محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثامنة
كتاب النكاح
1851 - مسألة: وجائز أن يكون صداقا كل ما له نصف قل أو كثر ولو أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذلك كل عمل حلال موصوف، كتعليم شيء من القرآن أو من العلم أو البناء أو الخياطة أو غير ذلك إذا تراضيا بذلك وورد في هذا اختلاف.
كما روينا من طريق وكيع عن داود بن يزيد الأودي عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال: لا يكون صداق أقل من عشرة.
ومن طريق عبد الرزاق عن حسن صاحب له عن شريك عن داود بن يزيد الأودي عن الشعبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم:
وبه إلى حسن المذكور أخبرني المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: " أكره أن يكون المهر مثل أجر البغي، ولكن العشرة دراهم والعشرون ".
وبه يقول أبو حنيفة، وأصحابه. وعن إبراهيم روايتان غير هذه صحيحتان: إحداهما: رويناها من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي قال: لا يتزوج الرجل على أقل من أربعين. والأخرى: رويناها من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: السنة في النكاح الرطل من الفضة.
وروينا من طريق شعبة عن أبي سلمة الكوفي قال: سمعت الشعبي يقول: كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل على أقل من ثلاثة أواق.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا حسام بن المصك عن أبي معشر عن سعيد بن جبير: أنه كان يحب أن يكون الصداق خمسين درهما.
قال أبو محمد: أما الرواية عن الشعبي فساقطة، لأنها عن أبي سلمة الكوفي، ولا يدرى من هو ولو صحت لكانت هي والروايتان عن إبراهيم في الأربعين: إما درهما، وأما أوقية، وأما دينارا. والرواية عن سعيد بن جبير قول بلا
برهان، وما كان هكذا فهو باطل.
وأما الرواية عن إبراهيم بالعشرة دراهم فساقطة؛ لأنها عن حسن صاحب عبد الرزاق، ولا يدري أحد من هو. والرواية عن علي رضي الله عنه باطل، لأنها عن داود بن يزيد الأودي وهو في غاية السقوط، كان الشعبي يقول: إذا رأى اختلاطه لا تموت حتى تكون في رأسك ثلاث كيات، قال الراوي: فما مات حتى كوي في رأسه ثلاث كيات. ثم هي مرسلة، لأن الشعبي لم يسمع من علي قط حديثا. واحتجوا لقولهم هذا الفاسد بخبرين موضوعين: أحدهما عن حرام بن عثمان، عن ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما عن النبي ﷺ قال: لا صداق أقل من عشرة دراهم. والآخر عن بقية عن مبشر بن عبيد الحلبي عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء، وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ: لا مهر دون عشرة دراهم. وقالوا: النكاح استباحة فرج وهو عضو منها فوجب أن لا يجوز إلا بما تقطع فيه اليد وقد احتج المالكيون بهذه التشعيبة الساقطة أيضا.
قال أبو محمد: لا حجة لهم غير ما ذكرنا، والحديثان المذكوران مكذوبان بلا شك أحدهما: من طريق حرام بن عثمان وهو في غاية السقوط لا تحل الرواية عنه والآخر: من طريق مبشر بن عبيد الحلبي وهو كذاب مشهور بوضع الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الحجاج بن أرطاة وهو ساقط ولو صح لكانوا قد خالفوه، لأنهم يجيزون النكاح على دينار لا يساوي عشرة دراهم. فبطل كل ذلك والحمد الله رب العالمين.
وأما قولهم: إنه قياس على قطع يد السارق فهو أسخف قياس في العالم، لأنه لا شبه بين النكاح والسرقة
وأيضا: فإن اليد تقطع ألبتة والفرج لا يقطع، والنكاح طاعة، والسرقة معصية، ولو قاسوا إباحة الفرج على إباحة الظهر في حد الخمر، لكان أدخل في مخازي القياس وسخافاته؛ لأن كليهما عضو مستور لا يقطع، وقبل وبعد فما صح قط أن لا قطع في أقل من عشرة دراهم، فهو باطل متيقن على باطل، وخطأ مشبه بخطأ فسقط هذا القول الفاسد.
