الآراء والمعتقدات (1926)/الفصل الثاني: تكوين المعتقد في الوقت الحاضر
الفصل الثاني
تكوين المعتقد في الوقت الحاضر . السحر
١ – فائدة البعث التجريبي في تكوين المعتقد
بينا منذ بدأنا بهذا الكتاب صعوبة ايضاح الكيفية التي تتكون وتنتشر بها المعتقدات الكبيرة التي سيرت البشر قرونا طويلة ولا تزال تسيره ، وقد حاولنا أن نحل هذه المسئلة نظريا مستعينين بطرق مختلفة وسوف لا تألوا جهداً في تطبيق المبادىء التي شرحناها على معتقدات ظهرت أخيراً متخذين المذهب الروحاني الحديث - ذا المعجزات التي ضاهي بها الأديان السابقة - مثالاً لها ، وبعدما نرى أموراً باطلة غير محتملة سلم بصحتها عند حدوثها كثير من أفاضل العلماء يتضح لنا تجريبيا أنهُ لا شأن العقل والذكاء في تكوين المعتقدات وأن عناصر العاطفة والتدين التي شرحناها عندما بحثنا عن أنواع المنطق المختلفة هي التي تؤثر في ذلك التكوين
وسيكون استدلالی مستقلا عن قيمة معتقدات الروحانيين صارفاً همي على الخصوص الى المسائل التي قال بصحتها علماء كثيرون مع اعتراف أنصارها مؤخراً بأنها وهمية باطلة ، ومنه يتضح أن المختَبِر يؤمن – بعد أن يدخل في دائرة المعتقد . بالمستحيلات ويكون أحيانًا مثل الهمج في سذاجته وسرعة تصديقهِ
وسنستنبط من هذه البرهنة ومن المبادىء التي فصلناها في هـذا الكتاب أدلة حقيقية تتضح بها كيفية ظهور المعتقدات وانتشارها اتضاحا نجريبيا ، ولكي نصل الى ذلك نبدأ في البحث عن المعتقدات السابقة التي اشتق منها المذه الروحاني الحديث
۲ – السحر في القرون القديمة وفي القرون الوسطى
تعطش الانسان في كل وقت الى كشف مصيره و إلى نيل معونة من قوى علوية يعتقد أنها محيطة به ، ومن هذا التعطش بدت أنواع السحر المختلفة ، ولقـد تعاطت الشعوب جميعها فن السحر في جميع أجيال التاريخ ، فزاول الناس في القرون القديمة استدعاء الموتى والتنجيم والكهانة التي هي من فروع السحر مزاولة مستمرة .
والكهانة أي العرافة – التي استندت إلى وسائل متعددة ولا سيما الى أجوبة من الآلهة يفسرها أناس هم كالوسطاء في الوقت الحاضر - هي أكثر أنواع السحر القديم شيوعاً ، والسحر في روما كان دينا للدولة ذا كمنة عهد اليهم في تفسير الحوادث ، وقد تمتع هؤلاء الكهنة بنفوذ عظيم حتى إن قادة الجيوش كانوا لا يباشرون القتال قبل أن يستشيروهم وكثيراً ما نقضت قوانين ونظمٌ بعد أن أبدوا رأيهم فيها ، وما ألغيت جمعية العرافين في روما الا في القرن الرابع بأمر من الامبراطور ( تيودوز ) أي أيام استفحل شأن الديانة المسيحية . -- ۱۱۸ – كان ايمان القدماء بالنبوءات المعزية الى الآلهة عاما ، وقد كان لإله مدينـة ( دلف ) شأن كبير من هذه الجهة فكان الناس يفدون الى تلك المدينة من جميع أقطار العالم ليستشيروا الإله المذكور ، ثم صمت هتاف تلك الآلهة وغاب سحر العالم الوثني عن الوجود وقتها تم النصر للدين النصراني ، ثم عاد السحر في القرون الوسطى ، وما شأن السحر في تلك القرون بالأمر المجهول ، فعلى رغم حرق السحرة بالألوف لم يستأصل الحرق شاقتهم . والزمان لا العقاب هو الذي قطع دابرهم إن أعمال السحر التي أعدت القرون الوسطى هي أدعى الحوادث