كتاب الزهرة/الباب السابع والثمانون ذكر الشعر الذي يستظرف لخروجه عن حد ما يعرف


الباب السابع والثمانون ذكر الشعر الَّذي يستظرف لخروجه عن حد ما يعرف

هذا شعرٌ لا يعجم منه شيء البتَّة.

احمد إلهك واعلم ما دعاك له
وسارع الدَّهر واعمل أوْ دع العملا
المرءُ للأمل الممدود مأكله
والله مدَّ لأهل المدة الأملا
عدّ العداوة للإسلام وارم له
دار المهالك واعمد مُعمداً سهلا
واعدل لدى الحكم عدلاً لا مردَّ له
ودم دوام هُداة كلهم عدلا

ومثله:

أسلُ هماً وأحمد الله ودَعْ
كل ما أوردَ همّاً وأرح
ودع الحرص لأهل الحرص لا
عدّ للحرص ولا أهل المرح
وعدو عاد سلماً مُصلحاً
صلْ ودعْ ما كرَّ دهر أوْ رمح
واسمحْ الدَّهر واكرمْ مسلماً
حصَّل السرّ له كل المدح
طمع المرء حِمامٌ مُهلكٌ
كلما أطعمه أمرٌ ألَح
أصلح الله لك المال من ال
حالِ ما أصلحه الله صلح

ومثله:

ارعَ الوداد لأهل ودِّك كلّهم
وأودهم رأس الصلاح مُحَدّدُ
واحملْ لأهل الود كلّ مُلمَّةٍ
واعمل كما عمل الودود الأسعدُ
والله مورد ما أرادَ محلَّهُ
ملك له كرم العلا والسؤددُ
ملك هو المحمود طهَّر ملكه
كرم وحلم وهو عالٍ أوحدُ

ولبعض أهل هذا العصر:

لو سامح الدَّهر أوْ لو ساعد العمرُ
لم أرعَ عهداً سواك الدَّهر يا عُمرُ
أصدر هموماً أطال الورد موردها
لولا مواردها لم أدرِ ما السَّهرُ

وهذا شعر يعجم كله:

غشيت جفني قذًى في بيت ضيف بني
شيخٍ فشيبني تشبيبُ نبتينِ
يشفني بين ظبي ينثني غنجاً
غذى بخفض غذى تفنين شيخينِ
ظبيٌ غضيض نظيف ينثني خَنثٌ
يفتنُّ في جبتي خزٍ بخفين

ومثله:

خضبتُ شيبي بشبٍّ
في بيت بنت شبيبِ
وزينتني غضيضٌ
بثني خزٍّ قشيبِ

ومثله:

في بيت ذي نشبٍ فتنتُ بزينب
فبقيت في شغفٍ فضنتْ زينب
زينبْ بذي شنبٍ يضيء فشفّني
فجننتُ في شغفي فزينب تغضبُ

وهذا شعر تعجم صدور أبياته، ولا تعجم أعجازها:

يُبيتُني في شغفٍ شفّني
صدوده أحور حلو الكلام
تبيتُ في بثِّ شجى تبتغي
مرام وصلٍ ساهر للمرام
ضنَّت بشيئين ببينٍ شجى
وهامل سحّ كسحِّ الرّهام
بين خفيٌ قذفت زينب
أسرارها ما صاح داعٍ حمام

وهذا شعر تعجم منه كلمة ولا تعجم منه كلمة:

ظبيٌ له غنجٌ ودِلُّ شجى
مطوّح بين هموم تشيب
يبيتُ معموداً ببثٍّ له
في الصدر تشفيفٌ وهمُّ يذيب
تضيَّفتْ رحلك في مدرع
ثني ومُرط ذي احمرار قشيب
فبتُّ مسروراً بضيفٍ له
غنجٌ وملح ذي دلال خضيب

وهذا شعر يعجم منه حرف ولا يعجم منه حرف:

ريمٌ يُميسُ شويدنٌ
ليلي إذا يدنو قصيرْ
قد زانه ضعفُ أخلَّ به
فليس به نكير

ومثله:

قد فاز عندي رجلٌ قد يرى
دجاجة يا فوز مشويّه

ومثله:

يَهيمُ بقلبك شوق سَنحْ
فلجّ لشوقكِ غربٌ سَفحْ

وهذا شعر يعجم منه حرفان، ولا يعجم منه حرفان:

مرَّ زيد وغزال بي إلى شهرين مَرْ
فتعرفناه فيما يزدرينا من خطر

وهذا شعر تعجم منه ثلاثة أحرف ولا تعجم منه ثلاثة أحرف:

ما رُزينا كعبُ شيئا كان في
دار زنباع اختيار ويقف

وهذا شعر أوائل أبياته مثل قوافيه منقلبة:

رازَ بالهجران صبري
ظالماً بالهجر زار
راع قلبي فهو ساهٍ
من رداء الحب عار
راش بالهجران نبلاً
فرماني حين شار
راح باللَّوم فقُلنا
بعض هذا اللّوم حار

وهذا شعر يُقرأ من أوله إلى آخره، ومن آخره إلى أوله:

أُراهنَّ نادمْنَه ليلَ لهوٍ
وهل ليلهُنَّ مُدانٍ نهارا

ومثله:

هارون حمَّالٌ لأعبائِهِ
هيَّابُ عالٍ لامح نوره

وهذا بيت قد جمع الحروف كلها:

صف خلق خَودٍ كمثل الشَّمس إذْ بزغتْ
يحظى الضجيعُ بها نجلاء معطار

ومثله:

هلاّ سكنت بذي ضغثٍ فقد رَغموا
شخصتَ تطلبُ ظبياً راح مجتازا

ومثله:

اصبرْ علَى حفظ خضرٍ واستشر فَطِناً
وزُجَّ همّك في بغداذ مُنثملا

وهذا شعر ليس فيه حرف منفرد:

كنتُ في مجلس عيش
منعم ثمَّ مُقيم
فيه قصفٌ معجبٌ
ثم بخفض ابن حكيم

وفيما ليس منه حرف موصول لبعض أهل هذا العصر:

أزورُ زرزوراً زواراً ورد
زوراً وزرزوراً إذا سارا
أراد زاداً وأَرَى زاده
أراده داود إذا زارا
دع زورةً إن زرت زارت إذا
واردع إذا أزرت إزرارا

هذا شعر إن شئت جعلته قصيدة، وإن شئت جعلته ثلاث قصائد:

يا فتى الجود والنَّدا
يا عمادي يا ابنَ ليثِ يا ذا الجناب المريعِ
أنجزن منك موعدا
لا تكن صاحب ريثِ فداك كلّ الجميعِ
ولقد قال لي النَّدا
أنت يا ذا الجود غيث معاً لحسن الصنيعِ
اعتمد لي محمدا
حين تكدي كلّ غيث أعنيك يا ابن الربيعِ

وهذا شعر مُضمَّنٌ بعضه ببعض وإن أدرجته كان كلاماً:

يا ذا الَّذي في الحبِّ يلحى أما
والله لو حمَّلت منه كما
حملت من حب رخيم لما
لمت علَى الحب فدعني وما
أطلبُ أنِّي لست أدري لما
قُتلتُ إلاَّ أنَّني بينما
أنا ببعض القصر في بعض ما
أطلبُ في قصرهم إذْ رمى
قلبي غزال بسهام فما
أخطأ بالسهم ولكنما
عيناه سهمان له كلما
أراد قتلي بهما تسلما

وهذه أبيات تصلح أن تكون كل كلمة منها متقدمة لصواحبها، وهذا مثالها:

علَى الفضل من الجود علاماتٌ مبيناتُ

مبينات علامات من الجود علَى الفضل

من الجود علَى الفضل مبينات علامات

علامات مبينات علَى الفضل من الجود

بسعود لا بنحس خير طير ليزيد

خير طير ليزيد بسعود لا بنحس

لا بنحس خير طير ليزيد بسعود

ليزيد بسعود لا بنحس خير طير

وكتب بعض أهل هذا العصر إلى أخ له رسالة في حشو كلامها بيتين من شعر قد بينّا حروف الشعر ليسهل استخراجه: بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام عزك ونعماك وجعلني من المحذور دونك يا سيدي جُعلتُ فداك لا ترضى لأخيك بل لعبدك أن يبقى أبداً على حال قد أيست منه أولياءه وأشمتّ به أعداءه. وبعد ذا فأنا معترف بذنبي وحق مؤثر الإقرار على الإنكار، وأن لا يعاقب لذنب جناه، ولو عرفت ما تنكره لم أعذر والله ما تأمره فيّ كلما يعود عليَّ ضرره فضلاً عما يعود عليَّ نفعه، فقد برّح والله بي هجرك، وأنا لا أكون لعفوك أهلاً لكثرة جناياتي، فأضفه إلى قديم صفحك عن إساءتي هذا نالني على أنِّي والله ما أسخطك قطّ إلاَّ مبتغياً رضاك ولا أظهرت الجفاء إلاَّ وأنا ملتمسٌ منه موافقة هواك، وقد أزال إعراضك اصطباري، وأفنى تجنبك اعتذاري، فلا ضرر الآن عما كان، فقد - وعزيز حياتك - عيل والصبر، فما لفظي إلاَّ بذكرك، ولا أجزع إلاَّ من هجرك، فانظر لعبدك الصبر والجلدا، ضعف من أن يقوم بجفائك أوْ يعتاض بها وصلك. فاصفح جُعلتُ فداك عن عبدك، فإنَّه أولى بك والسلام.

