المزهر/النوع الخامس والعشرون
►معرفة الحقيقة والمجاز | معرفة المشترك | معرفة الأضداد ◄ |
قال ابن فارس في فقه اللغة: باب الأسماء كيف تقع على المسميات:
يسمَّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختَلِفين وذلك أكثرُ الكلام كرجلٍ وفرس وتسمَّى الأشياءُ الكثيرة بالاسم الواحد نحو عين الماء وعين المال وعين السحاب ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف والمُهَنَّد والحسام. انتهى.
والقسم الثاني مما ذكره هو المشتَرك الذي نحنُ فيه. وقد حدَّه أهل الأصول بأنه اللفظُ الواحدُ الدالُّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالةً على السواء عند أهل تلك اللغة واختلف الناسُ فيه فالأكثرون على أنه مُمْكِنُ الوقوع لجواز أن يقعَ إما من وَاضِعَيْن بأنْ يضعَ أحدُهما لفظًا لمعنًى ثم يضعُه الآخرُ لمعنًى آخر ويَشْتَهِر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين وهذا على أنَّ اللغات غيرُ توقيفية وإما مِنْ واضعٍ واحدٍ لغرض الإبهام على السامع حيثُ يكونُ التصريح سببًا للمَفْسدة كما رُوي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه - وقد سأله رجلٌ عن النبي ﷺ وقت ذهابِهما إلى الغار: مَنْ هَذا قال: هذا رجلٌ يَهْديني السبيلَ.
والأكثرون أيضا على أنه وَاقعٌ لنَقْلِ أهلِ اللغة ذلك في كثير من الألفاظ ومن الناس من أوْجب وقوعَه - قال: لأن المعانيَ غيرَ متناهيةٍ والألفاظ متناهية فإذا وُزِّع لزِم الاشتراك.
وذهب بعضهُم إلى أن الاشتراك أغْلبُ - قال: لأن الحروفَ بأسْرِها مشتركة بشهادة النُّحَاة والأفعال الماضية مشتركةٌ بين الخبَر والدُّعاء والمضارعَ كذلك وهو أيضا مشْتَرَكٌ بين الحال والاستقبال والأسماء كثيرٌ فيها الاشتراك فإذا ضَمَمْناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراكُ أغلبَ. ورُدَّ بأن أغلبَ الألفاظ الأسماء والاشتراكُ فيها قليلٌ بالاستقراء ولا حلافَ أنَّ الاشتراك على خلاف الأصل.
ذكر أمثلة من هذا النوع
في الجمهرة: العمُّ: أخو الأب والعمُّ: الجمعُ الكثير قال الراجز:
يا عامر بن مالك يا عَمَّا ** أَفْنَيْتَ عمّا وجبرتَ عَمّا
فالعمُّ الأولُ أراد به يا عمَّاه والعمُّ الثاني أراد به أفنيت قومًا وجبرت آخرين.
وفيها: يقال مَشَى يَمْشِي من المَشْي ومَشَى إذا كَثُرت ماشيته وكذا أمْشَى لغتان فصيحتان. قال: وفي التنزيل: { أَنِ امْشُواْ وَاصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِكُمْ }. كأنه دعا لهم بالنَّمَاء. والله أعلم.
وفيها: للنَّوَى مواضع النَّوى: الدار والنَّوى: النيَّة والنَّوى: البُعْد.
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال: كنتُ عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه شُبَيل بن عُرْوة الضبعي فقام إليه أبو عمرو فألقى إليه لُبْدة بغلته فجلس عليها ثم أقبل عليه يحدّثه فقال له شبيل: يا أبا عمرو سألتُ رُؤْبتكم هذا عن اشتقاق اسمه فما عرفه قال يونس: فلما ذكر رُؤْبَة لم أملك نفسي فرجعت إليه ثم قلت له: لعلّك تظن أن معدَّ بن عدنان أفصحُ من رُؤْبة وأبيه فأنا غلام رؤبة فما الرُّوَبة والرُّوبة والرُّوبة والرُّؤبة والرُّؤْبَة فلم يُحِرْ جوابًا وقام مُغْضبًا فأقبل عليَّ أبو عمرو وقال: هذا رجلٌ شريف يَقْصد مجالسنا ويقضي حقوقنا وقد أسأت فيما واجهتَه به فقلتُ له: لم أمْلك نفسي عند ذكْر رُؤبة. ثم فسَّر لنا يونسُ فقال: الرُّوْبة: خَميرة اللَّبن والرُّوبة: قِطْعة من الليل وفلان لا يقوم بِرُوبة أهْله: أي بما أسندوا إليه من أمورهم والرُّوبة: جِمَام مَاءِ الفَحْل. والرُّؤْبَة مهموزة: القِطعة تُدْخِلها في الإناء تَشْعَبُ بها الإناء.