وقال مالك: لا يكون أقل من ثلاثة دراهم، وقاسوه على قطع اليد، وقد مضى الكلام في سقوط هذا القول آنفا. وما جاء نص قط بأن لا قطع في أقل من ثلاثة دراهم، إنما صح النص لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا، وهم لا يراعون في القطع، ولا في الصداق ربع دينار في القيمة أصلا، فلاح بطلان كل ما قالوه بيقين لا إشكال فيه. وموه المالكيون أيضا بأن قالوا:
قال الله عز وجل {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}. قالوا: فلو جاز الصداق بما قل أو كثر لكان كل أحد واجد الطول لحرة مؤمنة
قال أبو محمد: لا ندري على ما نحمل هذا القول من قائله، إلا أننا لا نشك في أنه لم يحضره فيه من الورع [ قليل ] وتقوى الله تعالى حاضر، لأنهم لا يختلفون في أنه لا يجوز أن يكون صداق الأمة المتزوجة أقل من صداق الحرة، فكيف يفرقون بعد هذا بين وجود الطول لنكاح حرة، وبين وجود الطول لنكاح أمة ونعوذ بالله من التمويه في دين الله عز وجل بما ندري أنه باطل قاصدين إليه عمدا.
وقال بعضهم: كيف يجوز أن يكون الصداق بما قل أو كثر، ولا تكون المتعة في الطلاق إلا محدودة.
قلنا: لأن الله تعالى لم يحد في الصداق حدا إلا ما تراضيا به، وحد في المتعة في الطلاق على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فالفرق بين الأمرين أوضح من الشمس عند من لا يتعدى حدود الله تعالى.
وأعجب شيء قول بعضهم: إن الله عز وجل عظم أمر الصداق، فلا يجوز أن يكون قليلا .
قلنا: هذا العجب حقا إنما عظم الله تعالى أمر الصداق في إيجاب أدائه، وتحريم أخذه بغير رضاها، وهذا موجود في كل حق، قال الله عز وجل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولا عظيم أعظم من اتقاء النار. وصح عن النبي ﷺ: من حلف على منبري بيمين آثمة وجبت له النار وإن كان قضيبا من أراك ثم أغرب شيء من أين وقع لهم أن ثلاثة دراهم كثير، وأن ثلاثة دراهم غير حبة قليل وتخليط هذه الطوائف أكثر من أن يحصيه إلا محصي أنفاسهم عز وجل.
قال أبو محمد: فإذ قد ظهر بطلان أقوالهم لا سيما قول مالك، فإنه لا نعرفه عن أحد من أهل العلم قبله. وقول أبي حنيفة لم يصح عن أحد من أهل العلم قبله، فلنورد البرهان على صحة قولنا:
قال الله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.
وقال تعالى: {وآتوهن أجورهن بالمعروف}.
وقال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. فلم يذكر الله عز وجل في شيء من كتابه الصداق فجعل فيه حدا بل أجمله إجمالا: وما كان ربك نسيا ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد أن الله عز وجل لو أراد أن يجعل للصداق حدا لا يكون أقل منه لما أهمله، ولا أغفله حتى يبينه له أبو حنيفة، ومالك وحسبنا الله ونعم الوكيل. والسنة الثابتة عن رسول الله ﷺ.
كما روينا من طريق البخاري :، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا مالك بن أنس، وعبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فذكر الحديث، وفيه فقام الرجل فقال: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك شيء تصدقها قال: ما عندي إلا إزاري، فقال رسول الله ﷺ إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا قال: ما أجد شيئا، قال: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فقال: أمعك من القرآن شيء قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، قال: قد زوجناكها بما معك من القرآن.
ومن طريق البخاري، حدثنا يحيى، حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد: أن رسول الله ﷺ قال لرجل تزوج ولو بخاتم من حديد.
