محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثالثة والثمانون


كتاب السرقة

2288 - مسألة : صفة قطع اليد قد ذكرنا عن علي رضي الله عنه في قطع الأصابع من اليد , وقطع نصف القدم من الرجل. وذكرنا قول عمر رضي الله عنه وغيره في قطع كل ذلك من المفصل.

وأما الخوارج فرأوا في ذلك قطع اليد من المرفق , أو المنكب

قال أبو محمد رحمه الله : واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى {فاقطعوا أيديهما} . قالوا : واليد في لغة العرب اسم يقع على ما بين المنكب إلى طرف الأصابع , وهذا وإن كان أيضا كما ذكرنا عنهم فإن اليد أيضا تقع على الكف , وتقع على ما بين الأصابع إلى المرفق , فإذ ذلك كذلك فإنما يلزمنا أقل ما يقع عليه اسم يد ; لأن اليد محرمة قطعها قبل السرقة , كما جاء النص بقطع اليد , فواجب أن لا يخرج من التحريم المتيقن المتقدم شيء , إلا ما تيقن خروجه , ولا يقين إلا في الكف , فلا يجوز قطع أكثر منها. وهكذا وجدنا الله تعالى إذ أمرنا في التيمم بما أمر , إذ يقول تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} ففسر رسول الله مراد الله تعالى بذكر الأيدي هاهنا , وأنه الكفان فقط , على ما قد أوردناه. وصح عن النبي الفرق بين حد الحر , وبين حد العبد على ما قد ذكرناه فإذ قد نص عليه السلام على أن حد العبد بخلاف حد الحر , فهذا عموم لا ينبغي أن يخص منه شيء بغير نص , ولا إجماع. فالواجب إن سرق العبد أن تقطع أنامله فقط , وهو نصف اليد فقط , وإن سرق الحر قطعت يده من الكوع هو المفصل

وأما في المحاربة فتقطع يد الحر من المفصل , ورجله من المفصل , وتقطع من العبد أنامله من اليد , ونصف قدمه من الساق كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نأخذ من قول كل قائل ما وافق النص , ونترك ما لم يوافقه وبالله تعالى التوفيق.

وأما أي اليدين تقطع فإن عبد الله بن ربيع ثنا , قال : ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه عن نافع مولى ابن عمر , قال : سرق سارق بالعراق في زمان علي بن أبي طالب , فقدم ليقطع يده , فقدم السارق يده اليسرى ولم يشعروا فقطعت , فأخبر علي بن أبي طالب خبره فتركه ولم يقطع يده الأخرى وبهذا يقول مالك , وأبو حنيفة وقال بعض أصحابنا : على متولي القطع دية اليد وقال قائلون : تقطع اليمنى. واحتجوا أن الواجب قطع اليمنى واحتجوا في ذلك بقراءة ابن مسعود " والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ". والقراءة غير صحيحة , وادعوا إجماعا وهو باطل يرده قطع علي الشمال عن اليمين واكتفاؤه بذلك , فلو وجب قطع اليمين لما أجزأ عن ذلك قطع الشمال , كما لا يجزئ الأستنجاء باليمين , ولا الأكل بالشمال , ولا نص إلا وجوب قطع اليد , أو الأيدي , في الكتاب والسنة , إلا أننا نستحب قطع اليمين , للأثر عنه عليه السلام أنه كان يجب التيمن في شأنه كله.


2289 - مسألة : قطع اليد فيمن جحد العارية

قال أبو محمد رحمه الله : روينا من طريق مسلم ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة , قالت : كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده , فأمر رسول الله بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه , فكلم رسول الله فيها وذكر الحديث.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين , قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده , فأمر النبي بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي فيها فقال له النبي  : يا أسامة , ألا أراك تكلم في حد من حدود الله , ثم قام عليه السلام خطيبا فقال : إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه , والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية وعن نافع ، عن ابن عمر قال : كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده , فأمر النبي بقطع يدها. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي , فقلت له : تذهب إلى هذا الحديث فقال : لا أعلم شيئا يدفعه , وقال : تقطع يد المستعير إذا جحد ثم أقر :

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عثمان بن عبد الله بن الحسن بن حماد ، حدثنا عمرو بن هاشم أبو مالك عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع ، عن ابن عمر قال : إن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه , قال رسول الله  : لتتب إلى الله ورسوله , وترد ما تأخذ على القوم , فقال رسول الله  : قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها

قال أبو محمد رحمه الله : وكان من اعتراض من انتصر لهذا القول أن قال في الحديث الذي رويتم : مختلف فيه , فروى بعضهم : أن تلك المخزومية سرقت :

