محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الحادية عشر

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب النكاح (مسألة 1862 - 1866)
ملاحظات: يرجى الملاحظة هنا أن كتاب النكاح لم يكتمل , وهناك بقيه للكتاب بعد كتاب الرضاع , وهذا ماجاء في ترتيب المؤلف نفسه , ولكن بعض الطبعات , مثل طبعة المحدث أحمد محمد شاكر قد جمع هذه المتفرقات في كتاب النكاح , مع تقيده بأرقام المسائل , ولكني تركت ترتيب المؤلف نفسه , حتى لاتربك القراء من جهة الأرقام , وكذا تبعا لقوانين ويكي مصدر بإتباع تصنيف وترتيب المؤلف .


كتاب النكاح

1862 - مسألة: وجائز للأخ أن يتزوج امرأة أخيه التي مات أخوه عنها، أو طلقها بعد انقضاء عدتها، أو إثر طلاق الأخ لها إن لم يكن وطئها.

وكذلك للعم وللخال أن يتزوج أيهما كان: امرأة مات عنها ابن الأخ أو ابن الأخت، أو طلقاهما بعد تمام العدة، أو إثر طلاق لم يكن قبله وطء.

وكذلك لأبن الأخ، ولأبن الأخت أن يتزوجا امرأة العم، أو الخال بعد موتهما أو طلاقهما بعد العدة، أو إثر طلاق لم يكن قبله وطء. هذا لا نص في تحريمه، وكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال.

قال عز وجل: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} بعد ذكره تعالى ما حرم علينا من النساء وبالله تعالى التوفيق.


1863 - مسألة: ولا يجوز للولد زواج امرأة أبيه، ولا من وطئها بملك اليمين أبوه وحلت له، ولا يحل له وطؤها، أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين، وله تملكها، إلا أنها لا تحل له أصلا.

وكذلك لا يحل للرجل زواج امرأة، ولا وطؤها بملك اليمين إذا كانت المرأة ممن حل لولده وطؤها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين أصلا. والجد في كل ما ذكرنا وإن علا من قبل الأب أو الأم كالأب، ولا فرق. وابن الأبن، وابن الأبنة وإن سفلا كالأبن في كل ما ذكرنا، ولا فرق.

قال أبو محمد: أما من عقد فيها الرجل زواجا فلا خلاف في تحريمها في الأبد على أبيه وأجداده، وعلى بنيه وعلى من تناسل من بنيه وبناته أبدا.

وأما من حلت للرجل بملك اليمين، فإن وطئها فلا نعلم خلافا في تحريمه على من ولد، وعلى من ولده وفيما لم يطأها خلاف نذكر منه إن شاء الله عز وجل ما تيسر لنا ذكره من ذلك: ذكرت طائفة أنها تحرم على ولده وآبائه بتجريده لها فقط.

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال: جرد عمر بن الخطاب جارية فنظر إليها ثم نهى بعض ولده أن يقربها.

ومن طريق حماد بن سلمة، حدثنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول: أن عمر اشترى جارية فجردها ونظر إليها فقال له ابنه: أعطنيها، فقال: إنها لا تحل لك، إنما يحرمها عليك النظر والتجريد.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا فضيل عن هشام، هو ابن حسان عن الحسن البصري قال: إن جردها الأب حرمها على الأبن، وإن جردها الأبن حرمها على الأب.

قال أبو محمد: هذا صحيح عن الحسن، ولا يصح عن عمر، لأنه من طريق مكحول وهو منقطع.

وقالت طائفة: لا يحرمها إلا اللمس والنظر:

كما روينا من طريق سعيد بن منصور عن فضيل عن هشام، عن ابن سيرين أن مسروقا قال في مرضه الذي مات فيه: إن جاريتي هذه لم يحرمها عليكم إلا اللمس والنظر قال سعيد: وحدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أن مسروقا قال عند موته عن جارية له: لم أصب منها إلا ما حرمها على ولدي اللمس والنظر.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يحرم الوالد على ولده، والولد على والده أن يقبلها أو يضع يده على فرجها، أو فرجه على فرجها أو يباشرها.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن القبلة واللمس يحرم: الأم والبنت وهو قول ابن أبي ليلى، والشافعي، وأصحابه.