العجب وهى أقل الامور إيضاحا من قبل علم النفس في الماضي ، ومع ذلك نرى أن للتلقين والعدوى النفسية شأنا كبيراً في حدوثها ، وذلك لأن الشهادات في مختلف القضايا التي أقيمت في كثير من البلدان متطابقة وأوجه الوصف للشيطان متماثلة وكيفية اجتماع السحرة به متشابهة . عليهم بغير ما . ويظهر أن المنفعة الشخصية لم تؤثر في أولئك المتهوسين ، إذ الشيطان لم يمن هو زهيد تلقاء ما يعرضون له أنفسهم من أنواع العذاب ، وقلما كان القضاء ا يلجأ إلى استنطاقهم بالدهق والعذراء (1) كى يعترفوا له بجناياتهم ، فالمتهمون كانوا يصفون بوجه باش كيفية اجتماعهم بالشيطان ،ومن . هذا الوصف أن الشيطان كان يظهر لهم على شكل ضفدع أو هر أوكتاب اسود أو نيس الخ وكان يطعم أنصاره طعاما من الجيف ، وأنهم فضلاً عن رقصهم مع الشياطين ومجامعتهم لهم كانوا يجلدون الضفادع الضخمة لبرغموها على إراقة سائل لزج ضارب إلى الخضرة ليصنعوا منه مراهم ومساحيق. واستمر فن السحر قرونًا كثيرة ولم يشك القضاة في أثناء ذلك في صحـة ما يقص عليهم من وجود طقوس سحرية غير مدققين في السبب الذي يدفع كثيراً من الناس الى بيع روحهم الى الشيطان تلقاء لذات دنيئة كأكل الجيف ليلا في أرض بور ، وكيف يرتابون من ذلك والمتهمون كانوا يقرون بجناياتهم ؟ ولهذا الاقرار كانوا يحرقون السحرة من دون أن يبكتهم ضميرهم ، وقد حرقوا في دوكية ( لورين ) وحدها أربعمئة ساحر في عشرين سنة (۱) الدمق والعذراء من ضروب العذاب لحمل الانسان على الاقرار بامر – الناشر - ۱۲۹ - ا وليس من الانصاف أن نعزو الى من ذهبوا ضحية السحر أو ما شابهه من المعتقدات مزاجا نفسيا بعيدا كل البعد من مزاج رجال الوقت الحاضر ، لأن سذاجة هؤلاء عظيمة كسذاجة اولئك وإن بدلت شكلها ، والسحرة في القرون الوسطى وسحرة السياسة ذوو الوعود الخلابة الوهمية في هذه الأيام ومستخدمو الأرواح وزاجرو الطير وضاربو الرمل والمنو" مون تنويما مغنطيسياً جميعهم من فصيلة واحدة ، فليس ما هو مستحيل في هذا العالم الخادع ولا فرق بين ما فيه من التهوس و بين الاحلام التي نراها أحيانا في المنام . . . نعم ، أخذ البشر يتحرر قليلاً من ربقة تلك المنطقة المخيفة ، ولكن بما أن هذا الخلاص حديث غير تام فان قوة تأثير الوراثة ترغم البشر على العودة الى تلك المنطقة على الدوام ، واذا تفلت المرء بعد مجهود كبير من ميدان المعتقد فإنه لا يلبث أن ينجذب اليه وقد جرب ذلك كثير من العلماء بأنفسهم. فاما تذرعوا بوسائلهم ومناهجهم الخاصة ظنوا أنهم قادرون على التخلص من المؤثرات التي يتهوس بها ذور النفوس الضيقة ، غير أنهم سرعان ماخدءوا مثل أبسط المعتقدين ولم تنفعهم وسائلهم العلمية الا بإلباس بعض الأوهام شكلاً غير حقيقي . د السحرة 3 – السحر في الازمنة الحاضرة و حوادث نجسيم الارواح يظهر أن الايمان بالسحر قد تلاشى أمام تقدم الافكار العلمية ، فلما جرد من نفوذهم خسروا اعتبارهم الا الا في بعض القرى . غير أن الاطلاع على الاسرار والاحتياج الى التدين وأمل الحياة بعد الموت هي مشاعر قوية لا تموت أبداً ، وإذا السحر القديم باسم جديد من دون أن يطرأ على الأساس تغيير كبير، فهو يدعى اليوم