الباب الثامن والستون ذكر من هجي بفعله وعير ببخلهأبو بكر محمد بن داود الظاهري
الباب الثامن والستون ذكر من هجي بفعله وعير ببخله
البخلاء على ضروب فبعضهم أقبح من بعض فمنهم من يبخل على غيره بما هو محتاج إليه لمصلحة نفسه، ومنهم من يبخل بما هو مستغن عنه، ومنهم من يبخل بمال غيره وقد جرى على البحتري نوع من البخل طريف.
بلغني أن بعض الكتاب عاتبه على احتشامه فاستقرض منه عشرين ديناراً فمنعه فقال في ذلك:
إن انبسطنا ردنا عن رادتنا
أوْ احتشمنا فعدلٌ موشكٌ المَضَضِ
ما ضر ملتمس الجدوى إذا لحظت
عيناه عندكم إخفاقَ مقترضِ
وحدثني أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثني سليمان بن أبي صالح بن مسلم قال: كان شريك بن عبد الله على قضاء الكوفة فخرج يتلقى الخيزران فبلغ قرية يقال لها شاهي وأبطأت الخيزران فأقام ثلاثاً ينتظرها فيبس خبزه فجعل يبلَّهُ بالماء ويأكل فقال العلاء بن المنهال الغنوي:
فما لك موضعاً في كل يومٍ
تلقّى من يحجُّ من النّساءِ
مقيمٌ في قرى شاهي ثلاثاً
بلا زادٍ سوى كِسرٍ وماءِ
قال سليمان فعزله يعني شريكاً موسى بن المهدي، فقال موسى بن عيسى لشريك: يا أبا عبد الله عزلوك عن القضاء ما رأينا قاضياً عزل قال: هم الملوك يعزلون ويخلفون.
وقال أيضاً:
في كلّ يوم وقفةٌ بفنائهِ
تخزي الشريفَ وردَّةٌ عن بابهِ
أسمع لغضبانٍ تثبت ساعة
فبَداك قبل هجائه بعتابهِ
تالله يسهرُ في مديحك ليلهُ
متململاً وتنامُ دونَ ثوابهِ
يعرض أن أباه خلع. وقال أوس بن حجر:
هَممتَ بباعٍ ثمَّ قصرت دونهُ
كما تنهض الرجزاء شُدَّ عِقالُها
وإن كثيراً أن تكلف مفرقاً
من القول أعلا سورة لا تنالها
وقال الأعشى:
أعَلقمُ قد حكَّمتني فوجدْتَني
بكم عالماً علَى الخصومةِ غائصا
كلا أبوَيكم كان فرعاً دِعامةً
ولكنهمْ زادوا وأصبحْتَ ناقصا
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم
وجاراتُكُمْ شعثاً يُبِتْنَ خمائصا
وقال الخليل بن أحمد:
كفّاك لن تُخلقا للنَّدى
ولم يكُ بخلُهما بدعَهْ
فكفُّ ثلاثة آلافِها
وتِسعمئيها لها شِرعه
وكفُّ عن الخير مقبوضةٌ
كما قبضت مائة تِسعَه
وأنشدنا أبو العباس:
فتًى لرغيفهِ شَنْفٌ وقرط
ومرسلتان من خَزَرٍ وشَذْر
ودون رغيفه لمس الثُّريَّا
وحربٌ مثل وقعة يوم بدر
وإن ذكر الرَّغيف بكى عليه
بُكا الخنساء إذْ فُجعت بصخر
وأنشدنا أيضاً:
أَرَى ضيفك في الدَّار
وكربُ الموت يغشاهُ
علَى خبزك مكتوبٌ
سيكفيكهم اللهُ
وقال دعبل:
يا تارك الدَّار على الضَّيفِ
وهارباً منها من الخوفِ
ضيفك قد جاءَ بزادٍ لهُ
فارجعْ وكن ضيفاً علَى الضَّيفِ
وقال آخر:
قد كنت أحسبُ أنَّ الخبز فاكهة
حتَّى مررت علَى أوفى بن منصور
يا حابس الرَّوث في أعفاج بغلته
خوفاً علَى الحبّ من لقطِ العصافير
وقال أبو الشمقمق:
طعامك في السَّحاب إذا التقينا
وماؤك عند منقطع التُّرابِ
وما روَّحتنا لتذبَّ عنَّا
ولكنْ خفت مَرْزئَةِ الذُّبابِ
وقال آخر:
نوالك دونه خرطُ القتاد
وخبزك كالثُّريَّا في البعادِ
ترى الإصلاح صومك لا لنسكٍ
وكسرك للرَّغيف من الفسادِ
ولو أبصرت ضيفكَ في منامٍ
لحرَّمتَ المنام إلى التنادِ
وما أهجوكَ أنَّك كفء شعري
ولكنِّي هجوتكَ للكسادِ
وبلغني أن علي بن العباس الرومي مدح ابن المدبر بأبيات فلما طال تردده في اقتضاء ثوابها دفع لحاجب إليه الأبيات وقال: يقول لك امتدح بها من شئت فاعتزل عن الباب فكتب إليه هذه الأبيات وأنفذها إليه: