كتاب الزهرة/الباب الرابع والستون ذكر من قدم بجسارته ومدح بشجاعته
الباب الرابع والستون ذكر من قدم بجسارته ومدح بشجاعته
وقال الأعشى:
وأبصرت بيضاً بالأكفِّ صوارماً
تزايلَ منهن الرقاب الكواهل
مضاربها من طول ما ضربوا بها
ومن عضَّ هام الدارعين بواجل
وقال المخبل بن السبيع العنبري:
وكم من أمير قد فككتم قيوده
وسهل دم هرقتموه علَى سحلِ
إذا ما لقوا أقرانهم قتلوهم
وإن قتلوا لم يقشعِرّوا من القتلِ
وقال مُعَلّى الطائي:
مشت الهُوينى في العدو سيوفُه
حتَّى عرفْنَ مسالِكَ الأرواحِ
سخِطتْ جماجمهُمُ علَى أجسادهم
فتبدلت سخطاً صدورُ رِماحِ
وقال أبو نواس:
وإذا مجَّ الفنا عَلَقاً
وتراءى الموتُ في صوره
راح في ثِنْي مفاضته
أسدٌ تدمى شَبا ظُفره
تتأبى الطير غزوته
ثقةً بالشبع من جَزره
وقال مسلم بن الوليد الأنصاري:
سدّ الثغور يزيد بعدما انفرجت
بقائم السَّيف لا بالختل والحِيَلِ
موف علَى مُهج في يوم ذي رَهجٍ
كأنَّهُ أجلٌ يسعى إلى أملِ
ينال بالرِّفق ما يعيا الرّجالُ به
كالموتِ مستعجلاً يأتي علَى مهلِ
وقال أيضاً:
لو أنَّ قوماً يُخْلَقون منيَّةً
بنفوسهم كانوا بني جبريلا
قوم إذا هجر الهجير من الوغى
جعلوا الجماجمَ للسيوف مَقيلا
وأنشدني محمد بن الخطاب الكلابي لغيره:
عددت أيامك المحجلة الغرّ
فأعيت وخيرها عدها
وما انتضيت السيوف يوم وغى
إلاَّ وفي الهام طلت تغمدها
وقال آخر:
يُضحي علَى المجد مأموناً إذا اشتجرت
سُمْرُ القنا وعلى الأرواح مُتَّهما
قد فُصِّلت راحتاه من حفيظتِه
فخيل من شدّة التعبيس مُبْتسما
لم يطغ قوم وإن كانوا ذوي رحمٍ
إلاَّ رأى السَّيف أدنى منهم زَحما
مشت قلوب رجالٍ في صدورهم
لما رأوك تمشي نحوهم قَدَما
أنظرتهم عزمات لو رميت بها
يوم الكريهةِ ركن الدَّهر لانهدما
إذا همُ نكِصو كانت لهم عُقُلاً
وإن همُ حَجموا كانت لهم لُجما
حتَّى انتهكت بحدِّ السَّيف أنفُسهم
جزاءَ ما انتهكوا من قبلك الحُرما
أضحكت منهم ضِباعَ الجوّ ضاحيةً
بعد العُبوسِ وأبكيت السيوف دَما
لما مخضتَ الأمانيّ الَّتي اختلفوا
عادت هموماً وكانت قبلها هِمَما
وقال آخر:
لا تَدْعُوَنْ نوحَ بن عمرو دعوةً
للخطب إلاَّ أن يكونَ جليلا
ثَبْتُ المقامِ يرى القبيلة واحداً
ويُرى فيحسبَهُ القبيلُ قبيلا
وقال آخر:
شهدتُه والمنايا غير دافعةٍ
والمجد يوجدُ والأرواح تفتقدُ
يكاد حين يُلاقي القرن من حنقٍ
قبل السنان علَى حوبائه يَرِدُ
لا يوم أكبر منه منظراً حسناً
والمشرفيَّة في هاماتهم تَخِدُ
أنهبت أرواحه الأرماح إذْ شرعت
ما أن تُردُّ لغيب الدَّهر عنه يدُ
كأنها وهي في الأوداج والغةٌ
وفي الكُلى تجدُ الغيظَ الَّذي نجدُ
من كلِّ أزرقَ نظّار بلا نظرٍ
