مصطلح التاريخ (الطبعة الثالثة)/الباب السابع: إثبات الحقائق المفردة


البَـابُ الــسَّــابع


إثبات الحقائق المُفردة


لقد جمعنا كل الأصول وتذرعنا بالعلوم الموصلة إلى فهمها ونقدناها. فتثبتنا من صحتها وعينا تاريخها ومكان تدوينها. ثم تحرَّينا نصوصها وتوصلنا إلى فهم ظاهرها وباطنها. ودققنا في أخبار رواتها للتعرف إلى أحوالهم فتوصلنا إلى تقرير عدالتهم وضبطهم. فهل يجوز لنا بعد هذا القدر من النقد والغربلة أن نقبل ما تبقى لدينا من الروايات فنؤلف منه التاريخ الذي نكتب؟ أم يجب علينا أن نتابع البحث ونعيد الغربلة قبل الشروع في التأليف؟

نقول إن ما تذرعنا به من وسائل النقد والغربلة لم يثبت لنا الحقائق التاريخية ولكنه مكننا من المفاضلة بين الرواة وتعيين درجاتهم على الشكل التالي: راوٍ لا تقبل روايته وآخر ضعيف الرواية مجهول المكانة وثالث وهو أولاهم في انتباهنا لسماع روايته ولكنه على هذا يظل موضوعاً للنظر والاختبار. وإذاً فالنقد الذي تذرعنا به لم يوصلنا إلى نتيجة إيجابية يمكننا الاعتماد عليها للتأكد من حقيقة الماضي؛ ولم يقطع لنا في شيء سوى أمر واحد هو إسقاط رواية من لا يعتمد عليه. وهي نتيجة سلبية.

فلا بد للمؤرخ والحالة هذه من متابعة البحث والتنقيب للوصول إلى طمأنينة العقل وسلامة الاستنتاج. وعليه أولاً أن يبتعد كل الابتعاد عن الروايات التي انفرد بها راوٍ واحد. فإذا كانت العلوم الطبيعية تتطلب المشاهدة والاستدلال القياسي والتحقيق بالمقابلة وبالتجربة، فتبتعد كل الابتعاد عن الاطلاق في النتيجة من مشاهدة واحدة، فالتأريخ أولى بذلك منها لأنه بعيد عن المشاهدة ضعيف الاستدلال بالقياس عديم التجربة.

وهو أمر قديم العهد بيننا. وقد اعترف به علماء الحديث فجعلوا الحديث من هذه الناحية درجات أعلاها المتواتر. وشرطوا فيه أن يبلغ عدد المخبرين مبلغاً يمنع في العادة تواطؤهم على الكذب1. ومن ذلك أبيات الجلال السيوطي في ألفيته المشهورة. قال:

وما رواه عــدد جم يجب
إحالة اجتماعهم على الكذب
فالمتواتر وقوم حــددوا
بعشرة وهو لدي أجود
والقولُ باثني عشر أوعشرينا
يحكى وأربعين أو سبعينا2

ومن هذه الدرجات في الحديث العزيز. وقد أطلقوه على ما لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين. قال شيخ الإسلام بن حجر العسقلاني «وسمي بذلك إما لقلة وجوده وإما لكونه عز أي بمجيئه من طريق أخرى3». وفيه قال الجلال السيوطي:

وسم العزيز والذي رواه
ثلاثة مشهورنا رآه4

ومن المحدِّثين من اشترط في الصحيح رواية راويين على الأقل وهو شرط العزيز.

قال الحافظ زين الدين العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: «قال البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني رحمهما الله رأيت في الفصول التي أملاها الشيخ حرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط في قبول الأخبار أن يروي عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر قائله إلى آخر كلامه. وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني فنبه على أنَّه لا يعرف عن أهل الحديث والله أعلم».5

وجاء في رسالة ابن حجر العسقلاني ما يأتي: «والثالث العزيز وهو أن لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين وسمي بذلك إما لقلة وجوده وإما لكونه عز أي قوي بمجيئه من طريق أخرى. وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه وهو أبو علي الجبائي من المعتزلة وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث حيث قال الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ثم يتداوله أهل الحديث كالشهادة على الشهادة. وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري. وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر. لأنه قال فإن قيل حديث الأعمال بالنيات فرد لم يروه عن عمر إلا علقمة قال قلنا قد خطب به عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة. فلولا أنهم يعرفونه لأنكروه كذا وقال وتعقب بأنه لا يلزم من كونهم سكتوا عنه أن يكونوا سمعوه من غيره وبأن هذا لو سلم في عمر منع في تفرد علقمة. ثم تفرد محمد بن إبراهيم به عن علقمة. ثم تفرد يحيى بن سعيد به عن محمد على ما هو الصحيح المعروف عند المحدثين. وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها لضعفها. وكذا لا نسلم جوابه في غير حديث عمر رضي الله عنه. قال ابن رشيد ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه. وادعى ابن حبان نقيض دعواه فقال إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلاً. قلت إن أراد به أن رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم. وأما صورة العزيزة التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين»6

وقال الشيخ محي الدين عبد الحميد، المدرس في كلية اللغة العربية في الجامع الأزهر، في شرحه على ألفية السيوطي، ما نصه: «وقد قال باشتراط رواية رجلين عن رجلين إبراهيم بن إسماعيل بن عليه وهو من الفقهاء المحدثين وكان يميل إلى الاعتزال وكان الشافعي يحذر منه ويرد عليه. وذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة إلى أن شرط الصحة رواية عدلين عن مثلهما أو رواية عدل واحد بشرط أن يعضده موافقة ظاهر كتاب أو ظاهر خبر آخر. ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي أن بعضهم اشترط في قبول الخبر أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه. وبعضهم اشترط أربعة عن أربعة وبعضهم اشترط خمسة عن خمسة. وبعضهم اشترط سبعة عن سبعة. وكل هذه الأقوال غير قول جمهرة العلماء. وقد نسب الناظم القائلين بها إلى الغلط»، وذلك في قوله:

وليس شرطاً عدد ومن شرط
رواية اثنين فصاعداً غلط7

ومما جاء في أصول الفقه للإمام أبي حامد الغزالي8 ما يلي:

«اعلم أن التكليف والإسلام والعدالة والضبط يشترط فيه الرواية والشهادة. فهذه الأربعة. أما الحرية والذكورة والبصر والقرابة والعدد والعداوة فهذه الستة تؤثر في الشهادة دون الرواية. لأن الرواية حكمها عام لا يختص بشخص حتى تؤثر فيه الصداقة والقرابة والعداوة» كما هي الحال في الشهادة.

وإذاً فالأمر قديم العهد بيننا. وقد قال به علماء الحديث في المتواتر والعزيز وبعضهم قاله في الصحيح. ونوه به علماء الفقه في الشهادة. فحري بالمؤرخ العربي أن يعتنقه وينادي به فيبتعد عن كل رواية تاريخية انفرد بها راوٍ واحد9. فإذا قضت الظروف بتدوينها فعليه أن يصرح بأنها غريبة في بابها وأنها لم ترو إلا عن راوٍ واحد. هذا وإنه لمن دواعي الأسف أن نرى بعض زملائنا المؤرخين الذين يعنون بالعصور الوسطى والعصور القديمة يهملون هذه القاعدة الأساسية في مصطلح التاريخ فيثبتون في تواريخهم روايات جمة انفرد بها راو واحد فيضلون ويضللون. وإذا ما تسرب إلى عقول البعض أن بعض المؤلفات الحديثة في العصور الوسطى وفي التاريخ القديم هي أكثر جزماً من بعض أخواتها في العصور الحديثة فإنما السبب في ذلك يرجع إلى إهمال واضعيها وقلة درايتهم بقواعد مصطلح التاريخ.

على أنه يجدر بالمؤرخ المدقق قبل إسقاط الرواية التي ينفرد بها راوٍ واحد، أن يعيد البحث والتنقيب لعله يجد بين الروايات المختلفة ما يزكي به روايته المنفردة. وهو أمر عرفه المحدثون وعملوا به فأفردوا له باباً خاصاً سموه باب الاعتبار والمتابعات والشواهد. قال ابن الصلاح:

«هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به رواية أو لا وهل معروف أو لا؟ وذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله أن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثاً لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيُنظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين. فإن وجد علم أن للخبر أصلاً يرجع إليه. وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين ورواه عن أبي هريرة. وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه وإلا فلا. قلت فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد فهذه المتابعة التامة. فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يُطلق عليه اسم المتابعة أيضاً لكن يقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضاً. فإن لم يُرو ذلك الحديث أصلاً من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة. فإن لم يرو أيضاً بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذٍ. وينقسم عندئذٍ إلى مردود منكر وغير مردود كما سبق. وإذا قالوا في مثل هذا تفرَّد به أبو هريرة وتفرد به عن أبي هريرة عن ابن سيرين وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه.

ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدوداً في الضعفاء. وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد. وليس كل ضعيف يصلح لذلك. ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك والله أعلم».10

وقال الجلال السيوطي نظماً ما يلي11:

الاعتبار سبر ما يرويه
هل شارك الراوي سواه فيه
فإن يشاركه الذي فيه اعتبر
أو شيخه أو فوق تابع أُثر
وإن يكن متن بمعناه ورد
فشاهد وفاقد ذين انفرد
وربما يدعى الذي بالمعنى
متابعاً وعكسه قد يعنى

وقد تتعدد الروايات التاريخية في أمر واحد فتتوافق أو تتناقض. وحيث تتناقض يحسن بالمؤرخ أن يؤكد بادئ بدء وقوع التناقض. لأن ما يظهر من التناقض لأول وهلة قد يتلاشى لدى التدقيق والتحقيق. فقد لا تتفق الروايات في الزمان أو المكان أو الشخص المقصود أو ما شاكل ذلك. أما إذا ثبت التناقض فعلى المؤرخ ما يأتي:

١) أن يترفع عن اتخاذ موقف وسط بين الطرفين. فإذا ما وقع مثلاً على أصل من الأصول فيه أن عدد المحاربين في واقعة كان عشرين ألفاً وآخر فيه أنهم كانوا أربعين ألفاً، فإنه من الخطأ الفاضح أن يوفق بين الطرفين فيزعم أن العدد كان وسطاً بين الطرفين أي ثلاثين ألفاً. فإن ما يصح في علم الرياضيات يصح هنا. فإذا جعل أحدهم حاصل الرقمين ٢ × ٢ أربعة وجعل الآخر الحاصل ستة، فهل يقال إن الحاصل الحقيقي لا هذا ولا ذاك بل هو خمسة!

٢) أن يعيد النظر في الطرفين لعله يكشف الستار عن عيب في إحدى الروايتين لم ينتبه إليه أولاً. أو لعلة يجد ما يجعله يثق بالواحدة أكثر من الأخرى. فيسقط ما قلت ثقته فيه ويرجح القول الآخر.

٣) أن يمتنع عن الحكم بين الطرفين إذا عم الشك وبانت قلة الثقة. فليس هنالك ما يضطره لإبداء رأيه وإصدار حكمه. والعالم من يعلم أنه لا يعلم. وما يصح عن التناقض بين روايتين يصح أيضاً عن التناقض بين رواية من الجهة الواحدة وروايتين أو أكثر من الجهة الأخرى. فلا عبرة للعدد في مثل هذه المواقف. والحقيقة العلمية لا تثبت بالصويت والأكثرية وقد قال الفلاسفة القدماء Ne numerentur, sed ponderentur ومعناه «الوزن لا العدد».

وحيث تتوافق الروايات التاريخية يجدر بالمؤرخ المدقق أن يلتفت إلى أمور عدة منها ما يأتي:

١) عليه أن لا يتسرع في الحكم فيظن أن جميع ما لديه من الروايات هو من النوع الذي يعول عليه. فالناس كثيراً ما ينقل بعضهم عن بعض. وهذه جرائدنا اليومية. ألا ترى أن مخبراً واحداً أحياناً ينقل الخبر نفسه إلى جرائد متعددة؟ وإذاً فالمؤرخ المدقق هو من يتروى في الأمر ويعيد النظر في الروايات ليؤكد عدم اعتماد الرواة بعضهم على بعض. والتأكد من الاعتماد أو عدمه ميسور لمن يسعى إليه. وقد سبق لنا أن طرقنا مثل هذا الموضوع في باب تحري النص والمجيء باللفظ. فأتينا على ذكر قاعدة عامة يقول بها المؤرخون في مثل هذه المواقف وهي أن النساخ والرواة لا يتفقون على خطأ إلا ويكون أحدهم في الأرجح قد أخذ عن غيره كما وأنهم لا يتفقون منفردين إلا على الصحة. فليس على المؤرخ والحالة هذه إلا أن ينعم النظر في الروايات التي يدرس ليرى إذا كانت تتفق على خطأ معين. فيثبت لديه عندئذٍ اعتماد الواحدة منها على الأخرى. وهلم جراً. فإن أعياه ذلك فعليه أن يعلق حكمه في الأمر ويبقى متمسكًا بالشبهة والاتهام. ولا يخفى أن ما يصدق على الرواية بأكملها يصح أيضاً على أجزائها. فيحسن بالمؤرخ أن يتأكد من هذا الأمر أيضاً قبل الفراغ من عمله.

٢) وعليه أن يذكر أيضاً أن شدة الانطباق بين الروايات المختلفة توجب الشك لا الثقة. وهو أمر عرفه علماء التزوير في الخطوط وقالوا به منذ زمن بعيد. فحيث ينطبق إمضاء، معترض عليه، من جميع نواحيه وفي جميع دقائقه، على إمضاء معترف به، يُرجح وقوع التزوير. وحيث يشتد انطباق الروايات بعضها على بعض يزداد قلق المؤرخ ويكثر ريبه.

٣) وهناك تآلف بين الحقائق التاريخية لا بد من الالتفات إليه. والاستعارة هنا من علم الموسيقى. فكما تتآلف الألحان المختلفة فتشكل مجموعًا موسيقياً شائقًا مؤثراً في النفس، كذلك الروايات التاريخية المختلفة فإنها إذا ما عبرت عن الحقيقة الراهنة تتآلف بعضها مع بعض فتتناصر على البطل وتلمع لمعان الحق. فيترتب على المؤرخ المدقق أن ينظر إلى رواياته المتوافقة ليرى إذا كانت تتآلف فتتناصر وتظهر الحقيقة. والعكس بالعكس.

وقد تكتمل هذه الشروط في رواية من الروايات. ولكن المؤرخ يجد تناقضاً بين مضمونها وناموس من نواميس العلوم الطبيعية. فيضطر والحالة هذه إلى إسقاط الرواية وصرف النظر عنها. فلو قال قائل بما يتناقض كل المناقضة مع قواعد علم الطب لاضطررنا أن نصدق الطبيب ونترك الراوي. ومثله في أمور الفلسفة الطبيعية أو علم الكيمياء أو الحيوان. فهنالك نواميس في هذه العلوم راسخة لا تتزعزع. ولا مفر من الاعتراف بها وقبولها إن عن الحاضر أو الماضي أو المستقبل.


