محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة السابعة والثلاثون
كتاب الطلاق
1954- مسألة: ومن قال: أنت طالق، ونوى اثنتين أو ثلاثا فهو كما نوى سواء قال ذلك ونواه في موطوءة أو في غير موطوءة.
برهان ذلك أننا قد ذكرنا أن طلاق الثلاث مجموعة سنة، وأن اسم الطلاق يقع عليها، وعلى الثنتين، وعلى الواحدة، فإذ ذلك كذلك فهو ما نوى من عدد الطلاق لقول النبي ﷺ: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فإن لم ينو عددا من الطلاق فهي واحدة، لأنها أقل الطلاق فهي اليقين الذي لا شك فيه أن يلزمه، ولا يجوز أن يلزم زيادة بلا يقين.
وهو قول مالك، والليث، والشافعي.
وقال أبو حنيفة، وأبو سليمان، وسفيان، والأوزاعي: يلزمه واحدة لا أكثر وبالله تعالى التوفيق.
1955 - مسألة: فلو قال لموطوءة: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإن نوى التكرير لكلمته الأولى وإعلامها فهي واحدة، وكذلك إن لم ينو بتكراره شيئا فإن نوى بذلك أن كل طلقة غير الأخرى فهي ثلاث إن كررها ثلاثا، ولا اثنتان إن كررها مرتين بلا شك. فلو قال لغير موطوءة منه: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهي طلقة واحدة فقط، لأن تكراره للطلاق وقع وهي في غير عدة منه إذ لا عدة على غير موطوءة بنص القرآن وهي أجنبية بعد، وطلاق الأجنبية باطل. واختلف الناس في هذا: فقالت طائفة كما قلنا.
وقالت طائفة: إن كان وصل كلامه، ولا يقطع بعضه عن بعض فهي ثلاث لازمة، وإن كان فرق بين كلامه بسكتة فهي طلقة واحدة فقط.
وقالت طائفة: إن كان ذلك في مجلس واحد فهي كلها لوازم سواء فرق بين كل طلاق بسكتة أو لم يفرق، وإن كان ذلك في مجالس شتى لم يلزم من الطلاق إلا ما كان في المجلس الأول فقط.
فممن روينا عنه مثل قولنا: من طريق سعيد بن منصور :، حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن زياد بن أبي مريم، عن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثلاثا ولم يكن دخل بها قال: هي ثلاث، فإن طلقها واحدة ثم ثنى ثم ثلث لم يقع عليها، لأنها قد بانت بالأولى وصح هذا عن خلاس، وإبراهيم النخعي في أحد أقواله، وطاووس، والشعبي، وعكرمة، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وحماد بن أبي سليمان ورويناه عن مسروق. ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا أبو عوانة عن مطرف بن طريف قال: سألت الحكم بن عتيبة عمن قال لأمرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق يعني لم يكن دخل بها قال: تبين بالتطليقة الأولى والثنتان التي أتبع ليستا بشيء، فقلت له: عمن تحفظه قال: عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت. ورويناه أيضا، عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري، والحسن بن حي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور، وأبي عبيد، وأحمد بن حنبل، وأبي سليمان، وأصحابهم. والقول الثاني رويناه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا المغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق وقالها متصلة: لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإن قال: أنت طالق ثم قال: أنت طالق ثم سكت، ثم قال: أنت طالق، بانت بالأولى ولم تكن الأخريان شيئا ومثله سواء سواء عن عبد الله بن مغفل المزني وهو قول مالك والأوزاعي، والليث. والقول الثالث رويناه من طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قال: قال لي منصور: حدثت عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: إذا قال للتي لم يدخل بها في مجلس واحد: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فلا تحل له حتى تنكح زوجا، غيره فإن قام من مجلسه ذلك بعد أن طلق طلقة واحدة ثم طلق بعد ذلك، فليس بشيء. وقد جاءت روايات لا بيان فيها: منها ما رويناه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح، وجابر بن زيد، قالا جميعا: إذا طلقت البكر ثلاثا فهي واحدة.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا منصور، هو ابن المعتمر أن آخر قول الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول بها: أنه إن شاء خطبها.
ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن النعمان بن أبي عياش عن عطاء بن يسار أنه سئل عمن طلق امرأته قبل أن يمسها قال: طلاق البكر واحدة.
قال أبو محمد: لم يخصوا مفرقة من مجموعة، والله أعلم بمرادهم. ومنها أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: طلق رجل من مزينة امرأته ثلاثا قبل الدخول، فسأل ابن عباس وعنده أبو هريرة فقال أبو هريرة: واحدة تبينها وثلاث تحرمها فصوبها ابن عباس وهذا لا يصح، لأن عمر بن راشد ضعيف.
ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن النعمان بن أبي عياش أن عبد الله قال فيمن طلق امرأته البكر: واحدة تبينها، وثلاث تحرمها ونحوه عن أم سلمة أم المؤمنين، وعلي بن أبي طالب فلم يبينوا مفرقة أم مجموعة.
قال أبو محمد: أما من فرق بين قوله ذلك في مجلس، وبين قوله ذلك في مجلسين فدعوى بلا برهان، وكذلك من فرق بين قوله ذلك متصلا، وبين تفريقه بين ذلك بالسكوت هو أيضا قول لا دليل على صحته فهو ساقط. فصح قولنا، لأنه بتمام قوله لها: أنت طالق بانت وحل لها زوج غيره ولو مات لم ترثه ولو ماتت لم يرثها وليس في عدة منه، فطلاقه لها لغو ساقط وبالله تعالى التوفيق.
1956 - مسألة: فلو قال لغير موطوءة منه: أنت طالق ثلاثا فإن كان نوى في قوله: أنت طالق: أنها ثلاث فهي ثلاث، فإن لم ينو ذلك لكن نوى الثلاث، إذ قال: ثلاثا لم تكن طلاقا إلا واحدة، لأن بتمام قوله: أنت طالق بانت منه فصار قوله " ثلاثا " لغوا لا معنى له وبالله تعالى التوفيق.
1957- مسألة: وطلاق النفساء كالطلاق في الحيض سواء سواء لا يلزم إلا أن يكون ثلاثا مجموعة أو آخر ثلاث قد تقدمت منها اثنتان.
برهان ذلك: أنه ليس إلا حيض أو طهر .
وقد ذكرنا عن رسول الله ﷺ: أنه نهى عن الطلاق في الحيض، وأمر بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملا، ولا خلاف في أن دم النفاس ليس طهرا، ولا هو حمل، فلم يبق إلا الحيض فهو حيض، ولم يصح قط نص بأن النفاس ليس حيضا، بل لا خلاف في أن له حكم الحيض، من ترك الصلاة، والصوم، والوطء وقد صح عن رسول الله ﷺ: أن دم الحيض أسود يعرف فصح أن كل دم أسود ظهر من فرج المرأة فهو حيض ما لم يتجاوز أمد الحيض، وما لم يكن في حمل. وصح أنه عليه الصلاة والسلام قال لأم سلمة، وعائشة: أمي المؤمنين رضي الله عنهما إذ حاضت كل واحدة منهما: أنفست قالت: نعم، فسمى رسول الله ﷺ الحيض نفاسا. وممن قال بقولنا طائفة من السلف:
كما روينا من طريق وكيع عن جرير بن حازم، وسفيان الثوري، قال جرير عن قيس بن سعد عن بكير عن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت، وقال سفيان: عن ابن جرير عن عطاء، قال زيد، وعطاء: إذا طلق الرجل امرأته وهي نفساء لم تعتد بدم نفاسها في عدتها. وقال غيرهما غير هذا:
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة قال: قال مطر الوراق عن الحسن في التي تطلق وهي حائض ثلاثة قال: تعتد به قرءا من أقرائها.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء، قال: يكره أن يطلق امرأته حائضا كما يكره أن يطلقها نفساء.
قال أبو محمد: ولو أن امرأ طلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلاقا رجعيا فحملت من زنى، أو من إكراه أو من شبهة بجهالة، فإنها تنتقل إلى عدة الحامل فتنقضي عدتها بوضع حملها، لأنها زوجته بعد، ترثه ويرثها، ويلحقها إيلاؤه، وظهاره، ويلاعنها إن قذفها فهي مطلقة من ذوات الأحمال. وقد قال تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
وكذلك تنتقل إلى عدة الحامل الوفاة إن مات وسواء حملت في الطهر الأول أو الثاني أو الثالث، فإن كان الطلاق ثلاثا، أو آخر ثلاث، أو معتقة تخيرت فراقه: لم تنتقل إلى عدة الوفاة، ولا إلى عدة. لكن إن حملت في الطهر الأول عدت جميع حملها قرءا ثم عدت نفاسها حيضا، ثم تأتي بقرأين بعده، ولا فرق بين اعتدادها به قرءا ولو لم يبق منه إلا طرفة عين وبين اعتدادها به ولو لم يمض منه إلا طرفة عين لأن بعض الطهر طهر، فإن حملت في الطهر الثاني عدت مدة حملها قرءا ثانيا، ثم نفاسها حيضا، ثم عليها أن تأتي بقرء ثالث، فإن حملت في الطهر الثالث عدت مدة حملها قرءا، فإذا وضعت حملها بأول دم يظهر منها تمت عدتها، وحلت للأزواج، لأنها قد لزمها الأعتداد بالأقراء بنص القرآن فلا يسقط عنها، فلو كانت ممن لا تحيض فكان طلاقها بائنا كما ذكرنا. أو كانت معتقة فاختارت فراقه فإنها تتمادى على عدة الشهور وتحل للأزواج بتمامها، ولا معنى للحمل حينئذ.
