محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثانية والخمسون


أحكام العـــدة

2004 - مسألة: وفرض على المعتدة من الوفاة أن تجتنب الكحل كله لضرورة أو لغير ضرورة ولو ذهبت عيناها لا ليلا، ولا نهارا، وأما الضماد فمباح لها. وتجتنب أيضا فرضا: كل ثوب مصبوغ مما يلبس في الرأس، أو على الجسد، أو على شيء منه، سواء في ذلك السواد، والخضرة، والحمرة والصفرة، وغير ذلك إلا العصب وحده وهي: ثياب موشاة تعمل باليمن، فهو مباح لها. وتجتنب أيضا فرضا: الخضاب كله، فلا تقربه كله جملة. وتجتنب الأمتشاط حاش بالمشط فقط، فهو حلال لها. وتجتنب أيضا فرضا الطيب كله فلا تقربه حاشا شيئا من قسط، أو إظفار عند طهرها فقط. ومباح لها: أن تلبس بعد ذلك ما شاءت من حرير أبيض، أو أصفر من لونه الذي لم يصبغ، وصوف البحر الذي هو لونه، والقطن الأبيض، والكتان الأبيض من دبق مضر، والمروي، وغير ذلك. ومباح لها: أن تلبس المنسوج بالذهب والحلي كله: من الذهب، والفضة، والجوهر والياقوت، والزمرد، وغير ذلك. وتدخل الحمام، وتغسل رأسها بالخطمي، والطفل فهي خمسة أشياء تجتنبها فقط.

برهان ذلك: ما حدثناه أحمد بن قاسم أنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم أنا جدي قاسم بن أصبغ أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن كثير العبدي أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي بكر،، وأيوب بن موسى، ويحيى بن سعيد الأنصاري كلهم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة أن ابنة النحام توفي عنها زوجها، فأتت أمها النبي فقالت: إن ابنتي تشتكي عينها أفأكحلها قال: لا قالت: إني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت وذكرت الخبر.

قال أبو محمد: زينب لها صحبة. وقد ذكرناه قبل هذا عن زينب عن أمها أم المؤمنين رضي الله عنها.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا حسين بن محمد الزارع البصري أنا خالد بن الحارث أنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: قال رسول الله : لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمتشط، ولا تمس طيبا إلا عند طهرها حين تطهر: نبذة من قسط وأظفار.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور المكي أنا سفيان أنا عاصم عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية أن رسول الله قال: لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، ولا تكتحل، ولا تختضب، ولا تلبس ثوبا مصبوغا. فهذه هي الآثار الثابتة عن رسول الله وهي جامعة لكل ما ذكرنا وههنا آثار لا تصح، ننبه عليها إن شاء الله تعالى لئلا يخطئ بها من لا يعرف. وههنا: منها خبر من طريق إبراهيم بن طهمان حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة عن النبي قال: المتوفى عنها زوجها: لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي.

قال أبو محمد: في هذا الخبر ذكر الحلي، ولا يصح لأن إبراهيم بن طهمان ضعيف، ولو صح لقلنا به. والإحداد واجب على الذمية لقول الله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}، وبقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} والدين الحكم. فواجب أن يحكم عليهم بحكم الإسلام، وهو لازم لهم، وبتركهم إياه استحقوا الخلود ومن قال: إنه لا يلزمهم دين الإسلام: فقد فارق الإسلام. ويلزم الإحداد الأمة المتوفى عنها زوجها كالحرة. ومن الآثار التي ذكرنا: أثر رويناه من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي عنها فأرسلت مولاتها إلى أم سلمة أم المؤمنين تسألها عن كحل الجلاء فقالت: لا تكتحل به إلا لأمر لا بد منه يشتد عليك وتمسحينه بالنهار فإن النبي دخل علي حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال: ما هذا يا أم سلمة قلت: يا رسول الله إنما هو صبر ليس فيه طيب، فقال: إنه يشب الوجه فلا تجعلينه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء فإنه خضاب قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله قال: بالسدر تغلفين به رأسك. أم حكيم: مجهولة، وأمها أشد إيغالا في الجهالة. وجاء في ذلك: عن الصحابة، رضي الله عنهم،، صح، عن ابن عمر: لا تكتحل، ولا تطيب، ولا تختضب، ولا تلبس المعصفر، ولا ثوبا مصبوغا إلا بردا، ولا تزين بحلي، ولا تلبس شيئا تريد به الزينة. ولا تكتحل بكحل تريد به الزينة إلا أن تشتكي عينها. وصح عنه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر لا تمس المتوفى عنها زوجها طيبا، ولا تختضب، ولا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب تتجلبب به وهذا قولنا. وصح عن أم عطية أن لا تلبس في الإحداد الثياب المصبغة إلا العصب، وأن لا تمس طيبا إلا أدناه في الطهر: القسط، والأظفار.

وروينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا هشام بن حسان، عن ابن سيرين، وحفصة عن أم عطية قالت في المتوفى عنها زوجها، أنها لا تمس خضابا، ولا تكتحل بكحل زينة، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تمس من الطيب إلا أدنى الطيب: نبذة من قسط، وأظفار عند طهرها. وقد روينا عن أم سلمة أم المؤمنين: لا تكتحل وإن انفقأت عيناها. وهذا قولنا.

وروينا، عن ابن عباس أنها تجتنب الطيب والزينة.

وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة أم المؤمنين المتوفى عنها زوجها: لا تلبس من الثياب المصبغة شيئا، ولا تكتحل، ولا تلبس خاتما، ولا تختضب، ولا تطيب. وعن ابن عباس أو سعيد بن المسيب: المتوفى عنها زوجها لا تمس طيبا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تكتحل، ولا تلبس الحلي، ولا تختضب. ومن طريق لا تصح عن عائشة أم المؤمنين لأن فيها ابن لهيعة: لا تلبس المتوفى عنها معصفرا، ولا تقرب طيبا، ولا تكتحل، ولا تلبس حليا، وتلبس إن شاءت ثياب العصب. أما التابعون فصح عن عطاء أن المتوفى عنها لا تلبس صباغا، ولا حليا وتنهى عن الطيب، والزينة، ولا تكتحل بإثمد، فإن فيه زينة، ولا تحضض فإن فيه زعموا ورسا، وتكتحل بالصبر إن شاءت فإن كان عليها حلي فضة فلا تنزعه إن شاءت وإن لم يكن عليها فلا تلبسه تريد به الزينة، فإن اضطرت إلى الإثمد، أو الطيب: فلها أن تتداوى به، وكان يكره الذهب لها، ولغيرها إلا أن يكون خاتما. قال: ولها أن تمتشط بالحناء، والكتم. قال: وليس القسط، والأظفار طيبا، ولا تزين هودجها إن ركبت فيه ورأى: المروي، والهروي زينة ورأى اللؤلؤ زينة. قال: فإن كان عليها خواتم فضة فيها فصوص يواقيت، أو غيره: فلها أن تلبسه قال: فإن توفي زوج الصغيرة فلأهلها أن يزينوها ويطيبوها.

وروي عن سعيد بن المسيب، وعمرة بنت عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وعطاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة: أنها لا تلبس حليا، ولا ثوبا مصبوغا بشيء من الأصباغ. وصح عن عروة بن الزبير: المتوفى عنها زوجها لا تكتحل، ولا تختضب، ولا تمتشط، ولا تلبس ثوبا فيه ورس، أو زعفران، ولا تلبس الحمرة إلا العصب. وصح عن الزهري قال: يكره للمتوفى عنها: العصب والسواد، ولا تلبس الثياب المصبغة، ولا تلبس حليا، ولا طيبا. وصح عن إبراهيم النخعي: المتوفى عنها لا تمس الصفرة، ولا الطيب، ولا تكتحل بكحل زينة، لكن بزور، أو صبر، إلا أن ترمد فتكتحل. وصح عن عروة بن الزبير: أن امرأة مات زوجها، قالت له: ليس لي إلا هذا الخمار وهو مصبوغ ببقم فقال: اصبغيه بسواد.

وأما المتأخرون فإن أبا حنيفة، وأصحابه قالوا: تمتنع من الزينة، والطيب، والكحل، والثياب المصبوغة بالورس، والزعفران، والعصفر خاصة، ولا تدهن بزيت أصلا، سواء مطيبا كان أو غير مطيب. وأباحوا لها الخز الأحمر.