نجسيم الأرواح واستدعاؤها . ويسمى العرافون وسطاء وتدعى الآلهة أرواحاً احتقر العلماء هذا المعتقد الجديد زمنا غير قصير ، ولكننا نرى أنفسنا منذ عشرين سنة إزاء حادث مفاجي، وهو أن أساتذة عبقريين أصبحو ايدافعون بحماسة عن جميع أنواع السحر ، على هـذا الوجه نسمع أن بعض علماء تاريخ الانسان الطبيعي المشهورين مثل ( لومبروزو ) يتولون مؤكدين أنهم استدعوا الأرواح وحادثوها ، ونرى بعض علماء الكيميا مثل (كروكس ) يقولون إنهم عاشوا شهوراً طويلة مع أحد الأرواح ، ونسمع بعض أساتذة علم وظائف الأعضاء مثل ( ريشه ) يزعمون أنهم شاهدوا محاربا على رأسه خوذة يخرج من جسم فتاة ، ونرى بعض علماء الطبيعة مثل ا وعن ( دارسونقال ) يدعون أن وسيطة قد تصرفت بنقل أحد الأشياء حسبما أراد . لا ريب في أن هنالك علماء ليسوا أقل شهرة من أولئك ينكرون تلك المشاهدات التي يقولون إن التهوس مصدرها ويسخطون على رجوع الناس الى دور السحر والخرافات ، إلا أن الجمهور المتعلم يبقى حائراً أمام هذه المتناقضات وهو يسأل : أمن المحتمل أن يتيه أولئك العلماء في دياجير الضلال ، وماذا يقول بعض العلماء بصحة أمور يزعمون أنهم شاهدوها مع أنه لم يشاهدها البعض الآخر على رغم تذرع هؤلاء بمثل ما تذرع به اولئك من الوسائل والأحوال ؟ لا يمكننا إدراك ذلك إلا إذا تعمقنا في البحث عن كيفية تكوين المعتقدات شأن التلقين والعدوى في الجماعات . ومما يجدر ذكره أن الوهم قد يشتد في بعض الاحوال حتى يختلط بالحقيقة . ولکی اثبت سذاجة بعض العلماء المتناهية بعد أن يدخلوا في ميدان المعتقد أذكر حادثة تجسيم الأرواح التي أمعنوا في درسها ، فما هو تجسيم الأرواح ؟ قال الدكتور ( ماكسويل ) : « إن التجسيم هو عبارة عن قدرة الروح – سواء أكانت روح ميت أم روح حي" – على إفراز سائل من أعضاء الوسيط لا يمكن وزنه قابل للتكاثف ، فهذا الجوهر الذي يتحول الى مادة كثيفة يكتسي أشكالاً مختلفة حسبا تريده الروح ، وفي الغالب تكون هذه الأشكال مماثلة لجسم تلك الروح ويرى الروحانيون أنه يحيط بجميع الاعضاء غشاء . من جوهر لطيف ، أي إن جسا سماويا يفترق أحيانا عنه ؟ للانسان . - عدا جسمه المادي . بعد الموت ، فهذا الجسم السماوى يتجسم نجساً ماديا عند ما يستعير من أحد الأجسام الحية – كجسم الوسيط مثلا – عناصر مادية ، ومن الطبيعي أن يكون ايضاح الروحانيين مبهما مختلف باختلاف مخيلة كل واحد منهم ، وإنما الذي نستنبطه من أقوالهم في مجموعها ) - ۱۰ - 8. هو أنه قد يظهر بغتة من الجسم الحي جسم آخر كالجسم الاول في اعضاله وهيئته فان (كاتي كينغ ) الذي أخرجه السكياوى ( ويليام كروكس ) كان له قلب ذو نبض معتدل وكانت راتا الانسان في المغفر الذي أخرجه ( ريشه ) تفرزان حامض الفحم كبتمية الناس ، ولو أن هذين العالمين الشهيرين وغيرها من العلماء الذين سنتكلم عنهم لم يذهبوا ضحية الغش والتدليس لحق لهم أن يفتخروا بأنهم شاهدوا معجزات كالتي أخرج بها رب سفر التكوين حواء من جسم آدم .
ومن دواعي الأسف أن تلك الأشباح كلما بحث فيها بحثا دقيقا تبين أنها صادرة عن تدليس ، ولو لم تغر كثيراً من أولى النفوس السامية لالتزمنا الصمت عنها .