وقالت طائفة: يحرمها على الولد والوالد النظر:

كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن ربيعة أن أباه ربيعة وكان بدريا أوصى بجارية له أن لا يقربها بنوه وقال: لم أصب منها شيئا إلا أني نظرت منظرا أكره أن ينظروه منها.

قال أبو محمد: هذا وهم من أبي شهاب، إنما هو عبد الله بن عامر بن ربيعة كذا رويناه من طرق شتى: منها من طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان، هو ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عبد الله، وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة وكان أبوهما بدريا أنه أوصى بجارية له أن يبيعوها، ولا يقربوها كأنه اطلع منها مطلعا كره أن يطلعوا منها على مثل ما اطلع. وذهبت طائفة إلى أن اللمس لشهوة، أو النظر إلى فرجها لشهوة يحرمها، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: " إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس أو نظر إلى فرجها لم تحل لأبيه، ولا لأبنه ".

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال: إذا نظر الرجل إلى فرج امرأة من شهوة لم تحل لأبيه، ولا لأبنه وبهذا يقول أبو حنيفة.

وقال مالك: إذا نظر إلى شيء من محاسنها لشهوة حرمت في الأبد على الولد، كالساق، والشعر، والصدر، وغير ذلك. وقال سفيان: إذا نظر إلى فرجها حرمت على ولده. وقال طائفة: مثل قولنا:

كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا أبو اليمان عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول قال: أيهما ملك عقدتها فقد حرمت على الآخر يعني الأب والأبن.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن ابن شهاب الزهري قال: إذا ملك الرجل عقدة المرأة حرمت على أبيه وابنه.

قال أبو محمد: من ملك الرقبة فقد ملك العقدة.

وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال: سمعت ليث بن أبي سليم يقول عن الحكم بن عتيبة قال: من ملك جارية ملكها أبوه قبله لم يحل له فرجها.

وقالت طائفة: لا يحرمها على الولد إلا الوطء فقط:

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري، وقتادة، قالا جميعا: لا يحرمها عليهم إلا الوطء يعنيان إماء الآباء على الأبناء.

قال أبو محمد: أما من حرمها بالمس للشهوة دون ما دون ذلك، أو بالنظر إلى الفرج خاصة دون ما دون ذلك، أو بالنظر إلى محاسنها لشهوة دون ما عدا ذلك، فأقوال لا دليل على صحة شيء منها، إنما هي آراء مجردة لا يؤيدها قرآن، ولا سنة، ولا رواية ساقطة، ولا قياس.

وأما صحة قولنا: فللخبر الذي حدثناه أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن محمد بن قاسم، قال :، حدثنا جدي قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه البراء بن عازب قال: لقيني عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد قال: بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه.

قال أبو محمد: الأمة الحلال للرجل امرأة له وطئها أو لم يطأها، نظر إليها، أو لم ينظر إليها، وقال الله عز وجل {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} والحلائل جمع حليلة، والحليلة فعيلة من الحلال، فكل امرأة حلت لرجل فهي حليلة له وبالله تعالى التوفيق.

1864 - مسألة: وأما من تزوج امرأة ولها ابنة أو ملكها ولها ابنة، فإن كانت الأبنة في حجره ودخل بالأم مع ذلك وطئ أو لم يطأ، لكن خلا بها بالتلذذ: لم تحل له ابنتها أبدا، فإن دخل بالأم ولم تكن الأبنة في حجره، أو كانت الأبنة في حجره ولم يدخل بالأم، فزواج الأبنة له حلال.

وأما من تزوج امرأة لها أم أو ملك أمة تحل له ولها أم فالأم حرام عليه بذلك أبد الأبد وطئ في كل ذلك الأبنة أو لم يطأها.

برهان ذلك: قول الله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} فلم يحرم الله عز وجل الربيبة بنت الزوجة أو الأمة إلا بالدخول بها، وأن تكون هي في حجره، فلا تحرم إلا بالأمرين معا، لقوله تعالى بعد أن ذكر ما حرم من النساء: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}. وما كان ربك نسيا. وكونها في حجره ينقسم قسمين:

أحدهما: سكناها معه في منزله، وكونه كافلا لها.

