معالم السنن/الجزء الرابع/15

​معالم السنن​ للإمام الخطابي
 


2/22-23م ومن باب في الصيد

1627- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي قلت إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك عليَّ أفآكل، قال إذا أرسلت الكلاب المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، قلت وإن قتلن، قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها قلت ارمي بالمعراض فأصيب أفآكل، قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخزَق فكل وإن أصاب بعرضه فلا تأكل.

قال الشيخ: ظاهره يدل على أنه إذا أرسل الكلب ولم يسم لم يؤكل، وهو قول أهل الرأي ؛ إلا أنهم قالوا إن ترك التسمية ناسيا حل. وذهب من لا يرى التسمية شرطا في الذكاة إلى أن المراد بقوله وذكرت اسم الله ذكر القلب، وهو أن يكون إرساله الكلب قصد الاصطياد به لا يكون في ذلك لاهيا أو لاعبا لا قصد له في ذلك.

وقوله ارمي بالمعراض فإن المعراض نصل عريض وفيه إزانة ولعله يقول إن أصابه بحده حتى نفذ في الصيد وقطع سائر جلده فكله، وهو معنى قوله فخزق. وإن كان إنما وقذه بثقله ولم يخزق فهو ميتة.

وقوله ما لم يشركها كلب ليس منها أي لعل إتلاف الروح لم يكن من قبل كلبك المعلم إنما كان من قبل الكلب غير المعلم.

1628- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبى شيبة، قال: حدثنا معبد الله بن نمير، قال: حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي قال: ما علمت من كلب أوباز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك، قلت وإن قتل، قال إذا قتله ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك.

قال الشيخ: فيه بيان أن البازي والكلب سواء حكمهما في تحريم اللحم إذا أكلا من الصيد، وإلى هذا ذهب الشافعي. وفرق أصحاب الرأي بين الكلب والبازي، فقالوا يحرم في الكلب دون البازي. وإليه ذهب المزني قال وذلك لأن البازي يعلم بالطُّعم والكلب يعلم بترك الطُّعم.

وقد علق الشافعي أيضا قوله في تحريم الصيد الذي قد أكل منه الكلب، فقال مرة أنه لا يحرم وهو قول مالك وأحسبه ذهب إلى حديث أبي ثعلبة.

1629- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرث داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخَولاني، عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله في صيد الكلب: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل وإن أكل منه وكل ما ردّت عليك يدك.

قال الشيخ: ويمكن أن يوفق بين الحديثين من الروايتين بأن يجعل حديث أبي ثعلبة أصلا في الإباحة وأن يكون النهي في حديث عدي على معنى التنزيه دون التحريم.

ويحتمل أن يكون الأصل في ذلك حديث عدي بن حاتم ويكون النهي على التحريم البات، ويكون المراد بقوله وإن أكل فيما مضى من الزمان وتقدم منه لا في هذه الحال. وذلك لأن من الفقهاء من ذهب إلى أنه إذا أكل الكلب المعلم من الصيد مدة بعد أن كان لا يأكل فإنه يحرم كل صيد كان اصطاده قبل فكأنه قال كل منه وإن كان قد أكل فيما تقدم إذا لم يكن قد أكل في هذه الحالة.

1630- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي قال: إذا رميت سهمك وذكرت اسم الله فوجدته من الغد ولم تجده في ماء ولا فيه أثر غير سهمك فكل، وإذا اختلط بكلابك كلب من غيرها فلا تأكل لا تدري لعله قتله الذي ليس منها.

قال الشيخ: إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء غرقه فهلك من الماء لا من قتل الكلب. وكذلك إذا وجد فيه أثر لغير سهمه. والأصل أن الرخص تراعى فيها شرائطها التي لها وقعت الإباحة فمهما أخل بشيء منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي وهذا باب كبير من العلم.

1631- قال أبو داود: حدثنا الحسين بن معاذ بن خليف حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن عامر عن عدي بن حاتم أنه قال يا رسول الله أحدنا يرمي فنقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه أيأكل قال نعم إن شاء أو قال يأكل إن شاء.

قال الشيخ: قوله نقتفر معناه نتبع يقال اقتفرت أثر الرجل إذا تتبعته وقفرته وفيه دليل على أنه إذا علق به سهمه فقد ملكه وصار سهمه كيده فلو أنه رمى صيدا حتى أنشب سهمه فيه ثم غاب عنه فوجده رجل كان سبيله سبيل اللقطة وعليه تعريفه ورد قيمته إن كانت عينه باقية.

وفيه أنه قد شرط عليه أن يرمي فيه سهمه وهو أن يثبته بعينه، وقد علم أنه كان قد أصابه قبل أن يغيب عنه فإدا كان كذلك فقد علم أن ذكاته إنما وقعت برميته، فأما إذا رماه فلم يعلم أنه أصابه أم لا فتتبع أثره فوجده ميتا وفيه سهمه فلا يأكل لأنه يمكن أن يكون غيره قد رماه بسهم فأثبته.