وقال ابن دريد في الجمهرة: قال أبو حاتم: قال الأصمعي: أخبرني يونس، فذكر مثله.
وقال ابن خالويه في شرح الفصيح: قال ابن دريد حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس أن رجلًا قال لرؤبة: لم سمَّاك أبوك رُؤْبة فقال: والله ما أدري أَبِرُوبَة الليل أم برُوبةَ الخمير أم بِرُوبة اللبن أم برُوبة الفرس فروبة اللبن: رغْوته وروبة الليل: مُعظمه وروبة الخمير: زيادته وروبة الفرس: قِيل طَرقه في جِماعه وقيل عَرَقه وهذا كلُّه غيرُ مهموز فأما رُؤْبَة بالهمزة فقطعةٌ من خشب يُرْأَبُ بها القدح أي تُصْلحه بها.
وفي الصحاح: الأرض المعروفة وكلُّ ما سَفَل فهو أرض والأرْضُ: أسفل قوائم الدابة والأرْضُ: النَّفْضَة والرِّعْدة. قال ابن عباسٍ في يوم زَلْزَلة: أزُلْزِلت الأرْضُ أم بي أرْضٌ؟ والأرْضُ: الزُّكام، والأرْضُ: مصدر أُرِضَت الخشبةٌ تُؤْرَضُ أَرْضًَا فهي مأْروضة إذا أكلَتْها الأَرَضَة.
وفي الجمهرة: الهِلالُ: هلال السماء وهلال الصيد: وهو شبيه بالهلال يُعَرْقَب به حمارُ الوحش وهلال النَّعل: وهو الذُّؤَابة والهلال: القِطْعة من الغبار وهلال الإصبع: المطيف بالظفر والهلال: قطعةُ رَحَى والهلال: الحيَّة إذا سلخت والهلالُ: باقي الماء في الحوض والهلال: الجملُ الذي قد أكثر الضِّراب حتى هَزل.
وفي كتاب ليس لابن خالويه: الإوَزْ جمع إوَزَّة لهذا الطائر ورجل إوَزّ غليظ وفرس إوَزّ أي مُوَثَّق غليظ.
وفي شرح الفصيح لابن درستويه: قال الخليل رجل إوزّ وامرأة إوزّة: أي غليظة لحِيمَة في غير طول، ولا تُحذف ألفها، يعني لا يقال في الوصف وزّ ولا وَزّة.
ومن الألفاظ المشتركة في معانٍ كثيرة: لفظ العَين. قال الأصمعي في كتاب الأجناس: العَين: النَّقْد من الدراهم والدنانير ليس بعرض والعين: مطر أيام لا يُقْلِع يقال: أصاب أرض بني فلان عَيْن والعينُ: عينُ الإنسان التي يَنْظُرُ بها والعَين: عَيْنُ البئر وهو مخرج مائها. والعين: القناةَ التي تعمل حتى يظهر ماؤها. والعين: الفوّارة التي تفور من غَيْر عَمل. والعين: ما عن يمين القِبْلة قِبْلة أهل العراق ويقال: نشأت السماءُ من العين. والعين عين الميزان وهو ألا يَسْتوي والعين: عين الدابة والرجل وهو الرجل نفسه أو الدابة نفسها أو المتاع نفسه يقال: لا أقْبَلُ منك إلا درهمًا بعينه أي لا أقبل بدلًا وهو قول العرب: لا أتْبَعُ أثرًا بعد عَيْن والعين: عَيْن الجيش الذي يَنْظُر لهم والعين: عينُ الرُّكْبة وهي النُّقرة التي عن يمين الرضفة وشمالها وهي المشاشة التي على رأس الرُّكبة والعين: عين النفس أن يَعِين الرَّجلُ الرجلَ ينظرُ إليه فيصيبه بعَيْنٍ. والعين: السَّحابة التي تَنْشَأ من القبلة قِبلة أهل العراق والعين: عين اللصوص. انتهى.