ومثال بعض ما أوردناه في هذا الباب وفي الباب السابع أيضاً ما أقدمنا على نشره عام ١٩٣٠ في تشريح موقف الدمشقيين من حملة محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا على الأقطار الشامية.

فبينما كان لبنان يخف لنجدة مصر ١٨٣١م. ويقدم لها المساعدة الواحدة تلو الأخرى فيجاهر بالخروج على السلطان12 ويقاتل في سبيل الشقيقة في طرابلس قتال الأبطال ويؤمن الذخائر والمؤن في سهل البقاع ويقوم بحفظ الأمن في القسم الأكبر من البلاد المغلوبة ويلبي الطلب في هذا الأمر وذاك13 بينما كان لبنان يصدق هذا السعي لمصر ويبذل طوقه في سبيلها كانت دمشق تتقاعس عن مساعدة الفاتح المصري وتنقبض على إسعافه. وزاد تطرفها في هذا الأمر أن أقفلت أبوابها في وجهه وتجهزت لحربه فتصدت له بالقرب من داريا قاصدة قطعة عن عزمه وإحالته عن قصده14.

هذه حقيقة تاريخية كنا نرددها بالأمس ولا نزال نقول بها اليوم. ولكن طالما توخينا وحاولنا أن نعرف أسبابها فاعترضتنا عقبة السكوت في بعض الأصول والغموض في غيرها فحبستنا عن حاجتنا. ولم يتوفر لدينا وقتئذٍ من معالم الطريق سوى بعض الروايات المبهمة أو الممرضة في مخطوطتي برلين15 ولندن16 وكتاب الدكتور مخائيل مشاقه المشهور17 وغيره، وبعض الأخبار المفردة الغربية في كتاب كاد الفان وبارو ورسالة فيدال وغيرهما18. فقد جاء في مخطوطة برلين في الكلام عن ثورة دمشق وقتل محمد سليم باشا عام ١٨٣١م ما يأتي: «وبعد دخول الوزير بثلاث أيام هرب الجوربجي محمد آغا الداراني بالليل إلى بيت الشوملي بالميدان فلما بلغ ذلك الوزير اغتاظ وأرسل له أمراً أنه لا يقعد في حكمه فالتزم توجهه إلى عكا ولما مضى من الحصار خمسة عشر يوماً شاع الخبر أن الجوربجي الداراني الذي كان هرب إلى عكا حاضر منها صحبته كيخية عبد الله باشا، وقبل أن يحضر الجوربجي كانت المادة تناقصت وبعد حضوره تجسمت وتقوَّت المتاريس والناس تواقحوا وصار الجوربجي رأس الجميع وظهر أن هذه إرادة عبد الله باشا والي عكا»19 وجاء في مخطوطة لندن ما نصه: «ومحمد سليم باشا كان يفتكر يجيه إسعاف من جهات وجميع الناس صاروا ضده من الجملة عبد الله باشا والي عكا كان يرسل يقوي عبارة أهل الشام كذا شاع عنه»20 وكذلك الدكتور مشاقه فإنه قال في مخطوطته المشار إليها سابقًا ما يأتي: «ثم حضر من عكا الجربجي الداراني الذي كان نازحاً إليها من وجه سليم باشا، والقول إن عبد الله باشا أرسله لإتمام ما جرى بعد ذلك، لغاية ما لأنه كان صاحب سطوة جسيمة بين كبراء دمشق»21 ولا يخفى ما في هذا القول جميعه من صيغة التمريض والإبهام كما يتضح من قول المؤرخ المجهول في المخطوطة البرلينية «وظهر» وقول ميخائيل الدمشقي «وشاع» واكتفاء الدكتور مشاقة بكلمة «والقول» وكذلك فإن قول المؤرخين الإفرنج المشار إليهم آنفاً لا يخلو من الترجيم ولا يخرج بعضه عن حد المظنونات. غير أننا مع إقرارنا بهذا التمريض والترجيم والإبهام كله كنا نأمل أن نستبصر بهذا القول عن مقتل محمد سليم باشا فنكشف القناع عن موقف الدمشقيين الحقيقي تجاه النزاع الذي وقع بين والي عكة وعزيز مصر وقتئذٍ ونحسر اللثام عن أميالهم السياسية.

وهكذا جرى فإننا توفقنا عام ١٩٢٧ فوجدنا في سجل المحكمة الشرعية بمدينة دمشق رسالتين من عبد الله باشا إلى أهالي هذه البلدة يرجع عهدهما إلى سنة ١٨٣١م. ويدور منطوقهما حول مقتل سليم باشا وخروج محمد علي باشا إلى سورية ومع أننا لم نجد في هاتين الرسالتين نصاً صريحاً على حقيقة موقف الدمشقيين فإننا بدأنا آنئذٍ بالخروج من حيز الظن إلى جهة الترجيح واليقين — ترجيح ما أَومأته إلينا تلك المقدمات وما صوره لنا ذلك الظن.

نص الرسالة الأولى: «بيورلدي بختم كبير من حضرة عبد الله باشا والي عكا صدر الموالي العظام عمدة العلماء الكرام ونخبة الفضلاء الفخام ذو الفضل واليقين رافع أعلام الشريعة والدين وارث علوم الأنبياء والمرسلين المختص بمزيد عنايت الملك (المعين) قاضي محروسة دمشق الشام حالاً أفندي زيدت فضائله وافتخار العلماء الكرام وزبدة الفضلاء الفخام المأذون بالإفتا أفندي (زيدت) علومه وفرع الشجرة الزكية وطراز العصابة الهاشمية قايمقام نقيب الأشراف أفندي زيد شرفه ومفاخر أقرانهم علماء المدينة وأعيانها ووجوهها وأرباب التكلم بوجه العموم زيدت مقاديرهم بعد السلام التام بمزيد الإعزاز والإكرام المنهي إليكم اطلعنا على عرضمحضركم المتضمن التخبير عما حصل من المرحوم محمد سليم باشا وقتله كتخداه وما حصل بهذه الحركة بينه وبين الحراس وقتله ثلاثة أنفار منهم وانه أخيراً جلس على صندوق باروت وقوصه بيده فاحترق هو والأوده بما فيها فلما بلغ ذلك أعيان البلدة توجهوا اخرجوا أتباعه بالسلامة وسيروهم من الشام بالأمن والحراسة وحررتم الموجودين التي بالأودة التي احترقت بالمشار إليه وأما أمين بك أفندي المأمور من طرف حضرت ولي نعمتنا الدولة العلية صانها وحرسها رب البرية فهو مقيم بالراحة والرفاه في قوناق أحدكم الحاج محمد أغا الداراني وجميعها شرحتوه وأعرضتوه صار معلوم فنخبركم أن قبل تاريخه عرض محضركم الذي أرسلتموه لطرفنا قدمنا أعراضه لجناب العتبة العليا الملوكية فلا زالت على الدوام مصانة ومحمية صحبة سر تاتاران بابنا والآن عرضمحضركم هذا قدمنا أعراضه أيضًا لجانب العتبة العالية الملوكية صحبة تاتاران بابنا ونحن بانتظار الأوامر الشريفة والإرادة السامية الشاهانية بمصلحة إيالت الشام المراد تكونوا متنبهين لحفظ الموجودات وراحة البلدة إلى حين ورود الأجوبة لنا من جانب حضرة ولي نعمتنا الدولة العليا والسلطنة السنية أعز الله تعالى أنصارها وقوَّى شوكة اقتدارها فبناء على ذلك أصدرنا لكم بيور لدينا هذا من ديواننا في قلعة النصر داخل دار الجهاد محروسة عكا المحمية عن يد رافعه فبوصوله ووقوفكم على مضمونه تعلموه وتعملوا بموجبه وتعتمدوه غاية الاعتماد في غرة ج سنة ١٢٤٧ قيد سند في ٦ ج سنة ٤٧ بختم صغير:

نص الرسالة الثانية: بيورلدي باختم كبير من عبد الله باشا والي عكا صدر الموالي العظام عمدة العلماء الكرام ونخبة الفضلا (الفخام) معدن الفضل واليقين رافع أعلام الشريعة والدين وارث علوم الأنبياء والمرسلين قاضي محروسة الشام حالا مولانا أفندي زيدة فضائله وافتخار العلماء الكرام ونخبة الفضلاء الفخام المأذون بالافتا بها أفندي زيدة علومه وفرع الشجرة الزكية وطراز العصابة الهاشمية قايمقام نقيب السادة الأشراف أفندي زيد شرفه ومفاخر العلما الكرام ونخبة المدرسين الفخام وزبدة العلماء العظام علماء المدينة ومدرسينها وصلحائها زيدة علومهم وفضلهم وصلاحهم ومفاخر الأماجد والأعيان وجوه وأعيان المدينة وأرباب التكلم ومقارشين الأمور زيد مجدهم وقدرهم بعد التحية والتسليم بمراسم الإعزاز والتكريم والسوال عن خواطركم المنهى إليكم اطلعنا على عرضمحضركم المتضمن توارد الأخبار لطرفكم عن قدوم عسكر والي مصر إلى إيالات بر الشام ودخوله إلى غزة ويافة وانه مرسل مراكبه بحراً وبوجه الفراسة تحققتم إن ذلك خروج على السلطان لزم عقدتم مجلس عمومي بحضور جميعكم وتفاوضتم بأمر هذا الخارجي والجميع منكم بقول واحد وقلب واحد اتفقتم أن جميعكم عبيد حضرة ولي نعمتنا الدولة العلية والسلطنة السنية أعز الله أنصارها وقوى شوكة اقتدارها واعداً لمن عاداها وأصدق لمن صادقها وجميعكم بهذا الاتفاق كجسم واحد بإطاعتنا وتحت أوامرنا وجميعما شرحتوه ووضحتوه حرفاً بحرف صار معلوم فنخبركم أن الأمر كما تحققتم ووالي مصر بوجه الخروج على السلطان تجرأ على الفعل الوخيم العواقب وأرسل عساكره وتكناته المنحوسة لأجل الاستيلاء على هذه المماليك الشامية التي هي وإيالت مصر أيضاً ملك حضرة مولانا السلطان نصره العزيز الرحمن ومن المحقق تقارب الأجل وحلول أوان زوال النعم أغراه لهذا الخروج الذي عواقبه الدمار والبوار وقلع الآثار ولقد أصبتم بما عقدتم عليه رأيكم واتفقتم عليه بقلوبكم وهو بلا شك موجب لكم سعادة الدارين ولقد انحظينا الحظ التام من ارتباطكم للخدامة الصادقة أمام حضرة ولي نعمنا الدولة العليا صانها وحرسها رب البرية إذ نحن بحوله تعالى وقوته وباهر جلال عظمته بغاية القوة والاستعداد والنشاط التام لخدامة حضرة ولي نعم العالم وسبب أمن وراحة بني آدم ظل الله الظليل سلطان السلاطين وخاقان الخواقين أعزه الله بنصره المبين وقهر أعدا الخاسرين انكان بلقاء هذا الخارجي وضربه وتدميره وانكان بجميع الخدامات والمأموريات فأنتم يلزم تقووا اعتصابكم واعتضادكم هذا وتنشطوا العزايم الإسلامية بهذا الاتفاق الحسن الذي فيه خير الدنيا والآخرة وتكونوا منتظرين أوامرنا فبناء على ذلك أصدرنا لكم بيورلدينا هذا من ديواننا في قلعة النصر داخل دار الجهاد محروسة عكا المحمية بوصوله واطلاعكم على مضمونه تعتمدوه غاية الاعتماد وتداوموا على خير الدعا بالأماكن والأوقات المظنونة الاجابة بدوام سرير سلطنة حضرة مولانا السلطان نصره العزيز الرحمن وخلد سرير سلطنته العظما إلى انتهاء الزمان وانقراض الدوران هذا ما لزم اخباركم والدعا في ١١ج سنة ٢٤٧ قيد سند ١٤ج سنة ٢٤٧

* * *

إثبات الأصلية واقرار المضمون:

هذا هو نص هاتين الرسالتين كما عرفناه في سجل المحكمة المذكورة وقد أبقيناه على حاله بحروفه وغلطاته ونحن نرى في وجود هاتين الرسالتين ضمن سجل رسمي يرجع عهده إلى ذلك الزمن دليلاً قوياً يثبت أصليتهما ويقرها بوجه الإجمال. ولنا أيضاً في صحة أصل الصكوك الشرعية التي ترد قبل هاتين الرسالتين في السجل نفسه وبعدهما ما يقوي اعتقادنا في سلامة أصلهما وعدم تزويره. وبعد المقابلة بين نص هاتين الرسالتين ونصوص غيرهما من رسائل عبد الله باشا التي تحمل ختمه وإمضاءه والتي لا تزال محفوظة حتى الآن لدى أرباب البيوت الكبيرة في فلسطين وسورية تمكنا من الوقوف على دليل آخر يدعم هذا الإثبات ويؤيده. فإنك لو طلبت المجموعة الفاهومية في الناصرة وأخذت بيدك مراسيم هذا الباشا إلى الشيخ عبد الله الفاهوم وغيره لوجدت فواتحها وخواتمها كفواتح هاتين الرسالتين وخواتمها بالضبط. ثم إننا لا نجد فرقاً بين لغة وأسلوب هاتين وتلك.

ويصح لنا بناء على هذا الإثبات للأصلية أن نقول إن أهالي دمشق وعدت عبد الله باشا خيراً فقال انه اتعد وإنها قالت إنها فعلت ذلك لخروج محمد علي باشا على السلطان وإن عبد الله شدد عزائمهم ونشط قلوبهم. ولكننا نجد أنفسنا مضطرين لطلب تزكيتين على الأقل مستقلتين الواحدة عن الأخرى لتأييد كلام الدمشقيين في سبب انقباضهم عن إسعاف الباشا المصري ومقاومتهم إياه. ولما كان هذا العدد والنوع من التزكيات الفنية غير متوفر لدينا الآن لا نرى مناصاً من الاكتفاء بالقول إن الدمشقيين «قالوا» إنهم قاوموا المصريين لأن هؤلاء خرجوا على السلطان وإنهم — أي الدمشقيين — اشتهروا بتعصبهم ومحافظتهم على التقاليد القديمة دينية كانت أم اجتماعية22.

ولكن هل هذا كل ما في الأَمر أم هنالك دُخلة مكنونة لا بد لنا من إظهار بعضها وإماطة اللثام عنها. نقول نحن على مرية من أمر مقتل الباشا كما ورد في الرسالة الأولى وقد ترددنا ولا نزال نتردد في صحته لغرابته ومخالفته الأصول المعروفة. قال المؤرخ الدمشقي المجهول واضع مخطوطة برلين المشار اليها سابقاً: «وفي الساعة الواحدة من الليل أحضروا كيخية سليم باشا وخاله من بيت المفتي الى عنده وقالوا لهم ان الوزير طالبكم ودخل أولاد البلد الساعة الرابعة من الليل قتلوا كيخية الوزير وخاله والقبجي والسلحدار والخزندار والمهردار وكان الوزير حينئذٍ في القاعة فسمع العكرة بأرض الدار فسكر الباب من جوا وكان عنده مملوك وطواشي صاروا يدكوا له وهو يقوص حتى قتل ستة أنفار من أولاد البلد وبعد هذا طلع ناس إلى ظهر القاعة حفروه ونقبوه وقوصوه فرموه وأناس علقت النار في باب القاعة … وهو وقع من القواص، فلحقته النار احترقت ذقنه وشواربه وتشلوط كل بدنه ولا يعاد ينعرف شكله23». ويزكي قول هذا المؤرخ ما جاء في الجواب على اقتراح الأَحباب للدكتور مشاقه وفي حوادث الشام ولبنان لمخائيل الدمشقي وكتاب الروضة الغناء لنعمان القساطلي24. ولا يخفى ما في هذا القول المزكي من المناقصة لقول الدمشقيين أنفسهم فهم يقولون إن سليما قتل نفسه والمؤرخون المعاصرون يقولون إنهم هم قتلوه. فأي القولين نقبل؟ نقول تدل محتويات المخطوطة البرلينية أن كاتبها كان دمشقياً25 من وجهاء الطائفة الأرثوذكسية المسيحية وأنه كان في إمكانه أن يشاهد بعض ما يرويه عن مقتل الباشا وأنه كان يدون رواياته حين وقوع حوادثها أو بعد ذلك بزمن يسير. هذا ولا نعرف له مصلحة كان بإمكانه أن يخدمها بقوله هذا أو ظروفاً كانت تضطره لتزوير شيء عن مقتل الباشا أو أنه كان يتودد للعامة فيكتب ما يرضيهم فهو لم يذكر اسمه ولا مهنته ولم يقصد نشر مخطوطته على ما نعلم26. وكذلك فإن الدكتور مشاقة ونعمان القساطلي اشتهرا بنباهتهما وتدقيقهما وأمانتهما أيضاً27. أما عريضة الدمشقيين فإنها وضعت لاستعطاف أولياء الأمر آنئذٍ وكتبها أناس اتهموا بقتل الوالي نفسه وعرفوا بانخراعهم من جراء ذلك وخوفهم وجبنهم28. وبناء على هذا كله نرى أنفسنا مضطرين الآن أن نرجح صحة أقوال المؤرخين المعاصرين، ونكذب الأعيان الدمشقيين.

فإذا صح أن الدمشقيين قتلوا واليهم وأنهم حذروا بطش الآستانة من جراء ذلك فأظهروا علامات الجبن والخوف وأنهم فاوضوا عبد الله باشا في الأمر وطلبوا إليه أن يتوسط بينهم وبين الآستانة ويستعطف السلطان عليهم، وإذا صحت الإشاعة أنه كان لعبد الله يد في مقتل الباشا إذا صحت هذه الأمور جميعها، أفلا يصح لنا أن نقول إن ما اقترفه الدمشقيون من الإثم في مقتل الباشا وانخراعهم في عقابه ربما كان سبباً من أسباب اتحادهم مع عبد الله باشا ومقاومتهم للفاتح المصري؟


للدرس والتطبيق: ويجدر بالقارئ أن يطالع بإمعان وتدقيق ما قاله الأستاذ جبرائيل في موت عمر بن أبي ربيعة في الجزء الثاني من مؤلفه المشهور وإليك نصه:

ولعل أخفى ما في تاريخ عمر أَمر موته وهو شيء غريب فالرواة والمؤرخون عودونا أن يختلفوا في أمر ولادة بطل أخبارهم لأن أحداً من الناس لم يؤت النبوة ليعلم أن هذا الصغير الذي يوضع سيكون له شأن، أما أن يختلفوا في ظروف موت شاعر طبَّق صيته العالم العربي فأمر ذو بال.

غريب جداً أن يكون شاعر مثل عمر ملأ الدنيا بحق وشغل الناس — نساء ورجالاً — ثم يموت فيجهل الرواة أمر موته ويختلفون في سببه وموضعه، فيزعم بعضهم أنه قضى في الشام، ويزعم آخرون أنه مات غرقاً في دَهْلَك. ويذهب فريق إلى أنه مات من مرض أصابه، ويذهب آخرون إلى أنه غزا في البحر فاحترقت السفينة به، ويذهب غيرهم إلى أن امرأة شبّب بها ظلماً فدعت عليه فقتله دعاؤها. ويضطرب حبل الرواة في تعيين سنة موته فيرى بعضهم أنها كانت ثلاثاً وثمانين للهجرة، يرى آخرون أنها ثلاث وتسعون، ويمد فريق ثالث بعمره فيجعل سنة وفاته الواحدة بعد المائة. ولسنا نرى بداً بعد هذا الاضطراب والتشويش من عرض هذه الروايات المختلفة للدرس والنقد علَّنا نستطيع أن نتوصل إلى الحقيقة.

أما أقدم هذه الروايات وأكثرها انتشاراً في كتب السلف وأشدها أثراً في نفوس الأدباء العرب في هذا العصر وأحظاها قبولاً عندهم فهي تلك التي تنص على أن الخليفة عمر بن عبد العزيز نفى ابن أبي ربيعة إلى دهلك29 فغزا بالبحر فأحرقوا سفينته فاحترق. ولعل أقدم من ذكر هذه الرواية وأظهر سبب وجود عمر في دهلك ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء 30. وقد سبقه الجاحظ فذكر في البيان والتبيين خبر احتراق السفينة بعمر31 ولكنه لم يذكر من الذي دفع بعمر إلى أن يغزو في البحر. ويظهر أن الجاحظ وابن قتيبة أشفقا على عمر فختما له بالشهادة على هذه الصورة وزعما أن عبد الله بن عمر قال: فاز عمر بن أبي ربيعة بالدنيا والآخرة غزا البحر فأحرقوا سفينته فاحترق. وقد جارى الجاحظ وابن قتيبة في ما ذكراه عن استشهاد عمر في البحر كثيرون من المتأخرين نذكر منهما ابن خلكان32 والدميري33 والسيوطي34 والحنبلي35 والعيني36 والبغدادي37. ولعلهم قد ارتاحوا لسماع هذا الخبر فدونوه فرحين مطمئنين. أوليس حسناً أن تختم حياة عمر في الجهاد؟ أوَليس عظيماً أن ترجع هذه النفس الضالة إلى رشدها فيكفّر صاحبها عن سيئاته بالغزو فيموت شهيداً؟ والأغلب أن شيئاً من هذا لم يجرِ. وهذه الرواية في نظرنا أبعد الروايات عن الحقيقة. ذلك أن عمر بن عبد العزيز اعتلى عرش الخلافة سنة تسع وتسعين كما هو مشهور، فلو فرضنا أن ابن أبي ربيعة قد عاش إلى ذلك الزمن فقد دخل في السادسة والسبعين من عمره، ونحن نعلم أنه كان زمن الوليد بن عبد الملك شيخاً كبيراً مسناً يتوكأ على مولى له لضعفه فكيف يخشى شر هذا فينفى وكيف يغزو مثل هذا في البحر. والغريب أن كثيراً من هؤلاء الذين دونوا هذه الرواية ذكروا أن موت ابن أبي ربيعة قد وقع سنة ثلاث وتسعين، أي قبل استخلاف عمر بن عبد العزيز بست سنوات، ولم يتصدّ منهم أحدٌ منهم لنفيها. زد على هذا أن روايتي الجاحظ وابن قتيبة تذهبان إلى أن عبد الله بن عمر قص هذا الخبر على ابن أبي ربيعة وزعم أنه في موته شهيداً قد فاز بالدنيا والآخرة — كسب الدنيا حين تمتع بملذاتها، والآخرة حين مات شهيداً — ولسنا نعلم كيف تورط الجاحظ وابن قتيبة في مثل هذا الخطأ فقبلا الرواية المدسوسة على عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمر قد مات سنة أربع وسبعين38 أي قبل أن يصبح ابن عبد العزيز خليفة بخمس وعشرين سنة، وقبل أن يموت عمر بن أبي ربيعة بزمن طويل.

