محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والعشرون


كتاب الزكاة

685 - مسألة : قال أبو محمد : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم ؟ وصح عن ابن عمر : لا زكاة فيه حتى يتم حولا ؟ وقال أبو حنيفة : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول - : فإنه إن اكتسب بعد ذلك - لو قبل تمام الحول بساعة شيئا - قل أو كثر - من جنس ما عنده : فإنه يزكي المكتسب مع الأصل ، سواء عنده الذهب ، والفضة ، والماشية ، والأولاد ، وغيرها ؟ وقال مالك : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا ، وسواء كان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أو لم يكن ، إلا الماشية ؛ فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها ، فإن كان الذي عنده منها نصابا - : زكى الجميع عند تمام الحول ، وإلا فلا ، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات سواء كانت الأمهات نصابا أو لم تكن ؟ وقال الشافعي : لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه ألبتة ، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها ؛ ويكفي من فسادها أنها كلها مختلفة وكلها دعاو مجردة ، وتقاسيم فاسدة متناقضة لا دليل على صحة شيء منها . لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه وقال أبو حنيفة : من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو أنفقها إلا درهما واحدا واحدا فإنه بقي عنده ؛ فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما - : فالزكاة عليه في الجميع لحول التي تلفت ، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيما اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم - حتى يتم لها حول ؟ فيا ليت شعري ما شأن هذا الدرهم ؟ وما قوله لو لم يبق منها إلا فلس ؟ وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب ، أو من بقر ، أو من إبل ، أو من غنم ؛ ثم تلفت كلها إلا واحدة ؛ ثم اكتسب من جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب ؟ وهذا قول يغني ذكره عن تكلف الرد عليه ؟ ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فإن الزكاة واجبة فيه وإن لم يكتسب غيره ؛ نعم ، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فإن الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه ؟ وممن روي عنه تعجيل الزكاة من الفائدة : ابن مسعود ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والزهري وممن صح عنه : لا زكاة في مال حتى يتم له حول - : علي ، وأبو بكر الصديق ، وعائشة أم المؤمنين ، وابن عمر ، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية ؟ . وأما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم نعم ، ولا عن أحد من التابعين . قال أبو محمد : كل فائدة فإنما تزكى لحولها ، لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال ؟ تفسير ذلك : لو أن امرأ ملك نصابا - وذلك مائتا درهم من الورق أو أربعين دينارا من الذهب ، أو خمسا من الإبل ، أو خمسين من البقر - ثم ملك بعد ذلك بمدة - قريبة أو بعيدة ، إلا أنها قبل تمام الحول - من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا ، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين - : فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده ؛ لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة ، فيزكى ذلك لحول التي كانت عنده ثم يستأنف الجميع حولا ، فإن استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده ، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة - وليس ذلك إلا في الورق خاصة - على كل حال ، وفي سائر ذلك في بعض الأحوال - : فإنه يزكي الذي عنده وحده لتمام حوله ، وضم حينئذ الذي استفاد إليه - لا قبل ذلك - واستأنف بالجميع حولا ؟ مثل : من كان عنده مائة شاة وعشرين شاة ثم استفاد شاة فأكثر ، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر ، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر ، لأن الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكى مال مرتين في عام واحد فلو ملك نصابا - كما ذكرنا - ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فإنه يزكي كل مال لحوله ؛ فإن رجع الأول منهما إلا ما لا زكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر ، لأن الأول قد صار لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني ، فيكون يزكي الثاني مرتين في عام ؛ ويستأنف بالجميع حولا ؟ فإن رجع المال الثاني إلى ما لا زكاة فيه وبقي الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله ، ثم يضم الثاني إلى الأول حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا ؟ فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكي كل عدد منهما لحوله ، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا من المال الثاني ؛ لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني ، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص ؛ فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص - ولا بد - عما فيه الزكاة وذلك مثل : أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة ؛ لأنه لا يجوز أن يزكي عن هذا العدد بشاتين ، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة ، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا ، والإبلان إلى أقل من عشرة ، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم ؟ فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما ، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما ، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة ؛ فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا : ضم المال الثاني إلى الأول فزكي الجميع لحول الأول أبدا ، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر - إلا أنه عدد يزكى بالغنم - ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد - إما بالغنم ، وإما بالإبل - فإنه يزكي ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم ؛ ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد ؛ إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكي بعضها بالغنم وبعضها بالإبل ؛ لأنه خلاف أمر رسول الله في زكاة الإبل فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول إحدى عشرة زكى الأول لحولها بنت مخاض ؛ ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكي الجميع لحول - من حينئذ مستأنف - ببنت لبون ؛ لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد . وهكذا في كل شيء ؟ فإن قيل : فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن بعض عن حوله شهورا ؟ قلنا : نعم : لأننا لا نقدر على غير ذلك ألبتة ، إلا بإحداث زكاتين في مال واحد ، وهذا خلاف النص ؛ وتأخير الزكاة إذا لم يمكن التعجيل مباح لا حرج فيه - وبالله تعالى التوفيق .