وقد يجوز أن يكون ذلك الرامي مجوسيا لا تحل ذكاته أو محرما أو بعض من لا يستباح الصيد بذكاته.

وفي قوله فنقتفر أثره دليل على أنه ان أغفل تتبعه وأتى عليه شيء من الوقت ثم وجده ميتا فإنه لا يأكله لأنه إذا تتبعه فلم يلحقه إلا بعد اليوم واليومين فهو مقدور وكانت الذكاة واقعة بإصابة السهم في وقت كونه ممتنعا غير مقدور عليه. فأما إذا لم يتبعه وتركه يتحامل بالجراحة حتى هلك، فهذا غير مذكى لأنه لو اتبعه لأدركه قبل الموت فذكاه ذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة، فإذا لم يفعل ذلك مع القدرة عليه صار كالبهيمة المقدور على ذكاتها بجرح في بعض أعضائها وتترك حتى تهلك بألم الجراحة.

وقال مالك بن أنس إن أدركه من يومه أكله وإلا فلا.

1632- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كليا مكلَّبة فأفتني في صيدها، فقال النبي : إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك، قال ذكي وغير ذكي قال نعم قال وإن أكل منه قال وإن أكل منه، قال يا رسول الله أفتني في قوسي، قال كل ما ردت عليك قوسك، قال ذكي وغير ذكي، قال وإن تغيب عني، قال وإن تغيب عنك ما لم يُصَّلَّ أو تجد فيه أثرا غير سهمك. قال افتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها قال اغسلها وكل فيها.

قال الشيخ: المكلبة المسلطة على الصيد المضراة بالاصطياد وقوله ذكي وغير ذكي يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد بالذكي ما أمسك عليه فأدركه قبل زهوق نفسه فذكاه في الحلق واللبة، وغير الذكي ما زهقت نفسه قبل أن يدركه.

والآخر أن يكون أراد بالذكي ما جرحه الكلب بسنه أو مخالبه فسال دمه وغير الذكي ما لم يجرحه.

وقد اختلف العلماء فيما قتله الكلب ولم يدمه فذهب بعضهم إلى تحريمه وذلك أنه قد يمكن أن يكون إنما قتله الكلب بالضغط والاعتماد فيكون في معنى الموقذة، وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه.

وقوله ما لم يصل أي ما لم ينتن ويتغير ريحه يقال صلَّ اللحم وأصل لغتان.

قلت وهذا على معنى الاستحباب دون التحريم لأن تغيير ريحه لا يحرم أكله وقد روي أن النبي أكل اهالة سنخة وهي المتغيرة الريح، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله صل بأن يكون قد نهشه هامة فصل اللحم أي تغير لما سرى فيه من سمها فأسرع إليه الفساد.

وفيه النهي من طريق الأدب عن أكل ما تغير من اللحم بمرور المدة الطويلة عليه.

3/23-24م ومن باب الصيد يقطع منه قطعة

1633- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد قال قال رسول الله : ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة.

قال الشيخ: هذا في لحم البهيمة وأعضاءها المتصلة ببدنه دون الصوف المستخلف والشعر ونحوه. وكذلك هذا في الكلب يرسله فينتف من الصيد نتفة قبل أن يزهق نفسه، أو تصيبه الرمية فيكسر عنه عضوا وهو حي فإن ذلك كله محرم لأنه بان من البهيمة وهي حية فصار ميتة، فأما إذا فصده نصفين فإنه بمنزلة الذكاة له ويؤكلان جميعا.

وقال أبو حنيفة إن كان النصف الذي فيه الرأس أصغر كان ميتة، وإن كان الذي يلي الرأس حلت القطعتان.

وعند الشافعي لا فرق وكلتاهما حلال لأنه إذا خرج الروح من القطعتين معا في حالة واحدة فليس هناك إبانة ميتة عن حي بل هو ذكاة الكل لأن الكل صار ميتا بهذا العقر فليس شيئا منه تابعا لشيء بل كله سواء في ذلك.

31 كتاب شرح السنة

1634- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى بن فارس قالا: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان ( ح ) قال وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثني صفوان حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي، قال أحمد، عن أبي عامر الهوزي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال إلا أن رسول الله قام فينا فقال الا ان من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وزاد ابن يحيى وعمرو في حديثهما وأنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، قال عمر والكَلَب بصاحبه لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله.

قال الشيخ: قوله ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها خارجة من الدين إذ قد جعلهم النبي كلهم من أمته.

