تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب/الباب الثالث/القاعدة الثالثة

تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب المؤلف عبد الله الترجمان

القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك


القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك

اعلموا رحمكم الله أن النصارى يعتقدون أن الله تبارك وتعالى عاقب آدم وذريته بجهنم من أجل خطيئة آدم في الأكل من الشجرة ثم إنه تعالى منّ عليهم بخروجهم من النار بأن بعث ولده فالتحم في بطن مريم بجسد عيسى فصار إنسانا من جوهر أمه وإلها من جوهر أبيه، ثم ما مكنه من خروج آدم وذريته من النار إلا بموته وبه يفدي جميع الخلق من يد الشيطان وأنه مات بالقتل ثم عاش بعد ثلاثة أيام ونزل إلى جهنم وأخرج منها آدم وذريته من جميع الأنبياء. فهذه عقيدة كفرهم البارد الغثيث ودينهم المرذول الخبيث كما مهد لهم ذلك أوائل شياطينهم من غير استناد إلى دليل ولا نقل عن نبي ولا رسول. وحاشا أنبياء الله ورسله من هذه الخسائس المضحكة والقبائح المهلكة والتناقض الواضح. فمن المحال أن يكون الخالق الأزلي قد استحال لحما ودما ويكون له ولد في الأرض أو في السماء أو يكون قدمه وبقاؤه اللذين لا نهاية لهما محدودين أو متحيزين أو متنقلين. كلا هو الله الذي لا شبيه له ولا نظير، تقدس جلاله وتعالى كماله على أن يحل في بشر يموت، كيف وهو الحي الذي لا يموت، أو يصير بذاته العلية القدسية في بطن امرأة وهو الذي وسع كرسيه السموات والأرض. ويقال لهم إنكم تعتقدون أن عيسى هو الله ومن لم يعتقد هذا فليس بنصراني عندكم. فلا بدا من أن يقولوا نعم. فيقال لهم قد قدمتم على بهتان عظيم ومحال جسيم من حيث صيرتم إنسانا من الناس خالقا أزليا وهو حادث مخلوق ولا يخلو أمركم في عيسى من خمسة أوجه: إما أن تكونوا جعلتموه إلها أزليا ومسكنا للإله الأزلي. والوجه الثاني هل قال عيسى هذا في نفسه أو قاله عنه تلاميذه الذين نقلوا لكم دينه؟ الوجه الثالث أن تكونوا جعلتموه إلها لأجل الآيات الخارقة التي ظهرت عليه. الوجه الرابع أن تكونوا جعلتموه إلها لعجب مولده في كونه من غير أب، فليس هذا بأعجب من كون آدم خلق من غير أب ولا أم ولا أعجب من كون الملائكة خلقوا من غير والد ولا والدة ولا طينة ولا مادة ولا يسمى شيء من الملائكة وآدم آلهة وأنتم تمتنعون من ذلك فأخبرونا ما الفرق بينهم وبين عيسى وهم في حكمة الإيجاد أعجب منه؟ الوجه الخامس وإن قلتم إن عيسى إله لأجل الآيات الخارقة التي ظهرت على يديه فعلماؤكم يعلمون أن اليسع النبي عليه السلام أحيا ميتا في حياته وميتا بعد وفاته وتصرف المعجزة في الإحياء في البرزخ بعد الموت أعجب منها قبل الموت، وأن إلياس عليه السلام بارك في دقيق العجوز ودهنها فلم يفرغ ما في جرابها من الدقيق ولا ما في قارورتها من الدهن سبعة أعوام وسأل الله أن يمسك المطر سبعة أيام فأجاب الله دعاءه. وإن قلتم إن عيسى أطعم من خمسة أرغفة خمسة آلاف فإن موسى كليم الله سأل الله العظيم لقومه فأطعمهم المن والسلوى أربعين سنة وعددهم أزيد من ستة آلاف نسمة. وإن كان عيسى مشى على البحر ولم يغرق فيه كان موسى ضرب البحر بعصاه فانفلق فصار فيه طريق عبر منها جميع قومه واتبعهم فرعون بجنوده فغرقوا كلهم، ثم فجر صخرة اثنتي عشرة عينا لكل سبط من بني إسرائيل عين وضرب أهل مصر بعشر آيات من عجائب العذاب، الأولى عصاه التي ألقاها من يده فصارت ثعبانا هائلا وابتلعت جميع حبال السحرة. الآية الثانية يبس بساتينهم بموت جميع ما فيها من الحيوان. الآية الثالثة إرسال الضفادع عليهم حتى امتلأت بها منازلهم. الآية الرابعة تسليط القمل على أجسادهم. الآية الخامسة إرسال أنواع من الذباب عليهم. الآية السادسة إهلاك بهائمهم كلها. الآية السابعة خروج القروح في أجسادهم. الآية الثامنة نزول البرد عليهم حتى فسدت أشجارهم. الآية التاسعة إرسال الجراد على جميع بلادهم. الآية العاشرة ما غشاهم من الظلمة ثلاثة أيام بلياليها. وإن قلتم إن عيسى كان إلها بنفسه لأنه صعد إلى السماء فلذلك جعلتموه إلها فيلزمكم في إلياس وإدريس أن تجعلوهما إلهين لأنهما صعدا إلى السماء ولا خلاف عندكم في ذلك وأبونا الخليل صعد إلى السماء بنص التوراة وإجماع علمائكم فجعلتموه إلها. وإن قلتم إن عيسى ادعى الإلوهية لنفسه فلذال جعلتموه إلها فقد جاهرتم بالكذب الفظيع والبهتان الشنيع وفي أناجيلكم ما يرد عليكم لأن في الإنجيل الذي بأيديكم أنه حين صلب قال إلهي لم خذلتني؟ وتقدم له في نص الإنجيل أنه قال إن الله أرسلني إليكم. فأقر أنه بشر من الأنبياء المرسلين، ونصوص أناجيلكم في هذا عديدة على أنه من مفتعل كذبكم أنه صلب وصاح ونادى إلهي إلهي وليس من منصوص الإنجيل الحق بل هو بهتان عظيم من كتاب أناجيلكم وافترائهم على الله وإنما احتججنا به عليكم ليظهر تناقضكم لبصائر العقلاء وبالله التوفيق.

تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لعبد الله الترجمان
مقدمة الكتاب | الفصل الأول: (قصة إسلامه) | الفصل الثاني: فيما اتفق في أيام مولانا أبي العباس وولده مولانا أبي فارس عبد العزيز | الفصل الثالث في الرد على النصارى دمرهم الله | الباب الأول في ذكر الأربعة نفر الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله | الباب الثاني في افتراق النصارى على تعدد مذاهبهم وفرقهم | الباب الثالث في بيان فساد قواعد النصارى وهي التي لا يرغب عنها منهم إلا القليل وعليها إجماع جمهم الغفير ونبين الرد عليهم بنص أناجيلهم في كل قاعدة من قواعدهم | القاعدة الأولى في التغطيس وصفته | القاعدة الثانية وهي الإيمان بالتثليث | القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك | القاعدة الرابعة وهي الإيمان بالقربان وصفته | القاعدة الخامسة وهي الإقرار بجميع الذنوب للقسيس وصفة ذلك | الباب الرابع في عقيدة شريعتهم لعنهم الله | الباب الخامس في بيان أن عيسى وإنما هو بشر آدمي مخلوق نبي مرسل عليه الصلاة والسلام | الباب السادس في اختلاف الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله | الباب السابع فيما نسبوه لعيسى من الكذب وهم الكاذبون لعنهم الله وعيسى قد برأه الله من جميع أقوالهم واعتقادهم | الباب الثامن فيما يعيبه النصارى دمرهم الله على المسلمين أعزهم الله | الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد بنص التوراة والإنجيل والزبور وتبشير الأنبياء ببعثته ورسالته وبقاء ملته إلى آخر الدهر صلوات الله عليهم أجمعين