نحن ورومة والفاتيكان (الطبعة الأولى)/جسد واحد لروح واحد


جَسَدٌ واحِدٌ لِرُوحٍ واحِد

بدأ المخلص نفسه تنظيم كنيسته فوجه دعوات شخصية إلى الاثني عشر إلى أندراوس ويوحنا أولاً ثم إلى سمعان أخي أندراوس الذي دعاه منذ اللحظة الأولى سمعان بطرس أي الصخر بدلاً من سمعان ابن يونا اي ابن الوناء والضعف. ثم وجد فيليبوس ووجد هـذا تتنائيل وهلم جرا. وقدسهم بحق الله وقدس المؤمنين به عن كلامهم ليكونوا واحداً. وأعطاهم الذي أعطاه الله له ونفخ فيهم وقال خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم تغفر لهم ومن أمسكتم خطاياهم تمسك لهم (يوحنا ۱۷ و۲۰).

وساوي السيد بينهم ولم يسلط أحداً على غيره. فإنه لما دنت منه أم ابني زبدي مع إبنيها ساجدة وسألت أن يجلس إبناها أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره غضب العشرة الآخرون (متی ۲۰) فدعاهم يسوع وقال لهم: «قد علمتم أن أراخنة الأمم يسودونهم وعظاءهم يتسلطون عليهم. وأما أنتم فلا يكن فيكم هكذا، ولكن من أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم عبداً».

ولم يميز الرب بطرس. ولم يوجه إليه دعـوة مختلفة. ويتذرع من يقول بتمييز بطرس بكلام بولس في رسالته الأولى إلى أهـل كورنثوس (١٥: ٥): «قد سلمت إليكم ما تسلمت أنا نفسي إن المسيح قد مات من أجل خطايانا وإنه قبر وإنه قام في اليوم الثالث وإنه تراءى لكيفا ثم للاثني عشر ثم لأكثر من خمس مئة أخ معا ثم تراءى ليعقوب ثم لجميع الرسل» ويتذرع هؤلاء أيضاً بما جاء في إنجيل لوقا (٢٤ : ٣٤) من أن الأحد عشر والمجتمعين معهم قالوا: «لقد نهض الرب حقاً وظهر لسمعان». ويتذرع هؤلاء بتقديم ذكر سمعان على ذكر غيره فيرون في هذا التقديم تمييزاً ودعوة خصوصية للتبشير. ونحن نقول أن في هذا خروجاً على أبسط قواعد التفسير. فالإنجيل بالإنجيل أولاً والرسائل بالرسائل أولاً والإنجيل والرسائل بالإنجيل والرسائل أولاً. فما أجمـل في مكان فقد يفسر في موضع آخر. وما اختصر في مكان فقد يبسط في موضع آخر. ولا يجوز افتراض التناقض في كلام السيد. فإذا قلنا بتمييز بطرس على أساس ما جاء في لوقا وعلى أساس قول بولس كما ورد أعـلاه فماذا نقول في تقديم ذكر التلاميذ على ذكر بطرس في إنجيل مرقس (٧:١٦): «فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس» وليس في توجيه السؤال ثلاثة إلى سمعان وحده (يوحنا ١٥:٢١-١٨): «يا سمعان ابن يونا أتحبني؟» تمييزاً له بل قد يكون هذا الكلام عتاباً بالإنكار وتشجيعاً وتثبيتاً لتلميذ عرف بالاندفاع الشديد وبالتراجع السريع أيضاً. وأمبروسيوس وأوغوسطينوس وغيرهما من الآباء الأولين ربطوا تثليث السؤال بتثليث الإنكار1!

