كتاب الأم/قسم الفيء/سن تفريق القسم

ملاحظات: سن تفريق القسم



[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال: الله تبارك اسمه {واعلموا أنما غنمتم من شيء} الآية.

[قال الشافعي]: أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال: (لما قسم النبي سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم. أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، أو منعتنا، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة. فقال: النبي إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي بمثل معناه أخبرنا الثقة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي بمثل معناه.

[قال الشافعي]: فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحاق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن علي بن الحسين عن النبي مثله، وزاد (لعن الله من فرق بين بني هاشم وبني المطلب).

[قال الشافعي]: وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال: (قسم رسول الله سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس، ولا بني نوفل شيئا).

[قال الشافعي]: فيعطى جميع سهم ذي القربى حيث كانوا لا يفضل منهم أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة، ولا فقير على غني ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطى الصغير منهم والكبير سواء، وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة وكلهم يلزمه اسم القرابة فإن قال: قائل قد أعطى رسول الله بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل.

[قال الشافعي]: فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية بينهم وبأنه إنما قيل: أعطى فلانا كذا؛ لأنه كان ذا ولد فقيل: أعطاه كذا. وإنما أعطاه حظه وحظ عياله والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث جبير بن مطعم فيه إنه قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل يشبه قسم المواريث، وفي حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة. وقد أعطى النبي من سهمه غير واحد من قريش والأنصار لا من سهم ذي القربى.

[قال الشافعي]: وتفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عز وجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الإسلام كلها يحصون، ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه.

[قال الشافعي]: وقد مضى النبي بأبي هو وأمي ماضيا وصلى الله عليه وملائكته فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال: يرد على السهمان التي ذكرها الله عز وجل معه؛ لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمي له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمي معه. وهذا مذهب يحسن، وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفيء، ومنهم من قال: يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح.

[قال الشافعي]: والذي أختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع، أو سلاح، أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزير الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله فإن النبي قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام خيبر نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى ذلك كله والله تعالى أعلم من سهمه. وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي وسهم ذي القربى: فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت. فقال: ليس لذي القربى منه شيء.

[قال الشافعي]: وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق فقال: بعضهم ما حجتكم فيه؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه. وذكرت له القرآن والسنة فيه قال فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحاق قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي ما صنع علي رحمه الله في الخمس؟ فقال سلك به طريق أبي بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما. فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل بعض الناس على بعض وقسم علي فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس؟ قال: نعم: قلت أفتعلمه خالفهما معا؟ قال: نعم: قلت أو تعلم عمر قال: لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي؟ قال: نعم: قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد؟ قال: نعم: قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا، وفي غيره؟ قال: فما قوله سلك به طريق أبي بكر وعمر، قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه علي؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر.

[قال الشافعي]: وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال: هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه.

[قال الشافعي]: فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال: صدق: هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده؟ قلت: لا قال ما أحسبه إلا عن جده: قال: فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحاق؟ قال: بل جعفر، فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله.

[قال الشافعي]: محمد بن علي مرسل عن أبي بكر وعمر وعلي لا أدري كيف كان هذا الحديث، قلت: وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك، وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن: قال: فهل في حديث جعفر أعطاهموه؟ قلت أيجوز على علي، أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم؟ قال: نعم إن طابت أنفسهم قلنا: وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه. قال: فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبي بكر وعمر شيئا أفعلمته؟ قلت: نعم ورووا ذلك عن أبي بكر وعمر مثل قولنا، قال: وما ذاك؟ قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيت عليا عند أحجار الزيت، فقلت له بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال: علي أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان، فقد أوفاناه وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس والأهواز، أو قال: فارس قال الربيع أنا أشك " فقال: في حديث مطر، أو حديث الآخر، فقال: في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه: فقال العباس لعلي لا نطمعه في حقنا: فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه. وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر قال: لكم حق، ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله، فقال: فإن الحكم يحكى عن أبي بكر وعمر أنهما أعطيا ذوي القربى حقهم، ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مرة أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين. وهذا تمام على إعطائهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر، ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله، وهذا أعطاهم بعضه دون بعض، وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال: فكيف يقسم سهم ذي القربى وليست الرواية فيه عن أبي بكر وعمر متواطئة؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم، ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا؟ فقلت له قولك هذا قول من لا علم له، قال: وكيف؟ قلت هذا الحديث يثبت عن أبي بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال، ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشيء منصوصا في كتاب الله عز وجل مبينا على لسان رسوله أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم اتباعه؟ قال: بلى: قلت: قلت أفتجد سهم ذي القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين، أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حدم النسب قرابة بني المطلب الذين أعطوه. قال نعم: قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة لم يعارضها عن النبي معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول: ظاهر الكتاب يخالفهما، وهو لا يخالفهما، ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك؟

[قال الشافعي]: له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد أبطلت سهم ذي القربى من الخمس، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال: ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي أعطاهموه، أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه، أو أحدهما. قال: ما فيه خبر ثابت عن النبي ولا عمن بعده غير أن الذي يجب علينا أن نعلم أن النبي أعطاه من أعطى الله إياه، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن شاء الله تعالى: قلنا أفرأيت لو قال: فأراك تقول نعطي اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوي القربى؛ لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولأن النبي أعطاه ذوي القربى، ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكي أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القربى سهمهم واليتامى والمساكين وابن السبيل، ولا أجد ذلك عن أبي بكر، ولا عمر فقال: ليس ذلك له: قلنا ولم؟ قال: لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد. قلت فكيف جاز لك. وقد قسم الله عز وجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون؟

