مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/04


مغامرات حاجي بابا الإصفهاني المؤلف جيمس موريير
ترجمةGhainmem
الفصل الرابع. إبداعه في استرجاع مال عثمان آغا من التركمان وتصميمه على الاحتفاظ به


الفصل الرابع. إبداعه في استرجاع مال عثمان آغا من التركمان وتصميمه على الاحتفاظ به

من أولى الضرورات لتحقيق خطتي في الفرار كان الحصول على النقود المخبأة في عمامة عثمان آغا. ولكن العمامة كانت مرمية في زاوية خيمة النساء التي لم أكن أستطيع الدخول إليها، لذا كان الأمر يحتاج إلى براعة كبيرة كي أحصل عليها دون أن أثير الشبهات. ذاع صيتي كحلاق ماهر في مخيمنا ومخيمات الجيران، وكانت خدماتي مطلوبة عند الرجال دون النساء. كنت أرى أن بانو تودّ أن تتعرف علي أقرب، ولكن بما أنها لم تكن تستطيع أن تطلب خدماتي كحلاق، ولا النساء الأخريات، فقد اقتصرت علاقاتنا على تبادل النظرات وحركات لطف من جهتها وعلامات الشكر والامتنان من جهتي.

ولكن التركمان لديهم بعض العلم حول الحياة الحضارية، وكانوا يعرفون أن الحلاقين في بلاد فارس هم كذلك جراحون، وأنهم، عدا الحلاقة والتمسيد في الحمامات، يجيدون الفصادة وقلع الأضراس وجبر الكسور. وبعد مدةٍ شعرت بانو أنها تريد فصادة فأرسلت إليّ تسألني إن كنت أستطيع أن أقدم لها هذه الخدمة. كانت تلك فرصة مؤاتية لأعرف أنباء الغرض الذي كنت أصبو إليه، وربما أجد وسيلة للحصول عليه، لذا وافقت قائلاً أنني بارع في الفصادة، ولا أحتاج سوى إلى مبضع أو سكين صغير. وجدوا الأداة المطلوبة فوراً، وحدد أحد شيوخ العشيرة الذي كان يزعم معرفة علم النجوم أن اقتران الكواكب الموائم للفصادة سيحدث في الصباح التالي.

 
حاجي بابا يجري الفصادة.

وفي الصباح المبارك أدخلوني إلى خيمة النساء. كانت بانو جالسة على سجادة على الأرض بانتظاري. لم تكن هذه السيدة ممن يمكن أن يثيروا أحاسيس عاطفية عند شخص مثلي لأنها أولاً كانت سمينة جداً ولا يشبه شكلها تلك الأشكال الرشيقة التي اعتدنا أن نعشقها في بلادنا، لذا نظرت إليها باشمئزاز؛ أما ثانياً، كنت أهاب أصلان سلطان، ولو فكرت بعطفها لبقيت أعيش في خوف مستمر على سلامة أذنيّ. حظيت باهتمام كبير من جهة بانو وساكنات الخيمة الأخريات اللاتي اعتبرنني طبيباً وطلبت كل واحدة أن أجس نبضها. كنت أفحص بنظري زوايا الخيمة، وأنا أقوم بتحضيراتي للفصادة، أملاً برؤية الغرض الذي كنت أتوق إلى الحصول عليه. وهنا خطر لي أنني يمكن أن أستخدم عملية الفصادة لخدمة غرضي فطلبت أن أفحص نبض بانو مرة أخرى، وبعد أن فحصته بتأنٍّ وتأمُّل قلت أن مرضها ليس عادياً ويتطلب فصادة خاصة نسميها الفصادة الأفلاطونية، وهي ألاّ يُفصد الدم على الأرض بل يُجمع في وعاء كي أستطيع أن أفحصه فيما بعد ثم أخلطه برماد نبتة أعرفها ثم أطمره في الأرض إلى الجنوب الشرقي من سكن بانو عندما يشرق كوكب الزهرة، على أن لا يراني أحد. أعجب الحاضرون بهذه الطريقة العلاجية الغريبة واقتنعوا بعمق معارفي واتساعها، وقالت بانو أنها لا تريد إلا الفصادة على طريقة أفلاطون وأمرت أن يُحضر وعاء مناسب لذلك.

