كتاب الزهرة/الباب التاسع ليس من الظرف امتهان الحبيب بالوصف


الباب التاسع ليسَ منَ الظَّرفِ امتهانُ الحبيبِ بالوصفِ

من سامحته الأيام لمحابِّه ورُزق حسن الوفاء والمساعدة من أحبابه ما يجب عليه في حدود الظَّرف دون ما يجب عليه من رعاية حقوق الإلف أن يقابل نعم الله عليه بما يوجب المزيد فيها لديه فإن لم يفعل ذلك فلا ينبغي له أن يتعرض لأسباب المهالك وليعلم أنَّ وصف ما في صاحبه من الخصال المرتضاة مُغرٍى بمن علمها بالمشاركة له في هواه ولقد أحسن الَّذي يقول:

ولستُ بواصفٍ أبداً خليلاً
أُعرِّضهُ لأهواءِ الرِّجالِ
وما بالي أشوِّقُ عينَ غيرِي
إليهِ ودونهُ سترُ الحِجالِ
كأنِّي آمنُ الشٌّركاءَ فيهِ
وآمنُ فيهِ أحداثَ الرِّمالِ

وأحسن أيضاً الَّذي يقول:

أصونُكَ أنْ أدلَّ عليكَ وهماً
لأنَّ الظَّنَّ مِفتاحُ الغيوبِ

وما قصر علي بن محمد العلوي حيث يقول:

ربَّما سرَّنِي صدودكَ عنِّي
وتنائيكَ وامتِناعُكَ منِّي
ذاكَ ألاَّ أكونُ مفتاحَ غيرِي
وإذا ما خلوتُ كنتَ التَّمنِّي

وإذ قد دللنا على قبح وصف الخليل بما فيه من الخَلق والخُلق الجميل فلا حاجة بنا إلى دلالة على قبح الوصف لما حمل عليه نفسه من المسامحة بصاحبه والمسارعة إلى بلوغ محبَّته فإنَّ المحبوب ربما دعته الرأفة بمحبِّه أو الإشفاق عليه إلى أن يحمل نفسه على ما لا يوجبه حقُّ الهوَى عليه وعلى ما لم يوصله صاحبه منه وأن يدعه أليه تحقُّقاً بالرِّعاية لمن يهواه وتظرُّفاً بالسّياسة له إلى أكثر ما يتمنَّاه وإن لم يقع ذلك إلاَّ بالحمل على النَّفس والغضِّ منها فإذا كان وصف الخِلقة الَّتي لا يتهيَّأ نقلها ولا يعاب بها صاحبها ليس بجميل كان وصف الخلائق الَّتي قد سومح فيها أحرى أن يكون غير جميل.

ولعمري لقد أحسن جميل بن عبد الله بن معمر العذري حيث يقول:

هلِ الحائمُ العطشانُ مُسقًى بشُربةٍ
منَ المزنِ تروِي ما بهِ فتُريحُ
فقالتْ فنخشَى إنْ سقيناكَ شربةً
تُخبِّرُ أعدائِي بها فتبوحُ
إذنْ فأَباحتْني المنايا وقادَنِي
إلى أجلِي عضبُ السِّلاحِ سفوحُ
لبئسَ إذنْ مأوَى الكريمةِ سرُّها
وإنِّي إذنْ مِنْ حبِّكمْ لصحيحُ

أما قوله لبئس مأوى الكريمة سرُّها فكلام حسن وأهله وإنِّي إذاً من حبِّكم لصحيح فكلام قبيح أتراه إن صحا من حبِّها خبَّر النَّاس بسرِّها حتَّى يجعل عليه في كتمانه إيَّاه أنَّه مغرم بها. بلغني أن رجلاً قام بحضرة معاوية فقال: قبَّح الله المجوس بلغني أن أحدهم يتزوج بأُمِّه والله لو أُعطيت عشرة آلاف درهم أن أفعل ذلك ما فعلته، فلمَّا انصرف قال معاوية: ما له أسخن الله عينه أترى لو زيد على ذلك كان يفعل، ولكن يُتلقَّى هذا الكلام من جميلٍ باليدين ويحمل على الرأس والعينين إذا سمع كلام الشيخ امرئ القيس:

