببغراخان التركي، الذي كان قد استولى على بخارى سنة ٣٨٣هـ، اتخذ من موت نوح بن منصور فرصة للاستيلاء على سمرقند. وانضم إليه فائق الخاصة الذي تمكن من الاستيلاء على بخاری، متظاهراُ بأنه يسعى لخدمة الأمير منصور، "رعايـة لحق أسلافه عليه إذ هو مولاهم، وأرسل إليهم مشايخ بخارى ومقدمهم في العود إلى بلده وملكه، وأعطاه من نفسه ما يطمئن إليه من العهود والمواثيق، فعاد إليهـا ودخلها، وولى فائق أمره وحكم في دولته، وولى بكتـوزون إمرة الجيش بخراسان". وفي السنة التالية بدأ النزاع بين الأمير منصور بن نوح ومحمود الغزنوي الذي أثــــار سخطه تولية بكتوزون على خراسان، وطلب إعادتها إليه، فلم يجب إلى طلبه وساءت العلاقة بينهم. وسرعان ما قبض بكتوزون وفائق الخاصة على منصور ابن نوح وسمـلا عينيه ولم يمض عليه في الإمارة غير سنة وسبعة أشهر، ووليا أخاه الصغير عبد الملك ابن نوح. واتخذ محمود الغزنوي من اضطراب حبل الأمور في الدولة السامانيـة فرصة للاستيلاء على نيسابور وبخاری، واستقر ملکه بخراسان وأزال نفوذ السامانيين عنها وخطب فيها للخليفة القادر بالله. ووقعت بلاد ما وراء النهر في يد إيلـك بغراخان الذي قصد بخارى وأظهر التودد لعبد الملك بن نوح، ولكنه لم يلبث أن قبض على قواد السامانيين ثم على عبد الملك نفسه، وحبس معه أخاه منصور بن نوح الذي ولى إدارة السامانيين من قبله، كما حبس أخويه أبا إبراهيم وإسماعيل وأبـا يعقوب ابني نوح، وحبس من أعمامه أبا زكريا وأبا سليمان، وأفرد كل واحد منهم في حجرة. وإن من يستقصي تاريخ السامانيين ليرى أن زوال دولتهم يرجع إلى عوامـل عدة، نذكر من بينها وقوع النزاع بين أفراد هذا البيت وخروج القواد وعمال الأطراف عليهم واستعانتهم ببعض أمراء هذا البيت على نوح بن نصر (۳۳۱ – ٣٤٣هـ)، كما استعان بعض هولاء القواد وعمال الأطراف ببني بويه، ممـا أضعف الدولة السامانية وأدى إلى زوالها في النهاية. أضف إلى ذلك تدخـل النساء والوزراء في الحكم بسبب صغر سن بعض الأمراء.

وهكذا زالت الدولة السامانية على أيدي الغزنويين وخانات ترکستان وأصبحت "كأن لم تكن بالأمس، كدأب الدولة قبلها، ﴿إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِى ٱلْأَبْصَٰرِ".

ولأمراء السامانيين فضل كبير في تشجيع الأدب، وبخاصة الأدب الفارسي الذي بدأ ينتعش منذ القرن الثالث، حتى أن الفرس أخذوا يؤلفون بلغتهم الفارسية. وقد بدأ الروح الفارسي يظهر في الأدب الفارسي منذ ذلك الوقت. ومن ذلك كتاب الشاهنامه للفردوسي، ومختصر الطبري للبلعمي وزير منصور الأول بن نوح (٣٥٠ - ٣٦٦هـ).

أما الطب والفلك والفلسفة فقد كان الفرس يؤلفون فيها باللغة العربية بدلاً من الفارسية إذ لم يكن لهذه العلوم كبير علاقة بالأدب الفارسي. ومن أشهر كتـب الطب في ذلك العصر الكتاب المنصوري الذي ألفه أبو بكر الرازي وأهداء إلى أبـي صالح منصور بن إسحاق الساماني الذي ولى سجستان نيابة عن السامانيين، وقـد روى لنا ابن سينا الفيلسوف المشهور الذي قامت علاقته بالسامانيين منذ حداثة سنه على أساس متين بعد أن أسعده الحظ بشفاء الأمير نوح بن منصور على يديه مع أنه قد ناهز السابعة عشرة من عمره - روى أنه رأى في مكتبة مدينة بخارى حاضرة الدولة السامانية من طرائف الكتب ما لم يسمع بمثله من قبل1.


  1. انظر، حسن إبراهیم حسن، تاریخ الإسلام السياسي، ج ۳، ص ٦٥ - ۸۲.