كتاب الزهرة/الباب الثامن والتسعون ذكر ما للنساء من المختار في جميع صنوف الأشعار


الباب الثامن والتسعون ذكرما للنساء من المختار في جميع صنوف الأشعار

أنشدني بعض أهل الأدب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما:

قد كنتُ ذات حميّةٍ ما عشتَ لي
أمشي البراحَ وأنتَ كنت جناحي
فاليوم أخضعُ للضعيفِ وأتقي
منه وأدفعُ ظالمي بالراحِ
وإذا دعت قمريَّة شجناً لها
ليلاً علَى فننٍ بكيت صباحي

وأنشدني أيضاً لها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها:

قد كانَ بعدَكَ أنباءٌ وهَنْبَثَةٌ
لو كنتَ شاهدَها لم تكثرِ الخُطَبُ
إنَّا فقدناكَ فقدَ الأرض وابلَها
فاحتل لقومك فأشهدهم ولا تغب
أبدى رجال لنا فحوَى صدورهم
لما حجبت وحالتْ دونك الكثبُ
تجهمتنا رجالٌ فاستخفَّ بنا
مذْ غبت عنَّا وكلّ الخير قد غصبوا
سيعلم المتولّي ظلم حامينا
يوم القيامة أنِّي كيف أنقلبُ

وقالت أسماء بنت أبي بكر في قتل ابنها عبد الله بن الزبير:

ليس لله محرمٌ بعد قومٍ
قتلوا بين زمزمٍ والمقامِ
قتلتهم جفاة عل ولحم
وصلا وحميرٍ وجذامِ

وتزوج رجل من همدان ابنة عمٍّ له، فلم يلبث أن ضرب عليه التعب إلى أذربيجان فأصاب بها خيراً، فاستعاد بها جارية وفرساً، فسمَّى الفرس الورد والجارية حبابة ثمَّ قفل، فأتاه ابن عم له فقال: ما يمنعك من القفول؟ فقال: أخشى ابنة عمي أن تحول بيني وبين هذه الجارية وقد هويتها، وأنشأ يقول:

ألا لا أُبالي اليوم ما فعلتْ هندُ
إذا بقيت عندي حبابة والورد
شديد نياط المنكبين إذا جرَى
وبيضاء مثل الرِّيم زيَّنها العقد
فهذا لأيَّام الهياج وهذه
بموضع حاجاتي إذا انصرف الجند

فبلغها الشعر فكتبت إليه:

لعمري لئن شطَّت بعثمان داره
وأضحَى غنيّاً بالحبابة والوردِ
ألا فأقره منَّا السَّلام وقلْ لهُ
غنينا بفتان غطارفة مردِ
إذا شاءَ منهم ناشئ مدَّ كفَّه
إلى كفلٍ ريَّان لو كعثب نهدِ
إذا رجع الجند الَّذي أنتَ فيهم
وزادكَ ربّ النَّاس بُعداً علَى بعدِ

فلما وصلت أبياتها إليه باع الجارية، وأقبل مسرعاً فوجدها معتكفة في مسجدها وصلاتها فقال: يا هند فعلت ما قلن. قالت: الله أجلّ في عيني وأعظم من أن أرتكب المأثم ولكنه كيف وجدت طعم الغيرة فإنك عطتني فعطتك.
هامش