فلمَّا دنوتُ تسدَّيتُها
فثوباً نسيتُ وثوباً أجُرْ
ولمْ يرَنا كالئٌ كاشحٌ
ولمْ يُفشَ منَّا لِذا البيتِ سِرْ
وقدْ رابَنِي قولُها يا هناهُ
ويحكَ ألحقتَ شرّاً بشرْ

فما أدري من أي أمريه أعجب أمن خشية في نفسه أم من جهله بأمره يفرح بأن لم يرهم كاشحٌ ولم يفش لهم في البيت سرُّ وما عسى الكاشح لو رآهم إن كان يصنع بهم هل كان يستطيع أن يشيِّع عليهم إلاَّ بعض تشييعهم على أنفسهم.

ولعمري قد أحسن الَّذي يقول:

ما يبلغُ الأعداءُ مِنْ جاهلٍ
ما يبلغُ الجاهلُ مِنْ نفسهِ

فأما هذا النحو من الشِّعر فلست أنشط لذكره لا من شِعر امرئ القيس ولا من شعر غيره فهو فعل خارج عن حدِّ الدِّيانة والمروءة وما خرج عن حدِّ هذين البابين تعدَّى عيبه من فاعله إلى ناشره ومستحسنه وأما ما ذكرناه في الباب الثامن من وصف اجتماع المحبّ مع محبوبه ومُسامحته له فيما يحور محبوبه فهو لعمري معيب ممَّن حكاه عن نفسه وعن صاحبه إلاَّ أنَّه عيبٌ لا ينهتك ستر المودَّة بمثله فمن أجل ذلك سامحنا بذكره وإن كانت مرتبة الكمال موجبة لغيره وكذلك نتساهل إن شاء الله في ذكر بعض ما وصفه المحبُّون من صور المحبوبين وإن كان فيه بعض الهجنة بهم فإنَّ فيه بعض المنفعة لغيرهم.

قال ذو الرمة:

لها بشرٌ مثلُ الحريرِ ومنطقٌ
رخيمُ الحواشِي لا هُراءٌ ولا نزرُ
وعينانِ قالَ اللهُ كُونا فكانَتَا
فعُولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ

وقال معن بن أوس:

ظعائنُ مِنْ أوسٍ ونُعمانَ كالدُّمى
حواضرَ لمْ يُجزينَ عمّاً ولا بعْلا
أوانسُ يركضنَ المُروطَ كأنَّما
يطأْنَ إذا استوسقنَ في جدَدٍ وَحْلا

وقال ابن مرداس:

وأهوتْ لتَنْتاشَ الرِّواقَ فلمْ تقمْ
إليهِ ولكنْ طأْطأَتهُ الولائدُ
قليلةُ لحمِ النَّاظرينِ يَزِينُها
شبابٌ ومخفوضٌ منَ العيشِ باردُ
تناهَى إلى لهوِ الحديثِ كأنَّها
أخُو سقمٍ قدْ أسلمتْهُ العوائدُ
ترى القُرطَ منها في فِناهُ كأنَّهُ
بمهلكةٍ لولا العُرَى والمعاقدُ

وقال قيس بن الحطيم:

ولمْ أرَها إلاَّ ثلاثاً علَى منًى
وعهدِي بها عذراءُ ذاتُ ذوائبِ
تبدَّتْ لنا كالشَّمسِ تحتَ غمامةٍ
بدَا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ

وقال محمد بن إبراهيم الأسدي:

وأصبحَ ما رجَّيتُ مِنْ أُمِّ واصل
يُقطَّعُ إلاَّ حاجةً سأقولُها
رَقودُ الضُّحى مِبْسامةٌ لا يهمُّها
صروفُ النَّوى تظعانُها وحُلولها
إذا ضحكتْ لمْ تنبسطْ وتبسَّمتْ
حياءً ويكْفيها منَ الحلفِ قيلُها

وقال الضحاك بن عقيل العامري:

بأشنبَ صافٍ تعرفُ النَّفسُ أنَّه
وإنْ لمْ يذقْ حُمشُ اللِّثاثِ عِذابُ
وكفٍّ كقِنوانِ النَّقا لا يضيرُها
إذا أُبرزتْ أنْ لا يكونَ خضابُ
ومَتْنانِ يزدادانِ ليناً إذا مشتْ
كما اهتزَّ مِنْ ماءِ السيولِ جَنابُ

وقال محمد بن بشير الخارجي:

وترَى مدامِعها تُرقرقُ مُقلةً
سوداءَ ترغبُ عنْ سوادِ الأثمَدِ
خوْدٌ إذا كثُرَ الحديثُ تعوَّذتْ
بحِمى الحياءِ وإنْ تكلَّمْ تقصُدِ

وقال الركاض الزبيدي:

وما أَثِرتْ حبِّي علَى نومةِ الضُّحى
لها مهنةً يوماً ولا باكرتْ طعمَا
ولا أنْمَأَتْ يوماً حديثاً لجارةٍ
تُعذِّرُ مِنْ إنمائهِ بعدَ ما يُنمَى

وقال صخر بن الجعد المحازي:

بنفسِي وأهلِي مَنْ إذا عرَّضوا لهُ
ببعضِ الأذَى لمْ يدرِ كيفَ يُجيبُ
ولمْ يعتذرْ عذرَ البرِيِّ ولمْ تزلْ
بهِ سكتةٌ حتَّى يقالَ مُريبُ
لقدْ ظلموا ذاتَ الوشاحِ ولمْ يكنْ
لنا مِنْ هوَى ذاتِ الوشاحِ نصيبُ
سُقيتُ دمَ الحيَّاتِ إنْ كنتُ بعدَها
محبّاً ولوْ عُنِّفتهُ لَحبيبُ

وقال سويد بن أبي كاهل:

حرَّةٌ تجلو شَتيتاً واضحاً
كشعاعِ البرقِ في الغيمِ سطعْ
تمنحُ المرآةَ لوناً حسناً
مثلَ قرنِ الشَّمسِ في الضَّحوِ طلعْ

وقال إبراهيم النظام:

هوَ البدرُ إلاَّ أنَّ فيهِ رقائقاً
منَ الحسنِ ليستْ في هلالٍ ولا بدرِ
وينظرُ في الوجهِ القبيحِ بحسنهِ
فيكسوهُ حسناً باقياً آخرَ الدَّهرِ

وله أيضاً:

رقَّ فلوْ بُزَّتْ سرابيلهُ
عُلِّقهُ الجوُّ منَ اللُّطفِ
يجرحهُ اللَّحظُ بتكرارهِ
ويشتكِي الإيماءَ بالكفِّ

وله أيضاً:

نسَّى المحاسنَ في أجناسِ نُوريِّ
صافي الضَّرائبِ رُوحيِّي
تمَّت علَى أبهَى الصِّفاتِ فلمْ
يُطلقْ لنا عنْ حدِّ كَيْفِيِ
أبدعهُ الخالقُ واختارهُ
مِنْ مازجِ الأنوارِ عُلويِّ
فكلُّ مَنْ أغرقَ في وصفهِ
أصبحَ منسوباً إلى العِيِّ

وهذا البيت لا يتهيَّأ لأحد أن يتخطَّاه ولا يأتي بأجود من معناه وقد قال جرير في هذا النحو فأحسن غير أنَّه حلَّ آخر كلامه ما عقد فإذا ضُمَّ بعضه إلى بعض فسد.

قال جرير:

ما استوصفَ النَّاسُ مِنْ شيءٍ يروقهمُ
إلاَّ ترَى أُمَّ عمرٍو فوقَ ما وصفُوا
كأنَّها مُزنةٌ غرَّاءَ رائحةٌ
أوْ درَّةٌ لا يُوارِي لونَها الصَّدفُ

وقال علي بن العباس الرومي:

بأبي حسنُ وجهكَ اليوسُفِيِّ
يا كفِيَّ الهوَى وفوقَ الكَفِيِّ
فيهِ وردٌ ونرجسٌ وعجيبٌ
اجتماعُ الرَّبيعِ والخَرْفِيِّ

