محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والعشرون
كتاب الزكاة
690 - مسألة : ومن تلف ماله أو غصبه أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه أي نوع كان من أنواع المال ، فإن رجع إليه يوما ما استأنف ( به ) حولا من حينئذ ، ولا زكاة ( عليه ) لما خلا ؛ فلو زكاه الغاصب ضمنه كله ، وضمن ما أخرج منه في الزكاة ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يؤدي الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة - لا من غيره - كان ذلك له ، ولم يكلف الزكاة ( من سواه ) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره ، فإنه حينئذ يكلف أداء الزكاة من عند نفسه ، فسقط بهذا الإجماع تكليفه أداء زكاة من عند نفسه ؛ ثم لما صح ذلك ، وكان غير قادر على أداء الزكاة من نفس المال المغصوب ، أو المتلف ، أو الممنوع منه : سقط عنه ما عجز عنه من ذلك ، بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه هو أو وكيله ، وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنص أو إجماع ، وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله ﷺ ؛ فما كلف قط أحدا زكاة ما أخذه الكفار من ماله . وقد يسرق المال ويغصب فيفرق ولا يدري أحد مكانه ، فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى ، إذ يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت ، وأما الغاصب فإنه محرم عليه التصرف في مال غيره ، يقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإعطاؤه الزكاة من مال غيره تعد منه ، فهو ضامن لما تعدى فيه - قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال أبو حنيفة : بمثل هذا كله ، إلا أنه قال : إن كان المال المدفون بتلف مكانه في منزله أدى زكاته ؛ وإن كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه . وهذا تقسيم فاسد ما نعلم أحدا قاله قبله ، وقال مالك : لا زكاة عليه فيه ، فإن رجع إليه زكاه لسنة واحدة فقط وإن غاب عنه سنين . وهذا قول ظاهر الخطأ ، وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قلدوا في ذلك عمر بن عبد العزيز في قول له رجع إليه ، وكان قال قبل ذلك : يأخذ الزكاة منه لكل سنة خلت ؟ والعجب أنهم قلدوا عمر هاهنا ، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل ؛ وإنما قال عمر بالقول الذي قلدوه فيه لأنه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد فخالفوه هاهنا وهذا كله تخليط ، وقال سفيان : - في أحد قوليه - وأبو سليمان : عليه الزكاة لكل سنة خلت ؟ وقد جاء عن عثمان ، وابن عمر : إيجاب الزكاة في المقدور عليه ، فدل ( ذلك ) على أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وقولنا في هذا هو قول قتادة ، والليث وأحد قولي سفيان ، وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه : أن خذ منه الزكاة لما أتت عليه ، ثم صبحني بريد عمر : لا تأخذ منه زكاة ، فإنه كان ضمارا أو غورا .
691 - مسألة : ومن رهن ماشية ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو أرضا فزرعها ، أو نخلا فأثمرت ، وحال الحول على الماشية ، والعين - : فالزكاة في كل ذلك ولا يكلف الراهن عوضا عما خرج من ذلك في زكاته ، أما وجوب الزكاة ؛ فلأنه مال من ماله ، عليه فيه الزكاة المفروضة ؛ ولم ينتقل ملكه عنه ، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولا بد ، وأما المنع من تكليفه العوض فإنه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان ، فيقضي عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه ؛ فتكليفه حكما في ماله باطل ، ولا يجوز إلا بنص ، أو إجماع ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام }
692 - مسألة : وليس على من وجب عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق ، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة وهذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وبالله تعالى التوفيق . وكذلك { كان رسول الله ﷺ يبعث المصدقين - وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الأموال من ذلك } فإن لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد ؛ لأن تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا إجماع ، وبالله تعالى التوفيق ؛ ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو ( من ) كلفه إلى خراسان أو أبعد .