إلى المقاتلَ ما في متنه أوَدُ
كأنه كان تِربَ الحب مذ زمنٍ
فليس يُعجزُه قلبٌ ولا كَبِدُ
إنَّ ابن يوسف نجّى الثغرَ من سنةٍ
أعوامَ يوسفَ عيشٌ عندها رغَدُ
فأفخر فما من سماءٍ للندى رُفعتْ
إلاَّ وأفعالك الحُسنى لها عَمدُ
واعذرْ حسودَك فيما قد خُصصت به
إنَّ العُلى حسنُ في مثلها الحسدُ
وقال البحتري:
ركوبُ لأثباجِ المتالفِ عالمٌ
بأنَّ المعالي دونهنَّ المهالك
مُطِلٌّ علَى الروح المنيع كأنه
لصرف المنايا في النُّفوس مُشارك
فما تترك الأيَّام من هو آخذٌ
ولا تأخذ الأيَّام من هو تارك
مَتَى يأتكَ المقدارُ لا تُدْعَ هالِكاً
ولكن زمانٌ غال مثلك هالك
وقال أيضاً:
وقد جرَّبوا بالأمس منكَ عزيمةً
فضلْتَ بها السيفَ الحُسام المُجرَّبا
غداةَ لقيتَ الميثَ والليثُ مُخْدِرٌ
يُجرِّدُ ناباً للِّقاء ومِخْلَبا
فلم أرَ ضِرغامين أصدق منكما
عِراكاً إذا الهيّابةُ النكس كذَّبا
هزبرٌ مشى يبغي هزبراً وأغلبٌ
من القوم يغشى باسلَ الوجه أغلبا
أدلّ بشغب ثمَّ هالَتْهُ صوْلةٌ
رآك لها أمضى جناباً وأشعبا
حملتَ عليه السَّيف لا عزمُك انثنى
ولا يدُك ارتدَّتْ ولا حدَّه نبا
وكنتَ مَتَى تجمع يمينك تهتك ال
ضَّريبةَ أوْ لا تُبق للسيف مضْربا
فاحْجَم لما لم يجد فيك مطمعاً
وأقدمَ لما لم يجد عنك مهْربا
فلم يغله إن كرَّ نحوكَ مُقبلاً
ولم يُنجه أن حاد عنك مُنكبّا
وقال أيضاً:
مُدبِّرُ حرب لم يبتْ عند غيره
ولم يسر في أحشائه وَهَلُ الرعبِ
يُقلقله شوق إلى القرن مُعجلٌ
لذي الطَّعَن حتَّى تستريحَ إلى الضربِ
أضاءت لنا الدُّنيا به بعد ظُلمةٍ
وأجلَتْ لنا الأيَّام عن خُلق رطبِ
وما زال عبد الله يُكسي شمائلاً
يقُمن مقام الروض في ناضر العشبِ
فتى يتعالى بالتواضع جاهداً
ويُعجب من أهل المخيلة والعُجبِ
أمنتُ به حدَّ الزَّمان ففلَّهُ
وقد يثلِمُ العضبُ المُهند في العضبِ
فلم أمل إلاَّ من مودته يدي
ولا قُلتُ إلاَّ من مواهبه حَسبي
وقال النَّابغة الذّبياني:
يصونون أجساداً قديماً نعيمُها
بخالصة الأردان خُضْرِ المناكبِ
ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدهُ
ولا يحسبونَ الشرَّ ضربةَ لازبِ
ولا عيبَ فيهم غير أنَّ سيوفهم
بهن فُلولُ من قِراع الكتائب
فهمْ يتساقَوْن المنيَّةَ بينهُمْ
بأيديهم بيضُ رقاقُ المضاربِ
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا
إلى الضرب أرقالَ الجِمالِ المصاعبِ
قال وأنشدني أحمد بن أبي طاهر قال أنشدني أبو تمام:
يمدُّون بالبيض القواطع أيْدياً
وهُنَّ سواءٌ والسّيوف القواطعُ
إذا أسروا لم يأسِر البغيُ عفوهم
ولم يُمسِ عانٍ منهمُ وهو كانعُ
إذا أطلقوا عنه جوامعَ كيده
تيقن أن المنَّ أيضاً جوامِعُ