كما روينا من طريق مسلم ، حدثنا محمد بن رمح ، حدثنا الليث ، هو ابن سعد ، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت , فقالوا : من يكلم فيها رسول الله فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله فكلمه أسامة , فقال رسول الله أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب , فقال : يا أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وايم الله , لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

ومن طريق مسلم ، حدثنا حرملة أخبرني ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي  : أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله في غزوة الفتح , فقالوا : من يكلم فيها رسول الله فقالوا : من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله فأتى بها رسول الله فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله وقال : أتشفع في حد من حدود الله فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله فاختطب , فأثنى على الله تعالى بما هو أهله , ثم قال : أما بعد , فإنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإن سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها , ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطع يدها. فهؤلاء يرون أنها سرقت. قالوا : ومن الدليل على أنها امرأة واحدة , وقصة واحدة , وأنها سرقت ، وأن من روى " استعارت " قد وهم : أن في جمهور هذه الآثار أنهم استشفعوا لها بأسامة بن زيد , وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنكر ذلك عليه , ونهاه أن يشفع في حد من حدود الله تعالى. ومن المحال أن يكون أسامة بن زيد رضي الله عنه قد نهاه رسول الله أن يشفع في حد من حدود الله تعالى ثم يعود فيشفع في حد آخر مرة أخرى وقالوا : إن المستعير خائن , ولا قطع على خائن , لا سيما وقد ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب قال : سمعت ابن جريج يحدث عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال : ليس على الخائن , ولا على المختلس , ولا على المنتهب : قطع. قال : وتحتمل رواية من روى أنها استعارت فأمر رسول الله بقطعها : أنهم أرادوا التعريف بأنها هي التي كانت استعارت الحلي وسرقت , فقطعت للسرقة لا للعارية. قالوا : وهذا كما روي أفطر الحاجم والمحجوم. ورأى رسول الله رجلا يصلي خلف الصف فأمره بإعادة الصلاة , قالوا : وليس من أجل الحجامة أخبر بأنهما أفطرا , لكن بغير ذلك , وليس من أجل الصلاة خلف الصف أمره بالإعادة , لكن بغير ذلك

قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه , وكل ذلك لا حجة لهم في شيء منه على ما نبين إن شاء الله تعالى. فنقول وبالله تعالى التوفيق : أما كلامهم في اختلاف الرواية عن الزهري فلا متعلق لهم به ; لأن معمرا , وشعيب بن أبي حمزة , روياه عن الزهري وهما في غاية الثقة والجلالة

وكذلك أيوب بن موسى , كلهم يقولون : إنها كانت تستعير المتاع فتجحده , فذكر ذلك للنبي فأمر بقطع يدها , وأخبر أنه حد من حدود الله تعالى ولم يضطرب على معمر في ذلك , ولا على شعيب بن أبي حمزة وإن كانا خالفهما : الليث , ويونس بن أبي يزيد , وإسماعيل بن أمية , وإسحاق بن راشد. فإن الليث قد اضطرب عليه أيضا ,

وكذلك على يونس بن يزيد , فإن الليث , ويونس , وإسماعيل , وإسحاق ليسوا فوق معمر , وشعيب , في الحفظ , وقد وافقهما ابن أخي الزهري عن عمه.

وأما تنظيرهم في ذلك بالثابت عن رسول الله من قولهم أفطر الحاجم والمحجوم. وبأمره الذي صلى خلف الصف بإعادة الصلاة. فما زادوا على أن فضحوا أنفسهم , واستحلوا في الكذب الذي لا يستسهله مسلم ; لأنهم يقولون : إنهما أفطرا ; لأنهما كانا يغتابان الناس فقيل لهم : فمن اغتاب الناس وهو صائم أفطر عندكم قالوا : لا. وهذه مضاحك وشماتة الأعداء واستخفاف بأوامر النبي مع الكذب عليه , أن يقول عليه السلام أفطر الحاجم والمحجوم فيقولون هم : لم يفطر واحد منهما.

فإن قيل لهم : أتكذبون النبي في قوله أفطرا قالوا أفطرا بغير ذلك , وهو الغيبة.

فإن قيل لهم : أتفطر الغيبة قالوا : لا. فرجعوا إلى ما فروا عنه كيدا لأهل الإسلام , ولمن اغتر بهم من الضعفاء المخاذيل.