وكذلك لو حملت بعد موته فإنها تتمادى على عدتها أربعة أشهر وعشر ليال، ثم تحل للأزواج بتمامها، ولا يراعى الحمل. وإنما نعني بقولنا " تحل للأزواج " أنها يحل لها الزواج، وأما الوطء فلا ألبتة، حتى تضع حملها ثم تطهر من دم نفاسها وبالله تعالى التوفيق.
1958- مسألة: ومن طلق امرأته ثلاثا كما ذكرنا لم يحل له زواجها إلا بعد زوج يطؤها في فرجها بنكاح صحيح في حال عقله وعقلها، ولا بد، ولا يحلها له وطء في نكاح فاسد، ولا وطء في دبر، ولا وطؤها في نكاح صحيح وهي في غير عقلها بإغماء أو بسكر أو بجنون، ولا هو كذلك فإن بقي من حسه أو من حسها في هذه الأحوال، أو في النوم ما تدرك به اللذة أحلها ذلك إذا مات ذلك الزوج أو طلقها، أو انفسخ نكاحها منه بعد صحته.
وكذلك إن كان النكاح صحيحا ثم وطئها في حال لا يحل فيه الوطء من صوم فرض منه، أو منها، أو إحرام كذلك، أو اعتكاف كذلك، أو وهي حائض: فكل ذلك لا يحلها ويحلها العبد يتزوجها، والذمي إن كانت هي ذمية، ولا يحلها إن كانت أمة: وطء سيدها لها.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} ففي هذه الآية عموم كل زوج، ولا يكون زواجا إلا من كان زواجه صحيحا.
وأما من تزوج بخلاف ما أمره الله عز وجل فليس زوجا، ولا عد زواجا، وفيها تحليل رجعته لها بعد طلاق الزوج. وبقي أمر الوطء، وأمر موت الزوج الثاني، وانفساخ نكاحه: فوجدنا ما رويناه من طريق أبي داود السجستاني نا مسدد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: سئل رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته تعني ثلاثا فتزوجت غيره فطلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول قالت: فقال رسول الله ﷺ: لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها.
ففي هذا الخبر زيادة عموم حلها له بالوطء لا بغيره، فدخل في ذلك موته، وانفساخ نكاحه بعد صحته، ودخل في عموم ذوق العسيلة كل ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.
وإنما قلنا " إن وطء السيد لا يحلها لزوجها المطلق لها " لأنه ليس زوجا، وإنما أحلها له تعالى بعد أن تنكح زوجا غيره. وفي كثير مما ذكرنا خلاف من ذلك عن سعيد بن المسيب، قال: كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب في المطلقة ثلاثا ثم تتزوج قال سعيد: أما الناس فيقولون: يجامعها، وأما أنا فإني أقول: إذا تزوجها بتزويج صحيح لا يريد بذلك إحلالا، فلا بأس أن يتزوجها الأول.
قال أبو محمد: كان ينبغي لمن يقول في رده حديث المسح على العمامة وحديث الخمس رضعات إن هذا زائد على القرآن فلا يجوز أن يؤخذ منه إلا ما جاء مجيء تواتر أن يقول بقول سعيد ههنا، لأن خبر عائشة في ذوق العسيلة زائد على ما في القرآن لم يأت إلا من طريق عائشة رضي الله عنها التي من قبلها جاء خبر الخمس رضعات، ولا فرق.
ومن طريق ابن عباس، وروي غير صحيح من طريق أنس، وابن عمر.
