نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/عبد الله بن خازم السلمي



عبد الله بن خازم السلمي

أبو صالح، أحد الشجعان المشهورين، والفرسان المعدودين، وأحد أغربة العرب السود، وهم عنترة، وسُليك المقانب في الجاهلية، وخُفَاف بن نُدْبَةَ وعبد الله بن خازم في الإسلام، ولقبوا بالأغربة لسواد ألوانهم؛ لأن أمهاتهم جوارٍ حبشيات، وخُفاف بن ندبة من بني سليم أيضًا، ومن الشجعان المشهورين أيضًا، وهو المعنى بقول العباس بن مرداس:

أبا خراشة أما أنت ذا نفر
فإن قومي لم تأكلهم الضبع

حضر عبد الله بن خازم فتح خراسان وسجستان، وحضر وقعة قارن بباذغيس، فاشتد القتال فقاتل قتالًا شديدًا، وحامي عن الناس فولاه ابن عامر على خراسان، وكان ابن عامر أميرًا على العراق والمشرق كله من قِبل معاوية، وكان يومًا عند عبيد الله بن زياد؛ إذ دخل جراد أبيض، فتعجب منه عبد الله، وقال لابن خازم: هل رأيت يا أبا صالح أعجب من هذا؟ ونظر إليه، فإذا ابن خازم قد تضاءل واصفر لونه وفزع، فقال ابن زياد: أبو صالح يعصى الرحمن، ويتهاون بالسلطان، ويقبض على الثعبان، ويمشي إلى الليث، يلقى الرماح بنحره، وقد اعتراه من جراد ما ترون، أشهد أن الله على كل شيء قدير، ومكث عشر سنين أميرًا على خراسان لابن الزبير، ولم يبايع مروان ولا ابنه، ولما بلغه مسير مصعب بن الزبير لقتال عبد الملك بن مروان، قال: أمعه عمر بن مَعْمَر القرشي؟ فقيل له: إنه أمير على فارس، قال: أمعه المهلب؟ قالوا: إنه مشغول بحرب الخوارج، قال: أمعه عبَّاد ابن الحصين؟ قالوا: إنه أمير على البصرة، قال: وأنا بخراسان، وأنشد:

خذيني فجرينى جهارًا وأبشري
بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره

يعني: بذلك مصعبًا متأسفًا على عدم حضوره هو والذين ذكره مع مصعب لينصروه، ولما قتل عبد الملك عبد الله بن الزبير أرسل إلى ابن خازم يطلب مبايعته ويترك له خراج خراسان سبع سنين فأبى وبقي على طاعة ابن الزبير، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح التميمي بولاية خراسان إن هو خلع طاعة ابن الزبير، ورغَّبة بالمطامع، وكان بكير هذا عاملًا لابن خازم على مَرْو فخلع بكير، وبنو تميم، وأكثر أهل خراسان طاعة ابن الزبير، وبايعوا عبد الملك بن مروان، واجتمعوا على حرب ابن خازم، وكان في عدد قليل فاقتتلوا، فقتل عبد الله بن خازم، قتله بحير الصريمي وآخران معه من بني تميم، وكان قبل الواقعة أرسل عياله وأثقاله إلى حصن ترمذ مع ابنه موسى بن خازم، فلما قتل ملك ابنه حصن ترمذ، وجلس فيه خمس عشرة سنة مستقلًا لم يبايع بني أمية، وكان يغزو منه الأمم المجاورة له من الترك والصُّغْد وغيرهم فيثخن فيهم ويُنكِيهم مع كونه في عدد قليل، وتغزوه عمال بني أمية بخراسان في جيوش العرب فيهزمهم، وربما اجتمعت عليه ملوك الترك والصُّغد وجيوش العرب وحاصروه في حصنه، فكان يخرج إلى العرب في النهار فيقاتلهم، ويقاتل الترك بالليل، وخرج ليلة إلى جموع الترك والصغد فبيَّتهم فهزمهم وفض جموعهم، فلما أصبح خرج إلى العرب، فلما رأوا الترك انفضوا صالحوه، وانصرفوا ولا زال هذا دأبه حتى اجتمعت عليه جموع العرب سنة خمس وثمانين مع الترك في جيش عظيم وحصروه، فقال لأصحابه: اخرجوا بنا مستميتين، واقصدوا الترك، ولا تقاتلوا العرب إلا إذا قاتلوكم، وحملوا على الترك وصدقوهم القتال فانهزم طرخون ملكهم وانفضوا وحالت الصُّغد والعرب بينه وبين الحصن فقاتلهم قتالًا شديدًا فعقرو فرسه فسقط وقتلوه رحمه الله بعد استقلاله في ترمذ خمس عشرة سنة.

قال الشيخ العطار: لو أبقوه في حصنه ليكون سدًّا بينهم وبين طوائف الأمم المجاورة له لكان خيرًا لهم وللإسلام، فقد فجعوا الإسلام بقتله كما فجعوه بقتل قتيبة بن مسلم الباهلي؛ فإني أظن أنه لم يأت في صدر الإسلام عند قيام الدولة الأموية مثلها يعرف ذلك من نظر وقائعها وحربهما.اهــ.

وسئل المهلب عن شجعان زمانه، فقال: عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي، وعباد بن الحصين الحبَطي، وعمير بن الحباب السلمي، وقَطرِي بن الفجاءة، فقيل له: أين ابن الزبير، وعبد الله خازم؟ فقال: إنما سألتموني عن الإنس، ولم تسألوني عن الجن.