والثاني: نظره إلى أمورها نحو الولاية لا بمعنى الوكالة، فكل واحد من هذين الوجهين يقع به عليها كونها في حجره.

وأما أمها فيحرمها عليه بالعقد جملة: قول الله تعالى: {وأمهات نسائكم} فأجملها عز وجل فلا يجوز تخصيصها. وفي كل ذلك اختلاف قديم وحديث: ذهبت طائفة إلى أن الأم لا تحرم إلا بالدخول بالأبنة:

كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب أنه سئل في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها

فقال علي: هما بمنزلة واحدة يجريان مجرى واحدا إن طلق الأبنة قبل الدخول بها تزوج أمها، وإن تزوج أمها طلقها قبل أن يدخل بها: تزوج ابنتها، وهذا صحيح عن علي رضي الله عنه.

حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري، حدثنا أبو ذر الهروي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، حدثنا إبراهيم بن خريم، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن سماك بن الفضل هو قاضي صنعاء قال: قال ابن الزبير: الربيبة، والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يكن دخل بالمرأة.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن حفص، هو ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص عن مسلم بن عويمر من بني بكر بن عبد مناة من كنانة أنه أخبره أنه أنكحه أبوه امرأة بالطائف، قال فلم أمسها حتى توفي عمي عن أمها وأمها ذات مال كثير فقال لي أبي: هل لك في أمها قال: فسألت ابن عباس، وأخبرته الخبر فقال: انكح أمها وذكر باقي الخبر.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق، حدثنا ابن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة أن رجلا من بني ليث يقال له: ابن الأجدع تزوج جارية شابة فهلكت قبل أن يدخل بها، فخطب أمها فقالت له: نعم، إن كنت أحل لك، فجاء ناسا من أصحاب رسول الله فمنهم من أرخص له وذكر باقي الخبر.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود: أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأفتاه أن يفارقها ثم يتزوج أمها فتزوجها وولدت له أولادا وذكر باقي الخبر على ما نورده بعد هذا إن شاء الله تعالى .

وبه يقول مجاهد وغيره. وطائفة قالت بإباحة نكاح أم الزوجة التي لم يدخل بها إذا طلق الأبنة ولم يبحه إن ماتت:

كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فأراد أن يتزوج أمها قال: إن طلقها قبل أن يدخل بها تزوج أمها، وإن ماتت لم يتزوج أمها.

ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أن زيد بن ثابت قال: إن طلق الأبنة قبل أن يدخل بها تزوج أمها، وإن ماتت لم يتزوج أمها. وطائفة فرقت بين الأم والأبنة:

روينا ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وطائفة من الصحابة. وطائفة توقفت في كل ذلك:

كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة: أن رجلا من بني ليث يقال له: ابن الأجدع تزوج جارية فهلكت ولم يدخل بها، فخطب أمها فقالت: نعم، إن كنت أحل لك فسأل ناسا من أصحاب رسول الله فمنهم من أرخص له ومنهم من نهاه وقال: إن الله عز وجل قد عزم في الأم وأرخص في الربيبة، فلما اختلفوا عليه كتب إلى معاوية فأخبره إرخاص من أرخص له ونهي من نهاه فكتب إليه معاوية: قد جاءني كتابك وفهمت الذي فيه، وإني لا أحل لك ما حرم الله عليك، ولا أحرم عليك ما أحل الله لك، ولعمري إن النساء كثير ولم يزده على ذلك فجاء بكتاب معاوية فقرأه الذي سألهم فكلهم قال: صدق معاوية، قال: فانصرف عن المرأة ولم يتزوجها.

قال أبو محمد: قول الله عز وجل: {وربائبكم} معطوف على ما حرم، هذا ما لا شك فيه وقوله عز وجل: {اللاتي في حجوركم} نعت للربائب لا يمكن غير ذلك ألبتة.

وقوله تعالى: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} من صلة الربائب لا يجوز غير ذلك ألبتة، إذ لو كان راجعا إلى قوله تعالى: {وأمهات نسائكم} لكان موضعه أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وهذا محال في الكلام.