وقال مالك: تجتنب الزينة كلها، والحلي: الخاتم، وغيره، ولا تلبس الخز، ولا العصب، إلا العصب الغليظ خاصة، ولا ثوبا مصبوغا إلا بسواد، ولا تكتحل أصلا، ولا تقرب شيئا من الطيب، ولا دهنا مطيبا بريحان، أو غيره، ولا تمتشط بحناء، ولا بكتم، ولا بشيء يختمر في الرأس، لكن بالسدر، وما أشبهه وتدهن بالزيت والشيرج.

وقال الشافعي: تجتنب الزينة كلها، والدهن كله: الزيت، وغيره، في الرأس، وغيره، ولا تكتحل بما فيه زينة، ولا بأس بالكحل الذي لا زينة فيه، فإن اضطرت إلى ما فيه زينة منه جعلته ليلا، ومسحته نهارا، كالصبر، ونحوه. وتجتنب كل صباغ فيه زينة، وتلبس البياض، والمصبوغ بالسواد، والخضرة المقاربة للسواد، وما ليس بزينة وتجتنب الطيب.

قال أبو محمد: كل هذه الأقوال خطأ لا خفاء به ; لأنها ليس بشيء منها

برهان يصححه، لا قرآن، ولا سنة، ولا سيما قول أبي حنيفة في تخصيص ما صبغ بورس، أو زعفران، أو عصفر خاصة. وقول مالك في اجتناب العصب إلا الغليظ منه، وقول الشافعي في تخصيص الأصباغ، فإنها أقوال لا تعرف عن أحد قبلهم، ولا معنى لها أصلا. فإن قيل: المعنى في الإحداد اجتناب الزينة

قلنا: حاشا لله من ذلك، والله لو أراد رسول الله ذلك لما عجز عن كلمة واحدة يقولها، ولا يطول بذكر الصباغ إلا العصب، وبذكر الطيب إلا القسط، والأظفار عند الطهر، خاصة، وبذكر الكحل، والأمتشاط، في الأختضاب خاصة، وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم. ومن الباطل المتيقن: أن ينسب إليه عليه الصلاة والسلام أنه أراد الزينة فلم يسمها، ولم يرد إلا بعض الصباغ فسماه عموما هذا الباطل الذي لا شك فيه، والكذب المقطوع به، وكل قول عري من البرهان فهو باطل. فإن قالوا: إنما قصد بالإحداد الحزن

قلنا: هذا الكذب، لو كان ذلك لكان واجبا على النبي الذي لا حزن أوجب من الحزن عليه ثم على الأبوين، ولو أن امرأة أعلنت بأنها لم تسر قط كسرورها بموت زوجها لما كان عليها في ذلك إثم، ولا ملامة، إذ لم تقصر في حقوق التبعل في حياته، ولو كان للحزن عليه لكان مباحا لها بعد العدة، والحزن عليه بعد العدة ليس محظورا، ولا يجوز لها الإحداد أكثر المدة المذكورة. وههنا قول آخر كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد أن الحسن البصري كان يقول: المطلقة ثلاثا، أو المتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويطيبان، ويختضبان، وينتعلان، ويضعان ما شاءتا.

ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن المتوفى عنها لا تحد.

قال أبو محمد: واحتج أهل هذه المقالة بما أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عون الله أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن بشار أنا محمد بن جعفر أنا شعبة أنا الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهادي أن رسول الله قال لأمرأة جعفر بن أبي طالب: إذا كان ثلاثة أيام فالبسي ما شئت، أو إذا كان بعد ثلاثة أيام شعبة شك.

ومن طريق حماد بن سلمة: أنا الحجاج بن أرطاة عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن شداد أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي أن تبكي على جعفر وهي امرأته فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام: أن تطهري واكتحلي.

قال أبو محمد: هذا منقطع، ولا حجة فيه ; لأن عبد الله بن شداد لم يسمع من رسول الله شيئا.

قال علي: ولقد كان يلزم الآخذين بالمرسل إذا وافق آراءهم الفاسدة وردوا به السنن الثابتة: كصلاة الإمام قاعدا لمرض بالأصحاء. وكإيجاب العدة أن يأخذوا بهذا، ولا سيما والإحداد روته أم سلمة أم المؤمنين: أنه عليه الصلاة والسلام أمر به إثر موت أبي سلمة، ولا خلاف في أن موت أبي سلمة كان قبل قتل جعفر رضي الله عنهما بسنتين ولكنهما لا يبالون بالتناقض.

