مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/27
خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.
الفصل السابع والعشرون. تحضيرات الحكيم باشي لاستضافة الشاه في بيته والنفقات العظيمة المترتبة على ذلك
عدلخلال تجوالي في أرجاء المدينة اتخذت قراراً يكاد يكون نهائياً بأن أترك بيت الحكيم فوراً وأغادر طهران، لأن نظرتي إلى أوضاعي كانت يائسة. ولكن ولعي بزينب دفعني إلى تأجيل ذلك، فاستمررت في مكثي التعيس متطفلاً على الميرزا أحمق أملاً بأن أرى زينب مرة أخرى. لم يخطر على بال الميرزا أنني غريمه وأنني كنت سبب البلبلة التي حصلت في بيت حريمه، ولكنه أدرك أن أحدهم قد يستطيع دخوله، ولذا اتخذ تدابير احتياطية صارمة حالت دون معرفتي بحال معشوقتي وعواقب غضب الخانم. راقبت باب الأندرون كل يوم أملاً برؤية زينب في لحظة خروج سيدتها منه، ولكن بلا جدوى: لم يكن لها أي أثر، وبدأت مخيلتي تستعرض أمامي صوراً مخيفة فتصورت أنها إما محبوسة أو ماتت نتيجة كيد أعدائها في بيت الحريم. وصل توقي إلى ذروته، ثم رأيت نور جهان1 الأمة السوداء تخرج من البيت بمفردها متوجهة إلى السوق، فتبعتها وجرؤت على التحدث إليها نظراً للصداقة التي كانت بينها وبين سيدة قلبي، فقلت:
«السلام عليك يا نور جهان! إلى أين أنت ذاهبة بكل هذه العجلة؟»
فردّت: «أدام الله لطفك يا آغا حاجي2. أنا ذاهبة إلى العطار لأحضر أغراضاً لجاريتنا الكردية.»
فهتفت: «ماذا! زينب؟ ماذا بها؟ هل مرضت؟»
فأجابت السوداء الطيبة: «ما مسكينة! إنها مريضة وتعيسة. أنتم الفرس أشرار. فنحن الرقيق السود قلوبنا أكبر من قلوبكم. تتباهون بحسن ضيافتكم وإكرامكم للضيف وإحسانكم إلى الغريب، ولكن هل يجوز أن تعاملوا حيواناً، ناهيك عن إنسان، بتلك المعاملة التي عوملت بها هذه الغريبة المسكينة؟»
فقلت: «ماذا عملوا بها؟ أتوسل إليك، قولي لي بحياة الله يا نور جهان!»
لان قلبها لكلامي ولاهتمامي بما تقوله، فأخبرتني أن زينب – بسبب غيرة سيدتها – محبوسة في حجرة صغيرة لدرجة تمنعها من الحركة، وأن المعاملة التي تعرضت لها أدت إلى حمى وخيمة أوصلتها إلى شفا القبر، ولكن ساعدها شبابها وقوتها في التغلب عليها، وقد تعافت الآن، وبدأ قلب سيدتها يلين شيئاً فشيئاً فسمحت لزينب باستخدام الحناء والكحل، وأنها ذاهبة إلى العطار لتشتريهما لزينب. ولكن الخانم ما كانت لتبدي مثل هذا التسامح العجيب لولا الإشاعة بأن الشاه ينوي زيارة بيت الميرزا أحمق؛ وبما أن الشاه يحظى بحق الدخول إلى بيوت حريم رعاياه لو شاء وأن ينظر إلى نسائهم بلا حجاب، أرادت امرأة الميرزا أن تستعرض الجواري والخادمات وتحب أن يكون الاستعراض فخماً، ولهذا سمحت لزينب بالخروج من الحجرة التي كانت محبوسة فيها لتخدمها، ثم تعيدها إليها عندما لا تحتاج إلى خدماتها.
ارتحت لسماع هذه الأخبار وبدأت أفكر بالسبيل إلى لقائها، ولكني توقعت عوائق يستحيل تجاوزها، وقررت أن أبقي هادئاً خوفاً من أن أتسبب في مزيد من المصائب لها، وأن أعمل بنصيحة الشاعر وأطوي سجادة الأهواء ولا أنجرف وراء شغفي.
وفي هذه الأثناء اقترب موعد رحيل الشاه إلى مقره الصيفي، وجرت العادة أن يقضي هذه الفترة في زيارات إلى رجال بلاطه فيجمع لنفسه ولحاشيته محصولاً وفيراً من الهدايا التي يتوجب على كل من خصه ملك الملوك بمثل هذا الشرف أن يقدمها له.
كان ما أخبرتني به نور جهان صحيحاً، فقد اختار الشاه الميرزا أحمق واحداً ممن أراد أن يشرفه بزيارته، إذ أشيع عن الطبيب أنه غني، لذا خصصه الشاه من زمان فريسةً له. ومن ثم، أُعلِم الحكيم بموعد علامة رضا الشاه واستحسانه، وأنها لن تكون زيارة عادية، بل سينال الطبيب شرف استقبال جلالته واستضافته، أي أن الشاه سيشرفه بتناول طعام العشاء في بيته.