ولم يبنِ السيــد كنيسته على بطرس (متى ١٦) وإنما بناها على صخرة الإيمان على قول بطرس: «أنت المسيح ابن الله الحي». فليس في أدب القرنين الأول والثاني ما ينم عن اهتمام الآباء بهذه الآية اهتمام رومة لها في ما بعد. وأقدم الإشارات الواضحة إلى هذه الآية ما جاء في الفصل المئـة من ذيالوغوس بوستينوس مع تريفون في حوالي السنة ١٣٣. وهنالك إشارة أخرى في رسائل إقليمس المنتحلة. ويرى العلامـة ماسو إشارتين في رسائل أغناطيوس المتوشح بالله وفي مزامير سليمان وتسابيحه التي تعزى إلى برديصان2. وهو قول ضعيف. وليس في هذه الإشارات كلها ما يربط تفكير الآباء الأولين بنظم الكنيسة أو مقر السلطة العليا فيها3. ويعالج أوريجانس هذه الآية فيفرق بين ظاهر النص وباطنه فيرى النص في ظاهره موجهاً إلى بطرس وفي حقيقته إلى أي شخص تشابه حالته حالة بطرس4. وتدخل ترتليانوس (+ ٢٢٠) في النزاع بين أسقفي رومة كليستوس وإيبوليتوس فرفض أن يكون الربط والحل الواردان في متى (١٩:١٦) منوطين بالأساقفة المتأخرين سواء أكانوا من أساقفة رومة أو سائر الأساقفة5. ولم يشاطر كبريانوس (+ ٢٥٨) ترتليانوس رأيه في مسألة الحل والربط. ولكنه لم ير في الآية موضوع هذا البحث مبرراً لادعاء أسقف رومة بالتقدم على سواه، فجميع الأساقفة في نظره خلفاء بطرس وما وجه إلى بطرس وجه إليهم جميعاً. والسيد إذ قال لبطرس أنت صخر أمر بوحدة الكنيسة وعدم تجزئتها6. وشارك فرميليانوس أسقف قيصرية قبدوقيـة كبريانوس رأيه في عدم تقدم أسقف رومة وعدم تفوقه استناداً للآية موضوع البحث7. ولم يرَ الذهبي الفم (+ ٤٠٧) في الصخرة سوى صخرة الإيمان8. ورأى أوغوسطينوس (+ ٤٣٠) أن الصخرة التي ستبنى عليها الكنيسة هي المسيح المخلص نفسه9. وقل الأمر نفسه عن كيرلس الإسكندري (+ ٤٤٤)10.

وموقف الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة هو موقف هؤلاء الآباء القديسين الأولين. فقول السيد: «وعلى هـذه الصخرة سأبني كنيستي» يعني على الاعتراف مع بطرس وسائر الرسل أن المسيح هو ابن الله الحي. فكل من أراد أن يصير مسيحياً يجب أن يشهــد قبل كل شيء وأن يبني إيمانه على الصخرة التي هي: «أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله الحي ولذلك طلب المسيح نفسه إلى الأعمى الإيمان ببنوته الطبيعيـة لله ولم يفتكر برئاسة بطرس بل قال إن الذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهكذا أقر بولس في المجامع في دمشق بعد دخوله في النصرانية. والخصي الحبشي قال لفيليبوس قبل اعتماده: «أؤمن أن يسوع المسيح ابن الله» فعمده فيليبوس فخلص دون أن يبني على بطرس. ومثله كل من آمن بالإجمال. وهكذا تفعل كنيستنا الجامعة المقدسة فلا تضع أساساً آخر «غير الموضوع الذي هو يسوع المسيح» (الأولى إلى كورنثوس ۱۱:۳). وكنيسة الغرب نفسها لم تلجأ إلى هذه الآية لتدعيم رأيها في سلطة أسقف رومة قبل العصور الوسطى أي قبل النزاع بين رومة القديمة ورومة الجديدة11.

