كتاب الزهرة/الباب السابع والتسعون ذكر ما لا يصلح أن يعرى منه الكتاب ولا يحتمل


الباب السابع والتسعون ذكر ما لا يصلح أن يعرى منه الكتاب ولا يحتمل

الشعبي قال: أرسل مروان إلى أيمن بن خريم ألا تُعيننا على ما نحن فيه؟ قال: إن أبي وعمي شهدا بدراً وإنهما عهدا إليَّ أن لا أُقاتل أحداً شهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله، فإن أنت حبيتني ببراءة من النَّار قاتلت معك. قال: لا حاجة لنا في معونتك فخرج وهو يقول:

فلستُ بقاتلٍ رجُلَّ يصلِّي
علَى سُلطان آخرَ من قريش
لهُ سُلطانه وعليَّ إثمي
معاذ الله من سفهٍ ومن طيش

محمد بن إسحاق عن من حدَّثه قال: كان أبو عزَّة عمرو بن عبد الله الجمحي أُسر يوم بدر فقال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم: يا محمد إنَّه ذو بنات وحاجة وليس بمكة أحد يعرفني وقد عرفت حاجتي فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دمه فأعتقه وخلَّى سبيله، وعاهده أن لا يعين عليه بيد ولا لسان، فامتدح نبي الله صلى الله عليه وسلّم حين عفا عنه فقال:

ألا أبلغا عنِّي الرَّسول محمَّداً
بأنَّك حقّ والحليم رشيدُ
فإنَّ الَّذي حاربته لمحارَبٌ
وإنَّ الَّذي سالمته لسعيدُ

قال ابن المبارك ورادني غيره:

ولم أنسَ منك العفو يوم أسرتني
ولكن حتَّى ما يبين شديد

وبلغني أن راكباً من البصرة مرَّ بجرير فقال له جرير: ما وراءك؟ قال: ورائي موت الفرزدق. وكان كل واحدٍ من جرير والفرزدق قد جعل على نفسه أن يهجو صاحبه إن مات قبله فقال جرير:

مات الفرزدق بعدما جدَّعتُهُ
ليت الفرزدق كانَ عاشَ قليلا

ثمَّ قال: والله لا أزيد عليه شيئاً. فأنشأ يقول:

فُجعنا بحمال الديات ابن غالبٍ
وحامي تميمٍ عِرضَها والمُراجمِ
بكيناك حِدثان الفراقِ وإنَّما
بكيناكَ إذْ نابتْ أمور العظائمِ
فلا حمَلَتْ بعد الفرزدق حاملٌ
ولا شُدَّ أنساعُ المطيّ الرَّواسمِ

وقال أيضاً:

فلا حمَلَتْ بعد الفرزدق حُرَّةٌ
ولا ذاتُ بعلٍ من نفاس تعلَّتِ
هو الواحد المحمود والرَّاتق الَّذي
إذا النَّعلُ يوماً بالعشيرةِ زلَّتِ

ثمَّ قال: إنَّه والله ما تصاول فحلان فمات أحدهما إلاَّ كان الآخر سريع اللحاق، فما لبث جرير إلاَّ يسيراً حتَّى هلك.

وبلغني أن خالد بن عبد الله القسري عرض سجنه فعرض عليه يزيد البلخي فقال له: يزيد. قال: لبيك أيها الأمير، قال: محبوسٌ أنت. قال: نعم. قال: في أي شيء؟ قال: في تهمة. قال: تعود إلى ما اتهمت به إن أطلقتك؟ قال: لا فأطلقه، وكان عاشقاً لجارية من جواري الحيّ. فأخذوه أولياء الجارية ليلاً فقدموه إلى خالد وقالوا: سارق. فقال: أسرقت يا يزيد وبالأمس أطلقتك؟ قال: نعم أيها الأمير، وكره أن يصرح بالقصة فتفضح صاحبته وينالها أهلها ببعض ما تكره، فقال خالد لأولياء الجارية: أحضروا رجال الحيّ حتَّى تقطع يده بحضرتهم. فكتب أخو يزيد إلى خالد شعراً:

أخالدَ قد والله وطِّئتَ غَشوةً
وما العاشق المسكين فينا بسارقِ
أقرَّ بما لم يأته العبد إنَّه
رأى القطيع خيراً من فضيحة عاتقِ
ولولا الَّذي قد خفت من قطع كفِّه
لألفيت في أمرِ الهَوَى غير ناطقِ
إذا بدت الغايات في السّبق للعلى
فأنت ابن عبد الله أوَّل سابقِ

وبعث بالكتاب إلى خالد، فلما قرأ الأبيات أحضر أولياء الجارية فقال: زوّجوا يزيداً فتاتكم. قالوا: ظهر عليه ما ظهر فلا. فقال: لتزوجونه طائعين أوْ كارهين. فزوجوه ونفذ خالد المهر من عنده وجمع بينهما.
هامش