وإذاً فرواية الجاحظ وابن قتيبة مضطربة ضعيفة، ولنذكر أن أبا الفرج كتب أوفى ترجمة لحياة عمر ولم يذكر هذه الرواية. وأننا نذهب إلى أبعد من نفي موته شهيداً في البحر فننفي أيضاً أمر تسييره إلى دهلك، إذ ليس في كل أخباره ما يفيد أنه نفي إلى دهلك غير هذه الرواية التي تشير إلى موته في البحر، ولعل مصدرها أن عمر بن عبد العزيز نفى الأحوص فيما يزعمون إلى دهلك، والرواة يعلمون أن عمر لم يكن بالفاسق اليسير، وإذن فلينفَ مع الأحوص، قالوا: فلم يكن لعمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة من هم سوى الأحوص وابن أبي ربيعة وغريب أن ينفي مثل عمر إلى دهلك ولا تحفظ عنه أخبار أو أشعار في ذاك بينما يذكر لنا الرواة أن أهل دهلك يأثرون عن الأحوص الشعر وعن عراك بن مالك الفقه39. وقد خلط الرواة بين الأَحوص وعمر كثيراً ونسبوا لهذا بعض ما وقع لذلك40 فليس غريباً أن يجمعوا بينهما في المنفى. ولكن الأحوص أعيد من منفاه41 فما بقي لعمر إلا أن يموت شهيداً. ومن الممتع أن نعلم أن هناك من يزعم أن ابن حزم عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة هو الذي نفى الأحوص إلى دهلك لا عمر بن عبد العزيز. بل هناك من يزعم أنه عامل سليمان. ورواية ثالثة تذهب إلى أن الأحوص نُفي إلى اليمن.

ولرب معترض يقول إن عمر بن عبد العزيز كان والياً على المدينة للوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين فما الذي يمنع أن يكون وهو والٍ قد نفى عمر إلى دهلك؟ وهنا نجيب أن أحداً من الرواة لم يزعم هذا الزعم وأن أخبار موته الأخرى تناقضه كما سيجيء معنا.

وهناك رواية ثانية في موت عمر تذهب إلى أن عمر نظر في الطواف ذات سنة إلى امرأةٍ شريفةٍ من أحسن خلق الله وجهاً فذهب عقله عليها وكلمها فلم تجبه فقال فيها

الريح تسحب أذيالاً وتنشرها
يا ليتني كنت ممن تسحب الريح
كيما تجرُّ بنا ذيلاً فتطرحنا
على التي دونها مغبرّة سوح
أني بقربكم أم كيف لي بكم
هيهات ذلك ما أمست لنا روح
فليت ضعف الذي ألقى يكون بها
بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح
إحدى بنيّات عمي دون منزلها
أرض بقيعانها القيصوم والشيح

فبلغها شعره فجزعت منه، فقيل لها: اذكريه لزوجك فإنه سينكر عليه قوله، فقالت: كلا والله لا أشكوه إلا إلى الله، ثم قالت: اللهم إن كان نوه باسمي ظالماً فاجعله طعاماً للريح، فضرب الدهر من ضربه، ثم إنه غدا يوماً على فرسٍ فهبت ريح فنزل فاستتر بسلمةٍ فعصفت الريح فخدشه غصن منها فدمي وورم به ومات من ذلك42. وقد قبل هذه الرواية فيما يظهر أبو الفرج الأصبهاني واكتفى بها ودونها في آخر أخباره عن حياة عمر. ونقلها عنه البغدادي صاحب خزانة الأدب مثل ما نقل عن ابن قتيبة الرواية الأولى دون أن يؤثر واحدةً على الأخرى43. ولعل صاحب هذه الرواية لم يكن مشفقاً على عمر بل أراد أن ينتقم الله من عمر لهؤلاء النساء الشريفات اللواتي كان يشبب بهن فأماته بدعاء واحدة منهن. ولو شئت أن أعدد للقارئ أخبار من مات من العرب بدعاء أحد الناس عليه لطال بي المقام. ومهما يكن من الأمر فالصنعة ظاهرة في هذه الرواية والاختراع بيِّن في هذه المصادفات الغريبة التي تتابعت على هذا النحو ليتم دعاء هذه المرأة على عمر. زد على هذا أن أبا الفرج قد تفرَّد بذكرها وقد أسندها إلى رجل باسم ثعلبة بن عبد الله بن صعير. وفي هامش طبعة دار الكتب للأغاني أن لهذا الرجل صحبةً ولابنه رؤية44. ونحن نستبعد أن يعيش إلى أواخر القرن الأول للهجرة رجل كانت له صحبة مع النبي ولابنه رؤية. ونستبعد أيضاً أن يقص مثل هذا الصحابي خبراً عن موت شاعر قضى في أواخر القرن الأول.

ورواية ثالثة يذكرها البلاذري تذهب إلى أن عمر مات بالشام قال: فحدثت أن عمر بن أبي ربيعة المخزومي لما نعي، وكان موته بالشام، بكت عليه مولدة من مولدات مكة كانت لبعض بني مروان فجعلت توجع له وتفجع عليه وقالت: من لا باطح مكة بعده، وكان يصف حسنها وملاحة نسائها فقيل لها: إنه قد حدث فتى من ولد عثمان بن عفان يسكن بعرج الطائف شاعر يذهب مذهبه. فقالت: الحمد للَّه الذي جعل له خلقاء، سريتم والله عني45.

وهذه الرواية تتفق مع رواية رواها الأصبهاني في أكثر أجزائها، والاختلاف الوحيد هو أن الأصبهاني يروي أن الجارية حبشية وكانت بالمدينة فلما أتاهم موت عمر جزعت، ولا تعين رواية الأصبهاني أين حدثت وفاة عمر46. وقد ذكر الحصري الرواية نفسها ولكنه لم يذكر أن موت عمر كان بالشام بل زعم أن الجارية كانت في الشام47. وقد أورد الأصبهاني مضمون الرواية نفسها في موضع آخر غير أن الشاعر فيها الذي زعموا أنه خلف عمر هو الحارث بن خالد المخزومي لا العرجي48.

وسواء أكانت الجارية في الشام أم في المدينة، وسواء أكان الذي خلف عمر في فنه وغزله الحارث أم العرجي، فإن هذا الخبر — إن صح — يفيد أن عمر مات قبل خلافة عمر ابن عبد العزيز لأن العرجي والحارث عُرفا وشُهرا قبل ذلك الزمن. يؤيد هذا إشارة في الأَغاني إلى أن الثريا صاحبة عمر وفدت على الوليد بن عبد الملك بعد أن مات زوجها فسألها الخليفة هل تحفظ شيئاً من شعر عمر فيها فقالت: أي نعم يرحمه الله، وفي بعض الروايات رحمه الله، وأنشدته شيئاً من شعره49. ولعل في هذا القول إشارةً إلى أن عمر قد مات قبل آخر خلافة الوليد هذا.