ومن طريق مسلم، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسين بن علي عن زائدة عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله قد وهبت نفسي لك فاصنع في ما شئت فقال له شاب عنده: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قال: أوعندك شيء تعطيها إياه قال: ما أعلمه، قال: فانطلق فاطلب فلعلك تجد شيئا، ولو خاتما من حديد فأتاه فقال: ما وجدت شيئا إلا إزاري هذا، قال: إزارك هذا إن أعطيتها إياه لم يبق عليك شيء، قال: أتقرأ أم القرآن قال: نعم، قال: فانطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن. حدثنا حمام بن أحمد القاضي، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي، حدثنا عبد الله بن يونس المرادي، حدثنا بقي بن مخلد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن علي هو الجعفي عن زائدة عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن النبي ﷺ زوج رجلا من امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن.
قال أبو محمد: والحديث مشهور ومنقول نقل التواتر من طريق الثقات: رويناه أيضا من طريق يعقوب بن عبد الرحمن القاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، ومعمر، ومحمد بن مطرف، وفضيل بن سليمان، وغيرهم، كلهم عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله ﷺ .
قال أبو محمد: فاعترض من لم يتق الله عز وجل، ولا استحيا من الكذب في هذا فقال: إنما كلفه رسول الله ﷺ خاتما من حديد مزينا يساوي عشرة دراهم من فضة، أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة فقول يضحك الثكلى ويسيء الظن بقائله؛ لأنها مجاهرة بما لم يكن قط، ولا خلقه الله عز وجل قط في العالم أن تكون حلقة من حديد وزنها درهمان تساوي ما ذكروا، ولا سيما في المدينة " وقد علم كل ذي حظ من التمييز أن مرورهم ومساحيهم لحفير الأرض، وشوافرهم وفؤوسهم لقطع الحطب، ومناجلهم لعمل النخل، وحصاد الزرع، وسككهم للحرث، ومزابرهم للزرجون، ودروعهم ورماحهم، كل ذلك من حديد فمن أين استحلوا أن يخبروا عن النبي ﷺ بهذه الكذبة السخيفة ونسأل الله العافية. وإن من لجأ إلى المحال الممتنع في نصر باطله، لقد يدل فعله هذا على صفات سوء في الدين، والحياء والعقل. واعترضوا على أن يكون الصداق تعليم القرآن بخبر: رويناه من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثني يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به. وبالخبر الذي رويناه من طريق أبي بن كعب أنه علم رجلا القرآن فأهدى إليه فرسا، فقال له رسول الله ﷺ أتحب أن تأتي الله في عنقك يوم القيامة نار. وفي بعض ألفاظه إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها وفي بعضها جمرة بين كتفيك تقلد بها أو تعلقها.
قال أبو محمد: وهذه آثار واهية لا تصح: أما حديث لا تأكلوا به فرواية أبي راشد الحبراني وهو مجهول. ثم لو صح لم تكن لهم به حجة، لأن الأكل أكلان: أكل بحق، وأكل بباطل، فالأكل بحق حسن، وقد مضى رسول الله ﷺ وأصحابه إلى المدينة كمصعب بن عمير وغيره يعلمون الأنصار القرآن والدين، وينفق الأنصار عليهم قال الله تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} فأنكر الله عز وجل على من نهاهم عن النفقة على أصحاب رسول الله ﷺ أشد النكير.
وأما حديث أبي بن كعب: فإن أحد طرقه في روايته الأسود بن ثعلبة وهو مجهول لا يدرى من هو. والأخرى: من طريق أبي زيد عبد الله بن العلاء وهو مجهول لا يدرى من هو. والثالثة: من طريق بقية وهو ضعيف فسقطت كلها. والصحيح من ذلك ضد هذا، وهو: ما رويناه من طريق البخاري، حدثنا سيدان بن مضارب الباهلي، حدثنا أبو معشر البراء هو يوسف بن يزيد حدثني عبيد الله بن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله آخذ على كتاب الله أجرا فقال له رسول الله ﷺ إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عز وجل.
