إغاثة اللهفان/الباب الثالث عشر/10

9
11


ذكر الآثار عن التابعين

قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال إذا نوى الناكح أو المنكح أو المرأة أو أحد منهم التحليل فلا يصلح

أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء المحلل عامدا هل عليه عقوبة قال ما علمت وإني لأرى أن يعاقب قال وكلهم إن تمالؤا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق

أخبرنا معمر عن قتادة قال إن طلقها المحلل فلا يحل لزوجها الأول أن يقر بها إذا كان نكاحه على وجه التحليل

أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء فطلق المحلل فراجعها زوجها قال يفرق بينهما

أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في رجل تزوج امرأة يحللها ولا يعلمها فقال الحسن اتق الله ولا تكن مسمار نار في حدود الله

قال ابن المنذر وقال إبراهيم النخعي إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول

قال وقال الحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد أفسد

قال وقال بكر بن عبد الله المزني في الحال والمحلل له أولئك كانوا يسمون في الجاهلية التيس المستعار

قال وقال عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى إن ظنا أن يقيما حدود الله قال إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة ورواه ابن أبي حاتم في التفسير عنه

وقال هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي أنه سئل عن رجل تزوج امرأة كان زوجها طلقها ثلاثا قبل ذلك أيطلقها لترجع إلى زوجها الأول فقال لا حتى يحدث نفسه أنه يعمر معها وتعمر معه أي تقيم معه رواه الجوزجاني

ورورى النفيلي حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية حدثنا عبد الملك عن عطاء في الرجل يطلق المرأة فينطلق الرجل الذي يتحزن له فيتزوجها من غير مؤامرة منه فقال إن كان تزوجها ليحلها له لم تحل له وإن كان تزوجها يريد إمساكها فقد حلت له

وقال سعيد بن المسيب في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول ولم يشعر بذلك زوجها الأول ولا المرأة قال إن كان إنما نكحها ليحلها فلا يصلح ذلك لهما ولا تحل له رواه حرب في مسائله

وعنه أيضا قال إن الناس يقولون حتى يجامعها وأنا أقول إذا تزوجها تزوجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوجها الأول رواه سعيد بن منصور عنه

فهؤلاء الأئمة الأربعة أركان التابعين وهم الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي

وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول وهو لا يعلم قال لا يصلح ذلك إذا كان تزوجها ليحلها

ذكر الآثار عن تابعي التابعين ومن بعدهم

قال ابن المنذر: وممن قال: إن ذلك لا يصلح إلا نكاح رغبة: مالك ابن أنس والليث ابن سعد وقال مالك رحمه الله: يفرق بينهما على كل حال وتكون الفرقة فسخا بغير طلاق

وقال سفيان الثوري: إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارق ويستقبل نكاحا جديدا

قال أحمد بن حنبل: جيد

وقال إسحاق: لا يحل له أن يمسكها لأن المحلل لم تتم له عقدة النكاح

وكان أبو عبيد يقول بقول الحسن والنخعي

وقال الجوزجاني: حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك فقال: هو محلل وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون

وقال الجوزجاني: وبه قال أيوب وقال ابن أبي شيبة: لست أرى أن ترجع بهذا النكاح إلى زوجها الأول

قال الجوزجاني: وأقول: إن الإسلام دين الله الذي اختاره واصطفاه وطهره حقيق بالتوقير والصيانة مما لعله يشينه وينزه مما أصبح أبناء الملل من أهل الذمة يعيرون به المسلمين على ما تقدم فيه من النهي عن النبي ولعنه عليه ثم ساق الأحاديث المرفوعة في ذلك والآثار

فصل

ومن العجائب معارضة هذه الأحاديث والآثار عن الصحابة بقوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة: 230 ] والذي أنزلت عليه هذه الآية هو الذي لعن المحلل والمحلل له وأصحابه أعلم الناس بكتاب الله تعالى فلم يجعلوه زوجا وأبطلوا نكاحه ولعنوه

وأعجب من هذا قول بعضهم: نحن نحتج بكونه سماه محللا فلولا أنه أثبت الحل لم يكن محللا

فيقال: هذه من العظائم فإن هذا يتضمن أن رسول الله لعن من فعل السنة التي جاء بها وفعل ما هو جائز صحيح في شريعته وإنما سموه محللا لأنه أحل ما حرم الله فاستحق اللعنة فإن الله سبحانه حرمها على المطلق حتى تنكح زوجا غيره والنكاح اسم في كتاب الله وسنة رسوله للنكاح الذي يتعارفه الناس بينهم نكاحا وهو الذي شرع إعلانه والضرب عليه بالدفوف والوليمة فيه وجعل للإيواء والسكن وجعله الله مودة ورحمة وجرت العادة فيه بضد ما جرت به في نكاح المحلل فان المحلل لم يدخل على نفقه ولا كسوة ولا سكنى ولا إعطاء مهر ولا يحصل به نسب ولا صهر ولا قصد المقام مع الزوجة وإنما دخل عارية كالتيس المستعار للضراب ولهذا شبههبه النبي ثم لعنه فعلم قطعا لا شك فيه أنه ليس هو الزوج المذكور في القرآن ولا نكاحه هو النكاح المذكور في القرآن وقد فطر الله سبحانه قلوب الناس على أن هذا ليس بنكاح ولا المحلل بزوج وأن هذا منكر قبيح وتعير به المرأة والزوج والمحلل والولي فكيف يدخل هذا في النكاح الذي شرعه الله ورسوله وأحبه وأخبر أنه سنته ومن رغب عنه فليس منه

وتأمل قوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا [ البقرة: 230 ] أي فإن طلقها هذا الثاني فلا جناح عليها وعلى الأول أن يتراجعا أي ترجع إليه بعقد جديد فأتى بحرف إن الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يقيم والتحليل الذي يفعله هؤلاء لا يتمكن الزوج فيه من الأمرين بل يشرطون عليه أنه متى وطئها فهي طالق ثم لما علموا أنه قد لا يخبر بوطئها ولا يقبل قولها في وقوع الطلاق انتقلوا إلى أن جعلوا الشرط إخبار المرأة بأنه دخل بها فبمجرد إخبارها بذلك تطلق عليه والله سبحانه وتعالى شرع النكاح للوصلة الدائمة وللاستمتاع وهذا النكاح جعله أصحابه سببا لانقطاعه ولوقوع الطلاق فيه فإنه متى وطىء كان وطؤه سببا لانقطاع النكاح وهذا ضد شرع الله وأيضا فإن الله سبحانه جعل نكاح الثاني وطلاقه واسمه كنكاح الأول وطلاقه واسمه فهذا زوج وهذا زوج وهذا نكاح وهذا نكاح وكذلك الطلاق ومعلوم أن نكاح المحلل وطلاقه واسمه لا يشبه نكاح الأول ولا طلاقه ولا اسمه كاسمه ذاك زوج راغب قاصد للنكاح باذل للمهر ملتزم للنفقة والسكنى والكسوة وغير ذلك من خصائص النكاح والمحلل برىء من ذلك كله غير ملتزم لشىء منه

وإذا كان الله تعالى ورسوله قد حرم نكاح المتعة مع أن قصد الزوج الاستمتاع بالمرأة وأن يقيم معها زمانا وهو ملتزم لحقوق النكاح فالمحلل الذي ليس له غرض أن يقيم مع المرأة إلا قدر ما ينزو عليها كالتيس المستعار لذلك ثم يفارقها أولى بالتحريم

وسمعت شيخ الإسلام يقول: نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من عشرة أوجه:

أحدها: أن نكاح المتعة كان مشروعا في أول الإسلام ونكاح التحليل لم يشرع في زمن من الأزمان

