كتاب الزهرة/الباب الثالث والستون ذكر التفضيل بالإحسان والمدح بشرف الأنساب


الباب الثالث والستون ذكر التفضيل بالإحسان والمدح بشرف الأنساب

وقال زهير بن أبي سلمى المُزني:

علَى مُكثريهم حقّ من يعْتريهمُ
وعند المُقلِّينَ السَّماحةُ والبَذْلُ
وما كان من خير أتَوْهُ فإنَّما
يقدمُهم آباءُ آبائهم قبلُ
وهل يُنبتُ الخطّيّ إلاَّ وشيجُه
وينبُتُ إلاَّ في منابتها النخلُ
سعى بعدهُم قومٌ لكي يدركوهُم
فلم يفعلوا ولم يُلاقوا ولم يألوا

وقال آخر:

إنْ يسألوا الخير يُعطوهُ وإن جهدوا
فالجهد يُخرج منهم طيب إخبارِ
هَيْنون ليْنون أيسارُ ذوو كرمٍ
سُوّاسُ مكرمةٍ أبناءُ أيارِ
لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا
ولا يُمارَون إنْ ماروا بإكثارِ
من تلقَ منهم تَقُلْ لاقيتُ سيدهُم
مثلَ النّجومِ الَّتي يسري بها السَّاري

وقال المسيب بن علس:

يبيتُ الملوكُ علَى عَتْبها
وشَيْبانَ إنْ غضبَتْ تُعتبُ
وكالراح بالماء أحلامُهم
وأخْلاقهم منهما أعذَبُ
وكالمسكِ تُربُ مقاماتهم
وتربُ قبورهمُ أطيبُ

وقال بعض العبديين وتروى لزهير:

لو كان يُقعد فوق الشَّمس من أحدٍ
قومٌ لمجدهمُ أوْ جودهم قَعدوا
قوم أبوهم سِنانٌ حين تَنْسبُهُم
طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنسٌ إذا أمنوا جنُّ إذا فزعوا
غرُّ بهاليل في أعناقهم صيَدُ
مُحَسّدون علَى ما كان من نِعَمٍ
لا ينزع الله منهم ما له حُسدوا

وقال أعشى همدان في خالد بن ورقاء:

رأيتُ ثناءَ النَّاس بالغيب طيباً
وقالوا فلانُ ماجدٌ وابنُ ماجد
فإن يكُ عَتّابٌ مضى لسبيلِه
فما مات من أبقى له مثلُ خالد

وقال حسان بن ثابت:

بيض الوجوه كريمة أنسابُهم
شُمُّ الأنوف من الطِّراز الأوّل
يُعشَوْن حتَّى ما تهرُّ كِلابُهمْ
لا يسألونَ عن السّوادِ المُقبل

وقال الحطيئة:

هُمُ المتحفزون علَى المنايا
بمال الجار ذلك والوفاءُ
هُمُ القوم الذين إذا ألمَّت
من الأيَّام مُظلمةٌ أضاؤا
إذا نزل الشتاء بجار قومٍ
تجنَّبَ جارَ بيتهمُ الشتاءُ
فابقوا لا أبا لكمُ عليهم
فإن ملامة المولى شقاءُ
فإن سعاته لكم سُعاة
وإن نماءهم لكمُ نماءُ
وإن أباهُم الأدنى أبوكم
وإنَّ صدورهم لكم بِراءُ
وإن بلاءهم ما قدْ علمتُم
علَى الأيَّام إنْ نفعَ البلاءُ
وثغرٍ لا يُقام به كَفوكم
ولم يكُ دونهم لكم كِفاءُ
بجمهور يحار الطرف فيه
يظل مُعظِّلاً فيه الفضاءُ

وقال أيضاً:

إذا قيل أيُّ النَّاس أوفى قبيلةٍ
وأكرمُ يوماً لا توارى كواكبُه
فإنَّ بني عمرو بن لأم أرومةً
علتْ يوم صعب لا تُنال مراقبه
أضاءت لهم أحسابُهم ووجوهُهم
دُجى اللَّيل حتَّى نظَّمَ الجزع ثاقبُه

وقال آخر:

هُمُ الغُرّ الوجوه بني سنان
لو أنك تَستضيءُ بهم أضاءوا
همُ حلُّوا من الشرف المُعلَّى
ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
فلو أن السَّماءَ دنت لمجدٍ
ومكرمةٍ دنتْ لهم السَّماءُ

وقال آخر:

وكم فيهم من سيد وابن سيد
وفيٍّ بعقد الجار حين يُفارقُه
يكاد الغمام الغرُّ يرعد إن رأى
وجوه بني لأم وينهلُّ بارقه

وقال أبو دهبل الجُمحي:

إن البيوت معادن فنَجارُهُ
ذهبٌ وكلُّ بيوته ضَخْمُ
مُتهلّل بنعَمْ ولا متباعِدٌ
سيَّان منه الوفرُ والعُدْمُ

وقال العجير السلولي:

وإن ابنَ عمّي لابنُ زيد وأمُّه
لبلاَّلُ أيدي خلة الشّولِ بالدَّمِ
طلوع الثنايا بالمطايا وسابق
إلى غايةٍ من يبتدرها يُقَدّمِ
من النفر المُدلين في كل حُجَّةٍ
لمستحمد في جولة الرأي محكمِ
جديرون ألاَّ يذكرون بريبةٍ
ولا يُغرمون الدَّهر ما لم تغرّمِ

وقال آخر:

هو السابق التالي أبوه كما تلى
أبوه أباه سيد وابن سيد
كأنَّ علَى عرنينه وجبينه
شعاعين لاجى من شمال وفرقد

وقال آخر:

بنى آباؤه للمجد بيتاً
توارثَهُ كريمٌ عن كريم
فما اتكل القديم علَى حديث
ولا اتكل الحديث علَى قديم

وقال الفرزدق:

علَى عهد ذي القَرْنَين كانت سيوفكم
عَمائمَ هامات الرِّجال البَطارق
أغرّ ترى سيما التقى بجبينهِ
إذا ما غدا والمسكُ فوق المفارق

وقال أيضاً:

رأيت النَّاس قد خافوك حتَّى
خَشوك كخشية النَّاس السّحابا
فليس بزايل للحرب منهم
شِهابُ يطفئون به شِهابا

وقال مروان بن أبي حفصة:

ما كلَّ جارهم الثواء ولا قَلى
يوماً جوار بني حنيفة جارُ
إن الَّذي سمك السَّماء بنى لنا
مجداً تقطع دونه الأبصارُ

وقال عبد الله بن الزّبير الأسدي:

إذا مات ابن خارجة بن حِصنٍ
فلا مطرتْ علَى الأرض السَّماءُ
ولا جاء البشير بغُنم جيشٍ
ولا حملت علَى الطّهر النِّساءُ
فيوم منكَ خير من رجال
كثير حولهم نعم وشاءُ
فبورك في بنيك وفي أبيهم
إذا عدوا ونحنُ لك الفداءُ

وقال آخر:

إن قوماً منهم عُميرٌ وأش
باه عميرٍ ومنهم لسفاحُ
لجديرون بالوفاء إذا صاح
أهل النجدة السلاح للسلاحُ

وقال ابن أذينة الكناني:

إذا قريش تولّى أمرَ صاحبها
فاستَيْقِنَنَّ بأنْ لا خيرَ في أحدِ
رهط النَّبيّ وأولى النَّاسِ منزلةً
بكل خير وأثرى النَّاس في العددِ

وقال القطامي:

أما قريش فلن تلقاهم أبداً
إلاَّ وهم خيرُ من يُحفى وينْتعلُ
إلاَّ وهُم جبلُ الله الَّتي قَصُرت
عنه الجبال فما وازى به جبل

وقال آخر:

آلُ الرسولِ خيارُ النَّاس كُلِّهم
وخيرُ آلِ رسولِ الله هارون
رضيتُ حكمك لا أبغي به بدلاً
لأنَّ حكمكَ بالتوفيق مقرونُ