686 - مسألة : من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا هو حي ؟ قال أبو محمد : تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام ؛ وسواء كل ذلك لهروبه بماله ؛ أو لتأخير الساعي ؛ أو لجهله ، أو لغير ذلك ؛ وسواء في ذلك العين ، والحرث ، والماشية ، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت ، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع ، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفي الزكاة وقال مالك : إن كان ذلك عينا - ذهبا أو فضة - فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم ، والذهب إلى عشرين دينارا ، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة ، ثم لا شيء عليه لما بعد ذلك من السنين ؟ وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وإن اصطلمت جميع ماله ؟ وإن كانت ماشية . فإن كان هو هرب أمام الساعي فإن الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام ؛ فإذا رجع ماله بإخراج الزكاة إلا ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء لسائر ما بقي من الأعوام ، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا - سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل ما لم يخرج إلى ما لا زكاة فيه ؛ فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء ؟ وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها : إنه يزكي للعام الأول شاتين . وللعام الثاني شاة واحدة وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم - لا مال له غيرها - فلم يزكها سنتين فصاعدا : إنه لا زكاة عليه ؛ لأن الزكاة صارت عليه دينا فيها هذا نص كلامه وقال أبو يوسف : عليه زكاتها لعام واحد فقط ؟ وقال زفر : عليه زكاتها لكل عام أبدا . وبه يقول أبو سليمان ، وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، وتقسيم فاسد ، لا برهان على صحته ؛ لأنه دعوى بلا دليل . وما العجب إلا من رفقهم بالهارب أمام المصدق وتحريهم العدل فيه وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي ، فيوجبون عليه زكاة ألف ناقة لعشر سنين ؛ ولم يملكها إلا سنة واحدة ، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا من الإبل فقط . واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية ؟ قال أبو محمد : وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود ؛ وقلدوا هاهنا سعاة من لا يعتد به ، كمروان ، وسعيد بن العاص ، وما هنالك ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة من إبل لم يملكها المسلم وتعطل زكاة قد أوجبها الله تعالى ؟ وأما قول أبي يوسف فإنه محمول على أن الزكاة - في العين وغيره - في المال نفسه ، ولا في الذمة ، وهذا أمر قد بينا فساده قبل ؛ وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ، ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطي الزكاة من غير ذلك المال نفسه ؛ وهذا أمر مجمع على خلافه ؛ وعلى أنه له أن يعطيها من حيث شاء ؛ فإذا صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله ، ولا رجوعه إلى ما لا زكاة فيه ؟ واحتج بعضهم بأن امرأ لو باع ماشيته بعد حلول الزكاة فيها أن للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ؛ وما له ذلك ؛ لأنها قد صارت مالا من مال المشتري ؛ ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمر ولم تجب عليه وإنما وجبت على زيد ؛ ولكن يتبع البائع بها دينا في ذمته وبالله تعالى التوفيق .