الثاني أن الصحابة تمتعوا على عهد النبي ولم يكن في الصحابة محلل قط

الثالث: أن نكاح المتعة مختلف فيه بين الصحابة فأباحه ابن عباس وإن قيل: إنه رجع عنه وأباحه عبد الله بن مسعود ففي الصحيحين عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. وفتوى ابن عباس بها مشهورة

قال عروة: قام عبد الله بن الزبير بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة: يعرض بعبد الله بن عباس فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله

فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك

فهذا قول ابن مسعود وابن عباس في المتعة وذاك قولهما وروايتهما في نكاح التحليل

الرابع: أن رسول الله لم يجىء عنه في لعن المستمتع والمستمتع بها حرف واحد وجاء عنه في لعن المحلل والمحلل له وعن الصحابة: ما تقدم

الخامس: أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة ولها غرض أن تقيم معه مدة النكاح فغرضه المقصود بالنكاح مدة والمحلل لا غرض له سوى أنه مستعار للضراب كالتيس فنكاحه غير مقصود له ولا للمرأة ولا للولي وإنما هو كما قال الحسن: مسمار نار في حدود الله وهذه التسمية مطابقة للمعنى

قال شيخ الإسلام: يريد الحسن: إن المسمار هو الذي يثبت الشىء المسمور فكذلك هذا يثبت تلك المرأة لزوجها وقد حرمها الله عليه

السادس: أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله فليس من المخادعين الذين يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان بل هو ناكح ظاهرا وباطنا والمحلل ماكر مخادع متخذ آيات الله هزوا ولذلك جاء في وعيده مالم يجىء في وعيد المستمتع مثله ولا قريب منه

السابع: أن المستمتع يريد المرأة لنفسه وهذا سر النكاح ومقصوده فيريد بنكاحه حلها له ولا يطؤها حراما والمحلل لا يريد حلها لنفسه وإنما يريد حلها لغيره ولهذا سمي محللا فأين من يريد أن يحل له وطىء امرأة يخاف أن يطأها حراما إلى من لا يريد ذلك وإنما يريد بنكاحها أن يحل وطأها لغيره فهذا ضد شرع الله ودينه وضد ما وضع له النكاح

الثامن: أن الفطر السليمة والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل والتقليد تنفر من التحليل أشد نفار وتعير به أعظم تعيير حتى إن كثيرا من النساء تعير المرأة به أكثر مما تعيرها بالزنا ونكاح المتعة لا تنفر منه الفطر والعقول ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام

التاسع: أن نكاح المتعة يشبه إجارة الدابة مدة للركوب وإجارة الدار مدة للانتفاع والسكنى وإجارة العبد للخدمة مدة ونحو ذلك مما للباذل فيه غرض صحيح ولكن لما دخله التوقيت أخرجه عن مقصود النكاح الذي شرع بوصف الدوام والاستمرار وهذا بخلاف نكاح المحلل فإنه لا يشبه شيئا من ذلك ولهذا شبهه الصحابة رضي الله عنهم بالسفاح وشبهوه باستعارة التيس للضراب

العاشر: أن الله سبحانه نصب هذه الأسباب كالبيع والإجارة والهبة والنكاح مفضية إلى أحكام جعلها مسببات لها ومقتضيات فجعل البيع سببا لملك الرقبة والإجارة سببا لملك المنفعة أو الانتفاع والنكاح سببا لملك البضع وحل الوطء والمحلل مناقض معاكس لشرع الله تعالى ودينه فإنه جعل نكاحه سببا لتمليك المطلق البضع وإحلاله له ولم يقصد بالنكاح ما شرعه الله له من ملكه هو للبضع وحله له ولا له غرض في ذلك ولا دخل عليه وإنما قصد به أمرا آخر لم يشرع له ذلك السبب ولم يجعل طريقا له

الحادي عشر: أن المحلل من جنس المنافق فإن المنافق يظهر أنه مسلم ملتزم لعقد الإسلام ظاهرا وباطنا وهو في الباطن غير ملتزم له وكذلك المحلل يظهر أنه زوج وأنه يريد النكاح ويسمى المهر ويشهد على رضى المرأة وفي الباطن بخلاف ذلك ولا القيام بحقوق النكاح وقد أظهر خلاف ما أبطن وأنه مريد لذلك والله يعلم والحاضرون والمرأة وهو والمطلق: أن الأمر كذلك وأنه غير زوج على الحقيقة ولا هي امرأته على الحقيقة

الثاني عشر: أن نكاح المحلل لا يشبه نكاح أهل الجاهلية ولا نكاح أهل الإسلام فكان أهل الجاهلية يتعاطون في أنكحتهم أمورا منكرة ولم يكونوا يرضون نكاح التحليل ولا يفعلونه ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه فيعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله تعالى محمدا بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم

ومعلوم أن نكاح المحلل ليس من نكاح الناس الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها أن رسول الله أقره ولم يهدمه ولا كان أهل الجاهلية يرضون به فلم يكن من أنكحتهم فإن الفطر والأمم تنكره وتعير به

فصل

وسبب هذا كله: معصية الله ورسوله وطاعة الشيطان في إيقاع الطلاق على غير الوجه الذي شرعه الله والله سبحانه يبغض الطلاق في الأصل كما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق

وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ما بال قوم يلعبون بحدود الله يقول: قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول: قد فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ويجىء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال: فيدنيه منه أو قال: فيلتزمه ويقول: نعم أنت أنت

فالشيطان وحزبه قد أغروا بإيقاع الطلاق والتفريق بين المرء وزوجه وكثيرا ما يندم المطلق ولا يصبر عن امرأته ولا تطاوعه نفسه أن يصبر عنها إلى أن تتزوج زواج رغبة تبقى فيه مع الزوج إلى أن يموت عنها أو يفارقها إذا قضى وطره ولا بد له من المرأة فيهرع إلى التحليل وهو حيلة من عشر حيل نصبوها للناس

إحداها: التحيل على عدم وقوع الطلاق وهو نوعان تحيل على عدم وقوعه مع صحة النكاح بالتسريح فيأمرونه أن يقول لها: إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فلا يمكن أن يقع عليها الطلاق بعد هذا لا مطلقا ولا مقيدا عند المسرحين فسدوا باب الطلاق وجعلوا المرأة كالغل في عنق الزوج لا سبيل له إلى طلاقها أبدا

الحيلة الثانية: التحيل على عدم وقوع الطلاق بكون النكاح فاسدا فلا يقع فيه الطلاق ويتحيلون لبيان فساده من وجوه:

منها: أن عدالة الولى شرط في صحته فإذا كان في الولي ما يقدح في عدالته فالنكاح باطل فلا يقع فيه الطلاق والقوادح كثيرة فلا تكاد تفتش فيمن شئت إلا وجدت فيه قادحا

ومنها: أن عدالة الشهود شرط والشاهد يفسق بجلوسه على مقعد حرير أو استناده إلى مسند حرير أو جلوسه تحت حركاة حرير أو تجمره بمجمرة فضة ونحو ذلك مما لا يكاد يخلو البيت منه وقت العقد ونحو ذلك

فيا للعجب ! يكون الوطء حلالا والنسب لاحقا والنكاح صحيحا حتى يقع الطلاق فحينئذ يطلب وجوه إفساده

الحيلة الثالثة: التحيل بالمخالعة حتى يفعل المحلوف عليه فإذا فعله تزوجها بعقد جديد

الحيلة الرابعة: إذا وقع الفأس في الرأس وحنث ولا بد اشترى غلاما دون البلوغ وزوجه بها وأمرها أن تمكنه من إيلاج الحشفة هناك فإذا فعل وهبها إياه فانفسخ نكاحها بملكه فتعتد وترد إلى المطلق فإن عجزوا عن ذلك وأعوزهم انتقلوا إلى:

الحيلة الخامسة: وهي استكراء التيس الملعون المستعار لينزو عليها ويحلها بزعمه فهذه خمس حيل للخاصة

وأما جهال العامة فلما رأوا أن المقصود التحيل على ردها إلى المطلق بأي طريق اتفق قالوا: المقصود هو الرجوع والحيلة مقصودة لغيرها وأعيان الحيل ليست مقصودة فاستنبطوا لهم خمس حيل أخرى

أحداها: أن يأمروا المحلل بأن يطأها برجله فيطؤها وهي قاعدة أو مضطجعة برجله ثم يخرج ورأوا أن الوطء بالرجل أسهل عليهم وأقل مفسدة من الوطء بالآلة فإنه إذا كان كلاهما غير مقصود فما كان أقل فسادا كان أقرب إلى المقصود

الحيلة الثانية: أن تكون حاملا فتلد ذكرا وكأنهم قاسوا الذكر الذي شقها خارجا على الذكر الذي يشقها داخلا وهذا من جنس قياس التيس الملعون على الزوج المقصود

الحيلة الثانية: أن يصب المحلل عليها دهنا يشربه جسدها ولا يطؤها وكأنهم قاسوا تشرب جسدها للدهن وسريانه فيه على شربه للنطفة وسريانها فيه

الحيلة الرابعة: السفر عنها أو سفرها عنه فإذا قدم ظن أن ذلك كاف عن الزوج ولا أدري من أين ألقى إليهم الشيطان ذلك وكأنهم ظنوا أنهم قد التقوا من الآن وأن السفر قطع حكم ما مضى رأسا

الحيلة الخامسة: أن يجتمعا على عرفات فإذا وقف بها على الجبل لم يحتج بعد ذلك إلى زوج آخر عندهم وقد سئلنا نحن وغيرنا عن ذلك وسمعناه منهم

فصل

واعلم أن من اتقى الله في طلاقه فطلق كما أمره الله ورسوله وشرعه له أغناه عن ذلك كله ولهذا قال تعالى بعد أن ذكر حكم الطلاق المشروع: ومن يتق الله يجعل له مخرجا. فلو اتقى الله عامة المطلقين لاستغنوا بتقواه عن الآصار والأغلال والمكر والاحتيال فإن الطلاق الذي شرعه الله سبحانه: أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويطلقها واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فإن بدا له أن يمسكها في العدة أمسكها وإن لم يراجعها حتى انتقضت عدتها أمكنه أن يستقبل العقد عليها من غير زوج آخر وإن لم يكن له فيها غرض لم يضره أن تتزوج بزوج غيره فمن فعل هذا لم يندم ولم يحتج إلى حيلة ولا تحليل

ولهذا سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته مائة فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا

وقال سعيد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني طلقت امرأتي ألفا فقال: أما ثلاث فتحرم عليك امرأتك وبقيتهن وزر اتخذت آيات الله هزوا

وقال مجاهد: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى طننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله تعالى قال: ومن يتق الله يجعل له مخرجا. وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك ذكره أبو داود

وقد روى النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله

وهذه الآثار موافقة لما دل عليه القرآن فإن الله سبحانه إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة ولم يشرعه جملة واحدة أصلا قال تعالى: الطلاق مرتان. والمرتان في لغة العرب بل وسائر لغات الناس: إنما تكون لما يأتي مرة بعد مرة فهذا القرآن من أوله إلى آخره وسنة رسول الله وكلام العرب قاطبة شاهد بذلك كقوله تعالى: سنعذبهم مرتين [ التوبة: 101 ] وقوله: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين [ التوبة: 126 ] وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات [ النور: 53 ] ثم فسرها بالأوقات الثلاثة وشواهد هذا أكثر من أن تحصى

ثم قال سبحانه: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة: 230 ] فهذه هي المرة الثالثة فهذا هو الطلاق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى مرة بعد مرة بعد مرة فهذا شرعه من حيث العدد

وأما شرعه من حيث الوقت: فشرع الطلاق للعدة وقد فسره النبي بأن يطلقها طاهرا من غير جماع فلم يشرع جمع ثلاث ولا تطليقتين ولم يشرع الطلاق في حيض ولا في طهر وطئها فيه وكان المطلق في زمن رسول الله كله وزمن أبي بكر كله وصدرا من خلافه عمر رضي الله عنهما إذا طلق ثلاثا يحسب له واحدة وفي ذلك حديثان صحيحان أحدهما رواه مسلم في صحيحه والثاني رواه الإمام أحمد في مسنده

فأما حديث مسلم: فرواه من طريق ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم

وفي صحيحه أيضا عن طاوس: أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هنياتك: ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر واحدة فقال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتايع الناس في الطلاق فأجازه عليهم

وفي لفظ لأبي داود: أن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنهما فقال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنهما فلما رأى الناس قد تتايعوا فيها قال أجروهن عليهم هكذا في هذه الرواية قبل أن يدخل بها وبها أخذ إسحق بن راهويه وخلق من السلف جعلوا الثلاث واحدة في غير المدخول بها وسائر الروايات الصحيحة ليس فيها قبل الدخول ولهذا لم يذكر مسلم منها شيئا

وهذا الحديث قد رواه عن ابن عباس ثلاثة نفر: طاوس وهو أجل من روى عنه وأبو الصهباء العدوى وأبو الجوزاء وحديثه عند الحاكم في المستدرك ولفظه: أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال: أتعلم أن الثلاث كن يرددن على عهد رسول الله عليه السلام إلى واحدة قال: نعم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه

ورواية طاوس نفسه عن ابن عباس ليس في شيء منها قبل الدخول وإنما حكى ذلك طاوس عن سؤال أبي الصهباء لابن عباس فأجابه ابن عباس بما سأله عنه ولعله إنما بلغه جعل الثلاث واحدة في حق مطلق قبل الدخول فسأل عن ذلك ابن عباس وقال: كانوا يجعلونها واحدة فقال له ابن عباس نعم أي الأمر على ما قلت

وهذا لا مفهوم له فإن التقييد في الجواب وقع في مقابلة تقييد السؤال ومثل هذا لا يعتبر مفهومه

نعم لو لم يكن السؤال مقيدا فقيد المسئول الجواب كان مفهومه معتبرا وهذا كما إذا سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: إذا وقعت الفأرة في السمن فألقوها وما حولها وكلوه لم يدل ذلك على تقييد الحكم بالسمن خاصة

وبالجملة: فغير المدخول بها فرد من أفراد النساء فذكر النساء مطلقا في أحد الحديثين

وذكر بعض أفرادهن في الحديث الآخر لا تعارض بينهما

وأما الحديث الآخر: فقال أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانه وإخوته أم ركانه ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي فقالت: ما يغني ععني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي حمية فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه: أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلانا يشبه منه كذا وكذا قالوا نعم: فقال الني طلقها ففعل فقال: راجع امرأتك أم ركانة فقال: إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال: قد علمت راجعها وتلا: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة [ الطلاق: 1 ] الآية

فأمره أن يراجعها وقد طلقها ثلاثا وتلا الآية التي هي وما بعدها صريحة في كون الطلاق الذي شرعه الله لعباده وهو الطلاق الذي يكون للعدة فإذا شارفت انقضاءها فإما أن يمسكها بمعروف أو يفارقها بمعروف وأنه سبحانه شرعه على وجه التوسعة والتيسير فلعل المطلق أن يندم فيكون له سبيل إلى الرجعة وهو قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ الطلاق: 1 ] فأمره بالمراجعة وتلاوته الآية كاف في الاستدلال على ما كان عليه الحال

فإن قيل: فهذا الحديث فيه مجهول وهو بعض بني أبي رافع والمجهول لا تقوم به حجة

فالجواب من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الإمام أحمد قد قال في المسند: حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد ابن إسحق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله كيف طلقتها قال: طلقتها ثلاثا قال في مجلس واحد قال: نعم قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت قال: فراجعها قال وكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر

ورواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاراته التي هي أصح من صحيح الحاكم

فهذا موافق للأول وكلاهما موافق لحديث طاوس وأبي الصهباء وأبي الجوزاء عن ابن عباس وطاوس وعكرمة أعلم أصحاب ابن عباس فإن عكرمة كان مولاه مصاحبا له وكان يقيده على العلم وكان طاوس خاصا عنده يجتمع به كثيرا ويدخل عليه مع الخاصة وكان طاوس وعكرمة يفتيان بأن الثلاث واحدة وكذلك ابن إسحق لما صح عنده هذا الحديث أفتى بموجبه وكان يقول: جهل السنة فيرد إليها

فرواة هذا الحديث أفتوا به وعملوا به

وعن ابن عباس فيه روايتان إحداهما: موافقة عمر رضي الله عنه تأديبا وتعزيرا للمطلقين والثانية: الإفتاء بموجبه

وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس وحسبك بهذا السند صحة وجلالة: إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة ذكره أبو داود في السنن

الوجه الثاني: أن هذا المجهول هو من التابعين من أبناء مولى النبي ولم يكن الكذب مشهورا فيهم والقصة معروفة محفوظة وقد تابعه عليها داود بن الحصين وهذا يدل على أنه حفظها

الوجه الثالث: أن روايته لم يعتمد عليها وحدها فقد ذكرنا رواية داود بن الحصين وحديث أبي الصهباء فهب أن وجود روايته وعدمها سواء ففي حديث داود كفاية وقد زالت تهمة تدليس ابن اسحق بقوله حدثني وقد احتج الأئمة بهذا السند بعينه في حديث تقدير العرايا بخمسة أوسق أو دونها وأخذوا به وعملوا بموجبه مع مخالفة عمومات الأحاديث الصحيحة: في منع بيع الرطب بالتمر له

فالقول بهذه الأحاديث موافق لظاهر القرآن ولأقوال الصحابة وللقياس ومصالح بني آدم

أما ظاهر القرآن: فإن الله سبحانه شرع الرجعة في كل طلاق إلا طلاق غير المدخول بها والمطلقة طلقة ثالثة بعد الأولتين وليس في القرآن طلاق بائن قط إلا في هذين الموضعين وأحدهما بائن غير محرم والثاني بائن محرم وقال تعالى: الطلاق مرتان والمرتان ما كان مرة بعد مرة كما تقدم

وأما القياس فإن الله سبحانه قال: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [ النور: 6 ] ثم قال: ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله [ النور: 8 ] فلو قال: أشهد بالله أربع شهادات إني صادق أو قالت: أشهد بالله أربع شهادات إنه كاذب كانت شهادة واحدة ولم تكن أربعا فكيف يكون قوله: أنت طالق ثلاثا: ثلاث تطليقات وأي قياس أصح من هذا وهكذا كل ما يعتبر فيه العدد من الإقرار ونحوه ولهذا لو قال المقر بالزنى: إني أقر بالزنى أربع مرات كان ذلك مرة واحدة وقد قال الصحابة لماعز: إن أقررت أربعا رجمك رسول الله فلو قال: أقر به أربع مرات كانت مرة واحدة فهكذا الطلاق سواء

فهذا القياس وتلك الآثار وذاك ظاهر القرآن

وأما أقوال الصحابة: فيكفي كون ذلك على عهد الصديق ومعه جميع الصحابة لم يختلف عليه منهم أحد ولا حكي في زمانه القولان حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك إجماع قديم وإنما حدث الخلاف في زمن عمر رضي الله عنه واستمر الخلاف في المسألة إلى وقتنا هذا كما سنذكره

قالوا: فقد صح بلا شك أنهم كانوا في زمن رسول الله وأبي بكر مدة خلافته كلها وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما يوقعون على من طلق ثلاثا واحدة قالوا: فنحن أحق بدعوى الإجماع منكم لأنه لا يعرف في عهد الصديق أحد رد ذلك ولا خالفه فإن كان إجماع فهو من جانبنا أظهر ممن يدعيه من نصف خلافة عمر رضي الله عنه وهلم جرا فإنه لم يزل الاختلاف فيها قائما وذكره أهل العلم في مصنفاتهم قديما وحديثا

فممن ذكر الخلاف في ذلك: داود وأصحابه واختاروا أن الثلاث واحدة

وممن حكى الخلاف: الطحاوى في كتابه اختلاف العلماء وفي كتاب تهذيب الآثار

وأبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن وحكاه ابن المنذر وحكاه ابن جرير وحكاه المؤرج في تفسيره وحكى حجة القولين ثم قال: وهي مسألة خلاف بين العلماء وحكاه محمد بن نصر المروزي واختار القول بالثلاث: أنها واحدة في حق البكر ثلاث في حق المدخول بها وحكاه من المتأخرين المازرى في كتاب المعلم وحكاه عن محمد بن محمد بن مقاتل من أصحاب أبي حنيفة وهو من أجل أصحابهم من الطبقة الثالثة من أصحاب أبي حنيفة فهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة وحكاه التلمساني في شرح التفريع في مذهب مالك قولا في مذهبه بل رواية عن مالك وحكاه غيره قولا في المذهب فهو أحد القولين في مذهب مالك وأبي حنيفة وحكاه غيره شيخ الإسلام عن بعض أصحاب أحمد وهو اختياره وأسوأ أحواله أن يكون كبعض أصحاب الوجوه في مذهبه كالقاضي وأبي الخطاب وهو أجل من ذلك فهو قول في مذهب أحمد بلا شك

وأما التابعون فقال ابن المنذر: كان سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعطاء وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة قال: واختلف في هذا الباب عن الحسن فروي عنه أنه ثلاث وذكر قتادة وحميد ويونس عنه: أنه رجع عن قوله بعد ذلك وقال: واحدة بائنة

وقال محمد بن نصر في كتاب اختلاف العلماء: أجمع أهل العلم أن الرجل إذا طلق امرأته تطليقة ولم يدخل بها أنها بانت منه وليس عليها عدة واختلفوا في غير المدخول بها إذا طلقها الزوج ثلاثا بلفظ واحد فقال الأوزاعي ومالك وأهل المدينة: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وروي عن ابن عباس وغير واحد من التابعين أنهم قالوا: إذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها فهي واحدة وأكثر أهل الحديث على القول الأول

قال: وكان إسحق يقول: طلاق الثلاث للبكر واحدة وتأول حديث طاوس عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم يجعل واحدة: على هذا

قلت: هذا تأويل إسحق وأما أبو داود فجعله منسوخا فقال في كتاب السنن: باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: الطلاق مرتان [ البقرة: 229 ] ثم ذكر في أثناء الباب حديث أبي الصهباء وكأنه اعتقد أن حكمه كان ثابتا لما كان الرجل يراجع امرأته كلما طلقها وهذا وهم لوجهين:

أحدهما: أن المنسوخ هو ثبوت الرجعة بعد الطلاق ولو بلغ ما بلغ كما كان في أول الإسلام

الثاني: أن النسخ لا يثبت بعد موت رسول الله وكون الثلاث واحدة قد عمل به في خلافة الصديق كلها وأول خلافة عمر رضي الله عنه فمن المستحيل أن ينسخ بعد ذلك

وأما ابن المنذر فقال: لم يكن ذلك عن علم النبي ولا عن أمره قال: وغير جائز أن يظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي شيئا ثم يفتي بخلافه فلما لم يجز ذلك دل فتيا ابن عباس رضي الله عنه على أن ذلك لم يكن عن علم النبي ولا عن أمره إذ لو كان ذلك عن علم النبي ما استحل ابن عباس أن يفتي بخلافه أو يكون ذلك منسوخا استدلالا بفتيا ابن عباس وهذا المسلك ضعيف جدا لوجوه:

أحدها: أن حديث عكرمة عن ابن عباس في رد النبي امرأة ركانة عليه بعد الطلاق الثلاث يبطل هذا التأويل رأسا

الثاني: أن هذا لو كان صحيحا لقال ابن عباس لأبي الصهباء: ما أدري أبلغ ذلك رسول الله أو لم يبلغه فلما أقره على ذلك كان إقراراه دليلا على أنه مما بلغه

الثالث: أنه لو كان ذلك صحيحا لم يقل عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة بل كان الواجب أن يبين له أن السنة عن رسول الله في خلاف ذلك وأن هذا العمل من الناس خلاف دين الإسلام وشرع محمد ولا يقول: فلو أنا أمضيناه عليهم فإن هذا إنما يكون إمضاء من الله تعالى ورسوله لا من عمر

الرابع: أنه من الممتنع أو المستحيل أن يكون خيار الخلق يطلقون في عهد رسول الله وعهد خليفته من بعده ويراجعون على خلاف دينه فيطلقون طلاقا محرما ويراجعون رجعة محرمة ولا يعلمون بذلك رسول الله وهو بين أظهرهم

ثم حديث ابن عباس الذي رواه أحمد يرد ذلك ثم ترده فتوى ابن عباس في إحدى الرواتين عنه وهي ثابتة عنه بأصح الإسناد كما أن الرواية الأخرى ثابتة عنه

وكيف يستمر جهل خيار الأمة بالطلاق والرجعة مدة حياته ومدة حياة الصديق كلها وشطرا من خلافة عمر رضي الله عنه ثم يظهر لهم بعد ذلك الطلاق والرجعة الجائزان

وكيف يصح قول عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة

وكيف يصح قوله: فلو أنا أمضيناه عليهم فهذا المسلك كما ترى

وأما الإمام أحمد فإنما رده بفتوى ابن عباس بخلافه وهو راوي الحديثين قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: طلاق الثلاث واحدة بأي شيء تدفعه قال: برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه

وكذلك نقل عنه ابن منصور

وهذا المسلك إنما يجيء على إحدى الروايتين: أن الصحابي إذا عمل بخلاف الحديث لم يحتج به واتبع عمل الصحابي والمشهور عنه: أن العبرة بما رواه الصحابي لا بقوله إذا خالف الحديث ولهذا أخذ برواية ابن عباس في حديث بريرة وأن بيع الأمة لا يكون طلاقا لها لأن رسول الله خيرها ولو انفسخ النكاح ببيعها لم يخيرها مع أن مذهب ابن عباس: أن بيع الأمة طلاقها واحتج بظاهر القرآن وهو قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء: 24 ] فأباح وطء مملوكته المزوجة ولو كان النكاح باقيا لم ينفسخ لم يبح له وطأها

والجمهور وأحمد معهم خالفوه في ذلك وقالوا: لا يكون بيعها طلاقا

واحتجوا بحديث بريرة وتركوا رأيه لروايته فإن روايته معصومة ورأيه غير معصوم

والمشهور من مذهب الشافعي: أن الأخذ بروايته دون رأيه والمشهور من مذهب أبي حنفية عكس ذلك وعن أحمد روايتان

فهذا المسلك في ردع الحديث لا يقوى

وسلك آخرون في رد الحديث مسلكا آخر

فقالوا: هو حديث مضطرب لا يصح ولذلك أعرض عنه البخاري وترجم في صحيحه على خلافه فقال باب فيمن جوز الطلاق الثلاث في كلمة لقوله تعالى الطلاق مرتان

ثم ذكر حديث اللعان وفيه فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ولم يغير عليه النبي وهو لا يقر على باطل

قالوا: ووجه اضطرابه: أنه تارة يروى عن طاوس عن ابن عباس وتارة عن طاوس عن أبي الصهباء عن ابن عباس وتارة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس فهذا اضطرابه من جهة السند

وأما المتن: فإن أبا الصهباء تارة يقول: ألم تعلم أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة وتارة يقول: ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر واحدة فهذا يخالف اللفظ الآخر

وهذا المسلك من أضعف المسالك ورد الحديث به ضرب من التعنت ولا يعرف أحد من الحفاظ قدح في هذا الحديث ولا ضعفه والإمام أحمد لما قيل له: بأي شيء ترده قال: برواية الناس عن ابن عباس خلافه ولم يرده بتضعيف ولا قدح في صحته وكيف يتهيأ القدح في صحته ورواته كلهم أئمة حفاظ حدث به عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج بصيغة الإخبار وحدث به كذلك ابن جريج عن ابن طاوس وحدث به ابن طاوس عن أبيه وهذا إسناد لا مطعن فيه لطاعن وطاوس من أخص أصحاب ابن عباس ومذهبه: أن الثلاث واحدة وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس فلم ينفرد به عبد الرزاق ولا ابن جريج ولا عبد الله بن طاوس فالحديث من أصح الأحاديث وترك رواية البخاري له لا يوهنه وله حكم أمثاله من الأحاديث الصحيحة التي تركها البخاري لئلا يطول كتابه فإنه سماه: الجامع المختصر الصحيح ومثل هذا العذر لا يقبله من له حظ من العلم

وأما رواية من رواه عن أبي الجوزاء فإن كانت محفوظة فهي مما يزيد الحديث قوة وإن لم تكن محفوظة وهو الظاهر فهي وهم في الكنية انتقل فيها عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة من أبي الصهباء إلى أبي الجوزاء فإنه كان سيء الحفظ والحفاظ قالوا: أبو الصهباء وهذا لا يوهن الحديث

وهذه الطريق عند الحاكم في المستدرك

وأما رواية من رواه مقيدا قبل الدخول فإنه تقدم أنها لا تناقض رواية الآخرين على أنها عند أبي داود عن أيوب عن غير واحد ورواية الإطلاق عن معمر عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه فإن تعارضا فهذه الرواية أولى وإن لم يتعارضا فالأمر واضح

وحديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صريح في كون الثلاث واحدة في حق المدخول بها

وعامة ما يقدر في حديث أبي الصهباء: أن قوله قبل الدخول زيادة من ثقة فيكون الأخذ بها أولى

وحينئذ فيدل أحد حديثى ابن عباس على أن هذا الحكم ثابت في حق البكر وحديثه الآخر على أنه ثابت في حكم الثيب أيضا فأحد الحديثين يقوى الآخر ويشهد بصحته وبالله التوفيق

وقد رده آخرون بمسلك أضعف من هذا كله، فقالوا: هذا حديث لم يروه عن رسول الله إلا ابن عباس وحده ولاعن ابن عباس إلا طاوس وحده قالوا: فأين أكابر الصحابة وحفاظهم عن رواية مثل هذا الأمر العظيم الذي الحاجة إليه شديدة جدا فكيف خفي هذا على جميع الصحابة وعرفه ابن عباس وحده وخفي على أصحاب ابن عباس كلهم وعلمه طاوس وحده

وهذا أفسد من جميع ما تقدم ولا ترد أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بمثل هذا فكم من حديث تفرد به واحد من الصحابة لم يروه غيره وقبلته الأمة كلهم فلم يرده أحد منهم وكم من حديث تفرد به من هو دون طاوس بكثير ولم يرده أحد من الأئمة ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يقبل وإنما يحكي عن أهل البدع ومن تبعهم في ذلك أقوال لا يعرف لها قائل من الفقهاء

قد تفرد الزهري بنحو ستين سنة لم يروها غيره وعملت بها الأمة ولم يردوها بتفرده

هذا مع أن عكرمة روى عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث ركانة وهو موافق لحديث طاوس عنه فإن قدح في عكرمة أبطل وتناقض فإن الناس احتجوا بعكرمة وصحح أئمة الحفاظ حديثه ولم يلتفتوا إلى قدح من قدح فيه