وقال علي بن الجهم:

أغيرَ كتاب الله تَبْغونَ شاهداً
لكم يا بني العباس بالعُسر واليُسر
كفاكم بأن الله فوَّض أمرَهُ
إليكم وأوصى أن أطيعوا أولي الأمر
ومن أرسل الله العباد وسبله
سوى جنب ذي القربى القريبة من أجر
ومن كان مجهول المكان فإنما
منازلكم بين الحجون إلى الحجر

وقال البحتري:

وإذا أبو الفضل استعار سجيَّةً
للمكرمات فمن أبي يعقوب
لا يحتذي خلق القصيّ ولا يرى
متشبهاً في سُؤددٍ بغريب
شرف تتابَع كابرٌ عن كابر
كالرمح أنبوباً علَى أنبوب
وأَرَى النجابة لا تكون لماهرٍ
لنجيب قومٍ ليس بابن نجيب
أعيا خطوب الدَّهر حتَّى لفَّها
والدَّهر سلك حوادث وخطوب
دانٍ علَى أيدي العُفاة وشاسع
عن كل ندٍّ في النَّدَى وضريب
كالبدر أفرط في العُلو وضوؤه
للعصبة السارين جِدُّ قريب

وقال أيضاً:

جمال الليالي في بقائك فلْيَدُمْ
بقاؤك في عُمْر عليهن زائد
ملكتُ به ودَّ العدى وأجدّ لي
أواصر قربى في الرِّجال الأباعدِ
وإن بطلت مسعاه مجد بعيدة
ينلها بجدٍ أريحييّ ووالدِ
كما مدَّت الكف المضاف بنانها
إلى عضد في المكرمات وساعد
ولم أرَ أمثال الرِّجال تفاوتت
إلى الفضل حتَّى عُدَّ ألفٍ بواحد
ولا خير في أخلاقه غير أنَّه
غريبُ الأسى فيها قليل المساعد
مكارم هنَّ الغيظ باتَ غليلُه
يُضرّم في صدر الحسود المكايد
ولن تستبين الدَّهر موضع نعمةٍ
إذا أنت لم تُدْللْ عليها بحاسد

وقال أيضاً:

لكم بيت الأعاجم حين يُبنى
ومفتخر المرازبة العظام
يلومك في النَّدَى من لم يورث
علا الشرف الَّذي عنه تُحامي
وكم من سؤددٍ غلَّستَ فيه
ولم يرفع عن النفر النيام

وقال أيضاً:

نبهت من نبهان مجداً لم يزل
قدْماً لمحمود الفعال رفيعا
ولئن تبينت العُلى لهم لما ان
فكوا أصولاً للعُلى وفروعا
قومٌ إذا لبسوا الدروع لموقفٍ
لبستهُمُ الأعراض فيه دروعا
في معرك ضنكٍ تخال به القنا
بين الضلوع إذا انحنين ضلوعا
كنت السبيل إلى الرَّدى إذْ كنت في
قبض النفوس إلى الحِمام شفيعا

وقال أيضاً:

يُنسيك جود الغيث جودُهم إذا
عثرت أكفهُم بعام مُجْدب
حتَّى لو أن المجد خيِّر في الورى
نسباً لأصبح ينتمي في تغلبِ
مَلِك له في كل يوم كريهةٍ
إقدام عزٍّ واعتزام مُجرّبِ
وتراه في ظُلم الوغى فتخالُه
قمراً يشدّ علَى الرِّجال بكوكبِ
إنِّي أتيتك طالباً فبسطت من
أملي وطُلت بجود كفك مطلبي
وغدوتَ خير حياطة منّي علَى
نفسي وأرأف بي هنالك من أبي
أعطيتني حتَّى حسبت جزيل ما
أعطيتنيه وديعةً لم توهبِ

ولقد أحسن الَّذي يقول:

لو أن كفك لم تجدْ لمؤمَلٍ
لكفاه عاجل وجهك المُتهلّل
ولو أن مجدك لم يكن متقادماً
أغناك آخر سؤدد عن أول