هداية الحيارى/سبب تحريف التوراة


سبب تحريف التوراة

قال بعض علمائهم الراسخين في العلم ممن هداه الله إلى الإسلام: لسنا نرى إن هذه الكفريات كانت في التوراة المنزلة على موسى، ولا نقول أيضا أن اليهود قصدوا تغييرها وإفسادها؛ بل الحق أولى ما اتبع، قال: ونحن نذكر حقيقة سبب تبديل التوراة.

فإن علماء القوم وأحبارهم يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد من علمائهم وأحبارهم أنها عين التوراة المنزلة على موسى بن عمران البتة، لأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل، ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم من بعده في تأويل التوراة المؤدي إلى انقسامهم أحزابا، وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي، قال: ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته: «وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى أئمة بني لاوي، وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت فيهم، ولم يبد موسى لبني إسرائيل من التوراة إلا نصف سورة».

وقال الله لموسى عن هذه السورة: «وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل ولا تنسى هذه السورة من أفواه أولادهم».

وأما بقية التوراة فدفعها إلى أولاد هارون وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم، فالأئمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها فقتلهم بختنصر على دم واحد، وأحرق هيكلهم يوم استولى على بيت المقدس.

ولم تكن التوراة محفوظة على ألسنتهم، بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة فلما رأى عزير أن القوم قد أحرق هيكلهم، وزالت دولتهم، وتفرق جمعهم، ورفع كتابهم، جمع من محفوظاته، ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم، ولذلك بالغوا في تعظيم عزير غاية المبالغة، وقالوا فيه ما حكاه الله عنهم في كتابه، وزعموا أن النور على الأرض إلى الآن يظهر على قبره عند بطائح العراق، لأنه عمل لهم كتابا يحفظ دينهم.

فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب عزير وإن كان فيها أو أكثرها من التوراة التي أنزلها الله على موسى.

قال: وهذا يدل على أن الذي جمع هذه الفصول التي بأيديهم رجل جاهل بصفات الرب تعالى، وما ينبغي له وما لا يجوز عليه، فلذلك نسب إلى الرب تعالى ما يتقدس ويتنزه عنه، وهذا الرجل يعرف عند اليهود والنصارى: بعازر الوراق، ويظن بعض الناس أنه (الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال: أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) ويقول: أنه نبي ولا دليل على هاتين المقدمتين، ويجب التثبت في ذلك نفيا وإثباتا، فإن كان هذا نبيا، واسمه عزير فقد وافق صاحب التوراة في الاسم.

وبالجملة فنحن وكل عاقل نقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى من هذه الأكاذيب، والمستحيلات، والترهات، كما نقطع ببراءة صلاة موسى، وبني إسرائيل معه من هذا الذي يقولونه في صلاتهم اليوم، فإنهم في العشر الأول من المحرم في كل سنة يقولون في صلاتهم ما ترجمته: «يا أبانا، املك على جميع أهل الأرض، ليقول كل ذي نسمة الله إله إسرائيل قد ملك ومملكته في الكل متسلطة».

ويقولون فيها أيضا: «وسيكون لله الملك، وفي ذلك اليوم يكون الله واحدا واسمه واحد» ويعنون بذلك: أنه لا يظهر كون الملك له، وكونه واحدا إلا إذا صارت الدولة لهم، فأما ما دامت الدولة لغيرهم فإنه تعالى خامل الذكر عند الأمم مشكوك في وحدانيته، مطعون في ملكه، ومعلوم قطعا أن موسى ورب موسى بريء من هذه الصلاة براءته من تلك الترهات.

هداية الحيارى
خطبة الكتاب | تمهيد | مسائل الكتاب | المسألة الأولى | الأسباب المانعة من قبول الحق | لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله | صلاة النصارى استهزاء بالمعبود | المسألة الثانية | قصة النجاشي | وفد نصارى نجران | خبر عدي بن حاتم الطائي | قصة سلمان الفارسي | قصة هرقل | إسلام النجاشي | قصة المقوقس | قصة ابن الجلندي | صاحب اليمامة | قصة الحارث | قصة عبد الله بن سلام | المذكور في كتبهم غالبا وهو أبلغ من الاسم | نصارى نجران | اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة | اختلاف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها | نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته | النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال | ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق | أدلة من التوراة على نبوة محمد | نطق التوراة صراحة بنبوة محمد | ما ذكر في نبوة حبقوق | مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود | صفات النبي المذكورة في كتبهم | خبر المباهلة | حديث وهب عن الزبور | خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | خبر بحيرا الراهب | خبر آخر عن هرقل | الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به | تحريف التوراة والإنجيل | سبب تحريف التوراة | جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح | التغيير في ألفاظ الكتب | المناقضات في الإنجيل | الرد على من طالب بالنسخ الصحيحة | الرد على من قال بعدم كفر هاتين الأمتين | الرد على من طعن بالصحابة | معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم | كتب اليهود | من شريعتهم نكاح امرأة الأخ أو العار | دين النصارى | مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها | لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء | النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم | اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح | تاريخ المجامع النصرانية | ذكر ماني الكذاب | بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح | أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين | المجمع الأول | المجمع الثاني | المجمع الثالث | المجمع الرابع | المجمع الخامس | المجمع السادس | المجمع السابع | المجمع الثامن | المجمع التاسع | المجمع العاشر | لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله | يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام | غباوة اليهود | إشراق الأرض بالنبوة