محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الثامنة عشر

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب التذكية (مسألة 1045 - 1048)


كتاب التذكية

1045 - مسألة : لا يحل أكل شيء مما يحل أكله من حيوان البر - طائره ودارجه - إلا بذكاة كما قدمنا حاشا الجراد وقد بينا أمره والتذكية قسمان ، قسم في مقدور عليه متمكن منه ، وقسم في غير مقدور عليه أو غير متمكن منه ؛ وهذا معلوم بالمشاهدة ؛ فتذكية المقدور عليه المتمكن منه ينقسم قسمين لا ثالث لهما - : إما شق في الحلق وقطع يكون الموت في أثره . وإما نحر في الصدر يكون الموت في أثره . وسواء في ذلك كله ما قدر عليه من الصيد الشارد أو من غير الصيد ، وهذا حكم ورد به النص بقول الله تعالى : { إلا ما ذكيتم } والذكاة في اللغة الشق وهو أيضا أمر متفق على جملته إلا أن الناس اختلفوا في تقسيمه على ما نبين - إن شاء الله تعالى .

1046 - مسألة : وإكمال الذبح هو أن يقطع الودجان والحلقوم ، والمريء وهذا ما لا خلاف فيه من أحد .

1047 - مسألة : فإن قطع البعض من هذه الآراب المذكورة فأسرع الموت كما يسرع من قطع جميعها فأكلها حلال فإن لم يسرع الموت فليعد القطع ولا يضره ذلك شيئا ، وأكله حلال ، وسواء ذبح من الحلق في أعلاه أو أسفله رميت العقدة إلى فوق أو إلى أسفل أو قطع كل ذلك من القفا - أبين الرأس أو لم يبن - كل ذلك حلال أكله . وهذا مكان اختلف الناس فيه - : فقالت طائفة : ما قطع من القفا لم يحل أكله . وقالت طائفة : إن لم يقطع الحلقوم والمريء لم يحل أكله ، ولا نبالي بترك قطع الودجين - وهو قول الشافعي . وقالت طائفة : لا نعرف المريء ؛ لكن إن لم يقطع الودجين جميعا والحلقوم لم يحل أكله ، وإن رفع يده قبل تمام قطعها كلها لم يحل أكله . وإن ذبح من القفا لم يحل أكله . فإن ذبح من الحلق فأبان الرأس غير عامد فهو حلال أكله فإن تعمد ذلك لم يحل أكله - وهو قول مالك ، وقال ابن القاسم صاحب مالك : إن ألقى العقدة إلى أسفل لم يحل أكله . وقالت طائفة - هي أربعة آراب ، الحلقوم ، والمريء ، والودجان ، فإن قطع منها ثلاثة وترك الرابع لا نبالي أي الأربعة ترك الحلقوم ، أو المريء أو أحد الودجين فهو حلال أكله ، وإن قطع اثنين من الأربعة فقط لا نبالي أيهما قطع لم يحل أكله . فإن قطع أكثر من النصف من كل واحد من هذه الأربعة حل أكله ، فإن قطع أقل لم يحل أكله - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . وقالت طائفة : إذا قطع الحلقوم والمريء والنصف من الودجين حل أكله . فإن قطع أقل مما ذكرنا لم يحل أكله - وهو قول أبي ثور . وقال سفيان الثوري : إن قطع الودجين فقط حل أكله ، وإن لم يقطع الحلقوم ولا المريء . وقال بعض أصحاب الظاهر : إن قطع هذه الأربعة من جهة الحلق حل أكله وإلا فلا - وأجاز أبو حنيفة ، والشافعي أكل ما ذبح من القفا . قال أبو محمد : احتج الشافعي في ترك الودجين بأنهما عرقان قد يعيش من قطعا له . قال أبو محمد : ولسنا نحتاج إلى مناظرة فهل يعيش أم لا يعيش ؟ لكن إنما نكلمه في منعه أكل ما لم يقطع مريئه فقط ، فإنه لا يقدر في ذلك على نص ، ولا على قياس أصلا ، ولا على قول صاحب . وبالمشاهدة نعلم أنه يموت من قطع الحلقوم والودجين وإن لم يقطع المريء ، كما يموت من قطع المريء والودجين ولا فرق في سرعة الموت ؛ فتعرى هذا القول من الدليل ، فسقط ؛ إذ كل قول لا برهان على صحته فهو باطل ؟ وأما قول أبي حنيفة فإنه راعى الأكثر في القطع ، وهو أيضا قول بلا برهان أصلا لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قياس ، ولا من قول صاحب . فإن قالوا : قسناه على نقصان أذن الذبيحة وذنبها ؟ قلنا : قستم الخطأ على الخطأ ؛ وما لا يصح على ما لا يصح ، ولا تخلو هذه الآراب من أن يكون قطعها كلها فرضا ، ولا يكون قطعها كلها فرضا ، فإن لم يكن قطعها كلها فرضا فعليه البرهان في إيجاب قطع ثلاثة منها ، ولا سبيل له إلى ذلك ، وإن كان قطعها كلها قد وجب فرضا فلا يجزئ عن الفرض بعضه . ويلزمه على هذا أن من صلى ثلاث ركعات من الظهر أنه يجزيه من الظهر ، لأنه قد صلى الأكثر - وأن من صام أكثر النهار أنه يجزيه ، وهذا لا يقولونه ، فلاح فساد قوله جملة ، وكذلك قول أبي ثور سواء سواء . وأما قول مالك فإن إيجابه الحلقوم وإسقاطه المريء قول بلا برهان لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا إجماع ، ولا قياس . وأما قول سفيان فإنهم ذكروا ما روينا من طريق أبي عبيد نا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس كل ما أفرى الأوداج غير مترد . وعن النخعي ، والشعبي ، وجابر بن زيد ، ويحيى بن يعمر كذلك ، واحتجوا في إيجابه الودجين بما حدثناه حمام نا عباس بن أصبغ نا ابن أيمن نا مطلب نا ابن أبي مريم نا يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة { أن رسول الله سألته امرأة ذبحت شاة ؟ فقال لها : أفريت الأوداج ؟ قالت : نعم ، قال : كل ما أفرى الأوداج ما لم يكن قرض سن ، أو حز ظفر } . قال أبو محمد : وهذا خبر في نهاية السقوط لأنه من رواية يحيى بن أيوب وقد شهد عليه مالك بن أنس بالكذب ، وأخبر أنه روى عنه الكذب ، وضعفه أحمد بن حنبل وغيره ، وهو ساقط ألبتة . ثم عن عبيد الله بن زحر ، وهو ضعيف ضعفه يحيى وغيره . ثم عن علي بن يزيد - وهو أبو عبد الملك الألهاني - دمشقي متروك الحديث . ثم عن القاسم أبي عبد الرحمن - وهو ضعيف جدا ، فبطل كله ، وليس في قول ابن عباس منع من أكل ما عدا ذلك . ولا متعلق للمالكيين في هذا الخبر لأنه لو صح لكان حجة عليهم لأنه ليس فيه إيجاب الحلقوم وقد أوجبوه ، ولا فيه إيجاب الذبح من الحلق وقد أوجبوه - فهذا مخالف لقولهم . وأما قول مالك : إن رفع يده قبل تمام الذكاة لم يحل أكله - فقول فاسد جدا - وحجتهم له : أنه قد حصل في حال لا يعيش منها فإنما يعيد في ميتة ولا بد ؟ فقلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وأين وجدتم تحريم ما هذا صفته ؟ قال أبو محمد : وهذا عجب جدا ، وهل بعد بلوغه إلى قطع ما قطع رجاء في حياة المذبوح ؟ هذا ما لا رجاء فيه ، فتماديه في القطع بغير رفع يد أو بعد رفع يد ، إنما هو فيما لا ترجى حياته - فعلى قوله هذا لا يحل أكل مذبوح أبدا ، لأنه قبل تمام الذبح ولا بد قد حصل في حال لا يعيش منها - مع أنه شرط فاسد ، ودعوى أيضا بلا برهان - فسقط هذا القول - وبالله تعالى التوفيق . وهو أيضا قول لا يعلم أن أحدا قاله قبله . وأما قوله : إن أبان الرأس غير عامد حل أكله ، فإن أبانه عامدا لم يحل أكله - فقول فاسد ، لأنه تفريق بلا برهان أصلا ، وإذا تمت ذكاته على إقراره وعلى تمام شروطه فما الذي يضر تعمد قطع الرأس حينئذ ؟ فإن قالوا : إنه تعذيب للمذبوح ؟ قلنا : فتعذيبه عندكم بعد تمام ذكاته مانع من أكله ؟ فمن قولهم : لا ، فيقال لهم : فمن أين وقع لهم تحريمه بهذا النوع من التعذيب خاصة ؟ وقد روي مثل قول مالك فيما أبين رأسه عن عطاء . وكره نافع ، والحكم ، وحماد بن أبي سليمان ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وابن سيرين ما أبين رأسه . وروي عن علي فيما أبين رأسه أثر لا يصح لأنه من رواية الحسن بن عمارة - وهو هالك - وقد صح خلافه عن غيره من الصحابة ، وروي عنه نفسه أيضا خلاف ذلك ، واختلف فيه عن الحسن رضي الله عنه وعنهم . وأما منعهم أيضا مما ذبح من القفا فقول أيضا لا برهان على صحته لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة . فإن قالوا : هو تعذيب ؟ قلنا : ما التعذيب فيه إلا كالتعذيب في الذبح من أمام ولا فرق ، وهذا أمر مشاهد . فإن قالوا : قد روي عن بعض الصحابة الذكاة في الحلق واللبة ؟ قلنا : نعم ، ولا حجة لكم فيه لوجهين - : أحدهما : أنكم قد خالفتموه في منعكم من الذكاة في اللبة في بعض الحيوان ومنعكم الذكاة في الحلق في بعضه وليس عنهم في ذلك تفريق . والثاني : أنه ليس في كون الذكاة في الحلق ما يوجب أن لا يكون قطع الحلق ذكاة من ورائه دون أمامه ، أو من أمامه دون ورائه ، فبطل تعلقهم بهذا اللفظ أيضا ، وقد روي عن سعيد بن المسيب المنع مما ذبح من القفا - وبه يقول أحمد ، وإسحاق . وأما اشتراط ابن القاسم إلقاء العقدة إلى أسفل فإن أصحاب مالك خالفوه في ذلك ، واحتج له مقلدوه بأنه إنما ذبح في الرأس لا في الحلق ، وأنه بمنزلة المخنوق - فكانت الحجة أشد بطلانا ومكابرة للعيان من القول المحتج له بها - وقد كذب من قال ذلك وما ذبح بالمشاهدة إلا في أول الحلق ، وأول الحلق بعض الحلق كوسطه وكآخره ولا فرق ، ولا نعلم لابن القاسم أحدا قبله قال بهذا القول فسقط لتعريه عن الدليل جملة - وبالله تعالى التوفيق . وأما من ذهب من أصحابنا وغيرهم إلى أنه لا تكون ذكاة إلا ما قطع الودجين ، والحلقوم ، والمريء فإنهم احتجوا بأن قالوا : قد صح تحريم الحيوان حيا حتى يذكى ، وقطع هذه الأربعة ذكاة صحيحة مجتمع على تحليل ما زكي كذلك ، وكان ما دون ذلك مختلفا فيه فلا يخرج من تحريم إلى تحليل إلا بإجماع . قال أبو محمد : وهذه قضية صحيحة المبدأ ناقصة الآخر ، وإنما الواجب أن يقولوا : ما صح تحريمه لم يجز أن يخرج عن التحريم إلى التحليل إلا بنص صحيح ، ثم لا نبالي أجمع عليه أم اختلف فيه . ولو أن امرأ لا يأخذ من النصوص إلا بما أجمع عليه لخالف جمهور أحكام الله تعالى في القرآن ، وجمهور سنن رسول الله ؛ وهذا لا يحل لأحد ، وهو خلاف أمر الله تعالى بالرد عند التنازع إلى القرآن ، والسنة ، ولم يقل تعالى : فردوه إلى ما أجمعتم عليه مع أننا لا نعلم أن أحدا التزم هذا الأصل ولا أحدا قال به وصححه . فالواجب إذ قد اختلفوا كما ذكرنا أن يرد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه عند التنازع إذ يقول تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ففعلنا فوجدنا الله تعالى قال : { إلا ما ذكيتم } والذكاة الشق وقد أمر النبي بالذبح والنحر فيما تمكن منه فوجب أن لا يتعدى حده عليه السلام . وأمر عليه السلام بالإراحة ، أن كل ذبح وكل شق قال به أحد من العلماء فهو ذكاة ، وإذ هو ذكاة فإن المذكى به خارج من التحريم إلى التحليل . ولو أن الذكاة لا تكون إلا بقطع بعض الآراب المختلف فيها دون بعض ، أو بقطع جميعها ، أو بصفة من الصفات التي اختلف الناس فيها كما ذكرنا لما نسي الله تعالى بيانها ولا أغفل رسول الله إعلامنا بها حتى نحتاج في ذلك إلى رأي من لم يجعل الله تعالى رأيه حجة في تبنة فما فوقها ، وحاشا لله من أن يضيع إعلامنا بما افترضه علينا حتى يشرعه لنا من دونه من الأقوال الفاسدة ، تالله إن في مغيب هذا عمن غاب عنه لعجبا ، ولكن ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . روينا من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا أبو عوانة سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج فذكر حديثا - وفيه أنه قال : يا رسول الله ليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ فقال رسول الله ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا سفيان - هو الثوري - حدثني أبي عن عباية بن رفاعة { عن رافع بن خديج قال قلت : يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى ؟ فقال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر وسأحدثك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } . ورويناه من طريق شعبة ، وزائدة ، وأبي الأحوص ، وعمر بن سعيد كلهم عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع بن خديج عن النبي فارتفع الإشكال . فكل ما أنهر الدم في المتمكن منه وذكر اسم الله عليه من ذبح أو نحر فهو ذكاة يحل بها الأكل ، ولو كان ههنا صفة لازمة لبينها عليه السلام كما بين وجوب أن لا يؤكل إلا ما أنهر الدم وما ذكر اسم الله عليه وأن لا يكون ذلك بسن ولا ظفر . ومن أعجب العجائب من أسقط في الذكاة ما اشترطه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام فيها فيبيح أكل ما لم يسم الله تعالى بنسيان أو تعمد ، ويبيح أكل ما ذبح بعظم أو ظفر ، ثم يزيد ما لم يذكره الله تعالى ولا رسوله برأيه الزائف من أن لا يكون ذلك إلا من أمام وبأن يعم الودجين ، والحلقوم ، دون المريء ؛ والذبح في بعض ذلك دون بعض والنحر في بعض دون بعض ، وبأن لا يرفع يدا ، وأن لا يتعمد إبانة الرأس ، وأن لا يلقي العقدة ، أو بأن يقطع الثلاث الآراب ، أو الأكثر من النصف من كل واحد من الأربعة أو بأن يبين الحلقوم والمريء فقط - إن في هذا لعجبا شنيعا لمن تأمله ، وأشنع من هذا تهالك من تهالك على التداين بهذه الآراء ونصرها بما أمكنه - ونعوذ بالله من الخذلان . وروينا من طريق محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس أن حمار وحش ضرب رجل عنقه في دار عبد الله بن مسعود فسألوا ابن مسعود عنه ؟ فقال : صيد فكلوه . قال أبو محمد : هذا حمار وحش متمكن منه في الدار ولا يخالفنا خصومنا في أن المقدور عليه من الصيد ذكاته كذكاة الإبل ، والبقر ، والغنم ، ولا فرق . ومن طريق مروان بن معاوية الفزاري ، ويحيى بن سعيد القطان نا أبو غفار - هو الطائي - قال : حدثني أبو مجلز قال : سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها ؟ فأمر ابن عمر بأكلها . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن علي بن أبي طالب قال في الدجاجة إذا قطع رأسها : ذكاة سريعة ، أي كلها . ومن طريق وكيع نا حماد بن سلمة عن يوسف بن سعد قال : ضرب رجل بسيفه عنق بطة فأبان رأسها ، فسأل عمران بن الحصين ؟ فأمر بأكلها - ورويناه أيضا من طريق هشيم عن يونس بن عبيد ، ومنصور بن المعتمر كلاهما عن يوسف بن سعد عن عمران بن الحصين وقد أدرك يوسف عمران . ومن طريق ابن أبي شيبة نا المعتمر بن سليمان التيمي عن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن عبد الله بن عمرو ابن هند الجملي أن علي بن أبي طالب سئل عن رجل ضرب عنق بعير بالسيف وذكر اسم الله فقطعه ، فقال علي : ذكاة وحية . ومن طريق وكيع نا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك أن خبازا لأنس ذبح دجاجة فاضطربت ، فذبحها من قفاها فأبان الرأس فأرادوا طرحها ، فأمرهم أنس بأكلها . ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة أن ابن عباس سئل عمن ذبح دجاجة فظن رأسها فقال ابن عباس : ذكاة وحية . ومن طريق وكيع نا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن المعرور عن أبي الفرافصة عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أمر مناديا فنادى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ، وأقروا الأنفس حتى تزهق . ومن طريق وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : الذكاة في الحلق واللبة . وعن ابن عباس إبلاغ الذبح أن تبلغ العظم . وصح عنه من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن زكريا عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عباس قال : إذا أهريق الدم وقطع الودج فكله - : فهؤلاء عمر بن الخطاب ، وابن عباس أجملا ولم يفصلا ، وعلي بن أبي طالب ، وعمران بن الحصين ، وأنس ، وابن مسعود ، وابن عمر لا يصح عن أحد من الصحابة خلافهم . ومن طريق عبد الرزاق عن جريج قال عطاء : الذبح قطع الأوداج فقلت لعطاء : ذبح ذابح فلم يقطع الأوداج ؟ قال : ما أراه إلا قد ذكاها فليأكلها - فهذا عطاء يرى الذكاة كيف كانت . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي ، وعبد الله بن أبي السفر ، وكلاهما عن الشعبي أنه سئل عن ديك ذبح من قفاه ؟ فقال : إذا سميت فكل . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه سئل عن الذبيحة تذبح فتمر السكين فتقطع العنق كله ؟ قال : لا بأس به ذكاة سريعة . ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال : سألت إبراهيم النخعي عن رجل ضرب عنق حمار وحش ؟ فأمرني بأكله ، وسألته عن دجاجة ذبحت من قفاها ؟ فقال إبراهيم : تلك القفينة لا بأس بها . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه سئل عن رجل ذبح بسيفه فقطع الرأس ؟ فقال الزهري : بئسما فعل ، فقال له رجل : أفنأكلها ؟ قال : نعم . قال أبو محمد : لو كان مغلوبا لم يقل الزهري ، " بئسما فعل " . فصح أنه إنما قاله في متعمده . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : لو أن رجلا ذبح جديا فقطع رأسه لم يكن بأكله بأس . ومن طريق وكيع عن شعبة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري في بطة ضرب رجل عنقها بالسيف ، فقال الحسن : لا بأس بأكلها . ومن طريق وكيع نا الربيع بن صبيح عن الحسن ، وعطاء قالا جميعا فيمن ذبح فأبان الرأس : فلا بأس بأكله . ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن ليث عن مجاهد فيمن ذبح فأبان الرأس ، قال : كل - وروى أيضا عن الضحاك ومن طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش حدثني عبد العزيز بن عبد الله عن الشعبي أنه قال في الذبح لا يقطع الرأس فإن قطع الرأس فليأكل - : فهؤلاء عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والحسن ، والنخعي ، والشعبي ، والزهري ، والضحاك يجيزون أكل ما قطع رأسه في الذكاة - وبعضهم أكل ما لم يقطع أوداجه - وما ذبح من قفاه - وما ضربت عنقه .