كنت أعرف أن قلة الأواني عند الرحّل لن تسمح لهم بالاستغناء عن أي واحد منها. وبالفعل، بعد أن عدّدوا جميع الأقدار والزبادي والأباريق وجدوها إما ضرورية أو أغلى من أن يضحّى بها. كنت متردداً أأقول لهن مباشرةً عن ضالتي، وهنا تذكرتْ بانو كأسها الجلدي القديم وأمرت إحدى النساء بالبحث عنه في زاوية الخيمة، فأحضرتْه. أخذتُ الكأس وقلت: «هذا لن يجدي نفعاً، انظروا، لقد تمزق»، وأنا أشير بالسكين إلى القطَب وفي الوقت نفسه أقطعها واحدة تلو الأخرى. وهنا صاحت بانو: «أين عمامة ذاك الأمير العجوز؟» فردّت الزوجة الثانية: «إنها لي، أريدها لأصلح سرجي!» فصرخت بانو في وجهها: «لك! لا إله إلا الله! ألستُ أنا السيدة هنا؟ سآخذها!» فصاحت الثانية: «لن تأخذيها!» وتبع ذلك لغطٌ وصخبٌ حتى خشيتُ أن يصل إلى مسمع أصلان سلطان فيأتي ويحل الخلاف بأن يسلب موضوع نزاعهن منهن. ولكن لحسن حظي تدخّل المنجِّم وقال أن دم بانو سيكون في رقبة الزوجة الثانية لو أصيبت بانو بأي مكروه، فقبلتْ أن تتخلى عن العمامة. حضّرت نفسي لإجراء الفصادة، ولكن عندما شاهدت بانو السكين خافت وقالت أنها لا تريدها. خفت أنني سأخسر ضالتي المنشودة بعد كل هذا التعب فجسست نبضها وقلت لها بكل رزانة أن اعتراضاتها لن تجدي لأن الفصادة مكتوبة عليها، وما كتبه خالق الكون في اللوح المحفوظ لا يردّه مخلوق. كان هذا الردّ مفحماً، واتفق الجميع معي أن معارضة القضاء والقدر حرام، فأعطتني يدها وهي تتصنع رباطة الجأش. أجريت الفصادة بمهارة فائقة وجمعت الدم في العمامة وأخذتها معي وقلت ألا يمس العمامة أحد غيري لأن ما يحدث للمريض من خير أو شر يتوقف على ما يحدث للدم بعد فصادته وجمعه، فحملته إلى خارج المخيم.

انتظرت حتى نام الجميع ثم مزقت البطانة وأخرجت الخمسين توماناً وطمرتها في مكان أمين، وكذلك طمرت العمامة. وفي الصباح أخبرت بانو أنني قمت بكل شيء على أكمل وجه، فأرسلت لي خروفاً مشوياً محشياً بالرز والزبيب مع إبريق من العيران.

عندما حصلت على الخمسين توماناً تذكرت صاحبي المسكين الذي كان يعيش حياةً كلُّها ضجر بين الإبل في الجبال، بينما أنا أعيش في رخاء، حتى خطر على بالي أن أرد ماله له؛ لكنني ناقشت الأمر مع نفسي فقلت: «لولا بديهتي لضاع المال للأبد، فمن أحق به؟ ثم أنه لن يستفيد منه في وضعه الحالي، وعلى الأغلب سيُسلَب منه من جديد، لذا فمن الأفضل أن أحتفظ به أنا. ويبدو أنه قد كُتب عليه أن يفقد هذا المال وكُتب لي أن أكسبه.» وجدت هذه الحجج معقولة، فسكت ضميري عن تأنيبي، واعتبرت نفسي المالك الشرعي لهذه النقود. إلا أنني حاولت أن أرسل إليه بنصف الخروف الذي تلقيته، وذلك عن طريق راعٍ كان ذاهباً إلى الجبال، وحلف أنه لن يأكل من الأمانة شيئاً. ما وثقت في كلامه، ولكن ضميري طالبني أن أحاول مشاركة صاحبي شيئاً من رخائي. ولكن، واحسرتاه! حالما قطع الراعي الوادي الذي يحدّ المخيم رأيته يحمل اللحم إلى فمه، ولم أشكّ أنه لم يترك إلا العظام قبل أن يختفي عن نظري. لم أجد جدوى في اللحاق به بعد أن كان قد ابتعد، لذا رميت نحوه حجراً ودعوت باللعنة على رأسه، إلا أن أياً منهما لم يصب الهدف.