إن منشأ أوهام العالمين المذكورين وغيرها من العلماء الذين قالوا مثل ( لومبر وزو ) إنهم استدعوا الأموات وحادثوهم هو التلقين والتدليس ، ويمكننا أن تطلع على تأثير التدليس بما وقع حديثا ( لميلر ) الشهير الذي أظهر أشباحا كثيرة تكلمت مع الحضور ولامستهم ، غير أن ( ميار ) الذي اعتمد على سذاجة الحضور المتناهية تراخي في اتخاذ بعض التدابير الاحتياطية فافتضح أمر تدليسه في الحال واضطرت صحف استدعاء الأرواح التي نشطته في البداءة إلى الاعتراف بخطاها ا وضلالها .
وليس ما عرض ل ( لاناروث ) بأقل ذلك ، فقد اشتهر أمر ( أناروث ) في من برلين حتى اكتشف بعض الشرط الماهر بن حيلها فرافعوها الى القضاء فحكم عليها بالسجن ثمانية عشر شهراً ، وقد أطنب الدكتور ( ماكسويل ) في بيان حكايتها وانى اقتطف منه العبارات الآتية وهي :
و كانت هذه الوسيطة تكون في المجتمعات العامة الحافلة حسب طريقة تجسيم الأرواح أزهاراً فكانت هذه الأزهار تتساقط على أطرافها وبين يديها وتظهر فجأة على أكتاف الحاضرين ، وقد استمرت على هذا الأمر سنوات طويلة فأوجبت زيادة عدد القائلين باستدعاء الأرواح وتجسيمها كثيراً فخشى البلاط عاقبة الأمر ، وقد اتفق في احدى الليالي أن ألقى بعض الشرط أنفسهم على تلك الوسيطة في أحد المجتمعات فرأوا أن الأزهار التي زعم أنها تتكون على الوجه المذكور ليست بالحقيقة سوى أزهار طبيعية مخبأة تحت ثوبها . » والوسيلة ( اوزابيا ) التي دعاها « معهد العلوم النفسية في باريس ، كمن يطبق طريقة تجسيم الأرواح في اجتماعات كثيرة لم تجرؤ على فعل ذلك إلا قليلاً نظراً لشعورها بمراقبة الناس لها مراقبة شديدة ، غير أنه اتفق في إحدى المرات أن قدرت على تخليص يدبها من أيدي المراقبين فحوطت رأس أحد الحضور بذراع قالت انها ذراع أحد الأشباح مع أن مصدر تلك الذراع الحقيقي لم يلبث أن علم . وعند ما أقامت الوسيطة المذكورة في مدينة ( نابولي ) وأحست أن يد المراقبة والاحتراز غير شديدة فيها ورأت أنها تشتغل بين أناس ذوى اتكال وتسليم أنت بالغرائب : ۱۷۲ -
قامت هنالك باتمام الحوادث العجيبة التي سأقصها في حضرة الاستاذ ( بوتازي ) الذي هو من أفضل علماء ايطاليا وفى حضرة كثير من علية القوم ، وقد اقتنع الاستاذ المشار اليه ومعاونوه بأنه من الممكن أن يخرج من جسم الوسيطة ( اوزابيا ) ذراع ويد غير منظورتين تستطيع بهما أن ترفع خوانا وزنه اثنان وعشرون كيلو وأن تنقل أشياء كثيرة من محلها ، وهكذا سلم ( بوتازي ) المتخصص بعلم وظائف الاعضاء بأن أعضاء لا تدركها الابصار قد تتكون بغتة وتقوم بأفعال كالتي تقوم بها أعضاء الانسان العادية . معاونيه عدا الذراع واليد غير ثم قال ( بوتازي ) إنه رأى المنظورتين – رأسا منظوراً يخرج من جسم الوسيطة وأيديا وأصابع منظورات ، وأن هذه الأيدى - منظورة كانت أم غير منظورة – لمست الحاضرين لمسا خفيفا وأنها وضعت على الخوان طنبوراً وكثيراً من الأدوات غير البعيدة من الوسيطة وأن هذه أوقعت بيدها المنظورة على آلة الطرب البعيدة منها ستين سنتيمتراً ودورت بها زر مصباح كهر بانى ، وقد ختم ( بوتازي ) كلامه بقوله إنه شاهد في الاجتماع نفسه خروج وجهين بشريين شاحبي اللون من الوسيطة . وروى الدكتور ( فينزانو ) والاستاذ ( مورسيللى ) وهما من علماء ايطاليا -- ۱۷۲۳ -
المعروفين أن تلك الوسيطة أتت بأمور مماثلة لما ذكرنا ، ومنها « خروج امرأة بين ذراعيها طفلاً ذا شعر قصير » وعند ما سئلت الوسيطة المذكورة من تلك المرأة أجابت « أنها أم مدام افيليتو وأن الطفل حفيدها » ، ومما ذكره ذانك العالمان أن بهو الاجتماع كان آند منو را بغاز كثيف ، وقد قصدا بذلك أن يبينا أن النور لا يمنع الأشباح من الظهور كما يزعم مستخدمو الأرواح ، وعندي أن الأشباح تظهر في كل حال إذا كان الحضور مشبعين من ايمان شديد ، أقول ذلك وأنا أعتقد الوسطاء أن الظلام اليهيم أنفع من النور في نمو المعتقد وانتشاره .