وقال أبو عبد الله بن محمد بن المعلى الأزدي في كتاب الترقيص: للعَيْن في كلام العرب مواضع كثيرة فالعين لكل ذي رُوح يُبْصر بها والعين: عَيْنُ الرُّكبة والعين: عَينُ الميزان والعَين: عين الكتابة والعين التي تصيب الإنسان وفي الحديث: العين حقٌّ والعين: عين الماء والعَين: عَيْنُ الشمس والعين: اسمٌ من أسماء الذهب ويقال للفضة الوَرِق والعين: النَّقد والدّين النسيئة والعين: مَطَرٌ يجيء ولا يُقلع أيامًا. والعين: نَفْس الشيء يقال: هذا درهمي بعينه والعين من العِينَة: أخذ بعَيْنٍ وبِعِينةٍ وهو الربا والعَين: مصدر من عَانه إذا أصابه بعَين. والعَين: موضع وربما قيل بلا ألف ولام. ورأس عَين موضع آخر. والعَين: فَم القربة والمَزَادة والعَين عين القُوباء ويقال: دَوَاء القُوباء بَخْص عينها.
وقال ابن خالويه في شرح الدريدية: العين تنقسم ثلاثين قسمًا وذكر منها: العَين: خيار كل شيء ولم يذكر الباقي.
وقال الفارابيّ في ديوان الأدب في ذكر معاني العين: العَين: عين الرُّكبة. والعين: عَيْن الماء والعين: الدَّيْدَبان. والعَين: عينُ الشمس والعين: حرف من حروف المعجم وعين الشيء: خياره وعَين الشيء: نَفْسه. ويقال لقيته أول عيْن أي أول شيء ويقال: ما بها عَيْن: أي أحد. انتهى.
وفي تهذيب الإصلاح للتبزيزي: عَين المتاع: خِياره والعَين: عين الرَّكيَّة وعَينُ الرُّكبةِ وفي الميزان عَينٌ: إذا رَجَحَت إحدى كِفّتيه على الأخرى. والعيْن: عينُ الشمْس وعَيْنُ القَوْس التي يقع فيها البندق. والعين: القوم يكون أبوهم واحدًا وأمهم واحدة.
وفي المجمل: العين عين الإنسان وكلّ ذي بَصر. ولقيتُه عَينَ عُنَّةٍ: أي عيانًا. وفعل ذلك عَمَدَ عَيْنٍ إذا تعمَّده. وهذا عَبْدُ عَيْنٍ: أي يخدمُك ما دُمْت تراه فإذا غبتَ فلا. والعَين: المُتَجَسِّس للخَبر. وبلد قليل العَين: أي الناس. والعين: للشمس. والعين: الثقب للمزادة. وأعيان القوم: أشرافهم. والأعيان: الإخوة بنو أب وأم ويقال: إن أولاد الرجل من الحرائر بنو أعيان. والعَين: المال النَّاض. ونفس الشيء: عَيْنه. والعَين: الميل في الميزان. وعيون البقر: جنْسٌ من العنب يكون بالشام. ورأي عين: بلدة. وعين الركبة: النقرة التي تكون فيها. وأسود العين: جبل.