فصح أن الأستثناء في " الربائب " خاصة، وامتنع أن يكون راجعا إلى " أمهات النساء " وبالله تعالى التوفيق. واختلفوا أيضا في " الربيبة " فقالت طائفة: إذا دخل بأمها فقد حرمت البنت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن:

روينا عن جابر بن عبد الله إن ماتت قبل أن يمسها نكح ابنتها إن شاء.

ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن عمران بن الحصين سئل عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فقال عمران: لا تحل له أمها دخل بها أو لم يدخل بها فإن طلق الأم قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها .

وبه يقول أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.

وقالت طائفة بمثل قولنا:

كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كان عندي امرأة قد ولدت لي فتوفيت، فوجدت عليها، فلقيت علي بن أبي طالب فقال لي: مالك قلت: توفيت المرأة، قال: ألها ابنة قلت: نعم، قال: كانت في حجرك قلت: لا، هي في الطائف، قال: فانكحها قلت: وأين قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} قال: إنها لم تكن في حجرك وإنما ذلك إذا كانت في حجرك.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا حجاج، هو ابن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة: أن رجلا من بني سوأة يقال له: عبيد الله بن معبد أثنى عليه خيرا أخبره أن أباه أوجده نكح امرأة ذات ولد من غيره، فاصطحبا ما شاء الله عز وجل، ثم نكح امرأة شابة، فقال له أحد بني الأولى: قد نكحت على أمنا وكبرت فاستغنيت عنها بامرأة شابة فطلقها قال: لا والله إلا أن تنكحني ابنتك قال: فطلقها وأنكحه ابنته، ولم تكن في حجره، ولا أبوها ابن العجوز المطلقة، قال: فجئت سفيان بن عبد الله فقلت له: استفت لي عمر بن الخطاب قال: لتجيء معي فأدخلني على عمر، فقصصت عليه الخبر فقال عمر: لا بأس بذلك واذهب فسل فلانا ثم تعال فأخبرني قال: ولا أراه إلا عليا قال: فسألته فقال: لا بأس بذلك.

قال أبو محمد: لا يجوز تخصيص شرط الله عز وجل بغير نص.

قال أبو محمد: وقد قال قوم: قوله تعالى: {اللاتي دخلتم بهن} إنما عنى الجماع صح ذلك، عن ابن عباس، وطاووس، وعمرو بن دينار، وعبد الكريم الجزري.

وروي، عن ابن مسعود أن القبلة للأم التي تتزوج تحرم ابنتها.

وروي عن عطاء وصح عنه أن الدخول: هو أن يكشف، ويفتش، ويجلس بين رجليها، في بيته أو في بيت أهلها قال: فلو غمز ولم يكشف لم تحرم ابنتها عليه بذلك.

وروي عن عطاء أيضا: أنه الدخول فقط وإن لم يفعل شيئا.

قال أبو محمد: وشغب المخالفون الذين لا يراعون كون الربيبة في حجر زوج أمها مع دخول بها بآثار فاسدة. منها: خبر منقطع من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رسول الله قال: أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فإن لم يدخل بها فلينكحها. وهذا هالك منقطع، ويحيى بن أيوب، والمثنى: ضعيفان. وبخبر عن وهب بن منبه: أن في التوراة مكتوبا " من كشف عن فرج امرأة وابنتها فهو ملعون " وهذا طريف جدا. وبخبر من طريق ابن جريج: أخبرت عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم قال: قال رجل: يا رسول الله زنيت بامرأة في الجاهلية أفأنكح ابنتها قال: لا أرى ذلك، ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها وهذا منقطع في موضعين.

ومن طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج أن النبي قال: في الذي يتزوج المرأة فيغمزها لا يزيد على ذلك: أن لا يتزوج ابنتها وهذا أشد انقطاعا. وبالخبر الثابت من طريق أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله : بلغني أنك تخطب درة بنت أبي سلمة فقال لها عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي، إنها لابنة أخي في الرضاعة. قالوا: فلم يذكر كونها في حجره .