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي لمكانهم منه فلما توفي النبي لم يكن لهم قلت له أيجوز لأحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل، وإن لم يكن ذلك في الخبر، ولا شيء يدل عليه؟ قلت: فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال: ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي شيء؛ لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقطعوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فإذا مضى رسول الله وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الأمر واحد فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شيء إذا استوى في الإسلام، قال ليس ذلك له قلت ولم؟ قال؛ لأن الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له، فقد قسم الله عز وجل ورسوله لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة؟ قال: فما منعك أن أعطيت ذوي القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له، ولا يعطى الغني شيئا: قلت له منعني أني وجدت كتاب الله عز وجل ذكره في قسم الفيء وسنة النبي المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير هذا المعنى الذي دعوت إليه، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه. فتقول لا شيء لذوي القربى، قال: إني أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عز وجل: {وللرسول ولذي القربى} فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة؟ قال: لا، وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة: قلت فإن وجدت رسول الله أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه، ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه، قال: إذا يبطل المعنى الذي ذهبت إليه، قلت، فقد أعطى أبا الفضل العباس بن عبد المطلب، وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بني المطلب ويتفضل على غيرهم، قال: فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغني، وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال: قال: الله عز وجل في الغنيمة {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية، فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله أعطاها من حضر القتال، وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على أحد معنيين، أو عليهما، فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه، أو قال: قد يجوز إذا كان بالغلبة أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء، أو أعطاه من جمع الحاجة والغناء ما تقول له؟ قال: أقول: ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت: أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة؟ قال: إذا حكي أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتي دلالة بخبر عن النبي أنه خاص، وهو على الغني والفقير والعاجز والشجاع لأنا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور، فقلت له: فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله، أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال: قائل ما غنم في زمان النبي ؟ ليس بالكثير، فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي قال ليس ذلك له، قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير، فإذا بين النبي أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت، أو كثرت أو قلوا، أو كثروا، أو استغنوا أو افتقروا: قلت فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى؟

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك، ولم يغنموا شيئا؟ قال: لا قلت، ولم وكل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا؟ قال: لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله فيه بمعنى، ولا علة، قلت، وكذلك قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل، وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي قال: وما ذلك؟ قلت أرأيت لو قال لك: قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته، ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالفهم هذا ممن كان يسيء إليه في حياته وإلى تركته بعد موته، وهو غني عن ميراثه قال: ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة؟ قال: نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفيء الغني والفقير قال: نعم قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى، وفيه الكتاب والسنة، وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا، أدخلت فيه ما لا يجوز أن يدخل في مثله أضعف منه؟ قال: فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة؟ قال: بلى قلت، فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر، ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتهم؟ قال: لا قلت أورأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف؟ قلت فيه: وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا؟ قال: الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس، وهو يقول السلب من الغنيمة، وفي السلب الخمس لقول الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الآية، قال: إذا ثبت الشيء عن النبي لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده، ولا من خالفه من بعده قلت، وإن كان معهم التأويل؟ قال: وإن؛ لأن الحجة في رسول الله قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت، وقد قال: الله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وقال: النبي (فيما سقي بالسماء العشر) لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل، ولا في هذا الحديث وقال: إبراهيم النخعي فيما أنبتت الأرض فكيف؟ قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة؟ قال: فإن أبا سعيد لو رواه عن النبي فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد عن أبي سعيد هذا الحديث؟ قال: بل من روى منهم ذي القربى قلت، وقد قرأت لرسول الله ثلاثة عهود: عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة). وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها، ولا وجدنا أحدا قط يروي عن النبي بحديث ثابت (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) غير أبي سعيد، ولا وجدنا أحدا قط يروي ذلك عن أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي فهل وجدته؟ قال: لا قلت أفهذا؛ لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان، وفي السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد، وفي وقت واحد من السنة؟ قال: كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبي سعيد (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)؛ لأنه ليس عن النبي إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن؛ لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي؟ قال: لا ولكني أكتفي بالسنة من هذا كله فقلت له قال: الله عز وجل: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} الآية. وقد قال: ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن (النبي أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع) ووافقه الزهري فيما يقول قال: كل ذي ناب من السباع حرام والنبي أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روي عن النبي فليس في قوله حجة، ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روي عن النبي أن النبي قاله رجع إليه، وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال: نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال: نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة، وفي التي تنكح في عدتها، وفي أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفي أن قضى في القسامة بشطر الدية، وفي أن جلد في التعريض الحد، وجلد في ريح الشراب الحد، وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر، وفي شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي ومنه ما تخالفه، ولا مخالف له منهم قال: نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته، ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا: نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين، ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه.

[قال الشافعي]: رحمه الله ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال: في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقال: علي ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الأيمان في القسامة على قوم، ثم حولها على آخرين فقال: إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روي عن النبي ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت، فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه في سهم ذي القربى، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي أنه خالفه قال: فقد روي عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما، وهو يراد به الخاص قال: ومثل ماذا؟ قلت مثل قول الله عز وجل: {الذين قال لهم الناس} الآية. فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال: هذا كله هكذا؟ قلت إذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء، قال: أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعني غير أصحاب النبي قلت: نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال: فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذي القربى؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال: لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى؟ قال: أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال: لا قلت، ولو قال: عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي أنه أعطاهموه قال: نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره؟ قال: وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله، وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه، وهو عندك هكذا؟ قال: فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال: إذا ثبت عن النبي فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه، والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج أحد معه. وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة.


كتاب الأم - قسم الفيء
قسم الغنيمة والفيء | جماع سنن قسم الغنيمة والفيء | تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب | الأنفال | الوجه الثاني من النفل | الوجه الثالث من النفل | كيف تفريق القسم | سن تفريق القسم | الخمس فيما لم يوجف عليه | كيف يفرق ما أخذ من الأربعة الأخماس الفيء غير الموجف عليه | إعطاء النساء والذرية | الخلاف | ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل، ولا ركاب | باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم