محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة السبعون


كتاب الحجر

1394 - مسألة: لا يجوز الحجر على أحد في ماله إلا على من لم يبلغ أو على مجنون في حال جنونه: فهذان خاصة لا ينفذ لهما أمر في مالهما، فإذا بلغ الصغير، وأفاق المجنون جاز أمرهما في مالهما كغيرهما، ولا فرق، سواء في ذلك كله الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والبكر ذات الأب وغير ذات الأب، وذات الزوج، والتي لا زوج لها، فعل كل ما ذكرنا في أموالهم من عتق، أو هبة، أو بيع، أو غير ذلك: نافذ إذا وافق الحق من الواجب، أو المباح ومردود فعل كل أحد في ماله إذا خالف المباح، أو الواجب، ولا فرق، ولا اعتراض لأب، ولا لزوج، ولا لحاكم في شيء من ذلك إلا ما كان معصية لله تعالى فهو باطل مردود. ومن معصية الله تعالى: الصدقة، والعطية، بما لا يبقى بعده للمتصدق أو الواهب غنى، فإن أراد السيد إبطال فعل العبد في ماله فليعلن بانتزاعه منه، ولا يجوز للعبد حينئذ تصرف في شيء منه. برهان ذلك ما رويناه من طريق أبي داود، حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن أبي ظبيان وهو حصين بن جندب الجنبي، عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب قال لعمر بن الخطاب: أو ما تذكر أن رسول الله قال: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم ومن طريق أبي داود، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، هو ابن خالد عن خالد الحذاء عن أبي الضحى عن علي بن أبي طالب عن النبي نحوه، أبو ظبيان ثقة، لقي علي بن أبي طالب وسمع منه، ومن ابن عباس.

ومن طريق أبي داود أيضا، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر.

قال علي: معنى ثلاث: ثلاث نفوس.

وقال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.

وقال تعالى: {والمتصدقين والمتصدقات}.

وقال تعالى: {جاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}

وقال تعالى: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} وحض على العتق.

وقال رسول الله : اتقوا النار ولو بشق تمرة.

وقال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}

وقال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}

فصح أن كل أحد مندوب إلى فعل الخير، والصدقة، والعتق، والنفقة في وجوه البر ليقي نفسه بذلك نار جهنم.

ولا خلاف في أن كل من ذكرنا من عبد، وذات أب، وبكر، وذات زوج، مأمورون، منهيون، متوعدون بالنار، مندوبون موعودون بالجنة، فقراء إلى إنقاذ أنفسهم منها كفقر غيرهم سواء سواء، ولا مزية، فلا يخرج من هذا الحكم إلا من أخرجه النص، ولم يخرج النص إلا المجنون ما دام في حال جنونه والذي لم يبلغ إلى أن يبلغ فقط، فكان المفرق بين من ذكرنا فيطلق بعضا على الصدقة، والهبة، والنكاح، ويمنع بعضا بغير نص مبطل، محرما ما ندب الله تعالى إليه، مانعا من فعل الخير.

قال علي: وروينا عن محمد بن جعفر غندر، حدثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: لا يحجر على حر.

وحدثني أحمد بن عمر العذري، حدثنا أبو ذر الهروي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، حدثنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى الحجر على الحر شيئا، وهو قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وقول مجاهد، وعبيد الله بن الحسن وغيره.

وقال أبو حنيفة: لا يحجر على حر لا لتبذير، ولا لدين، ولا لتفليس، ولا لغيره، ولا يرى حجر القاضي عليه لازما ويرى تصرفه في ماله وإقراره بعد حجر القاضي عليه لازما ويرى تصرفه في ماله وإقراره بعد حجر القاضي ] وقبله سواء، كل ذلك نافذ إلا أنه زاد فقال: من بلغ ولم يؤنس منه رشد حيل بينه وبين ماله إلا أنه إن باع شيئا كثر أو قل نفذ بيعه، وإن أقر فيه كثر أو قل نفذ إقراره، حتى إذا تمت له خمس وعشرون سنة دفع إليه ماله وإن لم يؤنس منه رشد: وهذه الزيادة في غاية الفساد: أول ذلك: أنه لا نعلم أحدا قال بها قبله.

وأيضا: فإنه قول متناقض؛ لأنه إذا جاز بيعه وإقراره فأي معنى للمنع له من ماله هذا تخليط لا نظير له. ثم تحديده بخمس وعشرين سنة من إحدى عجائب الدنيا، وما ندري بأي وجه يستحل في الدين منع مال وإطلاقه بمثل هذه الآراء بغير إذن من الله تعالى، وأعجب شيء احتجاج بعض من خذله الله تعالى بتقليده إياه فقال: يولد للمرء من اثني عشر عاما ونصف فيصير أبا، ثم يولد لأبنه كذلك فيصير جدا، وليس بعد الجد منزلة.

قال أبو محمد: وهذا كلام أحمق بارد ويقال له: هبك أنه كما تقول فكان ماذا ومتى فرق الله تعالى بين من يكون جدا وبين من يكون أبا في أحكام مالهما، وفي أي عقل وجد تم هذا

وأيضا: فقد يولد له من اثني عشر عاما، ولأبنه كذلك، فهذه أربعة وعشرون عاما.

وأيضا: فبعد الجد أبو جد، فبلغوه هكذا إلى سبع وثلاثين سنة، أو إلى أربعين سنة لقول الله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} فظهر فساد هذه الزيادة جملة وبالله تعالى التوفيق. وذهب آخرون إلى الحجر فقال: من كان يخدع في البيوع، ولا يحسن ضبط ماله: حجر عليه، فلم ينفذ له عتق، ولا صدقة، ولا بيع، ولا هبة، ولا نكاح، ولا يكون وليا لأبنته في النكاح وكل ما أخذه قرضا لم يلزمه أداؤه، ولا قضي عليه به وإن رشد بعد ذلك. وقال: ما فعل قبل أن يحجر القاضي عليه ففعله نافذ غير مردود إلى أن يحجر القاضي عليه وأجاز لوليه أن يدفع نفقة شهر ونحو ذلك. قال: فإن ظهر منه الرشد لم يكن بذلك نافذ الأمر حتى يفك القاضي عنه الحجر، وأجاز لمن لم يحجر عليه إعطاء كل ما يملك في ضربة وفي مرات وأنفذه عليه وهذا خطأ ظاهر وتناقض شديد في وجوه جمة: أحدها وأعظمها إبطاله أعمال البر التي ندب الله تعالى إليها وجعلها منقذات من النيران: كالعتق، والصدقة، وإبطاله البيع الذي أباحه الله تعالى وهذا صد عن سبيل الله تعالى، وتعاون على الإثم والعدوان، لا على البر والتقوى بغير برهان، لا من قرآن، ولا سنة. وثانيها إبطاله الولاية لمن جعله الله تعالى وليا لها في الإنكاح فإن كان عندهم في حكم الصغير، والمجنون، اللذين هما غير مخاطبين، ولا مكلفين إنقاذ أنفسهما من النار، ولا ولاية لهما، فليسقطوا عنه الصلاة، والصوم، وإن كان عندهم مكلفا مخاطبا مأمورا منهيا مندوبا موعودا متوعدا: فما بالهم يحولون بينه وبين ما ندبه الله تعالى إليه، وجعله في يديه من الولاية بقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} وما الذي أسقط عنه هذا الخطاب وأوقع عليه الخطاب الصلاة، والصوم، والتحريم والتحليل، وإقامة الحدود وما ندري ما هذا. فإن قالوا: لو علمنا أنه يقصد بذلك الله تعالى، لم نمنعه.

قلنا لهم: ما علمكم بهذا منه، ولا جهلكم به منه، إلا كعلمكم به وجهلكم من غيره، ممن تطلقونه على كل ذلك وتنفذونه منه، ولعله أبعد من تقوى الله تعالى، وأقل اهتبالا بالدين، وأطغى من هذا الذي حلتم بينه وبين ما يقر به من ربه تعالى بالظنون الكاذبة. وثالثها إبطالهم أموال الناس التي يأخذها بالبيع أو القرض اللذين أباحهما الله عز وجل وهذه عظيمة من العظائم ما ندري أين وجدوا هذا الحكم ونعوذ بالله منه، وهذا إيكال للمال بالباطل، وقد حرم الله تعالى هذا أيضا وإذا أسقطوا عنه حقوق الناس اللازمة له من أثمان البيع ورد القرض بنص القرآن، فليسقطوا عنه قصاص الجنايات في أموال الناس ودمائهم، وإلا فقد تناقضوا أقبح تناقض وهذا هو التعاون على الإثم والعدوان جهارا. ورابعها وهو أفحشها في التناقض: إنفاذه ما فعل من التبذير المفسد حقا، وبيوع الغبن قبل أن يحجر عليه القاضي، ورده ما فعل من الصدقة والعتق بعد حجر القاضي عليه، فكان حكم القاضي أنفذ من حكم الله تعالى، ولا كرامة لوجه القاضي كائنا من كان، فما جعل الله تعالى قط حكم القاضي محللا، ولا محرما، إنما القاضي منفذ بسلطانه على من امتنع فقط لا خصلة له غيرها، ولا معنى سوى هذا وإلا فليأتونا بآية، أو سنة، بخلاف هذا، ويأبى الله من ذلك وهذا كله لا ندري من أين أخذوه وخامسها إبطاله جميع أفعاله وإن كانت رشدا ما لم يفك القاضي عنه الحجر وهذه كالتي قبلها. وسادسها إجازته أن يعطيه الولي نفقة شهر يطلق يده عليها، فليت شعري من أين خرج هذا التقسيم العجيب وما الفرق بين إطلاق يده على نفقة شهر وبين إطلاقها على نفقة سنة أو نفقة سنتين. فإن قالوا: نفقة شهر قليلة