فإن قيل: فهذا هو الحديث الشاذ وأقل أحواله أن يتوقف فيه ولا يجزم بصحته عن رسول الله

قيل: ليس هذا هو الشاذ وإنما الشذوذ: أن يخالف الثقات فيما رووه فيشذ عنهم بروايته فأما إذا روى الثقة حديثا منفردا به لم يرو الثقات خلافه فإن ذلك لا يسمى شاذا وإن اصطلح على تسميته شاذا بهذا المعنى لم يكن هذا الاصطلاح موجبا لرده ولا مسوغا له

قال الشافعي رحمه الله: وليس الشاذ أن ينفرد الثقة برواية الحديث بل الشاذ أن يروي خلاف ما رواه الثقات قاله في مناظرته لبعض من رد الحديث بتفرد الراوي به

ثم إن هذا القول لا يمكن احدا من أهل العلم ولا من الأئمة ولا من أتباعهم طرده ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم وفتاويهم

والعجب أن الرادين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيرا من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة انفرد بها رواتها لا تعرف عن سواهم وذلك أشهر وأكثر من أن يعد

ولما رأى بعضهم ضعف هذه المسالك وأنها لا تجدي شيئا استروح إلى تأويله فقال: معنى الحديث: أن الناس كانوا يطلقون على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر واحدة ولا يوقعون الثلاث فلما كان في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه أوقعوا الثلاث وأكثروا من ذلك فأمضاه عليهم عمر رضي الله عنه كما أوقعوه فقوله: كانت الثلاث على عهد رسول الله واحدة أي في حق التطليق وإيقاع المطلقين لا في حكم الشرع

قال هذا القائل: وهذا من أقوى ما يجاب به وبه يزول كل إشكال

ولعمر الله لو سكت هذا كان خيرا له وأستر فإن هذا المسلك من أضعف ما قيل في الحديث وسياقه يبيعن بطلانه بيانا ظاهرا لا إشكال فيه وكأن قائله أحب الترويج على قوم ضعفاء العلم مخلدين إلى حضيض التقليد فروج عليهم مثل هذا وهذا القائل كأنه لم يتأمل ألفاظ الحديث ولم يعن بطرقه فقد ذكرنا من بعض ألفاظه قول أبي الصهباء لابن عباس: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر رضي الله عنه وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنه فأقر ابن عباس بذلك وقال نعم

وأيضا فقول هذا المتأول: إنهم كانوا يطلقون على عهد رسول الله واحدة فقد نقضه هو بعينه وأبطله حيث احتج على وقوع الثلاث بحديث الملاعن وحديث محمود بن لبيد أن رجلا طلق امرأته على عهد رسول الله ثلاثا فغضب النبي وقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ثم زاد هذا القائل في الحديث زيادة من عنده فقال وأمضاه عليه ولم يرده

وهذه اللفظة موضوعة لا تروى في شيء من طرق هذا الحديث ألبتة وليست في شيء من كتب الحديث وإنما هي من كيس هذا القائل حمله عليها فرط التقليد ومحمود بن لبيد لم يذكر ما جرى بعد ذلك من إمضاء أو رد إلى واحدة

والمقصود: أن هذا القائل تناقض وتأول الحديث تأويلا يعلم بطلانه من سياقه ومن بعض ألفاظه أن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر يرد إلى الواحدة وهذا موافق للفظ الآخر كان إذا طلق امرأته ثلاثا جعلوها واحدة وجميع ألفاظه متفقة على هذا المعنى يفسر بعضها بعضا، فجعل هذا وأمثاله المحكم متشابها والواضح مشكلا

كيف يصنع بقوله فلو أمضيناه عليهم فإن هذا يدل على أنه رأي من عمر رضي الله عنه رأى أن يمضيه عليهم لتتايعهم فيه وسدهم على أنفسهم ما وسعه الله عليهم وجمعهم ما فرقه وتطليقهم على غير الوجه الذي شرعه وتعديهم حدوده ومن كمال علمه رضي الله عنه: أنه علم أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل المخرج إلا لمن اتقاه وراعى حدوده وهؤلاء لم يتقوه في الطلاق ولا راعوا حدوده فلا يستحقون المخرج الذي ضمنه لمن اتقاه

ولو كان الثلاث تقع ثلاثا على عهد رسول الله وهو دينه الذي بعثه الله تعالى به لم يضف عمر رضي الله عنه إمضاءه إلى نفسه ولا كان يصح هذا القول منه وهو بمنزلة أن يقول في الزنى وقتل النفس وقذف المحصنات: لو حرمناه عليهم فحرمه عليهم وبمنزلة أن يقول في وجوب الظهر والعصر ووجوب صوم شهر رمضان والغسل من الجنابة: لو فرضناه عليهم ففرضه عليهم

فدعوى هذه التأويلات المستكرهة التي كلما نظر فيها طالب العلم ازداد بصيرة في المسألة وقوي جانبها عنده فإنه يرى أن الحديث لا يرد بمثل هذه الأشياء

قد سلك أبو عبد الرحمن النسائي في سننه في الحديث مسلكا آخر وقوي جانبها عنده فقال: باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة ثم ساقه فقال: حدثنا أبو داود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: يا ابن عباس ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ترد إلى الواحدة قال: نعم وأنت إذا طابقت بين هذه الترجمة وبين لفظ الحديث وجدتها لا يدل عليها ولا يشعر بها بوجه من الوجوه بل الترجمة لون والحديث لون آخر وكأنه لما أشكل عليه لفظ الحديث حمله على ما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق طلقت واحدة ومعلوم أن هذا الحكم لم يزل ولا يزال كذلك ولا يتقيد ذلك بزمان رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه ثم يتغير في خلافة عمر رضي الله عنه ويمضي الثلاث بعد ذلك على المطلق فالحديث لا يندفع بمثل هذا ألبتة

وسلك آخرون في الحديث مسلكا آخر وقالوا: هذا الحديث يخالف أصول الشرع فلا يلتفت إليه

قالوا: لأن الله سبحانه ملك الزوج ثلاث تطليقات وجعل إيقاعها إليه فإن قلنا بقول الشافعي ومن وافقه أن جمع الثلاث جائز فقد فعل ما أبيح له فيصح وإن قلنا: جمع الثلاث حرام وهو طلاق بدعي فالشارع إنما ملكه تفريق الثلاث فسحة له فإذا جمعها فقد جمع ما فسح له في تفريقه فلزمه حكمه كما لو فرقه

قالوا: وهذا كما أنه يملك تفريق المطلقات وجمعهن فكذلك يملك تفريق الطلاق وجمعه فهذا قياس الأصول فلا نبطله بخبر الواحد

قال الآخرون: هذا القياس لا يصلح أن يثبت به هذا الحكم لو لم يعارض بنص فضلا عن أن يقدم على النص وهو قياس مخالف لأصول الشرع ولغة العرب وسنة رسول الله وعمل الصحابة في عهد الصديق

فأما مخالفته لأصول الشرع فإن الله سبحانه إنما ملك المطلق بعد الدخول طلاقا بملك فيه الرجعة ويكون مخيرا فيه بين الإمساك بالمعروف وبين التسريح بالإحسان ما لم يكن بعوض أو يستوفي فيه العدد والقرآن قد بين ذلك كله فبين أن الطلاق قبل الدخول تبين به المرأة ولا عدة عليها وبين أن المفتدية تملك نفسها ولا رجعة لزوجها عليها وبين أن المطلقة الطلقة المسبوقة بطلقتين قبلها تبين منه وتحرم عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وبين أن ما عدا ذلك من الطلاق فللزوج فيه الرجعة وهو مخير بين الإمسك بالمعروف والتسريح بإحسان