وأما حديث : أمر النبي في المصلي خلف الصف وحده بإعادة الصلاة , فلو لم يرو أحد عشر من الصحابة بالأسانيد الثابتة أمره بإقامة الصفوف , والتراص فيها , والوعيد على خلاف ذلك : لامكن أن يعذروا بالجهل , فكيف ، ولا عذر لهم ; لأنه لا يجوز لمسلم أن يظن بالنبي ، أنه قال لأمته أفطر الحاجم والمحجوم. وأمر المصلي خلف الصف وحده , بإعادة الصلاة. ثم لا يبين لهم الوجه الذي أفطرا , به , ولا الوجه الذي أمر من أجله المصلي خلف الصف , بإعادة الصلاة. فهذا طعن على النبي فلا يحل لمسلم أن يظن أنه عليه السلام أمره بالإعادة لأمر لم يبينه علينا.

وأما قولهم : إن المستعير الجاحد : خائن , ولا قطع على خائن , والحديث بذلك عن جابر

وقد ذكرنا قبل فساد هذا الخبر في صدر كلامنا في قطع السارق , وأن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير , وأن أبا الزبير لم يسمعه من جابر ; لأنه قد أقر على نفسه بالتدليس. فسقط التعلق بهذا الخبر والحمد لله رب العالمين

قال أبو محمد رحمه الله : فنقول وبالله تعالى نستعين : إن رواية من روى أنها استعارت فأمر رسول الله بقطع يدها , ورواية من روى أنها سرقت فأمر رسول الله بقطع يدها : صحيحان , لا مغمز فيهما ; لأن كليهما من رواية الثقات التي تقوم بها الحجة في الدين على ما أوردنا. والعجب كله فيمن يتعلل في رد هذه السنة بهذا الأضطراب , وهم يأخذون بحديث لا قطع إلا في ربع دينار. وبحديث القطع في مجن ثمنه عشرة دراهم وهما من الأضطراب بحيث قد ذكرناه , وذلك الأضطراب أشد من الأضطراب في هذا الخبر بكثير , أو يأخذ بخبر ابن عمر : قطع رسول الله في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وليس فيه بيان أن ذلك حد القطع , وقد عارضه مثله في الصحة من القطع في ربع دينار

قال أبو محمد رحمه الله : فإن في هذا الوجه من الأضطراب ليس علة في شيء من الأخبار , فلنقل بعون الله تعالى : إن في هاتين الروايتين اللتين إحداهما : استعارت المتاع فجحدت فأمر رسول الله بقطعها وفي الأخرى : أنها سرقت فأمر رسول الله بقطع يدها : لا يخلو من أن يكونا في قصتين اثنتين , في امرأتين متغايرتين , أو يكونا في قصة واحدة , في امرأة واحدة فإن كانت في قصتين , وفي امرأتين , فقد انقطع الهذر , وبطل الشغب جملة , ويكون الكلام في شفاعة أسامة فيهما جميعا , على ما قد ذكرنا من البيان من أنه شفع في السرقة فنهي , ثم شفع في المستعيرة وهو لا يعلم أن حد ذلك أيضا القطع. على أننا لو شئنا القطع , فإنهما امرأتان متغايرتان , وقضيتان اثنتان , لكان لنا متعلق , بخلاف دعاويهم المجردة من كل علقة , إلا من المجاهرة بالباطل , والجسر على الكذب , لكان : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج , قال : أخبرني عكرمة بن خالد المخزومي أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أخبره أن امرأة جاءت إلى امرأة فقالت : إن فلانة تستعيرك حليا وهي كاذبة فأعارتها إياه , فمكثت لا ترى حليها , فجاءت التي كذبت علي فيها فسألتها حليها , فقالت : ما استعرت منك شيئا , فرجعت إلى الأخرى فسألتها حليها , فأنكرت أن تكون استعارت منها شيئا , فجاءت النبي فدعاها , فقالت : والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا , فقال : اذهبوا فخذوه من تحت فراشها , فأخذ , وأمر بها فقطعت. قال ابن جريج : وأخبرني بشر بن تميم أنها أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد. قال ابن جريج : لا آخذ غيرها , لا آخذ غيرها , قال ابن جريج : وأخبرني عمرو بن دينار قال : أخبرني الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال : سرقت امرأة , فأتي بها النبي فجاءه عمرو بن أبي سلمة , فقال للنبي  : أي إنها عمتي فقال النبي لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها. قال عمرو بن دينار : فلم أشك حين قال حسن : قال عمر للنبي إنها عمتي , إنها بنت الأسود بن عبد الأسد