وفيه أن المتأول لا يخرج من المله وإن أخطأ في تأوله. وقوله كما يتجارى الكلب لصاحبه فإن الكلب داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلِب وهو داء يصيب الكلب كالجنون. وعلامة ذلك فيه أن تحمر عيناه وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه وإذا رأى إنسانا ساوره فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له من ذلك أعراض رديئه، منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه، ويقال إن هذه العلة إذا استحكمت بصاحبها فقعد للبول خرج منه هنات مثل صورة الكلاب فالكلب داء عظيم إذا تجارى بالإنسان تمادى وهلك.

1/2م ومن باب مجانية أهل الأهواء وبغضهم

1635- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك وذكر ابن السرح قصة تخلفه عن النبي في غزوة تبوك، قال ونهى رسول الله عن كلامنا أيها الثلاثة حتى إذا طال عليَّ تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي فسلمت عليه فو الله ما رد علي السلام ثم ساق الخبر في نزول توبته.

قال الشيخ: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهما من قبل عتب وموجدة أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها دون ما كان من ذلك في حق الدين فإن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق، وكان رسول الله خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه في غزوة تبوك فأمر بهجرانهم وأمرهم بالقعود في بيوتهم نحو خمسين يوما على ما جاء في الحديث إلى أن أنزل الله سبحانه توبته وتوبة أصحابه فعرف رسول الله براءتهم من النفاق.

وفيه دلالة على أنه لا يحرج المرء بترك رد سلام أهل الأهواء والبدع.

وفيه دليل على أن من حلف أن لا يكلم رجلا فسلم عليه أو رد عليه السلام كان حانثا.

2/4م ومن باب النهي عن الجدال في القرآن

1636- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي قال: المراء في القرآن كفر.

قال الشيخ: اختلف الناس في تأويله فقال بعضهم معنى المراء هنا الشك فيه كقوله {فلا تك في مرية منه} 1 أي في شك، ويقال بل المراء هو الجدال المشكك فيه.

وتأوله بعضهم على المراء في قرآنه دون تأويله ومعانيه مثل أن يقول قائل هذا قرآن قد أنزله الله تبارك وتعالى، ويقول الآخر لم ينزل الله هكذا فيكفر به من أنكره، وقد أنزل سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شاف كاف فنهاهم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضا يقرؤها وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به إذ كان القرآن منزلا على سبعة أحرف وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به.

وقال بعضهم إنما جاء هذا في الجدال بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل وعلى معنى ما يجري من الخوض بينهم فيها دون ما كان منها في الأحكام وأبواب التحليل والتحريم والحظر والإباحة فإن أصحاب رسول الله قد تنازعوها فيما بينهم وتحاجوا بها عند اختلافهم في الأحكام ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها. وقد قال سبحانه {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} 2 فعلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه والله أعلم.

1637- قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أبو عمرو بن كثير بن دينار عن حَريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معديكرب عن رسول الله قال: إلا أني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه الا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه.

قال الشيخ: قوله أوتيت الكتاب ومثله معه يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو، ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب ويعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.

وقوله يوشك شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فإنه يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضُمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا، والأريكة السرير، ويقال أنه لا يسمى أريكة حتى يكون في حجلة وإنما أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم ولم يغدوا ولم يروحوا في طلبه في مظانه واقتباسه من أهله.

وأما قوله لا تحل لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها فمعناه إلا أن يتركها صاحبها لمن أخذها استغناء عنها وهذا كقوله سبحانه {فكفروا وتولوا واستغنى الله} 3 معناه والله أعلم تركهم الله استغناء عنهم وهو الغني الحميد.

وقوله فله أن يعقبهم بمثل قراه معناه له أن يأخذ من مالهم قدر قراه عوضا وعقبى مما حرموه من القرى. وهذا في المضطر الذي لا يجد طعاما ويخاف على نفسه التلف، وقد ثبت ذلك في كتاب الزكاة أو في غيره من هذا الكتاب.

وفى الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله كان حجه بنفسه، وأما ما رواه بعضهم أنه قال إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن خالفه فدعوه فإنه حديث باطل لا أصل له. وقد حكى زكريا بن يحيى الساجي عن يحيى بن معين أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة.

قلت وقد روى هذا من حديث الشاميين عن يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث عن ثوبان ويزيد بن ربيعة هذا مجهول ولا يعرف له سماع من أبي الأشعث، وأبو الأشعث لا يروي عن ثوبان وإنما يروي، عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان.

1638- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصبَّاح البزاز حدثنا إبراهيم بن سعد عن سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.

قال الشيخ: في هذا بيان أن كل شيء نهى عنه من عقد نكاح وبيع وغيرهما من العقود فإنه منقوض مردود لأن قوله فهو رد يوجب ظاهره إفساده وإبطاله إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير الظاهر فيترك الكلام عليه لقيام الدليل فيه والله أعلم.