وكذلك ينبغي لمن قال برد السنة الثانية في أن لا يتم بيع إلا بأن يفترقا عن موضعهما فإن مما تكثر به البلوى أن يقول بقول سعيد، ويقول: هذا مما تكثر به البلوى، فلو صح ما خفي عن سعيد وجاء عن الحسن: أنها لا تحل لزوجها الأول وإن وطئها الثاني إلا حتى ينزل فيها. ولقد ينبغي للمالكيين القائلين: إن التحريم يدخل بأرق الأسباب، ولا يدخل التحليل إلا بأغلظ الأسباب، أن يقول بقول الحسن هذا ولكن تناقضهم أكثر من ذلك. واختلفوا في المسلم يطلق الكتابية ثلاثا فتتزوج كتابيا ويطؤها ثم يموت فقال الحسن البصري، والزهري، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهم: أنها قد حلت للأول. وقال ربيعة، ومالك: لا يحلها وما نعلم لهم شغبا إلا قولهم: ليس له طلاق .
فقلنا: فكان ماذا أي شيء في ذلك مما يمنع من إحلالها إن مات أو انفسخ نكاحه منها. ثم نسألهم: إن تزوجها ووطئها ثم أسلم ولم يطأها بعد إسلامه ثم طلقها أيحلها له أم لا .
فإن قالوا: لا يحلها له، بطل تعليلهم بأنه لا طلاق له، إذ قد صح طلاقه،
وإن قالوا: بل يحلها: نقضوا قولهم في أن وطء الزوج الكتابي لا يحلها.
وأما اختلافهم في النكاح الفاسد، فجمهور الناس على هذا، إلا شيئا روي عن الحكم بن عتيبة: أنه يحلها وهذا خطأ، لأنه ليس زوجا، ولو كان زوجا ما حل أن يفرق بينهما بلا معنى إلا فساد عقده فقط.
وأما الأختلاف في هل يحلها وطء سيدها إن كانت أمة فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع، حدثنا خالد عن مروان الأصفر عن أبي رافع، قال: دخلنا على عثمان أمير المؤمنين فسألناه عن رجل كانت تحته أمة فطلقها فبانت منه، فخلف عليها سيدها ثم خلا عنها، وعنده زيد بن ثابت، ورجل آخر من أصحاب رسول الله ﷺ فقالا جميعا: لا بأس به.
ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن: أن زيد بن ثابت، والزبير بن العوام كانا لا يريان بأسا بالأمة يطلقها زوجها فيتسراها سيدها ثم يتزوجها زوجها، قالا جميعا: إذا لم يرد السيد بذلك إحلالها فليس به بأس.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري عن زيد بن ثابت قال: السيد زوج.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس في العبد يبت الأمة أنه يحلها أن يطأها سيدها قال عطاء: من كانت زوجته أمة فبتها ثم ابتاعها قبل أن تنكح غيره فحلال له وطؤها، فإن وطئها ثم أعتقها فله أن يتزوجها، فإن أعتقها قبل أن يطأها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهذا تقسيم لا برهان على صحته.
وروينا خلاف هذا عن غيرهم:
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد هو الحذاء عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب قال: حتى تحل له من حيث حرمت عليه يعني: الأمة تطلق فيطأها سيدها دون أن تتزوج زوجا آخر.
وبه إلى خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني، عن ابن مسعود قال: لا تحل له إلا من حيث حرمت عليه وصح عن مسروق أنه رجع إلى القول بعد أن أفتى بقول زيد.
وأما هل تحل لسيدها بملك اليمين إذا اشتراها بعد أن كانت زوجته وطلقها ثلاثا فقد ذكرنا آنفا عن عطاء.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جرير قلت لعطاء: رجل بت أمة ثم ابتاعها ولم تنكح بعده أحدا، أتحل له قال: نعم، كان ابن عباس يقوله.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية، عن ابن قسيط أن كثيرا مولى الصلت طلقها تطليقتين ثم اشتراها فأعتقها فقال زيد بن ثابت: لو كنت وطئتها بملك حلت لك، ولكن لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك.
ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن مثل قول زيد وعطاء سواء سواء صح عن غيرهم خلاف ذلك:
روينا: أنه لا تحل لسيدها بملك اليمين إذا اشتراها بعد أن طلقها ثلاثا عن عثمان، وزيد بن ثابت وصح عن جابر بن عبد الله، وعن علي بن أبي طالب أنه كره ذلك وصح عن مسروق، والنخعي، وعبيدة السلماني، والشعبي، وابن المسيب، وسليمان بن يسار.
قال أبو محمد: ولا يحل للسيد أن يرى من عورتها شيئا إلا ما يرى من حريمته، ولا أن يتلذذ بها، لقول الله عز وجل: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فعم تعالى ولم يخص، بخلاف الكتابية، والحائض، والصائمة فرضا، والمحرمة، لأن هؤلاء إنما حرم نكاحهن فقط وهو الوطء وبالله تعالى التوفيق.