ثم راجعت تذكرتي فوجدتُ فيها العَينَ في اللغة تُطلق على أشياء كثيرة، قسَّمها بعضُ المتأخرين تقسيمًا حسنًا: فقال: ما يطلق عليه العين ينقسم قسمين أحدهما أن يرجع إلى العين الناظرة والثاني ليس كذلك فالأول على قسمين: أحدُهما بوجه الاشْتِقاق والثاني بوجه التشبيه فأما الذي بوَجْه الاشتقاق فعلى قسمين: مصدر وغير مصدر فالمصدر ثلاثة ألفاظ: العين: الإصابةُ بالعين والعين: أن تضرب الرجل في عَينه. والعين: المعاينة. وغير المصدر ثلاثة ألفاظ أيضا: العين: أهل الدار لأنهم يُعاينون. والعين: المال الحاضر. والعين: الشيء الحاضر. وأما الراجع إلى التشبيه فستة معان: العين الجاسُوس تشبيهًا بالعين لأنه يطلع على الأمور الغائبة. وعين الشيء: خِياره. والعين: الرَّبيئة وهو الذي يرقب القوم. وعَيْن القوم: سيّدهم والعين: وَاحِدُ الأعيان وهم الإخْوَةُ الأشِقَّاء والعين: الحرّ كلُّ هذه مشبهةٌ بالعين لشَرَفِها. وأما ما لا يرجع إلى ذلك فعشرة معان: العين: الدينار وعليه يتخرّج اللغز:
ما غلامٌ له ثمانون عَيْنًا ** زاهرات كأنهن الدرَاري
ثم شاةٌ جادت بعنز وديك ** في ليالي الشتاء والأزهار
والعين: اعْوِجِاج في الميزان. والعين: عين القِبْلة. والعين: سَحَابة تأْتي من ناحية القبلة. والعين: مَطَرُ أيام كثيرة لا يُقْلِع. والعين: طَائر. والعَين: عينُ الرُّكْبَةِ وهي نُقْرة في مقدمها. والعين: عَيْنُ الشمس. والعين من عيون الماء. وعين كل شيء ذاته، تقول أخذ كتابي بعينه. انتهى. حرر ذلك الشيخ تاج الدين بن مكتوم في قيد الأوابد.
ونقل عن الخليل معنى آخر زائد على ما تقدم وهو أنها تطلق على سنام الإبل، وأشد قول معن بن زائدة:
ألا ربَّ عينٍ قد ذَبَحْت لطارقٍ ** فأَطعمتُهُ من عَيْنهِ وأطَايِبه
وفي كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: الخَال له معان فيطلق على أخي الأم والمكان الخالي والعَصْر الماضي والدابة والخيلاء والشَّامَة في الوجه والمَنخُوب الضعيف وضَرْب من بُرُود اليمن والسِّحاب والمُخَالاة والجبَل الأسْود وثوب يُسْتَر به الميت والرجل الحسن القيام على ماله والبَعِير الضَّخْم والظنَّ والتَّوَهُّم والرّجل المتكبّر والرجل الجواد والأكمة الصَّغِيرة والرَّجل المنفرد والمُبَرِّئ والذي يَجزُّ الخَلَى.
وقال أبو الطيب أخبرني محمد بن يحيى قال أنشدني عمر بن عبد الله العَتَكي قال: أنشدني أبو الفضل جعفر بن سليمان النوفلي عن الحِرْمازي للخليل ثلاثة أبيات على قافيةٍ واحدة يستوي لفظُها ويختلف معناها:
يا ويحَ قلبي من دَوَاعي الهَوى ** إذْ رَحَل الجيرانُ عند الغُروبْ
أتبعتُهم طَرْفي وقد أَزْمَعُوا ** ودمعُ عينيَّ كفَيْضِ الغُروبْ
كانُواْ وفيهم طَفْلة حَرَّة ** تفترّ عن مِثْل أقاحي الغُرُوبْ
فالغُرُوب الأول: غُروب الشمس والثاني جمع غَرْب: وهو الدَّلْو العظيمة المملوءة والثالث جمع غرب: وهي الوِهَاد المنخفضة.
وأنشد سلامة الأنباري في شرح المقامات:
لقد رأيت هذريًا جَلْسا ** يقود من بطن قديد جَلْسا
ثم رقى من بعد ذاك جَلْسا ** يشرب فيه لبنًا وجَلْسا
مع رفْقَةٍ لا يشربون جَلْسا ** ولا يؤمّون لهمْ جَلْسا
جَلْس الأول: رجل طويل، والثاني: جَبَل عال، والثالث: جبل، والرابع عسل، والخامس: خمر، والسادس: نجد.