فقلنا: ولا ذكر دخوله بها أيضا، إنما في هذا الخبر كونها ربيبة له فقط وبعقد النكاح تكون ربيبته، ولا يختلفون أن ذلك لا يحرمها عليه أن يتزوجها، فكيف وهذا خبر هكذا رواه سفيان بن عيينة وغيره هشام بن عروة. ورواه من ليس دون هشام فزاد بيانا: كما رويناه من طريق أبي داود السجستاني نا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة قالت يا رسول الله في حديث طويل لقد أخبرت أنك تخطب بنت أبي سلمة قال: بنت أبي سلمة قلت: نعم، قال: أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة.

وهكذا رواه أبو أسامة، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والليث بن سعد. كلهم عن هشام بن عروة، فأثبتوا فيه ذكره عليه الصلاة والسلام كونها في حجره. وهكذا رويناه أيضا: من طريق البخاري، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب، هو ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أم سلمة أخبرته: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها عن رسول الله بهذا الخبر، وفيه لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري، ولا شك، ولا خلاف في أنه خبر واحد في موطن واحد عن قصة واحدة أسقط بعض الرواة لفظة أثبتها غيره ممن هو مثله وفوقه في الحفظ، فلا يحل الأحتجاج بالأنقص على خلاف ما في القرآن. وموهوا بحماقات: مثل أن قالوا: أراد الله عز وجل بقوله: {في حجوركم} على الأغلب.

قال أبو محمد: هذا كذب على الله تعالى، وإخبار عنه عز وجل بالباطل ومثل قولهم هذا كقوله تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} وليس ذلك بمحرم عليه اللاتي لم يؤتهن أجورهن.

فقلنا: لو لم يأت نص آخر بإحلال الموهوبة والتي لم يفرض لها فريضة لما حلت إلا اللاتي يؤتيهن أجورهن، وأنتم لا نص في أيديكم يحرم التي لم تكن في حجره من الربائب. ومثل قولهم: كل تحريم له سببان، فإن أحدهما إذا انفرد كان له تأثير

قال علي: وهذا كذب مجرد، بل لا تأثير له دون اجتماعه في السبب المنصوص عليه معه. وادعوا أن إبراهيم بن عبيد الذي روى عن علي إباحة ذلك مجهول

قال علي: بل كذبوا، هو مشهور ثقة، روى مسلم وغيره عنه في الصحيح. فوضح فساد قولهم بيقين والحمد لله رب العالمين.

1865 - مسألة: وجائز للرجل أن يجمع بين امرأة وزوجة أبيها، وزوجة ابنها وابنة عمها لحا، لأنه لم يأت نص بتحريم شيء من ذلك وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبي سليمان.

وكذلك تحل له امرأة زوج أمه، وفي هذا خلاف قديم لا نعلم أحدا يقول به الآن.

وكذلك يجوز نكاح: الخصي، والعقيم، والعاقر، لأنه لم يأت نص بنهي عن شيء من ذلك وبالله تعالى التوفيق.

1866 - مسألة: ولا يحرم وطء حرام نكاحا حلالا إلا في موضع واحد: وهو أن يزني الرجل بامرأة، فلا يحل نكاحها لأحد ممن تناسل منه أبدا.

وأما لو زنى الأبن بها ثم تابت لم يحرم بذلك نكاحها على أبيه وجده. ومن زنى بامرأة لم يحرم عليه إذا تاب أن يتزوج أمها، أو ابنتها والنكاح الفاسد والزنا في هذا كله سواء.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}.

قال أبو محمد: النكاح في اللغة التي نزل بها القرآن يقع على شيئين: أحدهما الوطء، كيف كان بحرام أو بحلال. والآخر العقد، فلا يجوز تخصيص الآية بدعوى بغير نص من الله تعالى، أو من رسوله فأي نكاح نكح الرجل المرأة حرة أو أمة بحلال أو بحرام فهي حرام على ولده بنص القرآن. وقد بينا أن ولد الولد ولد بقوله تعالى: {يا بني آدم}. وهذا قول أبي حنيفة، وجماعة من السلف. ولم يأت نص بتحريم نكاح حلال من أجل وطء حرام، فالقول به لا يحل؛ لأنه شرع لم يأذن به الله عز وجل.

