[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية. وقال الله تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} الآية، وقال عز وجل: {وما أفاء الله على رسوله منهم} الآية.
[قال الشافعي]: فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له ومن سماه الله عز وجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين. قال: ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخمس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه ﷺ وفي فعله فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير والفيء، وهو ما لم يوجف عليه بخيل، ولا ركاب فكانت سنة النبي ﷺ في قرى عرينة التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله ﷺ خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله ﷺ حيث أراه الله عز وجل. أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي ﷺ فقال: عمر (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليها المسلمون بخيل، ولا ركاب فكانت للنبي ﷺ خالصا دون المسلمين فكان النبي ﷺ ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل)، ثم توفي النبي ﷺ فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ وأبو بكر، ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ ثم وليها به أبو بكر، ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان مني قضاء غير ما قضيت به بينكما أولا؟ فلا والله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفكماها.
[قال الشافعي]: فقال: لي سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت؟ قال: نعم.
[قال الشافعي]: فأموال بني النضير التي أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التي يذكر عمر فيها ما بقي في يدي النبي ﷺ بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي ﷺ منها بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا، وهذا مبين في موضعه، وفي هذا الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر، وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله ﷺ على وجه ما رأيا رسول الله ﷺ يعمل به فيها وأنهما لم يكن لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفيء ما كان لرسول الله ﷺ وأنهما كانا فيه أسوة للمسلمين، وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما، والأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته، ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله ﷺ من صفي الغنيمة، ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها.
[قال الشافعي]: وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله ﷺ من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم أحدا من أهل العلم قال: لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم، ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي ﷺ يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح الإسلام وأهله.
[قال الشافعي]: فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله، وقد سن النبي ﷺ ما فيه الدلالة على ما وصفت. أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة) أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بمثل معناه.
[قال الشافعي]: وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل من نفقتهم فهو صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه.
[قال الشافعي]: والجزية من الفيء وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله، وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف، وذلك مثل ما أخذ منه إذا اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات، ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله، وقد كان في زمان النبي ﷺ فتوح في غير قرى عرينة التي وعدها الله رسوله ﷺ قبل فتحها فأمضاها النبي ﷺ كلها لمن هي، ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له، وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك، وقد كان في زمان النبي ﷺ فيء من غير قرى عرينة، وذلك مثل أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عز وجل كما يمضي ماله وأوفى خمسه من جعله الله له، فإن قال: قائل ما دل على ذلك؟ قيل أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحديث. [قال الربيع]: قال: غير الشافعي (قال النبي ﷺ لجابر لو جاءني مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا) فتوفي النبي ﷺ ولم يأته فجاء أبا بكر فأعطاني.