ثم ارتفع السيد إلى السماء فعاد الرسل إلى العلية فاقترح أحدهم سمعان بطرس، وكان شديد الغيرة كثير الاندفاع، أن يُعيَّن واحد محلَّ الإسخريوطي. فقدَّم المجتمعون اثنين وصلوا وألقوا القرعة بينها فوقعت على متيا فأحصي مع الرسل الأحد عشر. فكان عملهم أول عمل تنظيمي كنائسي قاموا به بعد الصعود. ودلّوا بالطريقة التي أتبعوها في انتقاء متيا على أنه لم يكن بينهم سيد يُعيَّن تعييناً أو عظيم يتسلّط.

وحلَّ يوم الخمسين وظهرت الألسنة واستقرت على كل واحد. فامتلأوا كلهم من الروح القدس وطفقوا يتكلمون بلغات أخرى كما آتاهم الروح أن ينطقوا فدُهش الجمهور فاندفع بطرس وخطب خطبته الشهيرة فانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس. وكانوا معاً وكان كل شيء مشتركاً بينهم وواظبوا على تعليم الرسل وعلى الشركة في كسر الخبز وعلى الصلوات.

وتكاثر التلاميذ فحدث تذمر فجوبه الرسل بعمل تنظيمي ثانٍ. فدعوا جمهور التلاميذ وقالوا اختاروا أيها الأخوة سبعة منكم يشهد لهم بالفضل فنقيمهم على الخدمة اليومية وتنصرف نحن لكلمة الله. فاختار جمهور المؤمنين سبعـة من أهـل الفضل والتقوى وقدموهم للرسـل. فصلى هؤلاء ووضعوا عليهم الأيـدي وجعلوا منهم أول الشمامسة. وقضى تكاثر المؤمنين أيضاً إلى انتقاء شيوخ كهنة يعاونون الرسل في خدمة كلمة الله وفي الإدارة أيضاً. فلم يعين بطرس أحداً منهم تعييناً وحدث اضطهاد على الكنيسة في أوروشليم. وكان ما كان من أمر أسطفانوس الشهيد فتبدد المؤمنون في اليهودية والسامرة وأنطاكية وقبرص وغيرها وحملوا الرسالة إلى حيثما حلوا، فأرسل «الرسل» بطرس إلى السامرة. ثم انطلق الرسل للكرز والتبشير فأقاموا أخا الرب يعقوب أسقفـاً على «الكنيسة» في أوروشليم وخصوا المدن ولا سيما عواصم الولايات

بعنايتهم فأنشأوا فيهـا الكنائس الأولى. ويلاحظ هنـا أن كنائس أفسس وكورنثوس وثسالونيكية التي وجـه إليها بولس رسائله كانت كنائس عواصم الولايات وإن رسالة بطرس الأولى موجهة إلى كنائس غلاطية والبونط وقبذوقية وآسية وبيثينية وأن بولس يستهل رسالته الثانية إلى أهـل كورنثوس بالعبارة: إلى كنيسة الله التي في كورنثوس «مع جميع القديسين في أكانية كلهـا». وهكذا فإنه يجوز القول أن الرسل، أو هامتي الرسل، جعلوا منذ البـدء توزيع الكنائس يتفق وتقسيمات الولايات الرومانية المدنية وإنهم ربطوا المؤمنين في كل ولاية بأسقف عاصمة الولاية التي انتموا إليها. ويجوز القول أيضاً أن الرسل ظلوا على صلة مباشرة بالكنائس التي أسسوها أما بزياراتهم الشخصية أو بإيفاد رسـل من قبلهم إليها وتوجيه الرسائل بواسطة هؤلاء. ويستدل من أخبار القرن الثاني أن أساقفة الكنائس في كل ولاية من ولايات الدولة بدأوا يجتمعون للتداول والتشاور في الأمور الملحة في عاصمة الولاية وأنهم في القرن الثالث لمسوا الفائدة من هذه الاجتماعات فجعلوها قاعـدة يتمشون بموجبها فيجتمعون مرة في السنة على أقل تقدير. وأدى هذا كله إلى ازدياد في نفوذ أساقفة العواصم وأمست موافقتهم ضرورية في سيامة أساقفة الولاية. ومن هنا قول الآباء في المجمع المسكوني الأول في نيقية في السنة ٣٢٥ في القانون الرابع أن الأسقف يجب أن يقام من قبل جميع الذين في الأبرشية وأنه إذا تعذر ذلك يجتمع ثلاثة معاً ويشترك الغائبون كتابة وأن المصادقة على ما يجري تعطى في كل ولاية لأسقف العاصمة فيها. ومن هنا القول أيضاً في القانون الخامس أنه يستحسن أن يعقد مجامع في كل ولاية مرتين في السنة لفحص المسائل الطارئة بحضور جميع الأساقفة. وهـذا الربط بين حدود الولاية المدنية وحدود السلطة الروحية ظاهر في الإجراءات التي اتخذها الإمبراطور ولنس للحد من نفوذ باسيليوس الكبير القديس الشهير. فالإمبراطور أمر بجعل ولاية قبدوقية ولايتين لإفساح المجال لأسقف آخر يشاطر الأسقف القديس السلطة الروحية في الولاية.