وممن روينا عنه أن وطء الحرام يحرم الحلال:

روينا ذلك، عن ابن عباس، وأنه فرق بين رجل وامرأته بعد أن ولدت له سبعة رجال كلهم صار رجلا يحمل السلاح، لأنه كان أصاب من أمها ما لا يحل. وعن مجاهد: لا يصلح لرجل فجر بامرأة أن يتزوج أمها.

ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: قال إبراهيم النخعي: إذا كان الحلال يحرم الحرام فالحرام أشد تحريما. وعن ابن معقل: هي لا تحل في الحلال فكيف تحل له في الحرام ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: إذا قبلها أو لامسها أو نظر إلى فرجها من شهوة حرمت عليه أمها وابنتها.

ومن طريق وكيع عن عبد الله بن مسيح قال: سألت إبراهيم النخعي عن رجل فجر بامرأة فأراد أن يشتري أمها أو يتزوجها فكره ذلك. وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار: أنه سأل عكرمة مولى ابن عباس عن رجل فجر بامرأة أيصلح له أن يتزوج جارية أرضعتها هي بعد ذلك قال: لا. وعن الشعبي ما كان في الحلال حراما فهو في الحرام حرام. وعن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعروة بن الزبير فيمن زنى بامرأة أنه لا يصلح له أن يتزوج ابنتها أبدا وهو قول سفيان الثوري نعم، ولقد روينا من طريق البخاري قال: يروى عن يحيى الكندي عن الشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، قالا جميعا: من أولج في صبي فلا يتزوج أمه .

وبه يقول الأوزاعي حتى، أنه قال: من لاط بغلام لم يحل للفاعل أن يتزوج ابنة المفعول به.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه، إذا لمس لشهوة حراما، أو نظر إلى فرجها لشهوة لم يحل له نكاح أمها، ولا ابنتها، وحرم نكاحها على أبيه وابنه أبدا، وهو أحد قولي مالك، إلا أنه لا يحرم فيه إلا بالوطء فقط. وخالفهم آخرون: فلم يحرموا بوطء حرام نكاحا حلالا روينا ذلك أيضا، عن ابن عباس.

ومن طريق حماد بن سلمة، حدثنا يحيى بن يعمر قال: لا يحرم الحرام الحلال.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا يحيى بن سعيد هو القطان، حدثنا ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالا جميعا: الحرام لا يحرم الحلال.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أنه سئل عمن فجر بامرأة فقال: لا يحرم الحرام الحلال.

ومن طريق مجاهد، وسعيد بن جبير، قالا جميعا: لا يحرم الحرام الحلال وهو أحد قولي مالك وهو قول الليث بن سعد، والشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهما، وأصحابنا.

قال أبو محمد: احتج المانعون من ذلك بالقياس على عموم قوله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}. وبمرسلين: في أحدهما ابن جريج: أخبرت، عن ابن بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم: أن رجلا سأل رسول الله عن امرأة كان زنى بها في الجاهلية أينكح الآن ابنتها فقال عليه الصلاة والسلام لا أرى ذلك، ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما اطلعت عليه منها. والآخر فيه الحجاج بن أرطاة عن أبي هانئ قال: قال رسول الله : من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها، ولا ابنتها.

قال أبو محمد: أما القياس على الآية فالقياس كله باطل.

وأما الخبران فمرسلان، ولا حجة في مرسل، لا سيما وفي أحدهما: انقطاع آخر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم مجهول وفي الآخر: الحجاج بن أرطاة وهو هالك عن أبي هانئ وهو مجهول. وقد عارضهما خبر آخر لا نورده احتجاجا به، لكن معارضة للفاسد بما إن لم يكن أحسن منه لم يكن دونه، وهو ما روي من طريق عبد الله بن نافع عن المغيرة بن إسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن الزهري، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله سئل عمن اتبع امرأة حراما أينكح ابنتها أو أمها فقال: لا يحرم الحرام، وإنما يحرم ما كان نكاحا حلالا. وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ أمته، أو امرأته حائضا، أو إحداهما: محرم، أو معتكف، أو في نهار رمضان، أو أمته الوثنية، أو ذمية، عمدا، ذاكرا، فإنه وطئ حراما، ولا خلاف في أنه وطء محرم لأمها وابنتها، ومحرم لها على آبائه، وبنيه، فكذلك كل وطء حرام قال أبو محمد: وليس كما قالوا، بل وطئ فراشا حلالا، وإنما حرم لعلة لو ارتفعت حل، ولا خلاف في أنه لا حل عليه، لأنه لم يطأ إلا زوجته، أو ملك يمين صحيح، فلاح الفرق بين الأمرين وبالله تعالى التوفيق. وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ في عقد فاسد بجهل أو بغيره فهو وطء محرم، وهو يحرم أمها وابنتها، ويحرمها على أبيه وابنه.

قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم في صحته، لا من قرآن، ولا من سنة، ولا حجة في سواهما ونحن نقول: إنها حلال لولده أن ينكحها، وحلال له نكاح أمها وابنتها، لأنها ليست زوجة له، ولا ملك يمين، ولا تحرم عليه أمها، ولا ابنتها، ولا تحرم على والده، لأنها ليست من حلائل ابنه، ولا من نسائه، ولو كانت كذلك لما حل أن يفسخ نكاحه منها، ولتوارثا، فلما لم يكن بينهما ميراث صح أنها ليست من نسائه، وإنما تحرم على الأبن فقط، لأنها مما نكح أبوه إن كان وطئها، وإلا فلا تحرم عليه. وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره، فهو وطء حرام، وهي تحرم بذلك على أبيه وابنه، وتحرم عليه أمها وابنتها.

قال أبو محمد: وهذا باطل، بل هو زنى محض وما وجدنا في دين الله تعالى: امرأة تحل أن يتداولها رجلان، هذه أخلاق الكلاب، وملة الشيطان، لا أخلاق الناس، ولا دين الله عز وجل، ولا تحرم بذلك عليه أمها، ولا ابنتها، ولا تحرم على ابنه إنما تحرم على الأب فقط، لما قدمنا. وبالله تعالى التوفيق. وموهوا بأن قالوا: إذا اجتمع الحرام والحلال غلب الحرام، فقول لا يصح، ولا جاء به قرآن، ولا سنة قط ويلزم من صحح هذا القول أن يقول: إن من زنى بامرأة لم يحل له نكاحها أبدا، لأنه قد اجتمع فيها حرام وحلال. وموه بعضهم بحديث ابن وليدة زمعة أن رسول الله ألحقه بزمعة، وأمر سودة بأن تحتجب عنه.

قال أبو محمد: قد رمنا أن نفهم وجه احتجاجهم بهذا الخبر فما قدرنا عليه، وهي شغيبة باردة مموهة والخبر صحيح ظاهر الوجه، وهو أنه ألحقه بزمعة بظاهر ولادته على فراش زمعة، وأفتى أخته أم المؤمنين رضي الله عنها بأن لا يراها، خوف أن يكون من غير نطفة أبيها، واحتجاب المرأة عن أخيها شقيقها مباح إذا لم تقطع رحمه، ولا منعته رفدها لم يمنع من ذلك نص وبالله تعالى التوفيق. وإذ قد بطل كل ما شغبوا به والحمد لله رب العالمين فلنأت بالبرهان على صحة قولنا، وهو أن الله عز وجل فصل لنا ما حرم علينا من المناكح إلى أن أتم، ثم قال تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} فمن حرم شيئا من غير ما فصل تحريمه في القرآن فقد خالف القرآن، وحرم ما أحل الله تعالى، وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وهذا عظيم جدا وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/كتاب النكاح
كتاب النكاح (مسألة 1819 - 1820) | كتاب النكاح (مسألة 1821 - 1824) | كتاب النكاح (مسألة 1825 - 1826) | كتاب النكاح (مسألة 1827 - 1838) | كتاب النكاح (مسألة 1839 - 1843) | كتاب النكاح (مسألة 1844 - 1846) | كتاب النكاح (مسألة 1847 - 1850) | كتاب النكاح (مسألة 1851 - 1852) | كتاب النكاح (مسألة 1853 - 1856) | كتاب النكاح (مسألة 1857 - 1861) | كتاب النكاح (مسألة 1862 - 1866)