ومن طريق أبي داود، حدثنا عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصامت عن عمه أنه رقى مجنونا بأم القرآن فأعطاه أهله شيئا، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال له رسول الله ﷺ كل، فلعمري من أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق.
فصح أن الأكل بالقرآن في الحق وفي تعليمه حق، وأن الحرام إنما هو أن يأكل به رياء، أو لغير الله تعالى. وموهوا بالخبر الساقط الذي رويناه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو عرفجة الفاشي عن أبي النعمان الأزدي قال: زوج رسول الله ﷺ امرأة على سورة من القرآن، ثم قال: لا يكون لأحد بعدك مهرا. فهذا خبر موضوع، فيه ثلاث عيوب:
أولها أنه مرسل، ولا حجة في مرسل، إذ رواه شعبة عن أيوب.
والثاني أن أبا عرفجة الفاشي مجهول لا يدري أحد من هو. والثالث أن أبا النعمان الأزدي مجهول أيضا لا يعرفه أحد. وموه بعضهم بالخبر الذي فيه: أن أبا طلحة تزوج أم سليم رضي الله عنهما على أن يسلم، فلم يكن لها مهر غيره، وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين: أحدهما: أن ذلك كان قبل هجرة رسول الله ﷺ بمدة، لأن أبا طلحة قديم الإسلام، من أول الأنصار إسلاما، ولم يكن نزل إيجاب إيتاء النساء صدقاتهن به. الثاني: أنه ليس في ذلك الخبر أن رسول الله ﷺ علم ذلك.
وقال بعضهم: هذا خاص لرسول الله ﷺ .
قال أبو محمد: وهذا كذب برهان ذلك: قول الله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فكل ما فعله رسول الله ﷺ فالفضل لنا والأجر والإحسان في أن نفعل كما فعل ائتساء به، والمانع من ذلك مخطئ، والراغب عن سنته ظالم لنفسه هالك، إلا أن يأتي نص قرآن أو سنة ثابتة بأنه خصوصي لرسول الله ﷺ فلا يحل أن يعمل به حينئذ. والعجب كله أن هؤلاء يأتون إلى ما عمله عليه الصلاة والسلام ولم يخبر المؤمنين أنه خاص له فيقولون: هو خاص له ثم يأتون إلى نكاح الموهوبة، وقد نص الله عز وجل على أنها خالصة له عليه الصلاة والسلام دون المؤمنين فيقولون: هو عام لكل أحد نعوذ بالله مما ابتلوا به.
وقال بعضهم: أرأيت إن طلقها قبل الدخول .
فقلنا: إن كان قد علمها السورة التي أصدقها تعليمها فقد استوفت صداقها، ولا سبيل لها إليه، لأنه عرض قد انقضى وإن كان لم يعلمها إياه فعليه أن يعلمها نصفها فقط، وهذا لا يحرم على أحد يعني تعليم امرأة أجنبية وقد كلم أمهات المؤمنين الناس.
قال أبو محمد: وقال بقولنا طائفة من السلف:
روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن إسماعيل عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: لو رضيت بسواك من أراك لكان مهرا.
ومن طريق وكيع عن الحسن بن صالح بن حي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: " ليس على أحد جناح أن يتزوج بقليل ماله أو كثيره إذا استشهدوا وتراضوا ".
وروي عن عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " من أعطى في صداق امرأة ملء حفنة من سويق أو تمر فقد استحل ".
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله ﷺ تزوجت امرأة من الأنصار فقال له رسول الله ﷺ كم سقت إليها قال: وزن نواة من ذهب فقال له رسول الله ﷺ أولم ولو بشاة. قال عبد الرزاق: فأخبرني إسماعيل بن عبد الله عن حميد عن أنس قال: وذلك دانقان من ذهب.
قال أبو محمد: الدانق: سدس الدرهم الطبري وهو الأندلسي فالدانقان وزن ثلث درهم أندلسي، وهو سدس المثقال من الذهب. وهذا خبر مسند صحيح.