قال القالي في أماليه: في الفرس من أسماء الطير عدّة: الهامَةُ: العَظْمُ الذي في أعلى رأسه والفَرْخُ وهو الدماغ والنَّعامة: الجِلْدَةُ التي تُغَطِّي الدماغ والعُصفور: العظمُ الذي تنبتُ عليه النَّاصية والذُّبابة: النُّكْتَةُ الصغيرةُ التي في إنسان العين فيها البصرُ. والصُّرَدان: عِرْقان تحت لسانه. والسَّمَامَةُ: الدائرةُ التي في صَفْحَةِ العنق. والقَطَاةُ: مَقْعَد الرِّدْف [ خَلْفَ الفارس ]. والغُرَابان: رأسا الوركين فوق الذَّنَب. والحمَامة: القَصُّ. والنَّسر: كالنَّوَى والحصى الصِّغَار يكون في الحافر ممَّا يلي الأرض. والصَّقْران: الدائرتان في مؤخر اللبد دون الحجبتين. واليَعْسُوب: الغُرَّة على قَصَبة الأنف. والنَّاهِض: [ اللحم الذي يلي العَضُدين من أعلاهما المجتمع ]. والخَرَب: الهَزْمَة التي بين الحَجَبَة والقُصْرَى في الوَرِك. والفَرَاش: العِظَام الرِّقاق في أعلى الخياشيم. والسِّحَاءَة: كل ما رقّ وهشّ من العظام التي تكون في الخياشيم وفي رؤوس الكتفين. [ والزّرّق: وهو في الشية: الشعرات البيض في اليد أو الرجل. والدُّخَّل: وهو لحم الفخذين. ]
وفي شرح الكامل لأبي إسحاق البطليوسي قال الأصمعي: كنتُ ممن شهد الرشيد حين ركب سنة خمس وثمانين ومائة إلى حضور الميدان وشهود الحلْبَة فقال: يا أَصْمَعي قد قيل إن في الفرس عشرين اسمًا من أسماء الطير. قلت: نعم يا أمير المؤمنين وأنشدك شعرًا جامعًا لها من قول جرير:
وأقبّ كالسِّرْحانِ تمّ له ** ما بين هَامَته إلى النَّسر
رَحُبَتْ نَعَامَتُه وَوُفِّر لحمُه ** وتمكّن الصُّرَدَان في النَّحْر
وَأَنافَ بالعُصْفور من سَعَفٍ ** هامٌ أشم موثَّق الجَِذر
وازْدَان بالدِّيكين صُلْصُله ** ونَبَتْ دَجَاجته عن الصَّدْرِ
والنَّاهضان أُمرّ جَلْزهما ** وكأنما عُثِما على كَسْرٍ
مُسْحَنْفِر الجنبين مُلْتئم ** ما بين شيمته إلى الغرّ
وسما الغُرَاب لموقعَيْه معًا ** فأبينَ بينهما على قَدْر
واكتَنَّ دون قبيحه خُطَّافه ** ونأت سَمامَتُه عن الصَّقْر
وتقدّمت عنه القَطَاةُ له ** فنأت بموقعها عن الحر
وسما على نِقْوَيه دون حِدَاته ** خَرَبان بينهما مدى الشِّبر
يدع الرَّضيم إذا جرى فلَقًا ** بتَوَائمٍ كمواسمٍ سُمْر
رُكّبنَ في مَحْض الشَّوَى سَبِط ** كَفْتِ الوثوب مُشَدَّد الأَسْر
ورأيت لهذه الأبيات شرحًا في كراسة فسر فيها الأسماء كما تقدّم في كلام القالي.
وقال: العُصْفور في الفرس في ثلاثة مواضع: أحدها: أصل مَنْبت النَّاصية والثاني: عظم ناتئ في كل جبين. والثالث: الغُرّة التي دقَّت وطالت ولم تجاوز العينين ولم تستَدِر كالقرحة. والديكان: العظمان الناتئان خلف الأذن وهما الخُشَشَاوان. والدّجاجة: اللحمة التي تغشى الزَّور ما بين مُلْتَقى ثدي الفَرَس. والناهِضُ: لحم المنكبين وهو اسم لفَرْخِ القطاة. والغُرّة: عضلة الساق وهو من أسماء الرخَمة. قال والسمَانى: موضع في الفرس لا أَحْفظه.
