هداية الحيارى/ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق


ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق

وأصل هذا أن إبليس لما أعرض عن السجود لآدم كبرا أن يخضع له تعوض بذلك ذل القيادة لكل فاسق ومجرم من بنيه، فلا بتلك النخوة ولا بهذه الحرفة، والنصارى لما أنفوا أن يكون المسيح عبدا لله تعوضوا من هذه الأنفة بأن رضوا بجعله مصفعة اليهود ومصلوبهم الذي يسخرون منه ويهزؤن به، ثم عقدوا له تاجا من الشوك بدل تاج الملك، وساقوه في حبل إلى خشبة الصلب، يصفقون حوله ويرقصون.

فلا بتلك الأنفة له من عبودية الله، ولا بهذه النسبة له إلى أعظم الذل والضيق والقهر، وكذلك أنفوا أن يكون للبترك والراهب زوجة أو ولد، وجعلوا لله رب العالمين الولد، وكذلك أنفوا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ويطيعوا عبده ورسوله.

ثم رضوا بعبادة الصليب والصور المصنوعة بالأيدي في الحيطان، وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء، ويحلل لهم ما شاء، ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه.

ونظير هذا التعويض أنفة الجهمية أن يكون الله سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائنا من خلقه، حتى لا يكون محصورا بزعمهم في جهة معينة، ثم قالوا: هو في مكان بذاته.

فحصروه في الآبار والسجون والأنجاس والأخباث، وعوضوه بهذه الأمكنة عن عرشه المجيد.

فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق، وضحكه عليهم واستهزاءه بهم.

قول المسيح: «إذا انطلقت أرسلته إليكم» معناه: أني أرسله بدعاء ربي وطلبي منه أن يرسله، كما يطلب الطالب من ولي الأمر أن يرسل رسولا أو أن يولي نائبا أو يعطي أحدا، فيقول: أنا أرسلت هذا ووليته وأعطيته. يعني أني كنت سببا في ذلك؛ فإن الله سبحانه إذا قضى أن يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابا يكون بها، ومن تلك الأسباب دعاء بعض عباده بأن يفعل ذلك، فيكون في ذلك من النعمة إجابة دعائه مضافا إلى نعمته بإيجاد ما قضى كونه، ومحمد قد دعا به الخليل أبوه، فقال:

(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إنك أنت العزيز الحكيم).

مع أن الله سبحانه قد قضى بإرساله، وأعلن باسمه قبل ذلك، كما قيل له: يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ فقال: «وآدم بين الروح والجسد»، وقال: «إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته».

وهذا كما قضى الله سبحانه نصره يوم بدر، ومن أسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر، وكذلك ما يقضيه من إنزال الغيث قد يجعله بسبب ابتهال عباده ودعائهم وتضرعهم إليه، وكذلك ما يقضيه من مغفرة ورحمة وهداية ونصر قد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك، أو من غيره، فلا يمتنع أن يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل أخاه محمدا إلى العالم، ويكون ذلك من أسباب الرسالة المضافة إلى دعوة أبيه إبراهيم، لكن إبراهيم سأل ربه أن يرسله في الدنيا فلذلك ذكره الله سبحانه، وأما المسيح فإنما سأله بعد رفعه وصعوده إلى السماء.

وتأمل قول المسيح: «إني لست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب» كيف هو مطابق لقول أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهما، «ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، وإماما مقسطا، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية» وأوصى أمته بأن «يقرئه السلام منه من لقيه منهم» وفي حديث آخر: «كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها.

هداية الحيارى
خطبة الكتاب | تمهيد | مسائل الكتاب | المسألة الأولى | الأسباب المانعة من قبول الحق | لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله | صلاة النصارى استهزاء بالمعبود | المسألة الثانية | قصة النجاشي | وفد نصارى نجران | خبر عدي بن حاتم الطائي | قصة سلمان الفارسي | قصة هرقل | إسلام النجاشي | قصة المقوقس | قصة ابن الجلندي | صاحب اليمامة | قصة الحارث | قصة عبد الله بن سلام | المذكور في كتبهم غالبا وهو أبلغ من الاسم | نصارى نجران | اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة | اختلاف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها | نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته | النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال | ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق | أدلة من التوراة على نبوة محمد | نطق التوراة صراحة بنبوة محمد | ما ذكر في نبوة حبقوق | مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود | صفات النبي المذكورة في كتبهم | خبر المباهلة | حديث وهب عن الزبور | خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | خبر بحيرا الراهب | خبر آخر عن هرقل | الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به | تحريف التوراة والإنجيل | سبب تحريف التوراة | جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح | التغيير في ألفاظ الكتب | المناقضات في الإنجيل | الرد على من طالب بالنسخ الصحيحة | الرد على من قال بعدم كفر هاتين الأمتين | الرد على من طعن بالصحابة | معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم | كتب اليهود | من شريعتهم نكاح امرأة الأخ أو العار | دين النصارى | مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها | لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء | النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم | اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح | تاريخ المجامع النصرانية | ذكر ماني الكذاب | بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح | أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين | المجمع الأول | المجمع الثاني | المجمع الثالث | المجمع الرابع | المجمع الخامس | المجمع السادس | المجمع السابع | المجمع الثامن | المجمع التاسع | المجمع العاشر | لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله | يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام | غباوة اليهود | إشراق الأرض بالنبوة