وهذا كتاب الله تعالى قد تضمن هذه الأنواع الأربعة وأحكامها وجعل سبحانه وتعالى أحكامها من لوازمها التي لا تنفك عنها فلا يجوز ان تتغير أحكامها البتة فكما لا يجور في الطلاق قبل الدخول أن تثبت فيه الرجعة وتجب به العدة ولا في الطلقة المسبوقة بطلقتين أن يثبت فيها الرجعة وأن تباح بغير زوج وإصابة ولا في طلاق الفدية أن تثبت فيه الرجعة فكذلك لا يجوز في النوع الآخر من الطلاق ان يتغير حكمه فيقع على وجه لا تثبت فيه الرجعة فإنه مخالف لحكم الله تعالى الذي حكم به فيه وهذا صفة لازمة له فلا يكون على خلافها البتة

ومن تأمل القرآن وجده لا يحتمل غير ذلك فما شرع الله سبحانه الطلاق إلا وشرع فيه الرجعة إلا الطلاق قبل الدخول وطلاق الخلع والطلقة الثالثة فبيننا وبينكم كتاب الله فإن كان فيه شيء غير هذا فأوجدونا إياه

ومما يوضح ذلك: أن جمهور الفقهاء من الطوائف الثلاثة احتجوا على الشافعي في تجويزه جمع الثلاث بالقرآن وقالوا: ما شرع الله سبحانه جمع الطلاق الثلاث وما شرع الطلاق بعد الدخول بغير عوض إلا شرع فيه الرجعة ما لم يستوف العدد

واحتجوا عليه بقوله تعالى الطلاق مرتان. قالوا: ولا يعقل في لغة من لغات الأمم المرتان إلا مرة بعد مرة فعارضهم بعض أصحابه بقوله تعالى ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب: 31 ] وقوله ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

فأجابهم الآخرون: بأن المرتين والمرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان تارة وأكثر ما تستعمل في الأفعال وأما الأعيان فكقوله في الحديث: انشق القمر على عهد رسول الله مرتين أي شقتين وفلقتين ولما خفي هذا على من لم يحط به علما زعم أن الانشقاق وقع مرة بعد مرة في زمانين وهذا مما يعلم أهل الحديث ومن له خبرة بأحوال الرسول وسيرته أنه غلط وأنه لم يقع الانشقاق إلا مرة واحدة ولكن هذا وأمثاله فهموا من قوله مرتين المرة الزمانية

اذا عرف هذا فقوله نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب: 31 ] وقوله يؤتون أجرهم مرتين [ القصص: 54 ] أي ضعفين فيؤتون أجرهم مضاعفا وهذا يمكن اجتماع المرتين منه في زمان واحد وأما المرتان من الفعل فمحال اجتماعهما في زمن واحد فإنهما مثلان واجتماع المثلين محال وهو نظير اجتماع حرفين في آن واحد من متكلم واحد وهذا مستحيل قطعا فيستحيل أن يكون مرتا الطلاق في إيقاع واحد

ولهذا جعل مالك وجمهور العلماء من رمى الجمار بسبع حصيات جملة أنه غير مؤدي للواجب عليه وإنما يحتسب له رمي حصاة واحدة فهي رمية لا سبع رميات

واتفقوا كلهم على أنه لو قال في اللعان: أشهد بالله أربع شهادات أني صادق كانت شهادة واحدة وفي الحديث الصحيح: من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر فلو قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة هذا اللفظ لم يستحق الثواب المذكور وكانت تسبيحة واحدة

وكذلك قوله تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون ثلاثا وثلاثين وتكبرون أربعا وثلاثين لو قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين لم يكن مسبحا هذا العدد حتى يأتي به واحدة بعد واحدة

ونظائر ذلك في الكتاب والسنة اكثر من أن تذكر

قالوا: فقوله تعالى الطلاق مرتان إما أن يكون خبرا في معنى الأمر أي إذا طلقتم فطلقوا مرتين وإما أن يكون خبرا عن حكمه الشرعي الديني أي الطلاق الذي شرعته لكم وشرعت فيه الرجعة مرتان

وعلى التقديرين إنما يكون ذلك مرة بعد مرة فلا يكون موقعا للطلاق الذي شرع إلا إذا طلق مرة بعد مرة ولا يكون موقعا للمشروع بقوله أنت طالق ثلاثا ولا مرتين

قالوا ويوضح ذلك أنه حصر الطلاق المشروع في مرتين فلو شرع جمع الطلاق في دفعة واحدة لم يكن الحصر صحيحا ولم يكن الطلاق كله مرتان بل كان منه مرتان ومنه مرة واحدة تجمعه وهذا خلاف ظاهر القرآن وأنه لا طلاق للمدخول بها إلا مرتان وتبقى الثالثة المحرمة بعد ذلك

قالوا ويدل عليه أن الطلاق اسم محلي باللام وليست للعهد بل للعموم فالمراد بالآية كل الطلاق مرتان والمرة الثالثة التي تحرمها عليه وتسقط رجعته وهذا صريح في أن الطلاق المشروع هو المتفرق لأن المرات لا تكون إلا متفرقة كما تقدم

قالوا ويدل عليه قوله تعالى 2: 229 فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فهذا حكم كل طلاق شرعه الله إلا الطلقة المسبوقة بطلقتين قبلها فإنه لا يبقى بعدها إمساك

قالوا ويدل عليه قوله تعالى 2: 230 وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف وإذا من أدوات العموم كأنه قال أي طلاق وقع منكم في أي وقت فحكمه هذا إلا أنه أخرج من هذا العموم الطلقة المسبوقة باثنتين فبقي ما عداها داخلا في لفظ الآية نصا أو ظاهرا

قالوا ويدل عليه أيضا قوله تعالى 2: 231 وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فهذا عام في كل طلاق غير الثالثة المسبوقة باثنتين فالقرآن يقتضي أن ترجع إلى زوجها إذا أراد في كل طلاق ما عدا الثالثة

قالوا ويدل عليه أيضا قوله تعالى 65: 1 يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ووجه الاستدلال بالآية من وجوه

أحدها أنه سبحانه وتعالى إنما شرع أن تطلق لعدتها أي لاستقبال عدتها فتطلق طلاقا يعقبه شروعها في العدة ولهذا أمر رسول الله عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حيضها أن يراجعها وتلا هذه الآية تفسير للمراد بها وأن المراد بها الطلاق في قبل العدة وكذلك كان يقرؤها عبد الله بن عمر ولهذا قال كل من قال بتحريم جمع الثلاث إنه لا يجوز له أن يردف الطلقة بأخرى في ذلك الطهر لأنه غير مطلق للعدة فإن العدة قد استقبلت من حين الطلقة الأولى فلا تكون الثانية للعدة

ثم قال الإمام أحمد في ظاهر مذهبه ومن وافقه إذا أراد أن يطلقها ثانية طلقها بعد عقد أو رجعة لأن العدة تنقطع بذلك فإذا طلقها بعد ذلك أخرى طلقها للعدة

وقال في رواية أخرى عنه له أن يطلقها الثانية في الطهر الثاني ويطلقها الثالثة في الطهر وهو قول أبي حنيفة فيكون مطلقا للعدة أيضا لأنها تبتني على ما مضى والصحيح هو الأول وأنه ليس له أن يردف الطلاق قبل الرجعة والعقد لأن الطلاق الثاني لم يكن لاستقبال العدة بل هو طلاق لغير العدة فلا يكون مأذونا فيه فإن العدة إنما تحسب من الطلقة الأولى لأنها طلاق العدة بخلاف الثانية والثالثة

ومن جعله مشروعا قال هو الطلاق لتمام العدة والطلاق لتمامها كالطلاق لاستقبالها وكلاهما طلاق للعدة