1639- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثنا سليمان، يَعني ابن عتيق عن طلق بن حبيب عن الأحنف بن قيس عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: ألا هلك المتنطعون ثلاث مرات.

قال الشيخ: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.

وفيه دليل على أن الحكم بظاهر الكلام وأنه لا يترك الظاهر إلى غيره ما كان له مساغ وأمكن فيه استعمال.

3/5م ومن باب لزوم السنة

1640- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد حدثني خالد بن معدان حدثني عبدالرحمن بن عمرو السُّلمي وحُجْر بن حُجْر قالا: أتينا العرباض بن سارية فسلمنا فقلنا أتينا زائرين وعائدين ومقتبسين فقال العرباض صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرَفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل يا رسول الله كأن هذا موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال أوصيكم بالسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

قال الشيخ: قوله وإن عبدا حبشيا يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشيا، وقد ثبت عنه أنه قال: الأئمة من قريش، وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود كقوله : من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة، وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي وكقوله لو سرقت فاطمة لقطعتها وهي رضوان الله عليها وسلامه لا يتوهم عليها السرقة، وقال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ونظائر هذا في الكلام كثير، والنواجذ آخر الأضراس واحدها ناجذ، وإنما أراد بذلك الجد في لزوم السنة فعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعا له أن ينتزع وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولا وأسهل انتزاعا، وقد يكون معناه أيضا الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه.

وقوله كل محدثة بدعة فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنيا على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة والله أعلم.

وفي قوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا، وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قول الخليفة أولى.

1641- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شييه حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أيبه قال: قال رسول الله : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرَّم فحُرِّم على الناس من أجل مسألته.

قال الشيخ: هذا في مسألة من يسأل عبثا وتكلفا فيما لا حاجة به إليه دون من سأل سؤال حاجة وضرورة كمسألة بني إسرائيل في شأن البقرة وذلك أن الله سبحانه أمرهم أن يذبحوا بقرة فلو استعرضوا البقر فذبحوا منها بقرة لأجزأتهم. كذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية فما زالوا يسألون ويتعنتون حتى غلظت عليهم وأمروا بذبح البقرة على النعت الذي ذكره الله في كتابه فعظمت عليهم المؤنة ولحقتهم المشقة في طلبها حتى وجدوها فاشتروها بالمال الفادح فذبحوها وما كادوا يفعلون.

وأما من كان سؤاله استبانة لحكم واجب واستفادة لعلم قد خفي عليه فإنه لا يدخل في هذا الوعيد وقد قال سبحانه {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} 4.

وقد يحتج بهذا الحديث من يذهب من أهل الظاهر إلى أن أصل الأشياء قبل ورود الشرع بها على الإباحة حتى يقوم دليل على الحظر وإنما وجه الحديث وتأويله ما ذكرناه والله أعلم.

4/7م ومن باب التفضيل

1642- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، ثم نترك أصحاب رسول الله لا نفاضل بينهم.

قال الشيخ: وجه ذلك والله أعلم أنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان رسول الله إذا حز به أمر شاورهم فيه، وكان علي رضوان الله عليه في زمان رسول الله حديث السن ولم يرد ابن عمر الازراء بعلي كرم الله وجهه ولا تأخيره ودفعه على الفضيلة بعد عثمان وفضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة، وإنما اختلفوا في تقديم عثمان عليه فذهب الجمهور من السلف إلى تقديم عثمان عليه وذهب أكثر أهل الكوفة إلى تقديمه على عثمان رضي الله عنهما.

وحدثني محمد بن هاشم حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة عن عبد الصمد قال: قلت لسفيان الثوري ما قولك في التفضيل، فقال أهل السنة من أهل الكوفة يقولون أبو بكر وعمر وعلي وعثمان، وأهل السنة من أهل البصرة يقولون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قلت فما تقول أنت قال أنا رجل كوفي. قلت وقد ثبت عن سفيان أنه قال آخر قوليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.

قلت وللمتأخرين في هذا مذاهب، منهم من قال بتقديم أبي بكر من جهة الصحابة وبتقديم علي من جهة القرابة، وقال قوم لا يقدم بعضهم على بعض، وكان بعض مشايخنا يقول أبو بكر خير وعلي أفضل، وقال وباب الخيرية غير باب الفضيلة، قال وهذا كما تقول إن الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي والحبشي وقد يكون العبد الحبشي خيرا من هاشمي في معنى الطاعه لله والمنفعة للناس، فباب الخيرية متعد وباب الفضيلة لازم.

وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه أنه قال خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر، فقال له ابنه محمد بن الحنفية، ثم أنت يا أبه فكان يقول ما أبوك إلا رجل من المسلمين رضوان الله عليهم.