فإن قيل: فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا حجاج، هو ابن أرطاة عن قتادة عن أنس في النواة المذكورة أنها قومت بثلاث دراهم
قلنا: حجاج ساقط، ولا يعارض بروايته رواية عبد الرزاق.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء :، أنه قال في الصداق: أدنى ما يكفي: خاتمه، أو ثوب يرسله. قال ابن جريج: وقال عمرو بن دينار، وعبد الكريم: أدنى الصداق ما تراضوا به.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا حلت له.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن أبي داود عن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنته ابن أخيه، فقيل له: أصدق فقال: درهمين.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول في الصداق: هو على ما تراضوا عليه من قليل أو كثير، ولا يؤقت شيئا. قال سعيد :، حدثنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ما تراضوا به عليه فهو صداق.
ومن طريق سحنون عن عبد الله بن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، أنه قال: يحل المرأة ما رضيت به من قليل أو كثير. قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وابن قسيط، وربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنه يجوز من الصداق درهم.
قال أبو محمد: وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي والليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وابن وهب صاحب مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق، وأبي ثور، وأبي سليمان، وأصحابهم، وجملة أصحاب الحديث ممن سلف وخلف وبالله تعالى التوفيق.
1852 - مسألة: ومن أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها لا صداق لها غيره: فهو صداق صحيح، ونكاح صحيح، وسنة فاضلة. فإن طلقها قبل الدخول فهي حرة، ولا يرجع عليها بشيء، فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهي مملوكة كما كانت. وفي هذا خلاف متأخر: قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل، ومالك، وابن شبرمة، والليث: لا يجوز أن يكون عتق الأمة صداقها. قال أبو حنيفة، وزفر، ومحمد، ومالك: إن فعل فلها عليه مهر مثلها وهي حرة. ثم اختلفوا إن أبت أن تتزوجه: فقال أبو حنيفة، ومحمد: تسعى له في قيمتها.
وقال مالك، وزفر: لا شيء له عليها.
قال علي: البرهان على صحة قولنا وبطلان قول هؤلاء: الخبر المشهور الثابت الذي رويناه من طرق شتى كثيرة: منها: من طريق البخاري، ومن طريق عبد الرزاق، ومن طريق حماد بن سلمة، قال البخاري: ثنا قتيبة ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني، وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة، وقال حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب، ثم اتفق ثابت، وقتادة، وعبد العزيز كلهم عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ: أعتق صفية وجعل عتقها صداقها قال قتادة في روايته: ثم جعل.
قال أبو محمد: فاعترض من خالف الحق على هذا الخبر بأن قال: لا يخلو أن يكون تزوجها وهي مملوكة، فهذا لا يجوز بلا خلاف، أو يكون تزوجها بعد أن أعتقها فهذا نكاح بلا صداق.
قال علي: هذا أحمق كلام سمع لوجوه:
أولها أنه اعتراض على رسول الله ﷺ وهذا انسلاخ من الإسلام.
والثاني أنه اعتراض مموه ساقط، لأننا نقول لهم: ما تزوجها إلا وهي حرة بعد صحة العتق لها، وذلك العتق الذي صح لها بشرط أن يتزوجها به وهو صداقها، قد أتاها إياه، واستوفته، ولا فرق بين هذا وبين من أعطى امرأة دراهم ثم خطبها فتزوجها على تلك الدراهم التي له عندها، وهم لا ينكرون هذا. والثالث أنهم لو سألوا أنفسهم هذا السؤال في أقوالهم الفاسدة لاصابوا مثل توريثهم المطلقة ثلاثا في المرض فنقول لهم: لا يخلو من أن تكونوا ورثتموها وهي زوجة له، أو وهي ليست بزوجة له، ولا سبيل إلى قسم ثالث: فإن كانت زوجته فقد كان تلذذه بمباشرتها، ونظره إلى فرجها حلال له ما دام يجري فيه الروح، وأنتم تحرمون عليه ذلك بتلا قطعا. وإن كانت ليست زوجا له، ولا أما له، ولا بنتا له، ولا جدة له، ولا بنت ابن له، ولا أختا، ولا معتقة، ولا ذات رحم، فهذا عين الظلم، وإعطاء المال بالباطل. فإن ادعوا اتباع الصحابة.