وللأصبهاني رواية أخرى تذهب إلى أن عمر مات موتاً يقول فيها: أنه لما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث إلخ50 وهذه الرواية تشير إلى أن عمر مات من مرض وأن موته كان قبل موت أخيه. وقد كان أخوه شاباً مدركاً في خلافة ابن الخطاب. وهذا الخبر يبعد احتمال وقوع موت عمر بعد سنة ٩٣هـ. وقد أورد الأصبهاني أيضاً أن عمر مات وقد قارب السبعين أو جاوزها51.

وهناك رواية تفرّد بذكرها فيما نعلم أبو المحاسن بن تغري بردي لم يشر فيها إلى سبب موت عمر بل اكتفى بقوله إن عمر مات سنة مائة وواحدة أي سنة مات عمر بن عبد العزيز نفسه52. ولسنا نعلم من أين استقى أبو المحاسن هذا الخبر. والغريب أنه نقل عن ابن خلكان شيئاً من كلامه عن ابن أبي ربيعة ولكنه لم ينقل سنة الوفاة عنه ولا هو أشار إلى اختلافها عما ذكر هو نفسه وليس لدينا إلا فرض واحد نستطيع فرضه الآن وهو أن ابن خلكان ذكر في ترجمة حياة عمر التي تبلغ نحو صفحتين من طبعة بولاق روايتين مختلفتين عن سنه حين مات، واحدة تشير إلى أنه كان ابن سبعين، وأخرى أنه كان ابن ثمانين، وقد تلا ذكر هذه السنين خبر عن موت والد عمر سنة ثمان وسبعين، فلا يبعد أن يكون أبو المحاسن أراد أن يجمع سن عمر إلى سن مولده ليذكر متى مات فجمع خطأ سنة موت والده المذكورة، وهي ٧٨ إلى ٢٣ وهي سنة ولادة عمر فبلغ ١٠١ وهي السنة التي ذكرها. ولا بد لنا من القول إن أبا المحاسن من المتأخرين وليس في كل المصادر التي طالعنا ما يسنده في روايته، وإذن فإنّا لا نرى داعياً لقبولها.

بقي رواية تشير إلى أن عمر مات سنة ٩٣ للهجرة ذكرها حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عند ذكره ديوان عمر53، وهي تتفق مع أكثر الروايات القديمة في تعيين التاريخ ولعل حاجي خليفة قد نقلها عن بعض المصادر القديمة واكتفى بها دون ذكر سبب الموت.

وقد ذكر الدميري رواية ابن قتيبة في أن عمر غزا في البحر واحترقت سفينته، ولكنه جعل سنة الموت ثلاثاً وثمانين54. ولعل الرقم خطأ مطبعي أو نسخي أو لعل الدميري أخذ روايته عن كتاب ابن خلكان حيث نجد أن الهيثم بن عدي زعم أن عمر ولد سنة ثلاث عشرة، فقبل الدميري هذه الرواية وأضاف إليها سن عمر — سبعين وجعل سنة وفاته ثلاثاً وثمانين.

نرى بعد هذا كله أن نرفض خبر موته غرقاً أو حرقاً وألا نقبل أنه مات بعد سنة ٩٣هـ. وكذلك نستبعد خبر موته من غصن أدماه بعد ريح تهب عليه لكي يستجاب دعاء امرأة شبب بها، ونحن نعلم أنه كان شيخاً ضعيفاً في آخر حياته يتوكأ على مولى له، ولا يقوى مثل هذا على ركوب الخيل في الصحارى أو ركوب البحر للغزو، فلا يبقى لدينا إلا أنه مرض ومات وقد قارب السبعين. ولنذكر أن عمر كانت تنتابه حمى البرداء وقد ارتحل مرةً إلى اليمن ومرض فيها واضطرته الحمى أن يمكث هناك فنظم قصيدة يصف فيها مرضه ويشكو سوء حاله وحال رفاقه ويعتذر إلى صاحبة له:

أرقت ولم يمس الذي اشتهي قربا
وحمِّلت من أسماء إذ نزحت نصبا
لعمرك ما جاوزت غمدان طائعاً
وقصر شعوب أن أكون بها صبا
ولكنَّ حمى أضرعتني ثلاثةً
مجرَّمة ثم استمرت بنا غبا
ومجلس أصحابي كأن أنينهم
أنين مكاكٍ فارقت بلداً خصبا
فإنك لو أبصرت يوم سويقةٍ
مقامي وحبسي العيس مطوية حدبا
إذاً لاقشعر الرأس منك صبابةً
ولاستفرغت عيناك من عبرة سكبا55

وظاهر من وصفه لهذا المرض أنه البرداء، تلك الحمى التي تأتي غباً أي تأخذه يوماً وتدعه آخر. وليس غريباً أن تكون هذه الحمى قد عاودته — ومن شأنها المعاودة — فمات منها. ولكن أين مات؟ ذلك أمرٌ لا نستطيع الجزم فيه، ويلوح لنا من اختلاف الرواة أنه لو كان عمر قد مات في مكة أو المدينة لكان من السهل على الرواة أن يعرفوا ذلك ويظهر أن سبب اختلافهم يعود إلى أن عمر قد مات بعيداً عن الحجاز، ونستبعد أن يكون مات بالشام كما يروي البلاذري، ولعل كلمة الشام في رواية البلاذري مصدرها أن الجارية المكية التي حزنت لموت عمر قد صارت إلى بني مروان في الشام. وأغلب الظن أن عمر قد مات في اليمن وقد كان له مزارع فيها ورثها إما عن أمه أو عن أبيه وكان ابنه جُوان أيضاً عاملاً على تبالة فليس بعيداً أن يكون عمر قد قضى آخر حياته في بلد أمه وأخواله أو عند ابنه. وليس غريباً أن يكون أخوه الحارث معه كما تشير رواية مرضه، ولنذكر أن المصادر التي بين أيدينا لا تذكر شيئاً عن الحارث بعد زوال سلطة آل الزبير فلعله قد انقطع عن السياسة أو أُقصي عنها فآثر أن يعيش بعيداً عن الحجاز في آخر حياته، أو لعل أخاه عمر قد بعث وراءه في مرضه الأخير ليكون عنده.

ولعمر ثلاثة أبيات شعر تقع في آخر بعض نسخ الديوان الخطية وفي آخر طبعة أوربة ربما كان وقوعها هناك إشارة إلى أنها آخر شعر قاله وفيها يُشير إلى مرضه بعيداً عن «أجياد» منازل قومه في مكة يشكو فيها قلة عوّاده:

سقى سدرتي أجياد فالدومة التي
إلى الدار صوب الساكب المتهلل
فلو كنت بالدار التي مهبط الصفا
سلمت إذا ما غاب عني معللي
هنالك لو أني مرضت فعادني
كرام ومن لا يأت منهن يرسل

والخلاصة: أن الروايات متعددة ومتضاربة، والخطأ في بعضها ظاهر، وأصحابها بعيدو العهد بعمر، فإن الجاحظ وهو أقدمهم بدأ حياته الأدبية بعد موت عمر بنحو ثمانين سنة ولم يعن بدرس حياة عمر بل ذكر خبر موته عرضاً، وقد كان هو وابن قتيبة قليلي التدقيق في هذا الأمر. أما البلاذري فقد تفرد بذكر موت عمر بالشام ولم يسند روايته أحد، وأما الأصبهاني فبالرغم من أنه كتب أخباره مسندة إلى رواتها فإنه قد تأخر أكثر من مئتي سنة عن عمر ويصعب علينا الآن متابعة الإسناد في رواياته لقلة المعلومات التي لدينا عن رجال السند في الروايات الأدبية فإن أحداً من الناس لم يعنَ بهم عناية رجال الحديث برواته. أما المتأخرون فقد أخذوا عن الذين ذكرنا وليس هناك قيمة لأقوالهم في هذا الصدد. وفي مثل هذا الاضطراب في الروايات لا نرى شيئاً ينير سبيلنا سوى شعره الذي يؤيد رواية مرضه فأغلب الظن إذاً أنه مات من مرض — ربما في اليمن — وكان موته كما تتفق أكثر هذه الروايات في حدود سنة ثلاث وتسعين للهجرة.














