مجلة البيان للبرقوقي/العدد 47/عظمة المرأة الشرقية

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 47/عظمة المرأة الشرقية

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1919



ومركزها في الإسلام

لمناسبة مظاهرة السيدات المصريات في هذا الشهر

فالمرأة المصرية المسلمة التي كان الناس في بلاد الفرنجة يقرفونها بالجهل ويرمونها بعيشة الحريم وحياة العزلة الصامتة ويضعون التواليف العديدة عن ظلم الرجال لها، وقبرها في خدرها، ولحدها في بيتها، وينشئون الأبحاث المتعددة المترادفة عن المركز الحقير الذي وهموا أن الدين الشرقي العظيم قد أحلها فيه ووضعها عنده، قد نهضت اليوم فما تركت للمرأة الغربية من ناحية الروح الاجتماعية شيئاً تنفج عليها فيه وتعتز به عليها، وتنظر منه ساخرة إليها، وكان من هذا الحادث التاريخي الجليل من ناحية المرأة المسلمة ما يقنع أولئك الذين اتهموا الإسلام بما هو منه بريء ويرد مطاعنهم ويدمغ حججهم في تأخر المرأة الشرقية، على أننا لا نرى من هذه المظاهرات التي أسهمت فيها النساء المصريات أمراً خارقاً للعادة وشيئاً غريباً عن تعاليم هذا الدين الإسلامي العظيم فقد جعل للمرأة مكاناً لم تكن للمرأة الغربية التي يزهى الفرنجة بها اليوم علينا، وكانت المرأة في الإسلام تشرف على جميع الشؤون الاجتماعية والأدبية والأهلية وكانت النصف المتمم للأمة، ومن هذه الوجهة لا نجد خيراً في بسط آراء رجل من كبار فلاسفة الغرب وعلمائها الاجتماعيين الطائري الذكر وهو العلامة جوستاف لوبون في مكانة المرأة في الإسلام ليكون تأييداً لهذه الحركة الجميلة الرائعة.

وهذا هو البحث الذي آثرنا أن نستشهد به في قضيتنا الحاضرة.

لقد كان للإسلام أثر يذكر في تغيير حال نساء الشرق وتقدمهن، والعمل على رقيهن، فهو لم يخفض من شأنهن، كما يقرفه عن جهالة أولئك الناس الذين لم يهدهم الله فضل البصر وبعد النظر، بل رفع من مكانتهن كثيراً، وسما بهن سمواً كبيراً، ونشلهن من وهدتهن الاجتماعية، بل أن القرآن نص عليهن نصوصاً هي خير كثيراً من السواد الأعظم من شرائعنا الغربية، ولقد كانت المرأة قبل عهد النبي محمد تعد من المخلوقات الوسطى بين الحيوان والإنسان لا تصلح لشيء إلا أن تلد أطفالاً وأن تكون خادماً لسيدها وبعلها، وكان مولد البنات يعد كارثة وزرءاً عظيماً، وكان الآباء يئدوهن، ويدسوهن في التراب أحياء تجري فيهن الحياة والروح، ولم يكن هناك قانون يمنع الناس من هذا الأذى والجرم العظيم، كما لا يمنع الإنسان من رمي الكلاب الصغيرة في اللج والماء، وإذا نحن أردنا الآن أن نبحث في التأثير الذي مهد له الإسلام في اعتبار المرأة فعلينا أن نبحث في المكان الذي بلغت إليه المرأة المسلمة إبان حضارة العرب وفي العهد الذي تقدمت فيه مدنية الإسلام، وقد أثبت المؤرخون أن النساء كن يشغلن في الحياة مكاناً لم تبلغ إليه نساء أوروبا العظيمة إلا بعد قرون عديدة، لما انتشرت مبادئ العرب وفروسيتهم وأخلاقهم العظيمة في معاملة النساء عن طريق إسبانيا والأندلس يوم فتحها العرب وبثوا حضارتهم في المشرق والمغرب، فإن سكان أوروبا إنما استفادوا من العرب مبادئ النجدة وأخلاق الفروسية والاحترام العظيم للنساء الذي سنته تلك المبادئ ونصت عليه أخلاق الفرسان وتعاليم الشهامة والنجدة فالإسلام لا المسيحية كما وهم الناس عامة، هو الدين الوحيد الذي رفع المرأة من وهدتها الماضية فبلغ بها إلى المكان الجليل الذي تنعم به اليوم في العالم، فإن سادات أهل القرون الوسطى - وكانوا بالمسيحية مستمسكين - لم يروا للمرأة نصيباً من احترام ولم يعترفوا لها بمكان ولو أنن ألقينا البصر على تواريخنا القديمة لزال كل شك في حقيقة هذا الأمر فقبل أن يتمكن العرب من تعليم المسيحيين معاملة النساء بالحسنى وتلقينهم مبادئ الرفق والإحسان إليهن، والعمل على احترامهن كان الفرسان الغلاظ الأكباد في عهود الإقطاعيات في بلاد الغرب يسيئون إلى النساء أكبر إساءة ويعاملونهن أغلط المعاملة. وقد أظهر لنا التاريخ كيف كان مكان النساء وكيف كان الرجال يعاملونهن في عهد شارلمان، بل وكيف كان شارلمان العظيم نفسه ينظر إليهن إذ ذكر المؤرخ جاران دي لوهران أن شارلمان - ذلك الملك الكبير - في محاورة وقعت بينه وبين أخته نهض متوثباً عليها فأمسك بها من جدائل شعرها وجعل يضربها ضرباً مبرحاً حتى كسر لها ثلاث أسنان بقفازاته الحديدية التي كان يغطي بها يده ولا ننكر أنه تلقى منها الدفاع عن نفسها عدة لكمات طيبة، فإذا كان الملك شارلمان العظيم في عهد غير بعيد من تاريخ الدنيا قد أتى هذا الأمر الإد المنكر الدنيء، فإن الحوذي العصري وسائق المركبة في هذا الزمن يأنف من ذلك ويروح أكثر رفقاً بامرأته وأخواته منه.

وخلف بعد العرب خلف أضاعوا تلك الحضارة المشرقة الجليلة وضعف بذلك مكان المرأة، ولكن على الرغم من كل ذلك لا تزال حال المرأة المسلمة خيراً من حال أختها في بلاد الغرب وأقل أذى وضيراًـ، وأقرب إلى الصلاح والتقوى منها، على أنه وإن كان نصيب المرأة في الرقي قد ضعف ووهن كما بسطت لك من قبل، فلم يكن هذا من أثر القرآن أو عن رضا من الإسلام بل كان على كره منه ولم يكن للإسلام في إحداثه يد أو عامل من العوامل.

وخلاصة ما نقول أن الإسلام هو الدين الذي رفع من قدر المرة، بل هو الدين الأوحد الذي سما بها دون جميع الأديان.