قلنا: نحن أولى بالصواب، وبوضوح العذر، وبترك الأعتراض علينا، إذ إنما اتبعنا هاهنا النبي ﷺ والصحابة أيضا، والتابعين زيادة، فكيف وقد كذبتم في دعواكم اتباع الصحابة في توريث المطلقة ثلاثا في المرض، على ما نبينه إن شاء الله تعالى في بابه وأقرب ذلك: أنه لم يصح عن عمر، والمشهور عن عثمان أنه لم يعده طلاقا، وفي قولهم في ولد المستحقة: إنهم أحرار وعلى أبيهم قيمتهم فنقول لهم: لا يخلو من أن يكونوا أحرارا أو عبيدا، فإن كانوا أحرارا فثمن الحر حرام كالميتة والدم، وإن كانوا عبيدا فبيع العبيد من غير رضا سيدهم حرام إلا بنص ومثل هذا لهم كثير جدا.
وقال بعضهم: العتق ليس مالا، فهو كالطلاق في أن العتق يبطل به الرق فقط، والطلاق يبطل به النكاح فقط، فلو أنه طلقها على أن يكون طلاقها مهرا لها بعد ذلك، فكذلك العتق.
قال أبو محمد: وهذا قول في غاية الفساد والسخافة، لأنه قياس والقياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، لأن قياس أصل على أصل آخر لا يجوز عندهم، ولا شبه بين الطلاق والعتق، لأن العتق يبطل الرق كما قالوا، وأما الطلاق فقد كذبوا في قولهم إنه يبطل النكاح، بل للمطلق الذي وطئها دون الثلاث أن يرتجعها فصح أنه لم يبطل نكاحه، بخلاف العتق الذي لا يجوز له ارتجاعه في الرق.
وأيضا: فإن العتق إخراج عن ملكه، وليس الطلاق كذلك فبطل تمويههم البارد والحمد لله رب العالمين.
وقال بعضهم: هذا خاص برسول الله ﷺ .
قال أبو محمد: هذا كذب، ومخالفة لقول الله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فكل فعل فعله عليه الصلاة والسلام لنا الفضل في الأئتساء به عليه الصلاة والسلام ما لم يأت نص بأنه خصوص فنقف عنده، ولو قالوا هذا لأنفسهم في إجازتهم الموهوبة التي لا تحل لغيره عليه الصلاة والسلام لوفقوا.
وقال بعضهم: قد رويتم في ذلك ما كتب به إليكم داود بن بابشاذ قال :، حدثنا عبد الغني بن سعيد الحافظ، حدثنا هشام بن محمد بن قرة، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا أحمد بن داود، حدثنا يعقوب بن حميد، و، هو ابن كاسب قال: نا حماد بن زيد عن عبد الله بن عون قال: كتب إلي نافع: أن النبي ﷺ أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها أخبرني بذلك عبد الله بن عمر كان في ذلك الجيش قالوا: وابن عمر لا يرى ذلك، فمحال أن يترك ما روى إلا لفضل علم عنده، بخلاف ذلك.