5/8م ومن باب ما قيل في الخلفاء

1643- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله هو ابن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان أبو هريرة رضي الله عنه يحدث أن رجلا أتى رسول الله فقال: إني أرى الليلة ظلة ينطِف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون بأيديهم فالمستكثر والمستقل. وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله فأخذته، يَعني فعلوت به، ثم أخذ به رجل فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فعلا به، فقال أبو بكر رضي الله عنه بأبي وأمي لتدعني فلأعبرنها، قال فقال اعبرها ؛ فقال أما الظلة فظلة الإسلام ؛ وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه ؛ وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو، ثم يأخذ به رجل فينقطع ثم يوصل به فيعلو أي رسول الله لتحدثني أصبت أم أخطأت ؛ فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال أقسمت يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت فقال النبي : لا تقسم.

قال الشيخ: قوله إني أرى الليلة أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس قال: يقول ما بينك من لدن الصباح وبين الظهر رأيت الليلة وبعد الظهر إلى الليل رأيت البارحة، والظلة كل ما أظلك من فوقك وعلاك، وأراد بالظلة ههنا والله أعلم سحابة ينطف منها السمن والعسل أي يقطر والنطف القطر، وقوله يتكففون بأيديهم يريد أنهم يتلقونه بأكفهم، يقال تكفف الرجل الشيء واستكفه إذا مد كفه وتناوله بها، والسبب الحبل والواصل معناه الموصول فاعل بمعنى مفعول وفي قوله لأبي بكر رضي الله عنه لا تقسم ولم يخبره عن مسألته دليل على أن قول القائل أقسمت ليس بيمين حتى يقول أقسمت بالله أو أقسم بالله فيصل القسم باسم الله ولو كان ذلك بمجرده يمينا لكان يبره فيها لأنه قد أمر بإبرار المقسم فدل ذلك على أنه مع التجريد ليس بيمين.

وقد اختلف الناس في معنى قوله أصبت بعضا وأخطأت بعضا، فقال بعضهم أراد به الإصابة في عبارة بعض الرؤيا والخطأ في بعضها. وقال آخرون بل أراد بالخطأ ههنا تقديمه بين يدي رسول الله ومسألته للإذن له في تعبير الرؤيا ولم يترك رسول الله ليكون هو الذي يعبرها فهذا موضع الخطأ، وأما الإصابة فهي ما تأوله في عبارة الرؤيا وخروج الأمرفي ذلك على وفاق ما قاله وعبره.

وقد بلغني، عن أبي جعفر الطحاوي رواية عن بعض السلف أنه قال موضع الخطأ في عبارة أبي بكر رضي الله عنه أنه مخطىء أحد المذكورين من السمن والعسل فقال، وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وإنما أحدهما القرآن والآخر السنة والله أعلم.

1644- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله 0ص قص عليه رؤيا فاستاء لها.

قال الشيخ: قوله استاء لها أي كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه ووزنه افتعل من السوء.

1645- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا محمد بن جرير عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله قال: أُري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله ، وأن تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمرالذي بعث الله به نبيه .

قال الشيخ: قوله نيط معناه علق، والنوط التعليق، والتنوط التعلق، ومنه المثل عاط لغير أنواط.

1646- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رجلا قال: يا رسول الله إني رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعَرَاقيها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء.

قال الشيخ: قوله دلي من السماء يريد أرسل، يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ودلوتها إذا نزعتها والعراقي أعواد يخالف بينها ثم تشد في عرى الدلو ويعلق بها الحبل واحدتها عرقوة.

وقوله تضلع يريد الاستيفاء في الشرب حتى روي فتمدد جنبه وضلوعه، وانتشاط الدلو اضطرابها حتى ينتضح ماؤها.

وأما قوله في أبي بكر شرب شربا ضعيفا فإنما هو إشارة إلى قصر مدة أيام ولايته وذلك لأنه لم يعش بعد أيام الخلافة أكثر من سنتين وشيء وبقي عمر عشر سنين وشيئا فذلك معنى تضلعه والله أعلم.

1647- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال لما قدم فلان الكوفة أقام خطيبا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم أيثم. قال ابن إدريس والعرب تقول آثم، قلت ومن التسعة قال: قال رسول الله وهو على حراء اثبت حراء أنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، قلت ومن التسعة قال رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، قلت من العاشر، قال فلتكأ هنية ثم قال أنا.