لقد اختلفت نتائج التجارب التي قامت بها الوسيطة ( اوزابيا ) باختلاف البلدان والمشاهدين ، فكانت هذه النتائج في ايطاليا خارقة لاعادة ولم يأت السحرة الذين جاء ذكرهم في الأساطير بمعجزات أعظم منها ، وقد تجلى نجاحها في فرنسا بحسب البيئات ومزاج الحاضرين النفسي ، فكان باهراً في مجالس العوام وضعيفاً في محافل العلماء ، وأما في انكلترا فلم تؤد تلك التجارب الى نتيجة ، ذلك لأن اللجنة التي عينت افحص الحوادث المذكورة حكمت بأنها قائمة على التدليس .
الموسيو ( دارسونفال ) في حديث تناقلته الصحف أنه يعتبر حوادث صبح تجسيم الأرواح جميعها تدليسا وشعوذة ، وبين معهد العلوم النفسية أن حوادث تجسيم الأرواح التي فحصها لم تكن خالية من شائبة الغش والحيلة ، وقد توصل الموسيو ( داستر ) العضو في المجمع العلمي واستاذ علم وظائف الأعضاء في كلية( الصور بون) الى مثل هذه النتيجة ، إذ اختبرت معه في بيتى الوسيطة التي جربها معهد العلوم النفسية ، فرأينا في وسط النهار يداً تخرج من رأسها مرات عديدة ، ولكن لمـا راقبنا كتفيها بجهازي الذي اعددته لتتبع جميع الحركات ثبت لدينا أن تلك اليد هي بالحقيقة يد الوسيطة الطبيعية ، وحينما تنبأت ( أوزابيا ) بأنها صارت محلا للشبهة والإرتياب انقطع ظهور اليد المذكورة انقطاعا تاما .
إن نتائج هذا الفصل هي من الوضوح بحيث لا نحتاج الى تفصيل ، فالموقن يبقى
موقنا والمرتاب يظل مرتابا . ولا شأن للعقل في ميدان الايمان . ١ – ما هو السبب في تكوين المعتقدات السحرية :
تبين مما تقدم شأن التلقين والعدوى النفسية في الحوادث الخارقة للعادة القائمة على السحر وتأثيرها في أرباب النفوس العالية .
غير أن ذلك الشرح لا يكفى ، فلادراك سر المناهج الدينية التي سارت عليها الشعوب في غضون القرون يجب أن لا نفسر بالعقل أموراً لم يمليا العقل أبدا كما أنه يجب أن نعد أنواع السحر كلها مظاهراً لروحنا الدينية التي لا تفارقنا والتي بينا قوتها وسلطانها .
وما مؤسسو الأديان والرقاة والسحرة والعرافون وجميع ناشرى الأوهام التي جذبت قلوب البشر أوهالتها في كل زمن إلا قساوسة إله مهيمن يلوح لنا أن عبادته ستظل أبدية ، فاذا نظرنا إلى ما أقيم من المبانى المقدسة منذ ثمانية آلاف سنة في مختلف الأقطار والأمصار وسعينا في اكتناه القوى الخفية التي دفعت الناس الى تشييد المعابد والهياكل والكنائس والمساجد نرى أن سببها الأمل الذي هو إله الأمم الواحد وإن اختلفت الأسماء .