ولكن تقسيم الكنائس بموجب تقسيم الولايات لم يؤثر في شعور الرعاة

والرعايا بوحدة «الكنيسة». فالمؤمنون ما فتئوا منذ اللحظة الأولى يعيشون ليسوع ويموتون له (رومية ٨:١٤) وينتظمون كنيسة واحدة هي جسده وهو رأسها (كولوسي ١٨:١) ويترنمون مع بولس أينما كانوا وحيثما حلوا (كورنثوس أولی ١۲:۱۲-١٤) قائلين: «لأنه كما أن الجسد واحد وله أعضاء كثيرة وجميع أعضاء الجسد مع كونها كثيرة إنما هي جسد واحد كذلك المسيح أيضاً. فإنا جميعاً اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد يهوداً كنا أم يونانيين عبيداً أم أحراراً وجميعنا سقينا روحاً واحداً».

وتميزت بعض كنائس الكنيسة في هذا الدور الأول على سواها بميزات معينة فأفضت عليها شيئاً من النفوذ لم يكن لغيرها. فالسيـد نفسه أسس كنيسة أوروشليم وجميع الرسل عملوا فيها ويعقوب أخو الرب تولي أمورها في عهـد الرسل وفيها عقد أول المجامع. ولا تزال هي وحدها قبلة أنظار المؤمنين في جميع أقطار العالم. ومما تجدر الإشارة إليه أن أفسابيوس المؤرخ أسقف قيصرية فلسطين (+ ٣٤٠) ظل يعتبرها «الكنيسة» منذ ظهورها حتى أيامه. فأسقفها في نظره كان أسقف «الكنيسة». أما أساقفة أنطاكية والإسكندرية ورومة فإنهم كانوا أساقفة «كنيسة الأنطاكيين» أو « كنيسة الإسكندريين» أو «كنيسة الرومانيين». ويلاحظ هنا أن الأب غوستاف باردي أساء الترجمـة فجعل أفسابيوس يقول أن فلاناً أصبح أسقف كنيسة أوروشليم بدلاً من القول مع أن فلاناً كان أسقفاً «على الكنيسة في أوروشليم»12.

وكنيسة أنطاكية كانت كنيسة عاصمة ولاية الشرق وأكبر مدنه وأهمها فكان من الطبيعي جداً أن يتولى الأسقفية فيها كبار الرجال وأن يستعين غيرهم من أساقفة الولاية بهم في حل مشاكلهم ومشاكل المؤمنين مع الحكومة والحكام. وكان من الطبيعي أيضاً أن تزداد أهمية هذه الكنيسة بعد خراب أوروشليم وتشتت أبنائها في السنة ٧٠ وأن تصبح مركزاً رئيسياً لحركة التبشير ونقطة انطلاقها. وكانت أنطاكية أيضاً مركزاً ثقافياً هاماً فاتجهت أنظار المؤمنين في ولاية الشرق إلى رعاة أنطاكية ومن شـد أزرهم للدفاع عن الدين القويم، وهل ننسى أن بطرس وبولس وبرنابا اشتركوا في تأسيس كنيستها وأن الإخوة فيهـا ساهموا مساهمة فعالة في الإنفاق من أموالهم لأجل يسوع ومن أحب وأن المسيحيين دعوا مسيحيين أولاً في أنطاكية.