قال الشيخ: قوله لم أيثم هو لغة لبعض العرب يقولون أيثم مكان أثم، وله نظائر في كلامهم قالوا تيجع وتيجل مكان يوجع ويوجل، وحراء جبل بمكة وأصحاب الحديث يقصرونه وأكثرهم يفتحون الحاء ويكسرون الراء سمعت أبا عمر يقول حراء اسم على ثلاثة أحرف، وأصحاب الحديث يغلطون منه في ثلاثة مواضع يفتحون الحاء وهي مكسورة ويكسرون الراء وهي مفتوحة ويقصرون الألف وهي ممدودة وأنشد:

وراقٍ في حراء ونازل

1648- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العُقيلي عن الأقرع مؤذن عمر رضي الله عنه قال بعثني عمر إلى الأسقُف فدعوته، فقال له عمر هل تجدني في الكتاب قال نعم، قال كيف تجدني، قال أجدك قَرْنا فرفع الدرة فقال قرن قال مه، قال قرن حديد أمين شديد، قال كيف تجد الذي يجيء بعدي قال أجده خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته، فقال عمر رضي الله عنه يرحم الله عثمان ثلاثا، قال كيف تجد الذي بعده، قال أجده صداء حديد، قال فوضع عمر يده على رأسه، فقال يا دفراه يا دفراه، فقال يا أمير المؤمنين أنه قال خليفة صالح ولكنه يُستخلف حين يُستخلف والسيف مسلول والدم مُهراق.

قال الشيخ: الصدأ ما يعلو الحديد من الدرن ويركبه من الوسخ، وقوله يا دفراه يا دفراه، فإن الدفر بفتح الدال غير المعجمة وسكون الفاء النتن، ومنه قيل للدنيا أم دفر، فأما الذفر بالذال المعجمة وفتح الفاء فإنه يقال لكل ريح ذكية شديدة من طيب أو نتن.

6/10م ومن باب النهي عن سب أصحاب محمد

1649- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عَوانة أو أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.

قال الشيخ: النصيف بمعنى النصف كما قالوا الثمين بمعنى الثمن قال الشاعر:

فما طار لي في القسم الا ثمينها

وقال آخر:

لم يعدها مد ولا نصيف

والمعغى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم.

7/11م ومن باب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه

1650- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: لما استُعز برسول الله وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا، فقلت يا عمر قم فصل بالناس فتقدم فكبر، فلما سمع رسول الله صوته، قال وكان عمر رجلا مجهرا، قال فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس.

قال الشيخ: يقال استعز بالمريض إذا غلب على نفسه من شدة المرض. وأصله من العز وهو الغلبة والاستيلاء على الشيء، ومن هذا قولهم من عزُ بزّ، أي من غلب سلب.

وقوله وكان رجلا مجهرا أي صاحب جهر ورفع لصوته يقال جهر الرجل صوته، ورجل جهير الصوت وجهير المنظر، وأجهر إذا عرف بشدة جهر الصوت فهو مجهر.

وفي الخبر دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن قوله يأبى الله ذلك والمسلمون، معقول منه أنه لم يرد به نفي جواز الصلاة خلف عمر فإن الصلاة خلف عمر رضي الله عنه ومن دونه من المسلمين جائزة، وإنما أراد به الإمامة التي هي دليل الخلافة والنيابة عن رسول الله في القيام بأمر الأمة بعده.

8/13م ومن باب التخيير بين الأنبياء صلوات الله عليهم

1651- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو، يَعني ابن يحيى عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله لا تُخيِّروا بين الأنبياء.

قال الشيخ: معنى هذا ترك التخيير بينهم على وجه الإزراء ببعضهم فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم وبفرض الإيمان بهم، وليس معناه أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم فإن الله سبحانه قد أخبرأنه قد فاضل بينهم فقال عز وجل {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} 5.

1652- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي، عن أبي عمار عن عبد الله بن فرَّوخ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع.

1653- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى.

قال الشيخ: قد يتوهم كثير من الناس أن بين الحديثين خلافا وذلك أنه قد أخبر في حديث أبي هريرة أنه سيد ولد آدم والسيد أفضل من المسود.

وقال في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، والأمر في ذلك بين ووجه التوفيق بين الحديثين واضح ؛ وذلك أن قوله أنا سيد ولد آدم، إنما هو إخبار عما أكرمه الله به من الفضل والسؤدد وتحدث بنعمة الله عليه واعلام لأمته وأهل دعوته مكانه عند ربه ومحله من خصوصيته ليكون إيمانهم بنبوته واعتقادهم لطاعته على حسب ذلك، وكان بيان هذا لأمته وإظهاره لهم من اللازم له والمفروض عليه.

فأما قوله في يونس صلوات الله عليه وسلامه فقد يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون قوله ما ينبغي لعبد إنما أراد به من سواه من الناس دون نفسه.

والوجه الآخر أن يكون ذلك عاما مطلقا فيه وفي غيره من الناس ويكون هذا القول منه على الهضم من نفسه وإظهار التواضع لربه يقول لا ينبغي لي أن أقول أنا خير منه لأن الفضيلة التي نلتها كرامة من الله سبحانه وخصوصية منه لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بحولي وقوتي فليس لي أن أفتخر بها وإنما يجب علي أن أشكر عليها ربي، وإنما خص يونس بالذكر فيما نرى والله أعلم لما قصه الله تعالى علينا من شأنه وما كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضبا ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.

قلت وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث فقد جاء من غير هذا الطريق أنه قال : ما ينبغي لنبي أن يقول إني خير من يونس بن متى فعم به الأنبياء كلهم فدخل هو في جملتهم، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب.

1654-، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن حكيم عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن جعفر عن النبي ، وقد قيل إن قوله أنا سيد ولد آدم إنما أراد به يوم القيامة حين قُدم بالشفاعة وسادهم بها.

9/12م ومن باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة الأولى

1655- قال أبو داود: حدثنا مسدد ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا حماد عن علي بن زيد عن الحسن، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله للحسن بن علي إن ابني هذا سيد واني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين.

قال الشيخ: السيد يقال اشتقاقه من السواد أي هو يلي الذي يلي السواد العظيم ويقوم بشأنهم، وقد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام وتخليه عن الأمر خوفا من الفتنة وكراهية لإراقة الدم ويسمى ذلك العام سنة الجماعة.

وفي الخبر دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام إذ قد جعلهم النبي مسلمين، وهكذا

سبيل كل متأول فيما تعاطاه من رأي ومذهب دعا إليه إذا كان فيما تناوله بشبهة وإن كان مخطئا في ذلك، ومعلوم أن احدى الفئتين كانت مصيبة والأخرى مخطئة.

10/14م ومن باب الرد على المرجئة

1656- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : الإيمان بضع وسبعون، يَعني شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة العظم عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.

قال الشيخ: قوله بضع ذكر أبو عمر، عن أبي العباس أحمد بن يحيى أحسبه عن ابن الأعرابي قال: يقال بضع فيما بين الثلاثة إلى تمام العشرة ونيف لما زاد على العقد من الواحد إلى الثلاثة.

قلت وفي هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أعلى وأدنى، فالاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع شعبها وتستوفي جملة أجزائها كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها ويدل على ذلك قوله الحياء شعبة من الإيمان فأخبر أن الحياء إحدى تلك الشعب.

وفي هذا الباب إثبات التفاضل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاته.

ومعنى قوله الحياء شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان إذ الإيمان بمجموعه ينقسم إلى ائتمار لما أمر الله به وانتهاء عما نهى عنه.

1657- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله أمرهم بالإيمان بالله، قال أتدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم، قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ؛ وأن تعطوا الخمس عن المغنم.

قال الشيخ: قد أعلم في هذا الحديث أن الصلاة والزكاة من الإيمان وكذلك صوم رمضان واعطاء خمس الغنيمة، وكان هذا جوابا عن مسألة صدرت عن جهالة بالإيمان وشرائطه فأخبرهم عما سألوه وعلمهم ما جهلوه وجعل هذه الأمور من الإيمان كما جعل الكلمة منه وليس بين هذا وبين قوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله خلاف لأنه كلمة شعار وقعت الدعوة بها إلى الإيمان لتكون إمارة للداخلين في الإيمان والقابلين لأحكامه ؛ وهذا كلام قصد فيه البيان والتفصيل له، والتفصيل لا يناقض الجملة لكن يلائمها ويطابقها.

وقوله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها يتضمن جملة ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ويأيي على جميع ما ذكر فيه من الخلال المعدودة إلى سائر ما جاء منها في سائر الأحاديث المروية في هذا الباب وكلها تجري على الوفاق ليس في شيء منها اختلاف، وإنما هو حمله على الوجه الذي ذكرته لك وتفصيل لها على المعنى الذي يقتضيه حكمها والله أعلم.

1658- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا سفيان، عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة.

قال الشيخ: التروك على ضروب منها ترك جحد للصلاة وهو كفر بإجماع الأمة. ومنها ترك نسيان وصاحبه لا يكفر بإجماع الأمة، ومنها ترك عمد من غير جحد، فهذا قد اختلف الناس فيه فذهب إبراهيم النخعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر. وقال أحمد لا نكفر أحدا من المسلمين بذنب إلا تارك الصلاة. وقال مكحول والشافعي تارك الصلاة مقتول كما يقتل الكافر ولا يخرح بذلك من الملة ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه أهله، إلا أن بعض أصحاب الشافعي قال: لا يصلي عليه إذا مات.

واختلف أصحاب الشافعي في كيفية قتله فذهب أكثرهم إلى أنه يقتل صبرا بالسيف. وقال ابن شريح لا يقتل صبرا بالسيف لكن لا يزال يضرب حتى يصلي أو يأتي الضرب عليه فيموت، وقالوا إذا ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها قتل، غير أبي سعيد الاصطخري فإنه قال: لا يقتل حتى يترك ثلاث صلوات، واحسبه ذهب في هذا إلى أنه ربما يكون له عذر في تأخير الصلاة إلى وقت الأخرى للجمع بينهما.