وقال حبيب بن أوس:

لمْ أنسَها وصروفُ البينِ تظلمُها
ولا مُعوَّلَ إلاَّ الواكفُ السَّربُ
أدنتْ نقاباً علَى الخدَّينِ وانتسبتْ
للنَّاظرينَ بقدٍّ ليسَ ينتقبُ

وقال ذو الرمة:

أسيلةُ مجرَى الدَّمعِ هيفاءُ طفلةٌ
رَداحٌ كإيماضِ البروقِ ابتسامُها
كأنَّ علَى فيها وما ذقتُ طعمهُ
زجاجةُ خمرٍ ضاقَ عنها مُدامُها

وقال أبو دلف العجلي:

نفسِي الَّتي لمْ أزلْ بالحبِّ أعرفُها
تحيَّرتْ دونَ مَنْ أهوَى أمانيها
شمسٌ بدت لكَ في أثوابِ جاريةٍ
الشَّمسُ تُشبهُها والبدرُ يحكيها
أطنبتُ مجتهداً في وصفِها فلقدْ
أفنَى جميعَ صفاتِي بعضُ ما فيها

وقال امرؤ القيس:

كأنَّ المُدامَ وصوبَ الغمامِ
وريحَ الخُزامى ونشرَ القُطرْ
يُعلُّ بهِ بردُ أنيابِها
إذا طربَ الطائرُ المستحرْ

وقال يزيد بن الطثرية:

كأنَّ مدامةً مِنْ خمرِ دنٍّ
تُصبُّ علَى ثناياها طُروقا
ألذُّ النَّاسِ في الدُّنيا حديثاً
وأطيبهُ بُعيدَ النَّومِ ريقَا
جُعلتُ لكِ الفداءَ منَ المنايا
وإنْ كلَّفتِني ما لنْ أُطيقا

وقال امرؤ القيس بن حجر:

خليليَّ مرَّا بي علَى أُمِّ جندبٍ
لتقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذَّبِ
ألمْ ترَياني كلَّما جئتُ طارقاً
وجدتُ بها طِيباً وإن لمْ تطيَّبِ

وهذا معنًى لم يسبقه إليهِ أحدٌ قبله ولم يلحقه فيه مَن بعده وإنَّه لحسن اللفظ مستوفي المعنى.

وقال أبو تمام:

كالخُوطِ في القدِّ والغزالةِ في البه
جةِ وابنِ الغزالِ في غَيَدِهْ
وما حكاهُ ولا نعيمَ لهُ
في جِيدهِ لِمْ حكاهُ في جَيَدِهْ

ولأبي تمام أيضاً:

متصرِّفٌ في الطَّرفِ باطنُ صدرِها
مُتفنِّنٌ في الحسنِ ظاهرُ صدرِها
تُعطيكَ منطقَها فتعلمُ أنَّه
لحنٌ عذوبتهُ تمرُّ بثغرِها
وأظنُّ حبلَ وصالِها لمحبِّها
أوهَى وأضعفَ قوَّةً مِنْ خصرِها

وقال علي بن محمد العلوي الكوفي:

وهيفاءَ تلحظُ عنْ شادنٍ
وتبسِمُ عنْ زهرِ الأُقحوانْ
وكالغصنِ بانَ وجدلِ العِنانِ
وميادةِ القُضُبِ الخيزرانْ
ترَى الشَّمسَ والبدرَ معناهُما
بها واحداً وهُما معنَيانْ

وقال آخر:

إذا احتجبتْ لم يكفكَ البدرُ فقدَها
وتكفيكَ ضوءَ البدرِ إن حجبَ البدرُ
وحسبكَ مِنْ خمرٍ بقربكَ ريقُها
وواللهِ مِنْ ريقِها حسبكَ الخمرُ

وقال آخر:

هيَ الخمرُ حسناً وهيَ كالخمرِ ريقُها
ورقَّةُ ذاكَ اللَّونِ في رقَّةِ الخمرِ
فقدْ جُمعتْ فيها خمورٌ ثلاثةٌ
وفي واحدٍ سكْرٌ يزيدُ علَى السُّكْرِ