687 - مسألة : فلو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة أو سنتين فإنها من رأس ماله ، أقر بها أو قامت عليه بينة ، ورثه ولده أو كلالة ، لا حق للغرماء ولا للوصية ولا للورثة حتى تستوفي كلها ؛ سواء في ذلك العين والماشية والزرع . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما . وقال أبو حنيفة : من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فإنها تسقط بموته ، لا تؤخذ أصلا ، سواء مات إثر الحول بيسير أو كثير ، أو كانت كذلك لسنين . وأما زكاة الماشية فإنه روى عنه ابن المبارك : أنه يأخذها المصدق منها ، وإن وجدها بأيدي ورثته . وروى عنه أبو يوسف : أنها تسقط بموته واختلف قوله في زكاة الثمار والزرع : فروى عنه عبد الله بن المبارك أنها تسقط بموته ، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : أنها تؤخذ بعد موته ، ويرى أن قوله المذكور في الماشية ، والزرع إنما هو في زكاة تلك السنة فقط ؛ فأما زكاة فرط فيها حتى مات فإنه يقول : بأنها تسقط عنه . وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان حاشا المواشي - : فإنها تؤخذ من رأس ماله ، فإن كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه إلا أن يوصي بها ، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها ، حاشا التدبير في الصحة ، وهي مبداة على التدبير في المرض قال : وأما المواشي فإنه إن حال الحول عليها ثم مات قبل مجيء الساعي ثم جاء الساعي فلا سبيل للساعي عليها ، وقد بطلت ، إلا أن يوصي بها ، فتكون في الثلث غير مبداة على سائر الوصايا . واختلف قول الأوزاعي في ذلك : فمرة رآها من الثلث ، ومرة رآها من رأس المال قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ، ومالك ؛ ففي غاية الخطأ ؛ لأنهما أسقطا بموت المرء دينا لله تعالى وجب عليه في حياته ، بلا برهان أكثر من أن قالوا : لو كان ذلك لما شاء إنسان أن لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه فقلنا : فما تقولون في إنسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه ولا يرث ورثته شيئا ، ولو أنها ديون يهودي ، أو نصراني لا في خمور أهرقها لهم . فمن قولهم : إنها كلها من رأس ماله ، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا ، فنقضوا علتهم بأوحش نقض وأسقطوا حق الله تعالى - الذي جعله للفقراء والمساكين من المسلمين ، والغارمين منهم ، وفي الرقاب منهم ، وفي سبيله تعالى ، وابن السبيل فريضة من الله تعالى - : وأوجبوا ديون الآدميين وأطعموا الورثة الحرام . والعجب أنه من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها ، وإسقاطهم الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها . ثم تقسيم مالك بين المواشي وغير المواشي ، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الأعوام ، فرأى زكاة عامه من رأس المال ، وإن لم يبق للورثة شيء يعيشون منه ، ولم ير زكاة سائر الأعوام إلا ساقطة . ثم تفريقه بين زكاة الناض يوصي بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا إلا على التدبير في الصحة وتبدى على التدبير في المرض - : وبين زكاة الماشية يوصي بها فتكون في الثلث ولا تبدى الوصايا ، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقصد الخير ، وإنما العجب ممن انشرح صدره لتقليد قائلها . ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة نصرا لها . قال أبو محمد : وبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عز وجل ( في المواريث ) { من بعد وصية يوصي بها أو دين } فعم - عز وجل - الديون كلها ، والزكاة دين قائم لله تعالى وللمساكين ، والفقراء والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عمر الوكيعي وأبو سعيد الأشج . قال الوكيعي : ثنا حسين بن علي عن زائدة ؛ وقال أبو سعيد ثنا أبو خالد الأحمر ثم اتفق زائدة ، وأبو خالد الأحمر كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، قال مسلم البطين : عن سعيد بن جبير وقال الحكم ، وسلمة : سمعنا مجاهدا ثم اتفق سعيد بن جبير ، ومجاهد عن ابن عباس قال { جاء رجل إلى رسول الله فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو خالد : في روايته عن الأعمش عن مسلم البطين ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس ، وذكر زائدة في حديثه أن الأعمش سمعه من الحكم ، وسلمة ومسلم ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي فذكره ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال { : فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء } فهؤلاء : عطاء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد يروونه عن ابن عباس ، فقال : هؤلاء بآرائهم ، بل دين الله تعالى ساقط ودين الناس أحق أن يقضى والناس أحق بالوفاء قال أبو محمد : ويسألون عن الزكاة أفي الذمة هي أم في عين المال . ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن قالوا : في عين المال ، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال ، فمن أين وجب أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى ؟ وإن قالوا : في الذمة فمن أين أسقطوها بموته ؟ ولا يختلفون أن إقرار الصحيح لازم في رأس المال فمن أين وقع لهم إبطال إقرار المريض ؟ فإن قالوا : لأنه وصية ، كذبوا وتناقضوا لأن الإقرار إن كان وصية فهو من الصحيح أيضا في الثلث ، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض ، والصحيح . وإن قالوا : لأننا نتهمه . قلنا : فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة ؟ لا سيما المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه : إن فلانا قتله ، ويبطلون إقراره في ماله ، وهذه أمور كما ترى ونسأل الله العافية . روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم يؤد زكاة ماله : أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك . وقال ربيعة : لا تؤخذ وعليه ما تحمل - : ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا جرير عن سليمان التيمي عن الحسن ، وطاوس : أنهما قالا في حجة الإسلام ، والزكاة : هما بمنزلة الدين قال علي : وللشافعي قول آخر : إن كل ذلك يتحاص مع ديون الناس . قال علي : وهذا خطأ ، لقول رسول الله { دين الله أحق أن يقضى . } قال علي : هذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة - التي لا معارض لها - والقياس ، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه .

688 - مسألة : ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه ، فإن أخذها الإمام ، أو ساعيه ، أو أميره ، أو ساعيه فبنية كذلك ، لقول الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولقول رسول الله { : إنما الأعمال بالنيات . } فلو أن امرأ أخرج زكاة مال له غائب فقال : هذه زكاة مالي إن كان سالما ، وإلا فهي صدقة تطوع - : لم يجزه ذلك عن زكاة ماله إن كان سالما ، ولم يكن تطوعا لأنه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر ، وإنما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط ؛ فإن كان المال سالما أجزأه ، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها ، وإن كان المال قد تلف ، فإن قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى ، وإن فاتت أدى الإمام إليه ذلك من سهم الغارمين ، لأنهم أخذوها وليس لهم أخذها ، فهم غارمون بذلك ، وهذا كمن شك : عليه يوم من رمضان أم لا ؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا ؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة وقال : إن كنت أنسيتها فهي هذه ، وإلا فهي تطوع ؛ وصام يوما فقال : إن كان علي يوم فهو هذا ؛ وإلا فهو تطوع ؛ فإن هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم إن ذكر بعد ذلك أنهما عليه .

689 - مسألة : من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه - بأي وجه خرج عن ملكه - ثم رجع إليه - بأي وجه رجع إليه ، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر - : فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه ، لا من حين الحول الأول ، لأن ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ، ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره . وكذلك من باع إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو فضة بفضة ، أو ذهبا بذهب - : فإن حول الذي خرج عن ملكه ، من ذلك قد بطل ، ويستأنف الحول الذي صار في ملكه من ذلك لما ذكرنا . وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة . وقال بعض الناس : إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة ، ثم ناقض من قرب فقال : من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى . قال أبو محمد : ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكي الإنسان مالا هو في يد غيره [ ما ] لم يحل حوله عنده . قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة والشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : إن بادل إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، وإن بادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهبا بذهب ، أو فضة بفضة - : فعليه الزكاة عند انقضاء الحول الذي خرج عن يده ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ، ودعوى لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا سنة ( صحيحة ) ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا رأي يصح ونسأل من قال بهذا : أهذه التي صارت إليه هي التي خرجت عنه ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قال : هي غيرها ؟ قيل : فكيف يزكي عن مال لا يملكه ؟ ولعلها أموات ، أو عند كافر . وإن : قال بل هي تلك ، كابر العيان ، وصار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا ، فإن قال : ليست هي ، ولكنها من نوعها ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذي ابتدأ الحول في ملكه إذا كان من نوعه ؟ ثم يسألون إن كانت الأعداد مختلفة : أي العددين يزكي العدد الذي خرج عن ملكه ؟ أم العدد الذي اكتسب ؟ ولعل أحدهما ليس نصابا ؟ وهذا كله خطأ لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق . وأي شيء قالوا في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان . فإن قالوا : إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر من الإبل أو لمائتي درهم حولا كاملا متصلا ؟ قلنا : إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف ؛ فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة ، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، إلا بالدعوى - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة

كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)