وهذا شعر فيه اسم يستخرج من أوائل الأبيات:

آهٌ من البارق الَّذي لمعا
لم يدرِ ماذا بمهجتي صنعا
حكّم فيها البلى فها أنذا
مكتئبٌ ما أفارق الجزعا
مذ لاح لي في السحاب أذكرني
توريد خدٍّ من الجبا لمعا
دلَّ علَى كنهه كذي فِطنٍ
تفريقُه فانتهره مجتمعا

وقال:

فآخر الترس له أول
وثالث الدرع له آخرُ
وخامس الساعد ثانٍ له
ورابع السَّيف له دابر

وهذا بيت فيه أحد عشر صاداً:

صافِ الصديقَ وأصفه صفوَ الصَّفا
واخصص صديقك بالصداقة تخصصِ

وهذا بيت فيه إحدى عشرة حاءً:

تنحنحَ رَوْحٌ حين حاد بحاجب
وزحزح روح حاجياً فتزحزحا

وبلغني أن رجلاً أنشد الرياشي أوْ غيره:

ما للنَّوى جُدّ النَّوى قطع النَّوى
بالبين بين ميامني وشمالي

فقال: هو لعمري بيت حسن، غير أنَّه لو طرح بين يدي الشاة لأكلته، لأن فيه كَيْلجة نوى.

وهذه أبيات مرجعة:

يا بدني للفراق مُت كمداً
مُتْ كمداً للفراق يا بدني
فارقني من هويت واحزنا
واحزنا من هويت فارقني
كلمني بالشهيق من جَزَعٍ
من جزع بالشهيق كلَّمني
عانقني كالقضيب معتدلاً
معتدلاً كالقضيب عانقني
تتركني كالغريب يا سكني
يا سكني كالغريب تتركني
يحفظني الله فيك قلت له
قلت له الله فيك يحفظني

وبلغني أن محمداً بن زبيدة قال لأبي نواس: قد أكثرت عليَّ وأنا مُلق عليك شيئاً، فنفيت من هارون، لئن لم تجزه لأقتلنك وأستريح.. قال: وما هو يا أمير المؤمنين، قال: قل شعراً بلا قافية فقال:

ولقد قلت للمليحة قولي
من بعيد لمن يحبك مَهْ حكاية قبله
فأشارت بمعصم ثمَّ قالت
من بعيد خلاف قولي ماه حكاية لا
فتنفست ساعة ثمَّ إنِّي
قلت للبغل عند ذلك راه حكاية عد

وهذا شعر فيه بالزنجية: حدثني أبو الحسن محمد بن الخطاب الكلابي، عن محمد بن مزرّع البصري، قال: مررت ببطن مكة، ومعي صاحب لي، فرأيت على ركيّة ينشد شعراً بعضه أعجمي، وبعضه عربي، فقلت: يا أسود ما تقول؟ فأنشد:

ألا يا لائمي في حب ريم
أفق من بعض لومك لا اهتديتا
أتأمرني بهجري بعض نفسي
معاذ الله أفعل ما اشتهيتا
أحبُّ لحبها الثقلين طُرّاً
وبكعة والبلين ودمعَ ليتا
فكائن والبكان ودوّعينا
وشكعة والندفت وعرريتا

فقلت يا حبشي ما هذه الأسماء، قال: دِمنٌ لنا بالحبشة كنا نعتادها لنزهتنا. قال: قلت أحسبك كَلِفاً، قال: نعم، قلت: بمن، قال: بمن إن وقفت رأيته، قال: فطلعتْ سوداء على عُنقها جرَّة، فمتح لها فيها، وقال: ها هي، قال: قلت: أراك عاقلاً فما تصنع ها هنا. قال: أنا وقفت على قبر فلان وقد سمّاه، وهو يعرف بعض الملوك، أرشُّ عليه الماء، فأنا أبرّدُ من فوق، وربُّك يسخن من أسفل، أرأيت أحمق من هؤلاء يغالبون ربهم.

وهذا شعر فيه بالفارسية:

وقائل قال لي فأفحمني
يا هائم القلب ما ترى رشدك
قلبك هذا كم أنت تاركه
عند الَّذي ليس قلبه عَتَدك
يا كور شنيئم وكور دل وشوح
روي بُنا اندكا تدك

وهذا شعر فيه بالرومية وهو لأبي نواس:

حبَّذا قولها وقد لحظتني
من وراء السرير بو سانيس
قلت ما قول أيِّ شيئ
ين والأعز شك فإنَّني قاقوسي
فإذا ما فعلت ذاك فعندي
لقطينا نعم ومليار يس




هامش