وأصحاب القول الأول يقولون المراد بالطلاق للعدة الطلاق لاستقبالها كما في القراءة الأخرى التي تفسر القراءة المشهورة فطلقوهن في قبل عدتهن

قالوا فإذا لم يشرع إرداف الطلاق للطلاق قبل الرجعة أو العقد فأن لا يشرع جمعه معه أولى وأحرى فإن إرداف الطلاق أسهل من جمعه ولهذا يسوغ الإرداف في الأطهار من لا يجوز الجمع في الطهر الواحد

وقد احتج عبد الله بن عباس على تحريم جمع الثلاث بهذه الآية

قال مجاهد كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس

وإن الله تعالى قال ومن يتق الله يجعل له مخرجا فما أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك وإن الله تعالى قال يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن وهذا حديث صحيح

ففهم ابن عباس من الآية أن جمع الثلاث محرم وهذا فهم من دعا له النبي أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل وهو من أحسن الفهوم كما تقرر

الوجه الثاني من الاستدلال بالآية قوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وهذا إنما هو الطلاق الرجعي فأما البائن فلا سكنى لها ولا نفقة لسنة رسول الله الصحيحة التي لا مطعن في صحتها الصريحة التي لا شبهة في دلالتها فدل على أن هذا حكم كل طلاق شرعه الله تعالى ما لم يسبقه طلقتان قبله ولهذا قال الجمهور إنه لا يشرع له ولا يملك إبانتها بطلقة واحدة بدون العوض

وأبو حنيفة قال لا يملك ذلك لأن الرجعة حقه وقد أسقطها

والجمهور يقولون ثبوت الرجعة وإن كان حقا له فلها عليه حقوق الزوجية فلا يملك إسقاطها إلا بمخالعة أو باستيفاء العدد كما دل عليه القرآن

الوجه الثالث أنه قال 65: 1 وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه فإذا طلقها ثلاثا جملة واحدة فقد تعدى حدود الله فيكون ظالما

الوجه الرابع أنه سبحانه قال لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وقد فهم أعلم الأمة بالقرآن وهم الصحابة أن الأمر ههنا هو الرجعة قالوا وأي أمر يحدث بعد الثلاث

الوجه الخامس قوله تعالى 2: 230 فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف فهذا حكم كل طلاق شرعه الله إلا أن يسبق بطلقتين قبله وقد احتج ابن عباس على تحريم جمع الثلاث بقوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن كما تقدم وهذا حق فإن الآية إذا دلت على منع إرداف الطلاق الطلاق في طهر أو أطهار قبل رجعة أو عقد كما تقدم لأنه يكون مطلقا في غير قبل العدة فلأن تدل على تحريم الجمع أولى وأحرى

قالوا والله سبحانه شرع الطلاق على أيسر الوجوه وأرفقها بالزوج والزوجة لئلا يتسارع العبد في وقوعه ومفارقة حبيبته وقد وقت للعدة أجلا لاستدراك الفارط بالرجعة فلم يبح له أن يطلق المرأة في حال حيضها لأنه وقت نفرته عنها وعدم قدرته على استمتاعه بها ولا عقيب جماعها لأنه قد قضى غرضه منها وربما فترت رغبته فيها وزهد في إمساكها لقضاء وطره فإذا طلقها في هاتين الحالتين ربما يندم بعد هذا مع ما في الطلاق في الحيض من تطويل العدة وعقيب الجماع من طلاق لعلها قد اشتمل رحمها على ولد منه فلا يريد فراقها فأما إذا حاضت ثم طهرت فنفسه تتوق إليها لطول عهده بجماعها فلا يقدم على طلاقها في هذه الحال إلا لحاجته إليه فلم يبح له الشارع أن يطلقها إلا في هذه الحال أو في حال استبانة حملها لأن إقدامه أيضا على طلاقها في هذه الحال دليل على حاجته إلى الطلاق

وقد أكد النبي هذا بمنعه لعبد الله بن عمر أن يطلق في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها بل أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن بدا له أن يطلقها فليطلقها وفي ذلك عدة حكم:

منها أن الطهر المتصل بالحيضة هو وهي في حكم القرء الواحد فإذا طلقها في ذلك الطهر فكأنه طلقها في الحيضة لاتصاله بها وكونه معها كالشيء الواحد

الثانية أنه لو أذن له في طلاقها في ذلك الطهر فيصير كأنه راجع لأجل الطلاق وهذا ضد مقصود الرجعة فإن الله تعالى إنما شرع الرجعة للإمساك ولم شعث النكاح وعود الفراش فلا يكون لأجل الطلاق فيكون كأنه راجع ليطلق وإنما شرعت الرجعة ليمسك وبهذا بعينه أبطلنا نكاح المحلل فإن الله سبحانه وتعالى شرع النكاح للإمساك والمعاشرة والمحلل تزوج ليطلق فهو مضاد لله تعالى في شرعه ودينه

الثالثة أنه إذا صبر عليها حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر زال ما في نفسه من الغضب الحامل له على الطلاق وربما صلحت الحال بينهما وأقلعت عما يدعوه إلى طلاقها فيكون تطويل هذه المدة رحمة به وبها وإذا كان الشارع ملتفتا إلى مثل هذه الرحمة والشفقة على الزوج وشرع الطلاق على هذا الوجه الذي هو أبعد شيء عن الندم فكيف يليق بشرعه أن يشرع إبانتها وتحريمها عليه بكلمة واحدة يجمع فيها ما شرعه متفرقا بحيث لا يكون له سبيل إليها وكيف يجتمع في حكمة الشارع وحكمه هذا وهذا

فهذه الوجوه ونحوها ما بين بها الجمهور أن جمع الثلاث غير مشروع هي بعينها تبين عدم الوقوع وأنه إنما يقع المشروع وحده وهي الواحدة

قالوا فتبين أنا بأصول الشرع وقواعده أسعد منكم وأن قياس الأصول وقواعد الشرع من جانبنا وقد تأيدت بالسنة الصحيحة التي ذكرناها

وقولكم إن المطلق ثلاثا قد جمع ما فسح له في تفريقه هو إلى أن يكون حجة عليكم أقرب فإنه إنما أذن له فيه وملكه متفرقا لا مجموعا فإذا جمع ما أمر بتفريقه فقد تعدى حدود الله وخالف ما شرعه ولهذا قال من قال من السلف رجل أخطأ السنة فيرد إليها فهذا أحسن من كلامكم وأبين وأقرب إلى الشرع والمصلحة

ثم هذا ينتقض عليكم بسائر ما ملكه الله تعالى العبد وأذن فيه متفرقا فأراد أن يجمعه كرمي الجمار الذي إنما شرع له مفرقا واللعان الذي شرع كذلك وأيمان القسامة التي شرعت كذلك ونظير قياسكم هذا أن له أن يؤخر الصلوات كلها ويصليها في وقت واحد لأنه جمع ما أمر بتفريقه على أن هذا قد فهمه كثير من العوام يؤخرون صلاة اليوم إلى الليل ويصلون الجميع في وقت واحد ويحتجون بمثل هذه الحجة بعينها ولو سكتم عن نصرة المسألة بمثل ذلك لكان أقوى لها

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية
مقدمة المؤلف | الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت | الباب الثاني: في ذكر حقيقة مرض القلب | الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية | الباب الرابع: في أن حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه وموته وظلمته كل شر وفتنة فيه | الباب الخامس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره | الباب السادس: في أنه لا سعادة للقلب ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه | الباب السابع: في أن القرآن الكريم متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه | الباب الثامن: في زكاة القلب | الباب التاسع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه | الباب العاشر: في علامات مرض القلب وصحته | الباب الحادي عشر: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه | الباب الثاني عشر: في علاج مرض القلب بالشيطان | الباب الثالث عشر: في مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34