قال أبو محمد: لو صح ما ذكروه: من أن ابن عمر لم ير ذلك لما كانت فيه حجة، لأن الحجة التي أمرنا الله تعالى بها وباتباعها، إنما هي ما رووه لنا عن رسول الله ﷺ لا ما رواه من رآه منهم برأي اجتهد فيه وأصاب: إن وافق النص فله أجران، أو أخطأ إن خالف النص غير قاصد إلى خلافه فله أجر واحد. وقد أفردنا في كتابنا الموسوم ب " الإعراب في كشف الألتباس " بابا ضخما لكل واحدة من الطائفتين فيما تناقضوا فيه في هذا المكان، فأخذوا برواية الصاحب وخالفوا رأيه الذي خالف به ما روى. والذي نعرفه، عن ابن عمر فهو ما رويناه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، وجرير كلاهما عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: " إن ابن عمر كان يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها كالراكب بدنته " قال إبراهيم: وكان أعجب ذلك إلى أصحابنا أن يجعلوا عتقها صداقها فإنما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله عز وجل فقط. فبطل كيدهم الضعيف في هذه المسألة.
قال أبو محمد: والخبر المذكور، عن ابن عمر كتب به إلى داود بن بابشاذ قال: نا عبد الغني بن سعيد ثنا هشام بن محمد بن قرة، حدثنا أبو جعفر الطحاوي فذكر الحديث الذي ذكرنا آنفا. ثم قال: فقد روى هذا ابن عمر عن رسول الله ﷺ كما ذكرنا. ثم قال: هو من بعده عليه الصلاة والسلام في مثل هذا: إنه يجدد لها صداقا :، حدثنا بذلك سليمان بن شعيب، حدثنا الخصيب، هو ابن ناصح حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر مثل ذلك.
قال أبو محمد: هذا نص كلام الطحاوي، ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان، ولعله لو أورده لكان خلافا لظن الطحاوي، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب حماد بن سلمة الثقات عنه، والخصيب لا يدري حاله وليس بالمشهور في أصحاب حماد بن سلمة، فهو أمر ضعيف من كل جهة. والخبر الأول من رواية ابن عمر لا من جويرية هو من رواية يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ضعيف. وذكروا أيضا: الخبر الذي رويناه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن جويرية قالت لرسول الله ﷺ إنها وقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو ابن عم له، وإنها كاتبته وأتت رسول الله ﷺ تستعينه في كتابتها، وإنه عليه الصلاة والسلام قال لها: أو خير من ذلك، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك قالوا: وليس هذا لأحد بعد رسول الله ﷺ أن يؤدي كتابة مكاتبة لغيره ويتزوجها بذلك.
قال أبو محمد: قبل كل شيء فإن هذا خبر لا تقوم به حجة، إنما رويناه عن محمد بن إسحاق من طريقين ضعيفين: أحدهما من طريق زياد بن عبد الله البكائي. والآخر من طريق أسد بن موسى، وكلاهما ضعيف. ثم لو صح لكان لا يخلو أن ثابت بن قيس وهبها لرسول الله ﷺ إذ عرف رغبته عليه الصلاة والسلام فيها، ولم تكن أدت من كتابتها بعد شيئا، فبطلت الكتابة وصارت لرسول الله ﷺ إذ لا يجوز أن يظن بثابت أو بصاحب غير هذا أصلا.
وأيضا فلو لم يكن ذلك وتمادت على كتابتها حتى عتقت بأدائها أو بأداء رسول الله ﷺ إياها عنها لكانت مولاة ثابت، وهذا لم يقله أحد قطعا، ولا اختلف أحد من أهل العلم في أنها لم تكن مولاة ثابت أصلا فوضح سقوط ما رواه أسد، وزياد، وبطل تعلقهم بهذه الملفقات التي لا تغني من الحق شيئا. وموهوا أيضا: بما حدثنا حمام بن أحمد، حدثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا أبو حصين عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: أيما امرئ أعتق أمته ثم تزوجها بمهر جديد فله أجران. فهذا لفظ سوء انفرد به يحيى الحماني وهو ضعيف جدا عن أبي بكر بن عياش وهو ضعيف. والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه بمهر جديد أصلا. ثم لو صح لم تكن فيه حجة أصلا، لأنه ليس فيه أنه لا يجوز له نكاحها إلا بمهر جديد، ونحن لا نمنع من أن يجعل لها مهرا آخر، بل كل ذلك جائز وهذا الخبر رويناه من طرق: منها من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن حيان عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: من كانت له جارية فأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران اثنان.
ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله، حدثنا مطرف، هو ابن طريف عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله ﷺ قال في الذي يعتق أمته ثم يتزوجها فله أجران ليس في شيء من ذلك مهر جديد. أخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى مسلم قال :، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا هشيم عن صالح بن صالح الهمداني عن الشعبي قال: رأيت رجلا من خراسان يسأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي: حدثنا أبو بردة هو عامر بن عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي ﷺ فآمن به واتبعه وصدق به فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله عليه وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ثم قال الشعبي للخراساني: خذ هذا الخبر بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، وحدثنا ابن أبي عمر: حدثنا سفيان، وحدثنا عبد الله بن معاذ قال: حدثني أبي قال :، حدثنا شعبة، كلهم عن صالح بن صالح بهذا الإسناد نحوه.
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به، إنما هو أباطيل، وممن قال بقولنا من السلف طائفة:
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي بن أبي طالب، أنه قال فيمن أعتق أمته ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها قال: " له أجران " وقد روي أيضا، عن ابن مسعود، وأنس. ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا يحيى بن الأنصاري، والمغيرة ويونس، هو ابن عبيد وجابر، قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال المغيرة: عن إبراهيم، وقال يونس: عن الحسن، وقال جابر: عن الشعبي، قالوا كلهم: لا بأس بأن يجعل عتقها صداقها، قال هشيم: وحدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يقول " إذا قال الرجل لأمته قد أعتقتك وتزوجتك فهي امرأته، وإن قال: أعتقتك وأتزوجك فأعتقها: إن شاءت تزوجته، وإن شاءت لم تتزوجه ". وكان الحسن يكره غير هذا:
كما روينا من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري أنه كره أن يعتق الرجل أمته لوجه الله ثم يتزوجها.
قال أبو محمد: وروي مثله عن أنس بن مالك، وابن مسعود، وجابر بن زيد، وإبراهيم.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يعتق أمته ثم يتزوجها، ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن طاووس قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال ابن طاووس: عن أبيه، قالا جميعا: لا بأس أن يجعل عتقها صداقها، قال طاووس: ذلك حسن.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: لا بأس أن يعتق الرجل أمته فيتزوجها ويجعل عتقها صداقها.
وبه إلى معمر عن قتادة قال: إذا أعتق الرجل أمته وجعل عتقها مهرها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلا شيء لها، وابن جريج يقول: إن طلقها سعت له في نصف قيمتها وهو قول عطاء.
قال أبو محمد: فهؤلاء: علي، وأنس، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، ومن لقيه إبراهيم من شيوخه، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وغيرهم وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، وأبي يوسف القاضي خالف في ذلك أصحابه ووفق والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وبعض أصحابنا، وما نعلم للمخالفين، سلفا إلا تلك الرواية الساقطة، عن ابن عمر التي لم يبين فيها كيف كان لفظه، ولا كيف كان لفظ نافع الذي ذكر ذلك عنه، وشيئا ربما ذكروه: رويناه من طريق سعيد بن منصور قال :، حدثنا هشيم، حدثنا يونس، عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يجعل مع عتقها شيئا ما كان قال أبو محمد: إنما هذا استحباب من ابن سيرين، وإلا فهذا القول يدل على أنه كان يجيز أن يجعل عتقها صداقها فقط وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولنا: إن طلقها قبل الدخول فلا شيء له عليها، لأن الذي فرض لها هو عتقها وهو شيء قد تم فلا يستدرك وتكليف الغرامة هو إيجاب غير نصف ما فرض لها فلا يجوز.
وأما إن لم تتزوجه فإن عتق لم يتم؛ إنما هو عتق بشرط أن تتزوجه فيكون صداقها، فإذا لم تتزوجه فلا صداق لنكاح لم يتم فهو باطل، وأما إن تزوجته فقد تم النكاح، وصح العتق لصحة النكاح الذي علق به وبالله تعالى التوفيق.