وقال آخر:

وفي الغصنِ بيضاءُ العوارضِ طفلةٌ
مُبتلَّةٌ يُصبِي الحليمَ ابتسامُها
إذا سُمتَها التَّقبيلَ صدَّتْ وأعرضتْ
صُدودَ شَموسِ الخيلِ ضلَّ لجامُها
وعضَّتْ علَى إبهامِها حينَ أومأَتْ
أخافُ العيونَ أنْ تهبَّ نِيامُها

وقال الأحمر الطائي:

أُلامُ علَى ليلَى ولوْ أنَّ هامَتي
تداوَى بليلَى بعدَ يأسٍ لبلَّتِ
بذِي أشَرٍ تجرِي بهِ الرَّاحُ أنهلتْ
أخاكَ بهِ بعدَ العشاءِ وعلَّتِ
وتبسِمُ إيماضَ الغمامةِ إنْ سمتْ
إليها عيونُ النَّاسِ حينَ استهلَّتِ

وقال حسان بن ثابت:

يا لقومِي هلْ يَقْثُلُ المرءَ مثلِي
واهنُ البطشِ والعظامِ سؤومُ
شأنُها العطرُ والفراشُ ويعلُو
ها لُجينٌ ولؤلؤٌ منظومُ
لوْ يدبُّ الحولِيُّ مِنْ ولدِ الذَّ
رِّ عليها لأندبتْها الكلومُ

وهذا سرف شديد وهو مع ذلك مأخوذ من قول امرئ القيس:

منَ القاصراتِ الطَّرفِ لوْ أنَّ مُحولاً
منَ الذَّرِّ فوقَ اللِّيتِ منها لأثَّرا

ولبعض أهل هذا العصر:

نظرتُ إليهِ نظرةَ مستهامٍ
فأثَّرَ ناظرِي في وجنتيهِ
فلاحظَني وقدْ أثبتُّ وجداً
فأثَّرَ في الفؤادِ بمُقلتيهِ

وقال آخر:

فيكَ لِي فتْنَتانِ لحظٌ ولفظٌ
وَعَظانِي لوْ كانَ ينفعُ وعظُ
لكَ وجهٌ كأنَّه رقَّةُ الماءِ
وقلبٌ كأنَّه الصَّخرُ فظُّ
أنتَ حظِّي فما يضرُّكَ لو كا
نَ لمنْ أنتَ حظُّهُ منكَ حظُّ

وقال الوليد بن عبيد الطائي:

ألَمعُ برقٍ سرَى أمْ ضوءُ مصباحِ
أمِ ابتسامَتُها بالمنظرِ الضَّاحِي
يا بؤسَ نفسٍ عليها جِدَّ آسفةٍ
وشجوَ قلبٍ إليها جِدَّ مُرتاحِ
تهتزُّ مثلَ اهتزازِ الغصنِ أتعبهُ
مُرورُ غيثٍ منَ الوسميِّ سحَّاحِ
أرسلتِ شُغلينِ مِنْ لفظٍ محاسنهُ
تروي الضَّجيعَ ولحظٍ يُسكرُ الصَّاحِي
أُثني عليكِ بأنِّي لمْ أخفْ أحداً
يلحِي عليكِ وماذا يزعمُ اللاَّحِي

ولقد أنصف غاية الإنصاف الَّذي يقول:

فما الشَّمسُ يومَ الدَّجنِ وافتْ فأشرقتْ
ولا البدرُ وافَى أسعداً ليلةَ البدرِ
بأحسنَ منها بلْ تزيدُ ملاحةً
علَى ذاكَ أوْ رأْيُ المحبِّ فلا أدرِي

ومختار ما قالته الشعراء في وصف الخلق والأخلاق أكثر من أن تتضمنه الأوراق وفيما ذكرنا منه بلاغٌ وعلى كل حال وصف الخلائق والأفعال اسهل من وصف الخِلقة بالجمال وكلاهما داخلٌ في معنى الدلالة على الشركة في الأحباب حسب ما تقدم ذِكرنا في صدر هذا الكتاب.