كان الحكيم من جانب مبتهجاً لعظمة الشرف الذي خصه الملك به وفي الوقت ذاته يرتجف وهو يفكر بالخراب الذي سيلحق بماله، وبدأ بتدبير جميع التحضيرات الضرورية. وأول ما يجب تقديره هو قيمة وطبيعة الپاانداز،3 لأن هذا يبقى موضوع حديث الجميع في كل أرجاء البلاد، ويعبر عن حظوته عند الشاه، ما جعل الطبيب ينتفخ من الفخر تارةً وينكمش من البخل تارةً أخرى؛ فلو استعرض غناه أكثر من اللازم ازداد احتمال زيارات مماثلة في المستقبل، وفي حال التقتير يلقى الازدراء من منافسيه. لم يتنازل إلى استشارتي من زمان، ولكن في هذه المرة تذكر نجاحي في التفاوض مع الطبيب الفرنجي فدعاني مرة أخرى إلى مجلسه وقال:
«يا حاجي، ماذا أعمل في هذا الأمر المعقد؟ لقد تلقيت تلميحاً بأن الشاه يتوقع مني پااندازاً فخماً، وجاء التلميح من الخزندار نفسه، الذي يبقى الپاانداز الذي يفرشه موضوع العجب والحديث في كامل بلاد فارس. بالطبع لا أستطيع أن أنافسه. وقد أصر أن أفرش قماشاً عريضاً من الجوخ من مدخل الشارع إلى حيث يترجل جلالته عن حصانه، وهناك يجب أن يطأ على قماش مرصع بالذهب حتى يصل إلى باب الحديقة، ومن الباب وإلى مجلسه يفرش طريقه بشالات كشمير بقيمة متزايدة وحتى الشال الذي يغطي مسنده، والذي يجب أن يكون ذا قيمة فائقة. وأنت تعرف أن أحوالي لا تسمح لي بمثل هذا البذخ، فأنا طبيب، رجل متعلم ولست من رجال البلاط، فمن أين لي ثروة كهذه؟ كما لا يخفى علي أن الخزندار عنده أقمشة يريد التخلص منها ويحب أن أشتريها من يده. مستحيل أن أقبل ما عرضه علي، فما العمل؟»
فأجبته: «صحيح أنك مجرد حكيم، ولكنك طبيب الشاه، ومنصبك رفيع. كما أنك ملزم بتقديم استقبال فخم من أجل السيدة زوجتك. فالشاه سيزعل لو استقبلته بشكل لا يبرر الثقة العالية التي خصك بها.»
فقال الميرزا: «نعم، والحق معك يا صديقي العزيز حاجي، ومع ذلك، لست سوى طبيب، ولا يمكن أن يكون بين يدي كل هذه الشالات والأقمشة.»
فأجبت: «ولكن ما البديل؟ فلا يعقل أن تفرش الطريق بالسنامكي وتغطي مسند جلالته بالضمادات؟»
فقال: «لا، ولكن يمكننا أن نفرش طريقه ورداً، وهو رخيص كما تعلم، وربما نضحي بعجل ونكسر زجاجات القطر4 أمام أرجل جواده. ألن يكفي هذا؟»
فصحتُ: «مستحيل، فلو فعلتها أعطيت الشاه وأعداءك وسيلة ليقضوا عليك. لست مضطراً لأن تأخذ بكل ما نصحك به السيد الخزندار، بل يمكنك أن تفرش قماشاً قطنياً مطبوعاً في الشارع ومخملاً حيث يترجل الشاه والشالات في الغرفة، ولن يكون ذلك أغلى من المعقول.»
قال الطبيب: «كلام جميل، وربما أستطيع تدبير هذا. يوجد في بيتي قماش مطبوع اشتريته لخياطة سراويل الحريم، سيكفينا غالباً، وأعطاني أحد المرضى منذ أيام قطعة من المخمل الإصفهاني، وأستطيع أن أبيع الثوب الذي أكرمت به لأشتري مقصباً بالذهب، وشالان أو ثلاثة من شالات زوجتي تكفي لتغطية الغرفة، ونكون قد حسمنا الأمر ببركة علي.»
فقلت: «آه، أراك نسيت حريمك! فالشاه سيذهب ليراهن. أنت تعلم أن نظرة الشاه تجلب السعد، ويجب أن تكون ملابس نسائك لائقة بهذه المناسبة.»
فقال: «لا مشكلة، فبإمكانهن استعارة كل ما يشأن من صديقاتهن: المجوهرات والسراويل والسترات والشالات: أي شيء يخطر على بالهن.»
إلا أن سيدتي الخانم نسفت كل هذه الخطط، فحالما سمعت بهذا الاتفاق عارضته ووصفت زوجها بالدنيء والواطئ والبخيل والخسيس وغير الجدير بشرف زواجها، وأصرت أن يسلك في هذه المناسبة سلوكاً يجدر بنعمة ملك الملوك عليه. ولم يكن هناك مجال لمناقشتها، فتمت جميع التحضيرات على نطاق يتجاوز بمرتبات ما أراده الحكيم، وكأن الجميع يريدونه أن ينفق كل ما ابتزه من الآخرين بلا رحمة.