693 - مسألة : ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه ، وعليه إعادتها ، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته ؛ لأنه أعطاه بغير حق وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير ، وعطاء ، وإبراهيم ، والضحاك ، والحكم ، والزهري وأجازه الحسن لثلاث سنين ، وقال ابن سيرين : في تعجيل الزكاة قبل أن تحل : لا أدري ما هذا ، وقال أبو حنيفة : وأصحابه بجواز تعجيل الزكاة قبل وقتها ؟ ثم لهم في ذلك تخليط كثير - : مثل قول محمد بن الحسن : لا يجوز ذلك في مال عنده ، ولا في زرع قد زرعه ، ولا في نخل قد أطلعت . وقال أبو يوسف يجوز ذلك ( كله ) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض ، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه . وأكثر من هذا سنذكره - إن شاء الله تعالى - في ذكر تخاليط أقوالهم في كتاب الأعراب " و الله المستعان . قال الشافعي : بتعجيل الزكاة عن مال عنده ، لا عن مال لم يكتسبه بعد وقال : إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال ؛ فإن استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال . وقال مالك : يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك ، لا أكثر ، في رواية ابن القاسم عنه - وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن ، وهذه ( كلها ) تقاسيم في غاية الفساد ، لا دليل على صحتها من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب يصح ، ولا قياس . وقول الليث ، وأبي سليمان : كقولنا . واحتج من أجاز تعجيلها بحجج - : منها : الخبر الذي ذكرناه في زكاة المواشي ، في هل تجزئ قيمة أم لا ؟ من { أن النبي ﷺ استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا } ؟ وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة ، لأنه استسلاف كما ترى ، لا استعجال صدقة ؛ بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز ، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستقراض ؛ بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر ، وذكروا ما رويناه من طريق أبي داود : ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عيينة عن حجية عن علي بن أبي طالب { أن العباس سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له . } قال أبو داود روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن الحسن عن أنس عن النبي ﷺ . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن الحكم { أن النبي ﷺ بعث عمر مصدقا وقال له عن العباس : إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول } ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال " قال عمر للعباس : أد زكاة مالك فقال العباس : قد أديتها قبل ذلك ، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ : صدق " . هذا كل ما شغبوا به من الآثار . وقالوا : حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها ، قياسا على ديون الناس المؤجلة وحقوقهم ، كالنفقات وغيرها . وقالوا : إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط . وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس . وهذا كله لا حجة لهم في شيء منه . أما حديث حجية : فحجية غير معروف بالعدالة ، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين . وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم ، ولو كان فيه لبند به ، فصار منقطعا ، ثم لم يذكر أيضا لفظ أنس ولا كيف رواه ، فلم يجز القطع به على الجهالة ، وأما سائر الأخبار فمرسلة . وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل ، وهم يقولون - إذا وافق تقليدهم - : إنه كالمسند ، وردوا فيه رواية المجهول ، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم فبطل كل ما موهوا به من الآثار . ؟ وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة : فالقياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ، ثم اتفقا على تأجيلها والزكاة لم تجب بعد ، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل . وأيضا : فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز إلا برضا من الذي له الدين ، وليست الزكاة كذلك ؛ لأنها ليست لإنسان بعينه ، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم ، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل ، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها ، وتبطل عمن كان من أهلها ، ولا خلاف في أن القابضين لها الآن - عند من أجاز تعجيلها - لو أبرءوا منها دون قبض لم يجز ذلك ، ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بإبرائهم بخلاف إبراء من له دين مؤجل ، وكذلك إن دفعها إلى الساعي ، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول ، والذي بعثه كذلك ، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس ، وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة ، ولو أن امرأ عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته ، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة ، والذي تجب له مضطر - : لم يجزئه تعجيل ما عجل ، وألزم الآن النفقة ، وأمر باتباعه بما عجل له دينا ، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد ، بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح ، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس . فإن ادعوا إجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس والحسن ، وهبك لو صح لهم الإجماع لكان هذا حجة عليهم ، لأن من أصلهم أن قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح . وأما قولهم : إن الزكاة وجبت قبل ، ثم فسح للناس في تأخيرها - : فكذب وباطل ودعوى بلا برهان ، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول ، لا قبل ذلك ، لصحة النص بإخراج رسول الله ﷺ المصدقين عند الحول ، لا قبل ذلك ، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب ولإجماع الأمة على وجوبها عند الحول ولم يجمعوا على وجوبها قبله ، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو إجماع ، فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر . ثم نسألهم : أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب فإن قالوا : لم تجب ؟ قلنا : فكيف تجيزون أداء ما لم يجب ؟ وما لم يجب فعله تطوع ، ومن تطوع فلم يؤد الواجب وإن قالوا : قد وجبت ؟ قلنا : فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه ، وهذا برهان لا محيد عنه أصلا ، ونسألهم : كيف الحال إن مات الذي عجل الصدقة قبل الحول ؟ أو تلف المال قبل الحول ؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول ؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق الزكوات ؟ فصح أن تعجيلها باطل ، وإعطاء لمن لا يستحقها ، ومنع لمن يستحقها ، وإبطال الزكاة الواجبة ؛ وكل هذا لا يجوز . والعجب من إجازة الحنفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث وكلاهما مال معجل ، إلا أن النص قد يصح بتعجيل ما منعوا تعجيله ، ولم يأت بتعجيل ما أباحوا تعجيله ، فتناقضوا في القياس ، وصححوا الآثار الفاسدة ، وأبطلوا الأثر الصحيح ، وأما المالكيون فإنهم - مع ما تناقضوا - خالفوا في هذه الجمهور من العلماء ، وهما يعظمون هذا إذا وافقهم ، وخالف الشافعيون فيه القياس ، وقبلوا المرسل الذي يردونه - وبالله تعالى التوفيق .