وفي الصحاح: الخَرَب: ذكر الحبارى، والجمع خِرْبان وبه تمَّت العشرون بدون السمانى.
ثم رأيت في أمالي أبي القاسم الزجاجي ما نصه: قال أبو عبد الله الكرماني: لا يُعَدُّ من أسماء الطير في خَلْق الفَرَس إلا ما أذكره لك: الصُّرَدَانِ: عِرْقان يَكْتَنِفَانِ اللسان ويقال بياض في الظهر والذُّبَاب: إنسان العين. والدِّيك: ما انْثَنَى من لحيه. والنَّعَامَة والسَّحَاة: في الدماغ كأنه غِرْقئ البيض ويقال: هو ما خَلْفَ قَوْنَسه من هَامتِه. واليَعْسُوب: الغُرَّة الدقيقة المستطيلة. والهامة: مُؤخر الدماغ ويقال: أُمُّ الدماغ. والعُصْفُور: مَنْبت الناصية وقَوْنَسه. والعُصْفور: عظَمٌ ناتئ في كل جَبِين. وإذا سالت الغُرَّة فدقَّت فلم تجاوز العينين فهي العصْفور. والصُّلْصُل: مؤخر النَّاصِية. والْحِدَأَة: أصلُ الأُذُن. والْخَرَب: السَّواد يكون في الأذن من ظاهرها. ويقال متون العرنين. والسَّمَامَةُ: الدَّائرةُ التي في العنق. والخُطَّافُ: دائرةٌ عند المركض. والقَطَاةُ: مَقْعَد الرِّدْف. والغُرَاب: طَرَف الوَرِك من ظهر ظاهره. والرَّخَمَة: عضَلَة الساق. والناهض: طرف القنب. ويقال الكَتَد. والنَّسْر: باطنُ الحافر فيه كالحصى. والسَّاق والرِّجل معروفان. والفَرَاشة: عظام الجمجمة. والأصقع: الناصية البيضاء. والعُقابان: الحدقتان. والجردان: هفافا الأذن. والصَّقْرَان: موضع السوط من الخاصرتين. والكُرْسوع: رأس الذراع مما يلي الوَظيف. والسَّعْدانة: ما انجرَد من ظهر ذراعي الفرس بمنزلة الحماس من الساق. والزّرّق: شعرات بيض تَنْبُتُ في اليد أو الرجل. ويقال: الزَّرَق يكون دوين أشعره. وقال آخر: بل الزرق: بياض لا يطيف بالعظم كله ولكنه وضَح. والوَرشان: حِمْلاق العين الأعلى، وقال غيره: الصلصلة ناصية الفرس، والصلصلة الفاختة. انتهى.
ومن المشترك بالنسبة إلى لغتين: قال في الغرب المصنف قال أبو زيد: الألْفَتُ في كلام قيس: الأحْمق. والألْفت في كلام تميم: الأعسر. وقال الأصمعي: السَّلِيط عند عامة العرب: الزيت. وعند أهل اليمن: دُهْن السمسم.
فائدة
من غريب الألفاظ المشتركة لفظة كذب قال خداش بن زهير العامري - جاهلي:
كذَبْتُ عليكم أوْعِدُوني وعَلِّلُوا ** بي الأرضَ والأقْوَام قِرْدَان مَوْظبا
قال أبو زيد في النوادر: معنى كذبت عليكم: أي عليكم بي.
وتجيءُ كَذَب في الحديث والشعر. قال عمر: كَذَب عليكم الحجُّ. فرفع الحج بكذب والمعنى عليكم الحجّ، أي حجّوا.
ونظر أعرابيّ إلى رجل يَعْلِف بعيرًا فقال: كذَبَ عَلَيْكَ البَزْرُ والنَّوَى.
وفي الحديث: ثلاثة أسفار كذَبْنَ عليكم. انتهى.
وفي تعليق النجيرمي بخطِّه قال عيسى بن عمر: مرَّ بي أعْرابي وأنا أعلف بَعيرًا لي فقال: كذَبَ عليك البَزْرُ والنَّوَى.