قلنا: قد يكون مال تكون نفقة شهر فيه كثيرا ويكون مال نفقة عشرة أعوام فيه قليلا، ولا يخلو دفع ماله إليه من أن يكون واجبا، أو حراما، فإن كان واجبا فدفعه كله إليه واجب، وإن كان حراما فقليل الحرام حرام وهذا بعينه أنكروا على أصحاب أبي حنيفة في إباحتهم قليل المسكر وتحريمهم كثيره وسابعها إنفاذهم أفعال الفساق الظلمة المتعدين على المسلمين بكل بائقة المبتاعين للخمور المنهمكين في أجر الفسق إذا كانوا جماعين للمال من أي وجه أمكن بالظلم وغيره، فيجيزون بيعهم وشراءهم وهباتهم وإن كانت في الأغلب والأظهر لغير الله تعالى وإن أتى ذلك على كل ما يملكونه وبقوا بعده فقراء متكففين: فأنفذوا منه التبذير الذي حرم الله تعالى، والبسط الذي يقعد عليه بعده ملوما محسورا، وردهم العتق، والصدقة بدرهم، وإن كان ذا مال عظيم ممن يخدع في البيوع ويصفونه بأنه لا يحسن ضبط ماله فأي تناقض أفحش ممن يجعل أصله بزعمه ضبط المال وحفظه ثم يجيزون من واحد إعطاء ماله كله حتى يبقى هو وعياله جاعة وينفذونه عليه، ويمنعون آخر من عتق: عبد، وصدقة بدرهم، وابتياع فاكهة يأكلها، ووراءه من المال ما يقوم بأمثاله وأمثال عياله، ثم يجعلون أصله بزعمهم دفع الخديعة له عن ماله. وهم يجيزون الخديعة المكشوفة في المال العظيم لغيره فما هذا البلاء، وما هذا التخاذل، وكم هذا التناقض والحكم في الدين بمثل هذه الأقوال بلا قرآن، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي له وجه يعقل ونعوذ بالله من البلاء.

وقال الشافعي بمثل هذا كله، إلا، أنه قال: إن كان مفسدا فجميع أفعاله مردودة حجر عليه القاضي أو لم يحجر، وإذا رشد فجميع أفعاله نافذة حل عنه القاضي الحجر أو لم يحل وكل ما أدخلنا على مالك يدخل عليه، حاشا ما يدخل في هذين الوجهين فقط.

قال أبو محمد: والحق الواضح هو ما قلناه، وهو أن كل بالغ مخاطب مكلف أحكام الشريعة، فحكمهم، كلهم سواء في أنهم مندوبون إلى الصدقة، والعتق، مباح لهم البيع والنكاح والشراء، محرم عليهم إتلاف المال بالباطل، وإضاعته والخديعة عنه والصدقة بما لا يبقي لهم غنى كما قال رسول الله : الصدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول. وكما قال عليه السلام: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وكما قال عليه السلام: ليس منا من غشنا. وكما قال الله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم} وكما قال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا} وكما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} وكل من تصدق وأعتق، وفعل الخير عن ظهر غنى: نفذ، ولم يحل رده وكل من أعتق وتصدق عن غير ظهر غنى: رد وبطل؛ لأنه لا طاعة إلا ما أمر الله تعالى به، ولا معصية إلا ما نهى الله عنه، فالصدقة بما لا يبقي غنى معصية، والصدقة بما يبقي غنى طاعة. وكل من باع أو اشترى فخدع أو خدع: فمردود؛ لأن الله تعالى حرم الخديعة والغش، وكل من باع أو اشترى فلم يغبن، ولا غش فنافذ؛ لأن الله تعالى أباح البيع. وكل من أنفق في معصية فلسا فما فوقه فمردود. وكل من أنفق كما أمر قل أو كثر: فنافذ لازم، وما أباح الله تعالى قط إبطال حق، ولا المنع من الطاعة من أجل معصية عصاها ذلك الممنوع، أو خيف أن يعصيها ولم يعص بعد كما لم يبح أن تنفذ معصية، وأن يمضي باطل من أجل باطل عمل به ذلك المخل ومعصيته، بل الباطل مبطل قل وجوده من المرء أو كثر، والحق نافذ قل وجوده من المرء أو كثر. هذا هو الذي جاء به القرآن والسنن وشهدت له العقول، وما عدا هذا فباطل لا خفاء به، وتناقض لا يحل، وقول مخالف للقرآن، والسنن، والعقول. وقال محمد بن الحسن: إن أعتق المحجور نفذ عتقه، وعلى العبد أن يسعى له في قيمته فكانت هذه طريفة جدا، ولا ندري من أين استحل إلزام العبد السعي ههنا في هذه الغرامة وقال أبو سليمان، وأصحابنا: من بلغ مبذرا فهو على الحجر كما كان؛ لأنه مجور عليه بيقين فلا يفك عنه إلا بيقين آخر. قالوا: فإن رشد ثم ظهر تبذيره لم يحجر عليه، لكن ينفذ من أفعاله ما وافق الحق ويرد مما خالف الحق كغيره سواء.