ومثل هـذا يصح إلى حد بعيد عن كنيسة الإسكندرية، فالإسكندرية كانت لا تزال أكبر مدن الشرق كله وأوسعها متجراً وأسبقها علماً وثقافة. وكانت جاليتها اليهودية أهم جاليات اليهود خارج فلسطين ولهـا كلمتها بينهم. فسبقت كنيسة الإسكندرية سائر كنائس الكنيسة إلى التذرع بالعلم والفلسفة والعكف على الأسفار المقدسة والدفاع عن العقيدة فأصبحت هي المعلمة الأولى.

وإذا كانت أنطاكية عاصمة ولاية الشرق وأفسس عاصمة آسية الساحلية والإسكندرية عاصمة مصر والقيروان فإن رومة كانت في هذه القرون الأولى عاصمة الإمبراطورية بأسرها واليها تشد الرحال وفيهـا تفصل المشاكل وعنها تصدر الأحكام. وأمسى أسقفها، والحالة هـذه، ممثل الكنيسة الجامعة أمام السلطات المدنية العليا يدافع عن حقوق الكنيسة جمعاء ويتحمل مسؤولية أقوال المسيحيين وأفعالهم في جميع أرجاء الإمبراطورية. وجذبت عاصمة الدولة كبار المفكرين المسيحيين كما جذبت بطرس وبولس وعلموا فيها فجعلوا منها مركزاً عقائدياً يشابه مركز الإسكندرية. واشتهر المؤمنون فيها بغيرتهم وعطائهم فشملوا كثيرين بعطفهم ومحبتهم الحقيقية في أقصى ولايات الدولة كما يشهد بذلك أفسابيوس المؤرخ وغيره.

ولكن ليس في المراجع الأولية ما يثبت قول علماء الكثلكة بسلطة خصوصية تمتع بها أساقفة رومة وفرضوها على سائر الأساقفة. فلو عدنا معهم إلى النصوص التي يتذرعون بها لتدعيم رأيهم، إلى رسائل أغناطيوس المتوشح بالله ومصنف إيريناوس وَنصَب أبركيوس، لوجدناها غامضة لا تلزمنا بأي استنتاج منطقي يعطي رومة حق السلطة على جميع كنائس الكنيسة. وجل ما يجوز قوله هو أن بعض أساقفة رومة في هذه القرون الأولى أحسوا بواجب رعائي تجاه الكنيسة الجامعـة. فحاول أحدهم فيكتوريوس (۱۸۹ – ۱۹۹) أن يفرض رأي رومة في كيفية ممارسة عيد الفصح على أساقفة آسية الصغرى وغيرهم من أساقفة الشرق. فاحتج بوليكراتس أسقف إزمير على تدخل فيكتوريوس واستند في احتجاجه إلى العرف الرسولي في آسية وأيـده في احتجاجه مجمع محلي ضم خمسين أسقفاً. وهب إسطفانوس (٢٥٤ – ٢٥٧) بعد فيكتوريوس يوجب على أساقفة إفريقية وآسية والشرق الاعتراف بمعمودية التائبين ويهدد بالقطع. فاحتج كبريانوس أسقف قرطاجة وفرميليانوس أسقف قيصرية آسية على تدخل إسطفانوس وقالا بتساوي الرسل وتساوي الأساقفـة ولا بد من الاشارة هنا إلى أن العبارة «الأولية تعطى لبطرس» والعبارة «الذي يهجر كرسي بطرس الذي عليه أسست الكنيسة» الواردتين في رسالة كبريانوس عن وحدة الكنيسة ساقطتان من بعض النسخ القديمة وأن العلماء الباحثين، وبينهم الكاثوليكي وغيره، يعتبرون العبارتين مدسوستين دساً في عهد متأخر.