1048 - مسألة : وكل ما جاز ذبحه جاز نحره ، وكل ما جاز نحره جاز ذبحه - : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والخيل ، والدجاج ، والعصافير ، والحمام ، وسائر كل ما يؤكل لحمه ؛ فإن شئت فاذبح ، وإن شئت فانحر - : وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وبعض أصحابنا . وقال مالك : الغنم ، والطير ، تذبح ولا تنحر ، فإن نحر شيء منها لم يؤكل وأما الإبل فتنحر ، فإن ذبح منها شيء لم يؤكل ، وأما البقر فتذبح وتنحر - ولا نعلم له في هذا القول سلفا من العلماء أصلا ، إلا رواية عن عطاء في البعير خاصة قد روي عنه خلافها ، واحتج بعضهم في ذلك بأن ذبح الجمل تعذيب له لطول عنقه ، وغلظ جلده . قال علي : وهذه مكابرة للعيان ، وما تعذيبه بالذبح إلا كتعذيبه بالنحر ولا فرق ، وما جلده بأغلظ من جلد الثور ، وما عنقه بأطول من عنق الإبل وهو يرى الذبح في كل ذلك - وما تعذيب العصفور ، والحمامة ، والدجاجة بالنحر إلا كتعذيبها بالذبح ولا فرق . وأطرف شيء احتجاجهم في ذلك بقول الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } وهم أول مخالف لذلك فيجيزون فيها النحر - وأما نحن فلا يلزمنا ما أمر الله به بني إسرائيل . فإن احتج بعضهم بأن { النبي نحر الإبل بمنى ، وذبح الكبشين إذ ضحى بهما } قلنا : نعم ، وهذا فعل لا أمر ، وليس ذلك بمانع من غير هذا الفعل ، وقد صح عنه عليه السلام ما ذكرنا قبل من قوله { ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل } وهذا هو الفتيا المبينة التي لا يحل تعديها ، لا العمل الذي لم ينه عما سواه . وقد ذكرنا في المسألة التي قبل هذه عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس الذكاة في الحلق واللبة ، ولم يخصا بإحداهما حيوانا من حيوان بل هتف عمر بذلك مجملا ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة أصلا . بل قد ذكرنا الرواية عن علي في إباحة أكل بعير ضرب عنقه بالسيف ورأى ذلك ذكاة وحية . ومن طريق عبد الرزاق نا وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يحدث أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم ، والجزور البعير بلا خلاف . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : ذكر الله تعالى الذبح في القرآن ، فإن ذبحت شيئا ينحر أجزى عنك . ومن طريق محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل ، نا سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال : الذبح من النحر ، والنحر من الذبح . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، وقتادة ، قالا جميعا : الإبل ، والبقر إن شئت ذبحت وإن شئت نحرت . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد عن مجاهد قال : كان الذبح فيهم ، والنحر فيكم { فذبحوها وما كادوا يفعلون } ، { فصل لربك وانحر } . قال أبو محمد : قد ذكرنا قول الله تعالى : { إلا ما ذكيتم } وقول النبي  : { ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا } ولم يخص الله تعالى ذبحا من نحر ، ولا نحرا من ذبح { وما كان ربك نسيا } . ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا أبو خيثمة - هو زهير بن معاوية - عن الأسود بن قيس حدثني { جندب بن سفيان قال شهدت الأضحى مع رسول الله فقال من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله } . ومن طريق شعبة عن زبيد اليامي عن الشعبي عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله { إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله وذكر الخبر . } ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { صلى بنا رسول الله يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي قد نحر فأمر النبي من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر رسول الله } . وصح من طريق ابن عمر كما أوردنا في كتاب الأضاحي { أن رسول الله كان يذبح وينحر بالمصلى } فأطلق عليه السلام في الأضاحي الذبح والنحر عموما وفيها الإبل ، والبقر ، والغنم ، ولم يخص عليه السلام شيئا من ذلك بنحر دون ذبح ولا بذبح دون نحر ، ولو كان أحد الأمرين لا يجوز أو يكره لبينه عليه السلام - : روينا من طريق أسماء بنت أبي بكر الصديق { نحرنا على عهد رسول الله فرسا } وروينا عنها أيضا ذبحنا فرسا - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب التذكية
كتاب التذكية (مسألة 1045 - 1048) | كتاب التذكية (مسألة 1049 - 1057) | كتاب التذكية (مسألة 1058 - 1067)