كتاب الرد على ابن النغريلة/الصفحة الثالثة


الفصل الثاني

وكان مما اعتراض به أيضاً ان ذكر قول الله تعالى : {أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها دماءها ومرعاها والجبال أرساها} ، (النازعات: 27- 32)

قال : فذكر في هذه الآية أن دحو الأرض وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد رفع سمك السماء وبعد بنائها وتسويتها وإحكام ليلها ونهارها ، ثم قال في آية أخرى : {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، وهو بكل شيء عليم} (البقرة: 29)

قال : فذكر في هذه الآية ضد ما في الأولى ، وذلك أن هذه التسوية للسماء كانت بعد خلق ما في الأرض .

قال أبو محمد : والقول في هذا كالقول في التي قبلها ولا فرق وهو : ان بظاهر هاتين الآيتين يكتفى عن تطلب تأويل أو تكلف مخرج وهو : انه تعالى ذكر في الآية التي تلونا أولاً أنه عز وجل بنى السماء ورفع سمكها وأحكم الدور الذي به يظهر الليل والنهار ، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها وأرسى الجبال فيها .

وذكر تعالى في الآية الأخرى ان تسويته تعالى السموات سبعاً وتفريقه بين تلك الطرائق السبع التي هي مدار الكواكب المتحيرة والقمر والشمس كان بعد خلقه كل ما في الأرض . فلم يفرق هذا الجاهل المائق بين قوله تعالى : إنه سوى السماء ورفع سمكها وبين قوله تعالى : إنه سواهن سبع سموات .

فهل بعد هذا العمى عمى ، وبعد هذا الجهل جهل ؟

وإنما أخبر تعالى ان تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض ، وأن دحوه الأرض كان قبل أن تقسم السماء على طرائق الكواكب السبع ، فلاح أن الآيتين متفقتان يصدق بعضهما بعضاً .

ولكن ليذكر هذا الجاهل على ما يفتتحون به كذبهم المفترى وبهتانهم المختلق الذي يسمونه "التوراة"

إذ يفترون ان الله تعالى خلق إنساناً مثله ، ولم يكن انفرد عنه تعالى إلا بشيئين :

علم الشر والخير .

ودوام الخلود والحياة .

وأن آدم صلوات الله وسلامه عليه أكل من الشجرة التي فيها علم الخير والشر ، فلما خالفه عظم ذلك عليه ؛ قال : هذا آدم أكل من الشجرة التي بها يكون علم الخير والشر فساوانا في ذلك ، فإن أكل من شجرة الحياة حصل على الخلد فكان مثلنا لا فضل لنا فيه ، فجعل يخرجه من الجنة وفي يده سيف يذود به شجرة الحياة .

حتى لقد انسخف جماعة من نوكاهم إلى ان قالوا : إن لآدم كان إنساناً من نوع الإنس الذي نحن منه، حصل على أكل شجرة الحياة فزاد بهاؤه وحصل له الخلد .

فلو أن هذا الخسيس الجاهل تبراً إلى الله تعالى من المظاهرة لهذا الوضع وهذا الاعتقاد الساقط لكان أحظى له .

ولكن يأبى الله تعالى إلا أن يجعل له الخزي والمهانة ، ويؤجل له الخلود بين أطباق النيران المعدة له ولأمثاله ولأشباهه والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبي الرحمة محمد تسليماً كثيراً .

كتاب الرد على ابن النغريلة
مقدمة المؤلف | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس والفصل السابع | الفصل الثامن وفصل في قبائحهم