قال الأصمعي: تقول العرب هذه الكلمة إذا أراد أحدهم الشيء قال: كذب عليك كذا: يُريد عليك بكذا.
وقال التبريزي في تهذيبه في قول الشاعر:
وذُبْيَانِيَّة وصَّتْ بَنِيها ** بأنْ كَذَب القَراطِفُ والقُروفُ
قوله "بأن كَذَب القَراطِف والقروف" هذا الكلام لفظي الخبر ومعناه الإغراء تقول: كذب عليك كذا، أي عليك به. وفي حديث عمر: أن عمرو بن معد يكرب شكى إليه المعَص فقال: كذَبَ عَليك العَسَلُ.
وقال ابن خالويه في شرح الدريدية في قوله: * كذَب العَتِيقُ وَماءُ شَنٍّ بَارِدٌ * هذا إغراء، أي عليك العتيق والماء البارد، ولكنه كذا جاء عنهم بالرفع لأنه فاعل كذب والعرب تقول: كَذَب عليك العسل، أي الزمْ العَدْو وسرعةَ السير والمشي.
وفي الحديث: كذب عليكُمُ الحجُّ وكذب عليكم العُمْرة وكذب عليكم الجهادُ، ثلاثةُ أسفار كذَبْنَ عليكم.
وقال التبريزي في موضع آخر من تهذيبه: تقول للرجل إذا أمرته بالشيء وأغريته به: كذب عليك كذا وكذا أي عليك به وهي كلمةٌ نادرة جاءت على غيرِ القياس. قال عمر: يا أيها الناس كذَب عليكم الحجّ أي عليكم بالحج ويقال: كَذَب عليكم الحجّ والحج بالنصب والرفع لغتان النصب على الإغراء والرفع على معنى وجب عليكم وأمْكنَكم أنشد الأصمعي للأسود بن يعفر: * كذبت عليك لا تزال تقوفني * أي عليك بي فاتبعني.
فائدة
قال ابن درستويه في شرح الفصيح - وقد ذكر لفظه وَجَد واختلاف معانيها - هذه اللفظة من أقْوى حُجَج من يزعمُ أن من كلام العرب ما يتَّفِقُ لفظه ويختلف معناه لأن سيبويه ذكره في أول كتابه وجعله من الأصول المتقدمة فظنَّ من لم يتأمل المعاني ولم يتحقق الحقائق أن هذا لفظٌ واحد قد جاء لمعانٍ مختلفة وإنما هذه المعاني كلُّها شيءٌ واحد وهو إصابةُ الشيء خيرًا كان أو شرًا ولكن فرّقوا بين المصادر لأن المفعولات كانت مختلفة فجعل الفَرْق في المصادر بأنها أيضا مفعولة والمصادرُ كثيرة التصاريف جدًا وأمثلتُها كثيرة مختلفة وقياسُها غامضٌ وعلِلها خفيّة والمفتِّشُون عنها قليلون والصبرُ عليها معدوم فلذلك توهَّم أهلُ اللغة أنها تأتي على غير قياس لأنهم لم يضبطوا قياسها ولم يَقِفوا على غَوْرها.
فائدة
قال ابن درستويه في شرح الفصيح: لا يكون فعَل وأفْعَل بمعنى واحد كما لم يكونا على بناء واحد إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين فأما من لغة واحدة فمحالٌ أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يظنُّ كثير من اللغويين والنحويين وإنما سمعُوا العرب تتكلمُ بذلك على طِباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة وعلى ما جرت به عادتُها وتعارفُها ولم يعرف السامعون لذلك العلة فيه والفروق فظنُّوا أنهما بمعنى واحد وتأوَّلُوا على العربِ هذا التأويلَ من ذات أنفسهم فإن كانوا قد صدَقوا في رواية ذلك عن العرب فقد أخطؤوا عليهم في تأويلهم ما لا يجوزُ في الحكمة وليس يجيء شيء من هذا الباب إلا على لغتين متباينتين كما بيّنا أو يكون على معنَيَيْن مختلفين أو تشبيه شيء بشيء على ما شرحناه في كتابنا الذي ألّفناه في افتراقِ معنى فعل وأفعل.
ومن هاهنا يجبُ أن يتعرّف ذلك وأن قول ثعلب: وقَفَت الدَّابة ووقفتُ أنا ووقَفْت وقفًا للمساكين لا يجوزُ أن يكونَ الفعلُ اللازمُ من هذا النحو والمجاوز على لفظ واحد في النظر والقياس لما في ذلك من الإلباس وليس إدخالُ الإلباسِ في الكلام من الحِكْمة والصوابِ وواضعُ اللغة - عز وجل - حكيمٌ عليمٌ وإنما اللغةُ موضوعةٌ للإبانة عن المعاني فلو جاز وضعُ لفظ واحدٍ للدلالة على مَعْنَيْين مختلفين أو أحدُهما ضدٌّ للآخر لما كان ذلك إبانةً بل تَعْمِيَةً وتغْطية ولكن قد يجيءُ الشيءُ النادرُ من هذا لِعللٍ كما يجيء فَعلَ وأفعل فيتوهَّمُ من لا يعرفُ العِلل أنهما لمعنيين مختلفين وإن اتفق اللفظان والسماعُ في ذلك صحيحٌ من العرب فالتأويلُ عليهم خطأٌ وإنما يجيءٌ ذلك في لغتين متباينتين أو لحذْفٍ واختصارٍ وقَع في الكلام حتى اشتبه اللفظان وخَفِي سببُ ذلك على السامع وتأوَّل فيه الخطأ وذلك أن الفعل الذي لا يتعدَّى فاعله إذا احْتِيجَ إلى تعديته لم تَجُزْ تعدِيَتُه على لَفْظه الذي هو عليه حتى يُغيَّر إلى لفظٍ آخر بأن يزاد في أوَّله الهمزة أو يوصل به حَرْف جرّ بعد تمامَه ليستدلَّ السامعُ على اختلافِ المعنيين إلا أنه ربما كثُرَ استعمالُ بعضِ هذا الباب في كلام العرَب حتى يُحاولوا تخفيفه فيحذفوا حرفَ الجرّ منه فيعرف بطول العادة وكثْرَةِ الاستعمال وثبوتِ المفعول وإعرابه فيه خاليًا عن الجار المحذوف أو يُشَبَّه الفعل بفعلٍ آخر متَعدٍّ على غير لفظه فيجري مَجْراه لاتِّفاقهما في المعنى كقولهم: حبَست الدابة وحبستُ مالًا على المساكين.
وقد استقصينا شرح ذلك كله في كتاب فعلت وأفعلت بحُجَجه ورواية أقاويل العلماء فيه وذِكْر عِلَلِه والقياس فيه. اهـ.
وقال في موضع آخر: أهلُ اللغة أو عامتُهم يزعمون أن فعل وأفعل بهمزة وبغير همزة قد يجيئان لمعنًى واحد وأن قولهم: دِير بي وأُدِير بي من ذلك. وهو قول فاسد في القياس والعقل مخالفٌ للحكمة والصواب ولا يجوز أن يكون لفظان مختلفان لمعنًى واحد إلا أن يجيء أحدُهما في لغة قومٍ والآخر في لغة غيرهم كما يجيء في لغة العرب والعَجم أو في لغة روميَّة ولغة هنديّة.
وقد ذكر ثعلب أن أُدِير بي لغة فأصاب في ذلك وخالف من يَزْعُم أن فَعَلْت وأفْعَلت بمعنى واحد والأصل في هذا قد دُرْت وهو الفعل اللازم ثم يُنْقل إما بالباء وإما بالألف فيقال: قد دِير بي أو أدَرْت فهذا القياس. ثم جيء بالباء مع الألف فقيل: قد أُدِير بي. كما قيل قد أُسْرِي بي على لغة من قال أسْرى 1 في معنى سَرى لأن إدخال الألف في أول الفعل والباء في آخره للنّقْل خطأ إلا أن يكون قد نقل مرتين إحداهما بالألف والأخرى بالباء. اهـ.
هامش
- ↑ قال في اللسان: أسريت بالألف لغة أهل الحجاز، وجاء القرآن العزيز بهما جميعا.