وظلت الكنائس كنيسة واحدة على الرغم من هذا الاختلاف في الرأي لأن محبة المسيح شملتها ونار الاضطهاد صهرتهـا فخرجت نقية طاهرة ووقفت جميعها وقفات ثابتة في الدفاع عن استقامة الرأي والرد على الهراطقة والمبتدعين. وكان أعظم هؤلاء وأشدهم خطراً المتهودون والمشبهون والآريوسيون.

ولبّت جميع هذه الكنائس دعوة قسطنطين الإمبراطور فاجتمعت في السنة ٣٢٥ في نيقية برعايتـه واجمعت على دستور إيمـان واحد لا نزال جميعنا نقول به حتى ساعتنا هذه. ونظر الأساقفة المجتمعون في مسائل أخرى كان بينها أمر سلطة الأساقفة واتساع رقعتها فجاء القانون السادس هكذا: «فلتحفظ العادات القديمة التي في مصر وليبيـة وخمس المدن بأن تكون سلطة أسقف الاسكندرية على هذه جميعها كما أن أسقف رومة له هذه العادة أيضاً. وكذلك فليحفظ التقدم للكنائس في أنطاكيـة وفي سائر الأبرشيات وبالإجمال إنـه لأمر واضح أن من يصير أسقفاً بدون رأي المتربوليت فقد حدد المجمع العظيم أنه لا ينبغي أن يصير أسقفاً. وأما إذا خالف اثنان أو ثلاثة لخصام شخصي رأي الجميع العـام المطابق والمناسب للقانون الكنائسي فليعمل بأكثرية الآراء». وكان السبب في هذا أن بطرس الإسكندري كان قد قطع ملاتيوس المبتدع أسقف ليكوبوليس الذي حاول أن يغتصب العـادة القديمة التي جعلت السلطة والتقدم في مصر وليبية لأسقف الإسكندرية فتجاسر أن يسيم آخرين في دائرة الإسكندرية. فجاء هذا القانون يوجب إبقاء القديم على قدمه في مصر لأسقف الإسكندرية وفي إيطاليا وتوابعها لأسقف روما وفي سورية وملحقاتها من ولاية الشرق لأسقف أنطاكية وفي سائر الأبرشيات أي الولايات لأسقف العاصمة في كل منها وحفظ الآباء بالقانون السابع والكرامة لأسقف أوروشليم (إیلیاء) کا جرت العادة» ويلاحظ هنا أنه على الرغم من موقف فيكتوريوس بابا رومة وموقف خلفه إسطفانوس المشار إليهما أعلاه لم يتخذ الآباء أي قرار في قضية السلطة التي أثارها وإن رومة نفسها لم تثرها هذه المرة.

 
* * *






  1. Bernard, J., Commentary of the Gospel according to Saint John, (1928), 690.
  2. Massaux, E., Influence de l'Evangile de Saint Mathieu sur la Lit. Chrét. avant Saint Irénée, (1950).
  3. Cullmann, O.. Saint Pierre, 144.
  4. Origène, Ad Mat.. 16: 18.
  5. Tertullianus, De Padicitia, XXI.
  6. De Cath. Ecc. Unit, IV. V.
  7. Cyprianus, Let., 75, 17.
  8. Chapman, J., Early Papacy, 72 ff.
  9. Retractiones, I, 21.
  10. Cullmann, O., op. cit., 146.
  11. Cullmann, O. op. cit. 146.
  12. Bardy, G., (Sources Chrétiennes) Eusébe de Césarée, 1. 40, 49, 85, 95, 96, 125, 143, 144, 164, etc.