قال علي: أما قولهم: قد لزمه الحجر بيقين، فلا ينحل عنه إلا بيقين آخر: فقول صحيح، واليقين قد ورد، وهو أمر الله تعالى له بالصدقة، وأن يتقي النار بالعتق، بإطلاقه على البيع إذا بلغ، وعلى النكاح إذا كان مخاطبا بسائر الشرائع، ولا فرق.

قال أبو محمد: واحتج المخالفون بأشياء يجب إيرادها، وبيان فاسد احتجاجهم بها، ووضعهم النصوص في غير مواضعها، وبيان ذلك بحول الله تعالى وقوته.

قال أبو محمد: قالوا: قال الله عز وجل: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} قالوا: فإنما أمر الله تعالى بأن ندفع إليهم أموالهم مع إيناس الرشد منهم، لا في غير هذه الحال.

وقال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} فنهى عز وجل عن إيتاء السفهاء المال، ولم يجعل لهم إلا أن يرزقوا منها في الأكل ويكسوا، ويقال لهم قول معروف.

وقال عز وجل: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل} فأوجب الولاية على السفيه، والضعيف.

وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}

وقال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}

وقال تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} فحرم الله تعالى السرف، والتقتير، والتبذير.

وقال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} هذا كل ما ذكروا من القرآن، وكله حجة لنا عليهم، ومخالف لأقوالهم على ما نبين إن شاء الله تعالى ما نعلم من القرآن حجة غير هذا أصلا. وذكروا من السنة الخبر الصحيح عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله نهى عن إضاعة المال. وذكروا خبرا رويناه من طريق أبي عبيد، حدثنا عمرو بن هارون عن يحيى بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن أبيه قال: قال رسول الله : أيما رجل كان عنده يتيم فحال بينه وبين أن يتزوج فزنى فالإثم بينهما. ما نعلم لهم خبرا غير هذين، وكلاهما حجة لنا عليهم، ومخالف لأقوالهم على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى. وذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم

ما روينا عن هشام بن عروة عن أبيه أن علي بن أبي طالب أتى عثمان بن عفان فقال له: إن ابن جعفر اشترى بيعا كذا وكذا فاحجر عليه فقال الزبير: أنا شريكه في البيع فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير.

ومن طريق أبي عبيد حدثني عفان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك يعني عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة بستين ألفا ما يسرني أنها لي بنعلي. وما رويناه من طريق أبي عبيد، حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن الطفيل بن الحارث قال: بلغ ابن الزبير: أن عائشة أم المؤمنين أرادت بيع رباعها: فقال: لتنتهين، أو لاحجرن عليها.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير إذا نشأ منا ناشئ حجر عليه.

ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي، عن ابن عباس أنه سئل عن الشيخ الكبير ينكر عقله أيحجر عليه قال: نعم.

ومن طريق يزيد بن هرمز، عن ابن عباس: أنه كتب إلى نجدة بن عويمر وكتبت تسألني عن اليتيم متى ينقضي يتمه فلعمري، إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، وإذا أخذ لنفسه من مصالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم، وإنه لا ينقطع عن اليتيم اليتم حتى يبلغ ويؤنس منه رشد، وإذا بلغ النكاح وأونس منه رشد: دفع إليه ماله، فقد انقضى عنه يتمه.

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الحجر
كتاب الحجر (مسألة 1394) | كتاب الحجر (تتمة مسألة 1394) | كتاب الحجر (مسألة 1395) | كتاب الحجر (مسألة 1396) | كتاب الحجر (مسألة 1397 - 1402)