قال علي: إن غسل الثوب المصبوغ حتى لا يبقى فيه أثر صباغ فليس مصبوغا: فلها لباسه.


2005 - مسألة: فلو التزمت المرأة هذا ثلاثة أيام على أب، أو أخ، أو ابن، أو أم، أو قريب، أو قريبة: كان ذلك مباحا: لما روينا من طريق البخاري أنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته أنها سمعت أم حبيبة، وزينب بنت جحش أمي المؤمنين تقولان: إنهما سمعتا رسول الله يقول لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا.


2006- مسألة: وليس على المطلقة ثلاثا إحداد أصلا، وهو قول عطاء، ومالك وأبي سليمان وقال غيرهم خلاف ذلك: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها، فلا تمس طيبا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تكتحل لا تختضب، ولا تلبس الحلي. وقال الزهري: المبتوتة لا تحدث حليا فإن كان عليها حلي لم تنزعه، ولا تمس طيبا، وتمتشط بالحناء والكتم، وتدهن بالدهن الذي ينش بالريحان وكره الزهري الذي فيه الأفاويه.

ومن طريق ابن بن أبي شيبة أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني قال: كتب إلي عطاء الخراساني قال: سألت سعيد بن المسيب، وفقهاء المدينة عن المطلقة، والمتوفى عنها زوجها فقالوا: تحدان وتتركان التكحيل، والتخضيب والتطييب، والزينة.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم قال: المطلقة لا تكتحل بكحل زينة.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا أبو داود هو الطيالسي عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: المطلقة ثلاثا لا تكتحل، ولا تختضب.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا غندر عن شعبة عن الحكم في المطلقة ثلاثا لا تكتحل، ولا تزين وهي عنده أشد من المتوفى عنها.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره الزينة للتي لا رجعة له عليها من المطلقات وبقول إبراهيم النخعي يقول الشافعي، ولم يوجبه، وأوجبه سفيان الثوري، والحسن بن حي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو عبيد، وأبو ثور.

قال أبو محمد: حجة من أوجب الإحداد على المطلقة ثلاثا أن قالوا: هي مفارقة لزوجها كالمتوفى عنها فيجب أن يكون حكمهما واحدا.

قال علي: ما نعلم لهم شغبا غير هذا، وهو شغب فاسد ; لأن القياس كله باطل. ثم يقال لهم: هلا أوجبتم الإحداد على الملاعنة، والمختلعة، والمطلقة عندكم طلاقا بائنا، فكل هؤلاء عندكم مفارقات لأزواجهن.

وأيضا فقد سمى الله، عز وجل، المطلقة طلاقا رجعيا " مفارقة لزوجها " بتمام عدتها، إذ يقول تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف}، ولا خلاف في أنه لا إحداد عليها لا في العدة، ولا بعد العدة. وقد فرق الله تعالى بين ما جمعوا بينه فجعل عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا، وعدة المبتوتة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر: فلاح فساد من قاس إحداهما على الأخرى وبالله تعالى التوفيق. وهذا مما نقض فيه مالك تعظيمه مخالفة فقهاء المدينة، وجمهور المتقدمين.

2007 - مسألة: فإن أغفلت المعتدة الإحداد المذكور حتى تنقضي العدة، فإن كان من جهل فلا حرج، وإن كان عمدا فهي عاصية لله عز وجل، ولا تعيد ذلك ; لأن وقت الإحداد قد مضى، ولا يجوز عمل شيء في غير موضعه وفي غير وقته.

قال أبو محمد إن كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلا بد لها من الإحداد أربعة أشهر وعشر فأقل، ولا نوجبه عليها بعد ذلك ; لأن النصوص كلها إنما جاءت بأربعة أشهر وعشر فقط. وقد صح أن رسول الله أمر سبيعة الأسلمية بأن تنكح من شاءت إذ وضعت حملها إثر موت زوجها بليال وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر ذلك عليها. فصح أنه لا إحداد عليها بعد انقضاء حملها قبل الأربعة الأشهر والعشر ولم نجد نصا بإيجابه عليها إن تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر، فإن وجد فالقول به واجب، وإلا فلا وبالله تعالى التوفيق. ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله في بعض طرق خبر أم عطية أنها تجتنب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة أشهر وعشر، فكان العموم أولى أن تضع حملها. قالب:محلى ابن حزم - المجلد الخامس/أحكام العدة