694 - مسألة : ومن عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك لو كان حاضرا فإن كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه ما في مقداره الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا زكاة عليه فيه أصلا ، ولو أقام عليه سنين وقال قوم : يزكيه - : روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد بن جابر أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن عمر قال : إذا حلت - يعني الزكاة - فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه . ( وبه إلى ) عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الملك بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو جد عبد الملك أبو أبيه قال : قال رجل لعمر : يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ، ديني ؟ قال عمر : لا تبادر بها ، واحسب دينك وما عليك ، وزك ذلك أجمع وهو قول الحسن بن حي ، وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في الدين يكون للرجل على الرجل فيمطله ؟ قال : زكاته على الذي يأكل مهنأة ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه . وممن قال بقولنا - في إسقاط الزكاة عن الذي عليه الدين فيما عليه منه - : ابن عمرو وغيره . كما روينا من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وسفيان الثوري قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه ولي مال يتيم فكان يستسلف منه ، يرى أن ذلك أحرز له : ويؤدي زكاته من مال اليتيم ، فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي له الدين ، وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن إبراهيم عن مجاهد : إذا كان عليك دين فلا زكاة عليه ؛ إنما زكاته على الذي هو له ، وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن إبراهيم النخعي قال : زك ما في يديك من مالك ، وما لك على المليء ولا تزك ما للناس عليك ؟ وهو قول سفيان : ومالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، ووكيع ؟ قال أبو محمد : إنما وافقنا ( قول ) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذي عليه الدين فقط . ومن طريق عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ، ليس في الدين زكاة ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن عكرمة قال : ليس في الدين زكاة ، ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتيبة قال : خالفني إبراهيم في الدين ، كنت أقول : لا يزكي ، ثم رجع إلى قولي - : وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : ليس على صاحب الدين الذي هو له ولا على الذي هو عليه زكاة . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال : ليس في الدين زكاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : السلف يسلفه الرجل . قال : ليس على سيد المال ولا على الذي استسلفه زكاة ؟ ومن طريق أبي عبيد عن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح : لا يزكي الذي عليه الدين الدين ، ولا يزكيه الذي هو له حتى يقبضه ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده ، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء ، وعما لا يملك ، وعن شيء لو سرقه قطعت يده ؛ لأنه في ملك غيره .
695 - مسألة : ومن عليه دين - كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه ، من جنسه كان أو من غير جنسه - : فإنه يزكي ما عنده ، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة ما بيده - : وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما . وقال مالك : يجعل الدين في العروض التي عنده التي لا زكاة فيها ، ويزكي ما عنده فإن لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة ، وأسقط بذلك الزكاة ، فإن فضل عن دينه شيء يجب في مقداره الزكاة زكاه وإلا فلا ، وإنما هذا عنده في الذهب والفضة فقط . وأما المواشي والزرع والثمار فلا ؛ ولكن يزكي كل ذلك ، سواء كان عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل ؟ وقال آخرون : يسقط الدين زكاة العين والمواشي ، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يجعل ما عليه من الدين في مال تجب فيه الزكاة ، سواء في ذلك الذهب ، والفضة ، والمواشي ، والحرث ، والثمار ، وعروض التجارة ، ويسقط به زكاة كل ذلك . ولا يجعل دينه في عروض القنية ما دام عنده مال تجب فيه الزكاة ، أو ما دام عنده عروض للتجارة ؛ وهو قول الليث بن سعد وسفيان الثوري . وقال زفر : لا يجعل دين الزرع إلا في الزرع ، ولا يجعل دين الماشية إلا في الماشية ، ولا يجعل دين العين إلا في العين ، فيسقط بذلك ما عنده مما عليه دين مثله ، ومن طريق ابن جريج : قلت لعطاء : حرث لرجل دينه أكثر من ماله ، أيؤدي حقه ؟ قال : ما نرى على رجل دينه أكثر من ماله صدقة ، لا في ماشية ولا في أصل ، قال ابن جريج : سمعت أبا الزبير ، سمعت طاوسا يقول ليس عليه صدقة . قال أبو محمد : إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ؛ بل قد جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي ، والحب ، والتمر ، والذهب ، والفضة ، بغير تخصيص من عليه دين ممن لا دين عليه ، وأما من طريق النظر فإن ما بيده له أن يصدقه ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل منه وينفق منه ؛ ولو لم يكفي له لم يحل له التصرف فيه بشيء من هذا ؛ فإذا هو له ولم يخرجه عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه بلا شك . وأما تقسيم مالك : ففي غاية التناقض ، وما نعلمه عن أحد قبله ؛ وكذلك قول أصحاب أبي حنيفة أيضا - وبالله التوفيق . والمالكيون : ينكرون على أبي حنيفة هذا بعينه في إيجابه للزكاة في زرع اليتيم وثماره دون ماشيته وذهبه وفضته ، فإن احتجوا بأن قبض زكاة المواشي والزرع إلى المصدق . قيل : فكان ماذا ؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولا فرق .