وقال أبو حنيفة وأصحابه تارك الصلاة لا يكفر ولا يقتل ولكن يحبس ويضرب حتى يصلي، وتأولوا الخبر على معنى الأغلاظ له والتوعد عليه.

1659- قال أبو داود: حدثنا مححد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال: وأخبرني الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أعطى النبي رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا، فقال سعد رضي الله عنه يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن فقال النبي أو مسلم حتى أعادها سعد ثلاثا والنبي يقول أو مسلم، ثم قال النبي : إني أعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم.

1660- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر قال: قال الزهري قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، قال نرى الإسلام الكلمة والإيمان العمل.

قال الشيخ: ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة، فأما الزهري فقد ذهب إلى ما حكاه معمر عنه واحتج بالآية، وذهب غيره إلى أن الإيمان والإسلام شيء واحد، واحتج بالآية الأخرى وهي قوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} 6 قال فدل ذلك على أن المسلمين هم المؤمنون إذ كان الله سبحانه قد وعد أن يخلص المؤمنين من قوم لوط وأن يخرجهم من بين ظهراني من وجب عليه العذاب منهم، ثم أخبر أنه قد فعل ذلك بمن وجده فيهم من المسلمين إنجازا للموعد، فدل الإسلام على الإيمان

فثبت أن معناهما واحد وأن المسلمين هم المؤمنون. وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم وصار كل واحد منهما إلى مقالة من هاتين المقالتين ورد الآخر منهما على المتقدم وصنف عليه كتابا يبلغ عدد أوراقه المائتين.

قلت والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق على أحد الوجهين. وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا، وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القول فيها ولم يختلف عليك شيء منها، وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن ولا يكون صادق الباطن غير منقاد في الظاهر.

1661- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة حدثنا واقد بن عبد الله أخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عمر رضى الله عنه يحدث عن النبي أنه قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

قال الشيخ: هذا يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون معنى الكفار المتكفرين بالسلاح يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه فكفر به نفسه أي سترها، وأصل الكفر الستر، ويقال سمي الكافر كافرا لستره نعمة الله عليه أو لستره على نفسه شواهد ربوبية الله ودلائل توحيده.

وقال بعضهم معناه لا ترجعوا بعدى فرقا مختلفين يضرب بعضكم رقاب بعض فتكونوا بذلك مضاهين للكفار فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض والمسلمون متآخون يحقن بعضهم دماء بعض.

وأخبرني إبراهيم بن فراس قال: سألت موسى بن هارون عن هذا فقال هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

1662- قال أبو داود: حدثنا أبو صالح الأنطاكي حدثنا أبو إسحاق، يَعني الفزاري عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد.

قال الشيخ: الخوارج ومن يذهب مذهبهم ممن يكفر المسلمين بالذنوب يحتجون به ويتألونه على غير وجهه، وتأويله عند العلماء على وجهين: أحدهما أن معناه النهي وإن كانت صورته صورة الخبر يريد لا يزن الزاني بحذف الياء ولا يسرق السارق بكسر القاف على معنى النهي يقول إذ هو مؤمن لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين ولا تشبه أوصافهم.

والوجه الاخر أن هذا كلام وعيد لا يراد به الإيقاع وإنما يقصد به الردع والزجر كقوله: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقوله لا إيمان لمن لا أمانة له، وقوله ليس بالمسلم من لم يأمن جاره بوائقه، هذا كله على معنى الزجر والوعيد أو نفي الفضيلة وسلب الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وابطاله والله أعلم.

وقد روي في تأويل هذا الحديث معنى آخر وهو مذكور في حديث رواه أبو داود في هذا الباب قال:

1663- حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرملي حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا نافع، يَعني ابن يزيد أخبرني ابن الهاد أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله : إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان.


هامش

  1. [هود: 17]
  2. [النساء: 59]
  3. [التغابن: 6]
  4. [الأنبياء: 7]
  5. [البقرة: 253]
  6. [الذاريات: 35]


معالم السنن - الجزء الرابع للإمام الخطابي
معالم السنن/الجزء الرابع/1 | معالم السنن/الجزء الرابع/2 | معالم السنن/الجزء الرابع/3 | معالم السنن/الجزء الرابع/4 | معالم السنن/الجزء الرابع/5 | معالم السنن/الجزء الرابع/6 | معالم السنن/الجزء الرابع/7 | معالم السنن/الجزء الرابع/8 | معالم السنن/الجزء الرابع/9 | معالم السنن/الجزء الرابع/10 | معالم السنن/الجزء الرابع/11 | معالم السنن/الجزء الرابع/12 | معالم السنن/الجزء الرابع/13 | معالم السنن/الجزء الرابع/14 | معالم السنن/الجزء الرابع/15 | معالم السنن/الجزء الرابع/16 | معالم السنن/الجزء الرابع/17