أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/ردة حضرموت وكندة


ردة حَضْرَمَوْتَ وكِنْدَةَ

حضرموت صقع ببلاد العرب قيل سمي بحضرموت ابن قحطان لأنه أول من نزله، وكان اسم هذا الرجل عامراً، فكان إذا حضر حرباً أكثر من القتل فصاروا يقولون عند حضوره حضرموت ثم جرى ذلك عليه لقباً وسكنوا الضاد للتخفيف، وجعلوا الاسم مركباً مزجيّاً على الأشهر، ثم صاروا يقولون للأرض التي كانت بها هذه القبيلة حضرموت ثم أطلق على البلاد نفسها.

تحد حضرموت غرباً باليمن وشرقاً بعمان وشمالاً بالدَّهْناء، وقال ياقوت وهي ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف.

كان الأشعث بن قیس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد كندة من حضرموت فأسلموا وسألوا أن يبعث عليهم رجلاً يعلمهم السنن ويجبي صدقاتهم فأنفذ معهم زیاد بن لبيد البياضي1 عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم يجبيهم، فلما مات رسول الله نكص الأشعث عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ونهاه ابن امرىء القيس بن عابس فلم ينته، فكتب زیاد إلى أبي بكر بذلك فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية وكان على صنعاء بعد قتل العنسي أن يمد زیاداً بنفسه ويعينه على المرتدين من عنده من المسلمين. فجمع زیاد جموعه وأوقع بمخاليفه فنصره الله عليهم حتى تحصنوا بالنُّجَيْر2 بعد أن رموه، فحصرهم فيه، ثم قدم إليه عكرمة بجيشه فأعيوا عن المقام في الحصن، فاجتمعوا إلى الأشعث وسألوه أن يأخذ لهم الأمان فأرسل إلى زياد بن لبيد يسأله الأمان حتى يلقاه ويخاطبه فأمنه، فلما اجتمع به سأله أن يؤمن أهل النجير ويصالحهم فامتنع عليه وراده حتى آمن سبعين رجلا منهم وفيهم أخو قيس وبنو عمه وأهله ونسي نفسه وأن يكون حكمه في الباقي نافذاً، فخرج سبعون فأراد قتل الأشعث وقال له: أخرجت نفسك من الأمان بتكملة عدد السبعين فسأله أن يحمله إلى أبي بكر ليرى فيه رأيه وفتحوا له حصن النجير وكان فيه كثير فعمد إلى أشرافهم نحو 700 رجل فضرب أعناقهم ولام القوم الأشعث وقالوا لزياد: إن الأشعث غدر بنا. أخذ الأمان لنفسه وأهله وماله ولم يأخذ لنا وإنما نزل على أن يأخذ لنا جميعاً. وأبی زیاد ان يوارى جثث من قتل وتركهم للسباع وكان هذا أشد على من بقي من القتل، وبعث السبي مع نهيك بن أوس بن خزيمة وكتب إلى أبي بكر: إنا لم نؤمنه إلا على حكمك، وبعث الأشعث في وثاق وماله معه ليرى فيه رأيه، فأخذ أبو بكر يقرّع الأشعث ويقول له: فعلتَ، فعلتَ. فقال الأشعث: استبقني لحربك ، وسأله أن يرد عليه زوجته وقد كان خطب أم فروة بنت أبي قُحَافة أخت أبي بكر لما قدم على رسول الله فزوّجه وأخرها إلى أن يقدم الثانية. فحقن أبو بكر دمه بعد أن أسلم أمامه ورد عليه أهله وقال له « انطلق فليبلغني عنك خير».

ولما تزوج الأشعث أم فروة اخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملا ولا ناقة إلا عرقبه وصاح الناس « كفر الأشعث » فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت ولكن زوّجني هذا الرجل أخته ولو كان ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه. يا أهل المدينة انحروا وكلوا. ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا أثمانها. فما رؤیت وليمة مثلها.


  1. زياد بن لبيد الأنصاري يكنى أبا عبد الله خرج من المدينة إلى رسول الله وأقام معه بمكة حتى هاجر مع رسول الله إلى المدينة فكان يقال له مهاجري أنصاري. شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله.
  2. النجير: حصن قرب حضرموت