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا ابن جريج يحكي عن عمرو بن دينار : أنه لا يشك أن التي سرقت بنت الأسود بن عبد الأسد , ويخبر عن بشر التيمي أن التي استعارت هي بنت سفيان بن عبد الأسد , وهما ابنتا عم مخزوميتان , عمهما أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه زوج أم سلمة ، رضي الله عنها ، قبل رسول الله . ولكنا نقول وبالله تعالى التوفيق : هبك أنها امرأة واحدة , وقصة واحدة , فلا حجة فيها ; لأن ذكر السرقة إنما هو من لفظ بعض الرواة , لا من لفظ النبي ,

وكذلك ذكر الأستعارة , وإنما لفظ النبي  : لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتها. فهذا يخرج على وجهين , يعني ذكر السرقة : أحدهما أن يكون الراوي يرى أن الأستعارة سرقة , فيخبر عنها بلفظ السرقة. والوجه الآخر هو أن الأستعارة , ثم الجحد سرقة صحيحة لا مجازا ; لأن المستعير إذا أتى على لسان غيره , فإنه مستخف بأخذ ما أخذ من مال غيره , يوري بالأستعارة لنفسه أو لغيره , ثم يملكه مستترا مختفيا فهذه هي السرقة نفسها دون تكلف , فكان هذا اللفظ خارجا عما ذكرنا أحسن خروج , وكان لفظ من روى " العارية " لا يحتمل وجها آخر أصلا

قال أبو محمد رحمه الله : فتقطع يد المستعير الجاحد كما تقطع من السارق سواء سواء من الذهب في ربع دينار لا في أقل , لقول رسول الله  : لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا. وفي غير الذهب في كل ما له قيمة قلت أو كثرت ; لأنه قطع في مال أخذ اختفاء لا مجاهرة. وتقطع المرأة كالرجل , لأجماع الأمة كلها على أن حكم الرجل في ذلك كحكم المرأة , ومن مسقط القطع عنها , ومن موجب القطع عليها , ولا قطع في ذلك إلا ببينة تقوم بالأخذ , والتمليك , مع الجحد , أو الإقرار بذلك , فإن عاد مرة أخرى قطعت اليد الأخرى ; لأن رسول الله أمر بقطع يدها وهذا عموم ; لأن المستعير طلبه العارية مستخفيا بمذهبه في أخذه , فكان سارقا , فوجب عليه القطع وحسبنا الله ونعم الوكيل.


2290 - مسألة : قطع الدراهم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا أبو عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذافي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا داود بن قيس أخبرني خالد بن أبي ربيعة أن ابن الزبير حين قدم مكة وجد رجلا يقرض الدراهم فقطع يده.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عبد الجبار بن عمر عن أبي عبد الرحمن التيمي , قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك أمير على المدينة فأتي برجل يقطع الدراهم وقد شهد عليه فضربه , وحلقه , وأمر به فطيف به وأمره أن يقول : هذا جزاء من يقطع الدراهم , ثم أمر به أن يرد إليه , فقال : أما إني لم يمنعني من أن أقطع يدك إلا أني لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم , وقد تقدمت في ذلك , فمن شاء فليقطع

قال أبو محمد رحمه الله : وروينا من طريق سعيد بن المسيب ، أنه قال : وددت أني رأيت الأيدي تقطع في قرض الدنانير والدراهم

قال أبو محمد رحمه الله : معنى هذا : أنه كانت الدراهم يتعامل بها عددا دون وزن , فكان من عليه دراهم أو دنانير يقرض بالجلم من تدويرها , ثم يعطيها عددا , ويستفضل الذي قطع من ذلك

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا عمل ابن الزبير وهو صاحب لا يعرف له مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، والحنفيون يجعلون نزحه زمزم من زنجي وقع فيها حجة وإجماعا لا يجوز خلافه في نصر باطلهم , في أن الماء ينجسه ما وقع فيه وإن لم يغيره وليس في خبرهم : أن زمزم لم تكن تغيرت , ولعلها قد كانت تغيرت , ولعل الماء كان فيها قدر أقل من قلتين كما يقول الشافعي. وكيف , وقد صح أن المؤمن لا ينجس , وهم يحتجون بهذا , وإسقاطهم السنة الثابتة في أمر رسول الله  : من غسل ميتا فليغتسل فهم يحتجون بأن المؤمن لا ينجس حيث لا مدخل له فيه , وليس الغسل من غسل الميت تنجيسا من الميت , ولا كرامة , بل هو طاهر إن كان مؤمنا لكنها شريعة , كالغسل من الإيلاج وإن كان كلا الفرجين طاهرا وكالغسل من الأحتلام.

فإن ذكروا ما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز أن عبد الله بن الزبير ضرب رجلا في قطع الدنانير والدراهم

قلنا وبالله تعالى التوفيق : هذا لا يخالفه ما ذكرنا عنه قبل ; لأن هذا ليس فيه : أنه قرض مقدار ما يجب فيه القطع , فلا يلزمه قطع.

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ولم يأت عنه عليه السلام إيجاب القطع في قرض الدنانير , والدراهم , ولا يقع عليه اسم سارق ، ولا مستعير وبالله تعالى التوفيق.


2291 - مسألة : في تحريم الخمر واختلاف الناس في حد شاربها قالت طائفة : إن رسول الله لم يفرض فيها حدا وإنما فرضه من بعده.

وقالت طائفة : لا حد فيها أصلا ; لأن رسول الله لم يفرض فيها حدا.

وقالت طائفة : بل فرض رسول الله فيها حدا , ثم اختلفوا فقالت طائفة : ثمانين ,

وقالت طائفة : أربعين

فأما من قال : لم يوقت فيها رسول الله حدا , فإنهم ذكروا في ذلك : ما ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا سفيان الثوري ، حدثنا أبو حصين قال : سمعت عمير بن سعد النخعي يقول : سمعت علي بن أبي طالب قال : ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر , فإنه لو مات وديته , وذلك أن رسول الله لم يسنه.

قال أبو محمد رحمه الله : هكذا ناه عبد الرحمن بن عبد الله وبه إلى البخاري ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث ، أنه قال : جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان فأمر من كان في البيت أن يضربوه , فكنت أنا فيمن ضربوه بالنعال. وبه إلى البخاري ، حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو ضمرة ، حدثنا أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : أتي النبي برجل شرب , فقال : اضربوه , قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده , ومنا الضارب بنعله , والضارب بثوبه , فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله , قال : لا تقولوا هذا , لا تعينوا عليه الشيطان. وبه إلى البخاري ، حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبي الجعد عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله , وإمرة أبي بكر , وصدرا من خلافة عمر , فنقوم إليه بأيدينا , ونعالنا , وأرديتنا , حتى كان آخر إمرة عمر , فجلد أربعين , حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين. وبه إلى البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ثني الليث بن سعد ، حدثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد رسول الله كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا , وكان يضحك رسول الله وكان رسول الله قد جلده في الشرب , فأتي به يوما , فأمر به فجلد , فقال رجل من القوم : اللهم العنه , ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي  : لا تلعنوه , فوالله ما علمته إلا يحب الله ورسوله فتوفي رسول الله وتلك سنته. ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين , ثم جلد عمر أربعين صدرا من إمارته , ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين , ثم أثبت معاوية الحد ثمانين

قال أبو محمد رحمه الله : فمن تعلق بزيادة عمر رضي الله عنه ومن زادها معه على وجه التعزير , وجعل ذلك حدا واجبا مفترضا. فيلزمه : أن يحرق بيت بائع الخمر , ويجعل ذلك حدا مفترضا ; لأن عمر فعله وأن ينفي شارب الخمر أيضا ويجعله حدا واجبا ; لأن عمر فعله فإن قال : قد قال عمر : لا أغرب بعده أحدا قيل : وقد جلد عمر أربعين , وستين , في الخمر , بعد أن جلد الثمانين , بأصح إسناد يمكن وجوده. ويلزمهم أن يحلقوا شارب الخمر بعد الرابعة , كما فعل عمر , فلا يحدونه أصلا , ويلزمهم أن يوجبوا جلد ثمانين أيضا ، ولا بد على من فضل عليا على أبي بكر , أو على عمر , وعلى من فضل عمر على أبي بكر ; لأن عمر وعليا , قالا ذلك , بحضرة الصحابة. ويلزمهم أن يجلد حدا واجبا كل من كذب على الله تعالى , وعلى القرآن , وإلا فقد تناقضوا بالباطل فظهر فساد قولهم

قال أبو محمد رحمه الله : وصح بما ذكرنا : أن القول بجلد أربعين في الخمر هو قول أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , والحسن بن علي , وعبد الله بن جعفر , بحضرة جميع الصحابة ، رضي الله عنهم ،. وبه يقول الشافعي , وأبو سليمان , وأصحابهما وبه نأخذ وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب السرقة
كتاب السرقة (مسألة 2266 - 2267) | كتاب السرقة (مسألة 2268 - 2274) | كتاب السرقة (مسألة 2275 - 2279) | كتاب السرقة (مسألة 2280 - 2284) | كتاب السرقة (مسألة 2285 - 2287) | كتاب السرقة (مسألة 2288 - 2291) | كتاب السرقة (مسألة 2292) | كتاب السرقة (مسألة 2293 - 2298)