  1. راجع المستصفى في أصول الفقه للإمام أبي حامد الغزالي ج١ ص٨٥–٩٠ وتوجيه النظر إلى أصول الأثر للشيخ طاهر الجزائري ص ٣٦ - ٤١
  2. الفقيه السيوطي في الحديث مصطلح ص ١٠٠
  3. شرحه على نخبته المشهورة (طبع مصر) ص ٥
  4. الألفية ص ٩٧
  5. مقدمة ابن الصلاح (طبع حلب)، ص ٩. راجع أيضًا رسالة أبي بكر الحازمي في شروط الأئمة ص ٨–١٢ وص ٢٠–٢٧ وفيها «إبطال قول من زعم أن شرط البخاري إخراج الحديث عن عدلين وهلم جراً إلى أن يتصل الخبر بالنبي صلى الله عليه وسلم».
  6. شرح الإمام العلامة شهاب الملة والدين أبي الفضل أحمد بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني على متن نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر له (طبع مصر) ص ٥-٦
  7. الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: ألفية السيوطي في مصطلح الحديث (طبع مصر)، ص ١١-١٢
  8. المستصفى في أصول الفقه ج١ ص ٧٣
  9. هذا ولا يخفى أن التاريخ شيء والحديث شيء آخر، وأن ما دفع المحدثين إلى قبول رواية الفرد في الحديث الصحيح إنما هو تدقيقهم في أحوال الرواة وعنايتهم في الجرح والتعديل وليذكر القارئ الفطن في الوقت نفسه أن القواعد الواردة أعلاه هي للروايات التاريخية لا لرواية الحديث فقط
  10. المقدمة ص ٩٠-٩١
  11. الألفية ص ١٠٤-١٠٥
  12. قال القس أنطون الحلبي في رسالته إلى البطريرك يوسف حبيش بتاريخ ٢ كانون الثاني سنة ١٨٣٢ ما يأتي: «نعرض حضر تاتار من الآستانة ومعه تحرير لسعادة الأمير بشير من وكيل الصدر الأعظم ومن الصارى عسكر فحواه أن سعادته يكون في خاطر عكه والجواب رجع من سعادته يقول لجناب الأمين أمين أن يصرف التاتار ويفهمه أن ما في جواب بل حين الدولة تبقى تسأل عن رعاياها تبقى الرعايا تسأل عن خاطر الدولة هذا هو الجواب لساناً فقط» مجموعة بكركي ومجموعة جامعة بيروت الأميركية تحت تاريخ سنة ١٨٣٢
  13. اطلب مخطوطة القس أنطون الحلبي كما ضبطناها عام ١٩٢٧ ج ١ ص ١–٢٣ وكذلك كتاب أخبار الأعيان للشيخ طنوس الشدياق تحت أخبار سنة ١٨٣١ و١٨٣٢
  14. راجع ما قاله قنصل فرنسا في عكه وقتئذٍ في المجلة السورية ج٤ ص ١١٦
  15. منها نسخة بالروتوغراف في مكتبة جامعة بيروت الأميركية وقد نشرها منذ سنتين أو أكثر الخوري قسطنطين باشا تحت هذا العنوان مذكرات تاريخية — حريصا لبنان.
  16. نشر بعضها الأب لويس معلوف اليسوعي بعنوان تاريخ حوادث الشام ولبنان ولعل مؤلفها هو مخائيل الدمشقي كما ورد في مقدمة الأب لويس لها.
  17. الجواب على اقتراح الأحباب منه نسخة قديمة في مكتبة جامعة بيروت الأميركية. أما الأصل الذي هو بخط المؤلف فإنه لا يزال محفوظاً لدى ورثة جرجس بك صفا في بيروت.
  18. Cadalvene et Barrault, Guerre de Syrie 151-152, H. Vidal; Bulletin de la Soc. de Geog. Juillet, 1836, 20.
  19. مختصرة عن الأصل. اطلب ما طبعه الأب قسطنطين الباشا — مذكرات تاريخية — ص٥ و٧ و٢٢–٢٥ و٣٨
  20. تاريخ حوادث الشام ولبنان لناشره الأب لويس معلوف اليسوعي (طبع بيروت سنة ١٩١٢) ص ٥١
  21. نسخة جامعة بيروت الأميركية ص ٢٥٢-٢٥٣
  22. اطلب كلام المسيو بودان قنصل فرنسة في دمشق آنئذٍ في المجلد الثاني من رحلة بوجولا والصفحة ١٦٥–١٦٩)
    Poujoulat, B-Voyage dans l’Asie mineure etc. (Paris, 1841)
  23. المذكرات التاريخية (طبع حريصا) ص ٢٩-٣٠
  24. ص ٢٣٣ من الأول وص ٥١-٥٢ من الثاني وص٨٨ من الثالث
  25. أو من المقيمين في دمشق
  26. هذه الحقائق توصلنا إليها بالطريقة نفسها التي شرحناها في مقدمتنا لمخطوطة القس أنطون الحلبي — حرب إبراهيم باشا في سوريا وير الأناضول — والتي خولت لنا آنئذٍ شيئاً من هذا الاستنتاج نفسه.
  27. هذه شهادة والد الأستاذ ستيوارت كرفورد الذي عرف مخائيل ونعمان معرفة جيدة وهي شهادة الكثير من معارفهما أيضاً.
  28. اطلب كلام الرحالة فيدال الإفرنسي المشار إليه سابقاً وكلام المؤرخين الفرنسيين كاد الفان وبارو أيضاً.
  29. وهي جزيرة في البحر الأحمر قريبة من مصوع على الشاطئ الإفريقي كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. ياقوت ٢: ٦٣٤
  30. ابن قتيبة (ش) ٣٤٩
  31. الجاحظ (ب) ٢: ٩٤
  32. ابن خلكان ١: ٥٣٩
  33. الدميري ١: ٣٢٥
  34. السيوطي (ش) ١٢
  35. الحنبلي ١: ١٠١
  36. العيني ١: ٣١٥
  37. البغدادي ١: ٢٤٠
  38. الأزرقي ١ - ٤٣٣ والحنبلي ١ - ٨١ وابن قتيبة (م) ٩٢
  39. الأصبهاني ٤ - ٥٣
  40. الأصبهاني ٤ - ٧٣ و١٦ - ٩٢
  41. الأصبهاني: ٤ - ٤٩
  42. الأصبهاني ١ - ٩٧
  43. البغدادي ١ - ٢٤٠
  44. الأصبهاني «د» ١ - ٢٤٧ انظر الهامش.
  45. البلاذري «أ» ٥ - ١١٢
  46. الأصبهاني ١ - ١٥٤ وانظر العباسي ٢ - ٥٦ ففيه الرواية منقولة عن الأصبهاني بالحرف.
  47. الحصري ٢ - ٢٤٠
  48. الأصبهاني ٣ - ١١٤
  49. الأصبهاني ١ - ٩٣ والحصري ١ - ٢٩٢
  50. الأصبهاني ١ - ٣٦
  51. الأصبهاني ١ - ٣٤
  52. أبو المحاسن ١ - ٢٤٧
  53. حاجي خليفة ١ - ٥١٧
  54. الدميري ١ - ٣٢٦
  55. ابن أبي ربيعة (ع) ٧٩